إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

النيجر: نهاية هوس استعماري (2/2)

 

 

خليفة السويح

 باحث في تاريخ إفريقيا المعاصر والبعثات الأممية بالكنغو

صدر له بفرنسا كتاب السياسة الفرنسية في إفريقيا عقاب غينيا

صراعات معقدة أم إرهاب

يعتبر الاسلام الذي انتشر فيها منذ القرن 5 هجري بفضل المرابطين ثم بفضل الفولاني اهم مكون للشخصية النيجرية. تدعم نفوذ الاسلام في القرن 15 بفضل الفولاني وخاصة  في عهد عثمان دان فوديو الذي ولد سنة 1754 بماراتا بنيجرمن قبيلة الفولاني Peul. قاد عثمان حركة جهادية سيطر فيها على قبائل الهاوسا شمال نيجيريا وأسس مملكة سوكوتو التي تضم 30 إمارة في غرب إفريقيا.  أدت الحدود المصطنعة وغير المنطقية إلى حدوث صراعات ونزاعات حول تقاسم الثروات الطبيعية والماء والأرض والآبار . تفاقمت الصراعات بين المجموعات الحضرية والرحل وبين الرعاة والفلاحين وبين الطوارق والعرب والفولاني والهاوسا خاصة بعد ان فشلت النخب السياسية في صهر هذه المجموعات في مشروع وطني جاد وفي توزيع عادل للتنمية والثروات. أدى فشل الدولة الوطنية وانحسار دورها في تبادل فرص الثراء والرشاوي والعمولات لطبقتها السياسية من الأعيان والقادة التقليديين والوجهاء والمقربين من فرنسا. ان بروز الارهاب هو نتيجة حتمية لفشل الدول الذريع في تحقيق ابسط شروط التنمية و الحد من الفقر. إن الأفاعي التي ذكرها الرئيس السبق محمد يوسفو في أكتوبر 2017 اثر تأبينه لمقتل  5 جنود نيجيريين و4 جنود أمريكيين هم أبناء البلد الذين احتضنهم الإرهاب عوضا الغرق في المتوسط. ان اليقين بان الدولة لا تحميهم و تناستهم دفع بالرعاة ومربي المواشي  والمهربين والفلاحين وقبائل الفولاني والطوارق إلى الانضمام إلى الإرهابيين. إن ظاهرة الإرهاب معقدة في الساحل الإفريقي يمتزج فيها الجهاد بزفرات ضحايا الفشل التنموي وبسرقة المواشي وصراع حول الماء والأرض ونشاط مرتزقة وإفراد عصابات و دفاق تهريب وطموح جامح لقادة صحراويين ومليشيات دفاع ذاتي متكونة من الفولاني والسونغاي و زاعات عقارية و تاريخية بين إطراف أثنية.

حرق الحطب بالحطب

 برزت في النيجر حركات انفصالية في صفوف الطوارق تم قمعها من الجيش سنة 1990 اهمها الان حركة الازواد. يعتبر الطوارق إن الدول التي يتوزعون فيها تناستهم  وهم يمثلون احد أهم ندبات القلاقل في نيجر ومالي وبوركينا. تدير فرنسا ( التي استبطن واكتوى الطوارق سطوة و قمع جيشها) بحنكة لعبة الدعم والجذب والدعم تارة والإغراء والرشوة والتوظيف والاستقطاب لزعماء الطوارق من وجهاء ومهربين وطموحين ورجال سياسة تحمي بها طورا شركاتها وخاصة التي تستثمر في الاورانيوم وطورا تستعين بخدمات بعض الأمراء الطوارق الموالين لها لإثارةاضطرابات او بث قلاقل  او حروب بالوكالة تستفيد منها لزعزعة الدول وجعلها رهينة التواجد العسكري الفرنسي. وهكذا عوض التدخل العسكري المباشر عن طريق الفيلق الاجنبي او وحدات خاصة فرنسية فان حرب الاستنزاف والإنهاك تقوم بها المجموعات الانفصالية في إطار نظرية حرق الحطب بالحطب.

انعدام الثقة في فرنسا

التعنت والتشبث بممارسات أبوية كولونيالية وفق وصاية فرنسية الذي خضعت إليه الأجيال السابقة لفظته الأجيال الشابة الإفريقية .صارت الفكرة السائدة في غرب إفريقيا إن فرنسا والاليزيه هو من يزكي و يختار و يقرر من يحكم بلدانهم . لا تدخر النخبة السياسية في دعم هذه القناعة بإظهار ولائها التام لمصالح فرنسا وتشبثها بالعملة الاستعمارية الفرنك الفرنسي وفي اعتمادها طرق الثراء غير المشروع و ي قمع المعارضة لفرنسا أو استقطاب رمزها بالجاه ورشوتهم بالمال. قام محمد بازوم الرئيس الحالي باستقبال الجيش الفرنسي الذي طرد من مالي وبوركينا ووقع مع فرنسا خمسة معاهدات عسكرية سرية لم يطلع على بنودها البرلمان أو الشعب في نيجر.  تكافئ فرنسا حلفائها بالتغاضى عن تزوير الانتخابات مثلما حدث اثر انتخاب محمد بازوم في افريل 2021 بعد ان تلاعب حزبه بالعملية الانتخابية و هكذا انعدمت الثقة بين الشعب و بين الطبقة السياسية برمتها وبقيت الجيوش هي المؤسسة الوحيدة التي تحظى باحترام وتقدير الشعوب.

لا تحظى فرنسا بثقة الشعب النيجري أو بقية بلدان الساحل حيث يتم اتهام الجيش الفرنسي بدعم وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية بل إن أوساطا شبابية تعتبر إن فرنسا تدعم الحركات الانفصالية لازواد الطوارق من اجل خلق حالة من انعدام الأمن وتفتيت دولهم . يذكر بعض الملاحطين إن عملية بارخان العسكرية الفرنسية قامت ب31 عملية عسكرية منذ 2014  لم تحم فيها قرية او تلاحق إرهابيين في حين تحلق الطائرات  الفرنسية بكثافة في الصحراء والفيافي والجبال الوعرة  لإنقاذ رهائن فرنسيين . للمفارقة تقوم الطائرات الفرنسية بإلقاء منشورات تذكر الأهالي بالساحل الإفريقي تذكرهم بان "فرنسا تراكم حتى وانتم تختبئون في جحوركم".

وحسب بعض المصادر يذكر بعض الأهالي أنهم لاحظوا  بان طائرات درون  فرنسية تصدر ضجيجا غير عادي  يصيبهم بالذعر ويدفعهم إلى الاختباء لان ذلك يعني بداية هجوم إرهابي في قراهم ويرجح الأهالي  حسب بعض الملاحظين إن الدرون الفرنسية ربما تقوم  بجمع معلومات للإرهابيين . ان المزاج العام في الساحل الإفريقي يطغى عليه انعدام الثقة في الطبقة الحاكمة الفاشلة والسياسة الفرنسية الاستعمارية التي اثبت عنهجيتها خاصة أنها عرقلت تحرر إفريقيا وتصنيعها في الستينات وضيعت عليها ربيع الحريات في التسعينات وتعيق انخراطها في العولمة في بداية القرن الواحد والعشرين وكما ذكر الفيلسوف الكاميروني أشيل مبامبي فان ما يحدث اليوم في الساحل الإفريقي هو نهاية العقد الاستعماري الفرنسي.

النيجر: نهاية هوس استعماري (2/2)

 

 

خليفة السويح

 باحث في تاريخ إفريقيا المعاصر والبعثات الأممية بالكنغو

صدر له بفرنسا كتاب السياسة الفرنسية في إفريقيا عقاب غينيا

صراعات معقدة أم إرهاب

يعتبر الاسلام الذي انتشر فيها منذ القرن 5 هجري بفضل المرابطين ثم بفضل الفولاني اهم مكون للشخصية النيجرية. تدعم نفوذ الاسلام في القرن 15 بفضل الفولاني وخاصة  في عهد عثمان دان فوديو الذي ولد سنة 1754 بماراتا بنيجرمن قبيلة الفولاني Peul. قاد عثمان حركة جهادية سيطر فيها على قبائل الهاوسا شمال نيجيريا وأسس مملكة سوكوتو التي تضم 30 إمارة في غرب إفريقيا.  أدت الحدود المصطنعة وغير المنطقية إلى حدوث صراعات ونزاعات حول تقاسم الثروات الطبيعية والماء والأرض والآبار . تفاقمت الصراعات بين المجموعات الحضرية والرحل وبين الرعاة والفلاحين وبين الطوارق والعرب والفولاني والهاوسا خاصة بعد ان فشلت النخب السياسية في صهر هذه المجموعات في مشروع وطني جاد وفي توزيع عادل للتنمية والثروات. أدى فشل الدولة الوطنية وانحسار دورها في تبادل فرص الثراء والرشاوي والعمولات لطبقتها السياسية من الأعيان والقادة التقليديين والوجهاء والمقربين من فرنسا. ان بروز الارهاب هو نتيجة حتمية لفشل الدول الذريع في تحقيق ابسط شروط التنمية و الحد من الفقر. إن الأفاعي التي ذكرها الرئيس السبق محمد يوسفو في أكتوبر 2017 اثر تأبينه لمقتل  5 جنود نيجيريين و4 جنود أمريكيين هم أبناء البلد الذين احتضنهم الإرهاب عوضا الغرق في المتوسط. ان اليقين بان الدولة لا تحميهم و تناستهم دفع بالرعاة ومربي المواشي  والمهربين والفلاحين وقبائل الفولاني والطوارق إلى الانضمام إلى الإرهابيين. إن ظاهرة الإرهاب معقدة في الساحل الإفريقي يمتزج فيها الجهاد بزفرات ضحايا الفشل التنموي وبسرقة المواشي وصراع حول الماء والأرض ونشاط مرتزقة وإفراد عصابات و دفاق تهريب وطموح جامح لقادة صحراويين ومليشيات دفاع ذاتي متكونة من الفولاني والسونغاي و زاعات عقارية و تاريخية بين إطراف أثنية.

حرق الحطب بالحطب

 برزت في النيجر حركات انفصالية في صفوف الطوارق تم قمعها من الجيش سنة 1990 اهمها الان حركة الازواد. يعتبر الطوارق إن الدول التي يتوزعون فيها تناستهم  وهم يمثلون احد أهم ندبات القلاقل في نيجر ومالي وبوركينا. تدير فرنسا ( التي استبطن واكتوى الطوارق سطوة و قمع جيشها) بحنكة لعبة الدعم والجذب والدعم تارة والإغراء والرشوة والتوظيف والاستقطاب لزعماء الطوارق من وجهاء ومهربين وطموحين ورجال سياسة تحمي بها طورا شركاتها وخاصة التي تستثمر في الاورانيوم وطورا تستعين بخدمات بعض الأمراء الطوارق الموالين لها لإثارةاضطرابات او بث قلاقل  او حروب بالوكالة تستفيد منها لزعزعة الدول وجعلها رهينة التواجد العسكري الفرنسي. وهكذا عوض التدخل العسكري المباشر عن طريق الفيلق الاجنبي او وحدات خاصة فرنسية فان حرب الاستنزاف والإنهاك تقوم بها المجموعات الانفصالية في إطار نظرية حرق الحطب بالحطب.

انعدام الثقة في فرنسا

التعنت والتشبث بممارسات أبوية كولونيالية وفق وصاية فرنسية الذي خضعت إليه الأجيال السابقة لفظته الأجيال الشابة الإفريقية .صارت الفكرة السائدة في غرب إفريقيا إن فرنسا والاليزيه هو من يزكي و يختار و يقرر من يحكم بلدانهم . لا تدخر النخبة السياسية في دعم هذه القناعة بإظهار ولائها التام لمصالح فرنسا وتشبثها بالعملة الاستعمارية الفرنك الفرنسي وفي اعتمادها طرق الثراء غير المشروع و ي قمع المعارضة لفرنسا أو استقطاب رمزها بالجاه ورشوتهم بالمال. قام محمد بازوم الرئيس الحالي باستقبال الجيش الفرنسي الذي طرد من مالي وبوركينا ووقع مع فرنسا خمسة معاهدات عسكرية سرية لم يطلع على بنودها البرلمان أو الشعب في نيجر.  تكافئ فرنسا حلفائها بالتغاضى عن تزوير الانتخابات مثلما حدث اثر انتخاب محمد بازوم في افريل 2021 بعد ان تلاعب حزبه بالعملية الانتخابية و هكذا انعدمت الثقة بين الشعب و بين الطبقة السياسية برمتها وبقيت الجيوش هي المؤسسة الوحيدة التي تحظى باحترام وتقدير الشعوب.

لا تحظى فرنسا بثقة الشعب النيجري أو بقية بلدان الساحل حيث يتم اتهام الجيش الفرنسي بدعم وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية بل إن أوساطا شبابية تعتبر إن فرنسا تدعم الحركات الانفصالية لازواد الطوارق من اجل خلق حالة من انعدام الأمن وتفتيت دولهم . يذكر بعض الملاحطين إن عملية بارخان العسكرية الفرنسية قامت ب31 عملية عسكرية منذ 2014  لم تحم فيها قرية او تلاحق إرهابيين في حين تحلق الطائرات  الفرنسية بكثافة في الصحراء والفيافي والجبال الوعرة  لإنقاذ رهائن فرنسيين . للمفارقة تقوم الطائرات الفرنسية بإلقاء منشورات تذكر الأهالي بالساحل الإفريقي تذكرهم بان "فرنسا تراكم حتى وانتم تختبئون في جحوركم".

وحسب بعض المصادر يذكر بعض الأهالي أنهم لاحظوا  بان طائرات درون  فرنسية تصدر ضجيجا غير عادي  يصيبهم بالذعر ويدفعهم إلى الاختباء لان ذلك يعني بداية هجوم إرهابي في قراهم ويرجح الأهالي  حسب بعض الملاحظين إن الدرون الفرنسية ربما تقوم  بجمع معلومات للإرهابيين . ان المزاج العام في الساحل الإفريقي يطغى عليه انعدام الثقة في الطبقة الحاكمة الفاشلة والسياسة الفرنسية الاستعمارية التي اثبت عنهجيتها خاصة أنها عرقلت تحرر إفريقيا وتصنيعها في الستينات وضيعت عليها ربيع الحريات في التسعينات وتعيق انخراطها في العولمة في بداية القرن الواحد والعشرين وكما ذكر الفيلسوف الكاميروني أشيل مبامبي فان ما يحدث اليوم في الساحل الإفريقي هو نهاية العقد الاستعماري الفرنسي.