إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

جملة اعتراضية: نحن من يحدد موقعنا..

 

هناك مثل تونسي متداول ومعبر جدا يقول إن الانسان يحدد بنفسه موقعه (وين تحط نفسك تصيبها).  هذا المثل عميق جدا وربما أكثر مما نتصور وهو،  ان تمعّنا فيه جيدا، نكتشف انه  يتخزل كل شيء.  ففيه جانب تحفيزي وهو يضع الانسان امام مسؤوليته وهو يحذر أيضا من الاستهانة بالنفس.

وكثيرا ما تثبت صحة هذا المثل في الواقع.  فنحن في النهاية من يحدد موقعنا ونحن  نقرر إن كنا سنكون في الأعلى أم في الأسفل.  وإذا ما لاحظنا مستوى التظاهرات الثقافية  وخاصة التظاهرات الكبرى على غرار  مهرجان قرطاج الدولي وايام قرطاج السينمائية ونظيرتها المسرحية واغلبية مهرجانات البلاد التي تشهد تراجعا كبيرا كما هو واضح من حيث المضمون ومن حيث التنظيم، ننتهي  إلى ان ذلك  نابع   من اختيارات اتخذناها  بإرادتنا. فعندما نستمع إلى مدير مهرجان قرطاج الدولي يركز على مسألة مداخيل العروض بقطع النظر عن قيمتها الفنية وعندما ننصت له وهو يبرر غياب نوعية من العروض الفنية التي يمكنها ان تحقق شيئا من التوازن في البرمجة بين الثقافي والترفيهي، يبرره بالتكلفة المالية ( كلفة النقل الدولي  لعروض البالي والاوبيرا مثلا)، في حين كان من الممكن وبمجهود بسيط إيجاد حلول واقعية للمشكل،  نفهم أننا راهنا على مهرجانات تجارية بحتة وأن الدولة  التي تشرف بشكل مباشر على مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين، لديها نفس الاعتبارات التي يعتمد عليها أصحاب شركات تنظيم الحفلات ونفس اعتبارات الوسطاء ( الامبريزاريو) الذي يهمهم الربح المالي والنجاح التجاري قبل كل شيء.

 والحقيقة عندما نلاحظ ما تم تقديمه من برمجة في الدورة المنقضية لمهرجان قرطاج الدولي ( الدورة 57) تتوضح نوعية الاختيارات اكثر ونفهم أن توجهاتنا في مجال البرمجة الثقافية تميل الى ترجيح كفة الترفيه وذلك على حساب العروض الثقافية التي  تساعد على تطوير الذائقة الفنية، وعلى تحسين الملكة النقدية.  وما هو واضح هو  أننا اليوم لا نريد من مهرجان في حجم مهرجان قرطاج الدولي اكثر مما يقدمه  من عروض ايقاعية تطبخ بشكل سريع وتقدم  على عجل لجماهير متعطشة للرقص، إلى درجة أننا اصبحنا نتساءل ما جدوى استقدام أسماء بالعملة الصعبة في حين انه من الممكن تنظيم حفلات "دي دجي" صاخبة ويمكنها ان تقدم الخدمة المطلوبة بأقل تكاليف؟  

واذا ما عدنا إلى مثلنا العامي البليغ الذي يقول إن الانسان يختار بنفسه موقعه، فإننا نكتفي بالإشارة إلى أن مهرجان مراكش  السينمائي الدولي الذي نشأ سنوات طويلة  بعد مهرجان أيام قرطاج  السينمائية (تأسس مهرجان مراكش في 2001) يستضيف هذا العام المخرج الأمريكي  مارتن سكورسيزي ليشرف على ورشات تكوينية اطلق عليها المهرجان اسم "ورشات الاطلس" .

ومارتن سكورسيزي الذي ستتاح للسينمائيين الشبان من المغرب وضيوفها التعرف عليه عن قرب والاستفادة من تجربته هو احد اهم المخرجين في العالم وتعتبر اغلب أفلامه بداية بـ"تاكسي درايفر" مرورا بـ"عصابات نيويورك"  وصولا إلى "ذي ايرش مان" ( افتتح هذا الفيلم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورة 2019) ووجوده في مهرجان مراكش  الذي ينتظم في موفى نوفمبر  إضافة حقيقية وهو قيمة مضافة فعلا في أي تظاهرة.

ويدخل سعي منظمي مهرجان مراكش السينمائي وغيره من المهرجانات العربية التي تجتهد كثيرا من اجل تقديم محتوى جيدا في اطار السعي إلى التموقع الصحيح في الساحة الثقافية العالمية. وهي تسعى من وراء ذلك إلى الارتقاء بالجمهور إلى مرتبة اعلى بهدف تحريره من البوتقة التي  عادة ما توضع فيها الجماهير العربية التي يراد لها أن تظل دائما في مرتبة الدون على أساس أنها اقل قيمة من الجماهير الأخرى.

لا نعتقد أننا نحتاج إلى ادلة اكثر لنبين أننا نحن من يحدد موقعنا، نحن نقوم بذلك بإرادتنا. وكل الاعتبارات الأخرى بما في ذلك الإمكانيات المادية  موجودة، ولكنها ليست حاسمة.

 حياة السايب

جملة اعتراضية:   نحن من يحدد موقعنا..

 

هناك مثل تونسي متداول ومعبر جدا يقول إن الانسان يحدد بنفسه موقعه (وين تحط نفسك تصيبها).  هذا المثل عميق جدا وربما أكثر مما نتصور وهو،  ان تمعّنا فيه جيدا، نكتشف انه  يتخزل كل شيء.  ففيه جانب تحفيزي وهو يضع الانسان امام مسؤوليته وهو يحذر أيضا من الاستهانة بالنفس.

وكثيرا ما تثبت صحة هذا المثل في الواقع.  فنحن في النهاية من يحدد موقعنا ونحن  نقرر إن كنا سنكون في الأعلى أم في الأسفل.  وإذا ما لاحظنا مستوى التظاهرات الثقافية  وخاصة التظاهرات الكبرى على غرار  مهرجان قرطاج الدولي وايام قرطاج السينمائية ونظيرتها المسرحية واغلبية مهرجانات البلاد التي تشهد تراجعا كبيرا كما هو واضح من حيث المضمون ومن حيث التنظيم، ننتهي  إلى ان ذلك  نابع   من اختيارات اتخذناها  بإرادتنا. فعندما نستمع إلى مدير مهرجان قرطاج الدولي يركز على مسألة مداخيل العروض بقطع النظر عن قيمتها الفنية وعندما ننصت له وهو يبرر غياب نوعية من العروض الفنية التي يمكنها ان تحقق شيئا من التوازن في البرمجة بين الثقافي والترفيهي، يبرره بالتكلفة المالية ( كلفة النقل الدولي  لعروض البالي والاوبيرا مثلا)، في حين كان من الممكن وبمجهود بسيط إيجاد حلول واقعية للمشكل،  نفهم أننا راهنا على مهرجانات تجارية بحتة وأن الدولة  التي تشرف بشكل مباشر على مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين، لديها نفس الاعتبارات التي يعتمد عليها أصحاب شركات تنظيم الحفلات ونفس اعتبارات الوسطاء ( الامبريزاريو) الذي يهمهم الربح المالي والنجاح التجاري قبل كل شيء.

 والحقيقة عندما نلاحظ ما تم تقديمه من برمجة في الدورة المنقضية لمهرجان قرطاج الدولي ( الدورة 57) تتوضح نوعية الاختيارات اكثر ونفهم أن توجهاتنا في مجال البرمجة الثقافية تميل الى ترجيح كفة الترفيه وذلك على حساب العروض الثقافية التي  تساعد على تطوير الذائقة الفنية، وعلى تحسين الملكة النقدية.  وما هو واضح هو  أننا اليوم لا نريد من مهرجان في حجم مهرجان قرطاج الدولي اكثر مما يقدمه  من عروض ايقاعية تطبخ بشكل سريع وتقدم  على عجل لجماهير متعطشة للرقص، إلى درجة أننا اصبحنا نتساءل ما جدوى استقدام أسماء بالعملة الصعبة في حين انه من الممكن تنظيم حفلات "دي دجي" صاخبة ويمكنها ان تقدم الخدمة المطلوبة بأقل تكاليف؟  

واذا ما عدنا إلى مثلنا العامي البليغ الذي يقول إن الانسان يختار بنفسه موقعه، فإننا نكتفي بالإشارة إلى أن مهرجان مراكش  السينمائي الدولي الذي نشأ سنوات طويلة  بعد مهرجان أيام قرطاج  السينمائية (تأسس مهرجان مراكش في 2001) يستضيف هذا العام المخرج الأمريكي  مارتن سكورسيزي ليشرف على ورشات تكوينية اطلق عليها المهرجان اسم "ورشات الاطلس" .

ومارتن سكورسيزي الذي ستتاح للسينمائيين الشبان من المغرب وضيوفها التعرف عليه عن قرب والاستفادة من تجربته هو احد اهم المخرجين في العالم وتعتبر اغلب أفلامه بداية بـ"تاكسي درايفر" مرورا بـ"عصابات نيويورك"  وصولا إلى "ذي ايرش مان" ( افتتح هذا الفيلم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورة 2019) ووجوده في مهرجان مراكش  الذي ينتظم في موفى نوفمبر  إضافة حقيقية وهو قيمة مضافة فعلا في أي تظاهرة.

ويدخل سعي منظمي مهرجان مراكش السينمائي وغيره من المهرجانات العربية التي تجتهد كثيرا من اجل تقديم محتوى جيدا في اطار السعي إلى التموقع الصحيح في الساحة الثقافية العالمية. وهي تسعى من وراء ذلك إلى الارتقاء بالجمهور إلى مرتبة اعلى بهدف تحريره من البوتقة التي  عادة ما توضع فيها الجماهير العربية التي يراد لها أن تظل دائما في مرتبة الدون على أساس أنها اقل قيمة من الجماهير الأخرى.

لا نعتقد أننا نحتاج إلى ادلة اكثر لنبين أننا نحن من يحدد موقعنا، نحن نقوم بذلك بإرادتنا. وكل الاعتبارات الأخرى بما في ذلك الإمكانيات المادية  موجودة، ولكنها ليست حاسمة.

 حياة السايب

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews