إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

موعد خامس دعا إليه الطبوبي.. حوار وطني يحتمه الواقع الاجتماعي لا يمكن إنجاحه في غياب الرئيس

 

تونس الصباح

دعا أول أمس من جديد، أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي إلى حوار وطني، في إطار تحييد الرئيس أو ربما في سياق تقني حيث وجه الدعوة لرئيس الحكومة هذه المرة. واعتبر انه في ظل ما تعيشه البلاد من أزمة اجتماعية شملت اغلب القطاعات الحيوية وتدهور غير مسبوق للحالة المعيشية للتونسيين، لا بد من انطلاقه في القريب.

حوار إن انطلق سيكون ترتيبه الخامس من نوعية الذي تعرفه البلاد منذ ثورة 17ديسمبر/14جانفي 2011، وكانت الحوارات على اختلافاتها بمثابة محطات عبور سياسية، تنتقل بها البلاد من فترة حكم إلى أخرى، سواء يتغير معها الفاعلون السياسيون أو يشمل التحوير كل المسار السياسي..، فقد كانت مواعيد فاصلة للبلاد وللتونسيين.

وأفاد عادل اللطيفي الكاتب والباحث الأكاديمي وأستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر، في لقائه بـ"الصباح" أن الحوار، هو من الأمور التي طرحت بقوة بعد الثورة وبعد التجارب الأولى للحكم وخاصة منها سنوات 2012 و2013، وكان لها مواعيد أخرى في مراحل لاحقة.

ومن أجل فهم الحوار لابد من الخروج من الحوار التونسي- التونسي، ونطرح سؤال لماذا الحوارات السياسية تفرض نفسها في فترات الأزمات، ليس فقط في تونس بل في مختلف الدول. وذلك في مرحلة أولى من اجل الإشارة إلى أن الدول الحديثة وبمعنى الدولة الوطنية التي بدأت تتشكل نهاية القرن الـ19 كان لتونس على خلاف عدد من الدول العربية عراقة في هذا النوع. ومن بين مميزات الدولة الوطني أنها تحل الإشكاليات السياسية عبر وسائل سلمية بما فيها الحوار. وينبني هذا الحوار على اعتراف الطرف الحاكم بوجود قوى أخرى وطنية يمكن أن تكون أحزابا ومنظمات وطنية وشخصيات..، ويمكن أن نطلق عليه تسمية حوار سياسي أو حوار اجتماعي أو حوار وطني. ونرى اليوم في عديد الدول رغم أن الرئيس يكون منتخبا غير أنه خلال فترة الأزمات أو عند تقديمه لأحد مشاريع القوانين التي يرى، من المهم أن يشكل حوله إجماع بتوجه الدعوى حتى لأحزاب المعارضة. وبالتالي فمسالة فتح حوار هو أمر مهم جدا وشكل من أشكال التصرف السياسي الراقي والحديث في مسائل الشأن العام والمسائل السياسية بصفة عامة والحوار لا يشمل المفاوضات ثنائية أو الحسابات الضيقة.

وأضاف قائلا:"بالنسبة لتونس وكما سبق وأشرت نحن من بين الدول العربية القليلة التي لدينا تقاليد في الحوارات الوطنية، فالمجتمع المدني قديم في تونس يعود إلى 1882 مع الجمعية الخلدونية ونعتبر من اعرق الدول في الحركة النقابية. وفعليا انطلقنا في الحوار الاجتماعي منذ تشكل الحركة النقابية ودار بين الحزب الحر الدستوري وبين النخب، وتدعم أكثر الحوار بعد الاستقلال وخاصة منه الحوار الاجتماعي في سنوات السبعينات مع الهادي نويرة الذي أطلق الحوار الاجتماعي مع الاتحاد العام التونسي للشغل.. ".

وشدد عادل اللطيفي على أن تقاليد الحوار موجودة في تونس وهو مكسب تم الالتجاء إليه واستغلاله بعد الثورة، بعد ما عاشته البلاد من أزمة سياسية خانقة نهاية 2013 وبعد الاغتيالات السياسية التي عرفها التونسيون، أين التجأنا إلى الحوار الوطني، وقبلت به مختلف القوى المدنية والسياسية باستثناء حركة النهضة آنذاك. أين فرض عليها لاحقا، وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية الذي لم يشارك فيه وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد أيضا من الأشخاص الذين رفضوا الحوار باعتباره مساندا لشرعية المجلس التأسيسي.

واعتبر اللطيفي أن الحوار في 2013 كان حوارا وطنيا حقيقيا، غابت فيه الحسابات الضيقة والسعي وراء مكاسب سياسية، والمنظمات الأربع التي رعت الحوار، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام التونسي للشغل وهيئة المحامين واتحاد الصناعة والتجارة، لعبت دورها كجسم محايد في ظل التوتر في العلاقات بين مكونات الساحة السياسية. ولحسن الحظ أننا في تونس لدينا هذا الجسم المحايد ففي دول أخرى هذا الدور تتولاه العشيرة أو شيوخ القبائل( أفغانستان مثلا).

وبين عادل اللطيفي أن الحوار الذي انطلق برعاية الرباعي الراعي كانت له نتائج حقيقية، وتمخضت عنه حكومة المهدي جمعة، وأنتج دستورا جديدا للجمهورية الثانية وصلت به البلاد إلى انتخابات 2014، وابتعدنا عبره من حالة التشنج التي كان يمكن أن تؤدي إلى انتشار شامل للعنف على غرار ما وقع في ليبيا.

ويعتبر اللطيفي أن حوار 2013، مهم للغاية تحصلت عبره المنظمات الوطنية ومن ورائه البلاد التونسية على جائزة نوبل التي تعد فخرا لتونس.

وبالنسبة للحوارات التي دارت فيما بعد، وهي حوارات الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي قرطاج 1 وقرطاج 2، لم تكن حسب الكاتب والباحث الأكاديمي وأستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر، حوارات وطنية وتشبيهها بحوار 2013 هو تشويه له ولا يمكن تنزيلها إلا ضمن محاولات تشويه المنظمات الوطنية التي تريد تشويه مبدأ الحوار بنية الاستيلاء على السلطة.

وأوضح أن حوارات قرطاج 1 وقرطاج 2، فعلا جاءت في إطار تقسيم للسلطة وتمحورت حول إشكالية الحكم بالأساس، حتى أنها جاءت بـ64 نقطة تم الاتفاق فيه على 63 واختلفوا في نقطة وحيدة تعلقت برئاسة الحكومة. جاء بعد أزمة سياسية تعلقت بمفاوضات داخل السلطة وأساسا حركة النهضة ونداء تونس ومحاولات لخلق تحالفات جديدة.

وما يسميه الرئيس قيس سعيد بالحوار، ينسحب عليه توصيف "المهزلة" والمسرحية، أولا حول ماذا انبنى الحوار وكل المشاركين هم من أنصار 25 جويلية، ثم ثانيا ما هي مخرجات الحوار؟ لا وجود لأي مخرجات لا اقتصادية ولا اجتماعية وحتى الدستور لم يمكن له أي علاقة لا بالحوار الذي تم عقد وعمل اللجنة ولا بمخرجات الاستشارة التي لم يطالب فيه احد بدستور جديد.

واليوم الوضع مغاير، والحوار المطلوب هو نفس الحوار الذي شهدته البلاد في 2013 -2014، فعلى غرار ما عاشته البلاد آنذاك لا نعيش اليوم أزمة حكم فحسب بل أزمة دولة، أزمة سياسية وأزمة اقتصادية وأزمة أمنية وأزمة اجتماعية، وحتى مسالة شرعية الحكم مطروحة لدينا ببرلمان منتخب بنسبة 8%.

والأخطر حسب اللطيفي أننا أمام تهديدات المسار نحو أحادية الحكم الذي يمكن أن يضرب كل المكاسب التي تحققت ما بعد الثورة، حكم الرئيس الواحد دون وجود لمنظمات ولا أحزاب والأجسام الوسيطة.

وأشار إلى أن الخطر الأكبر الذي يهدد الدولة والمجتمع هو الأزمة الاجتماعية والمعيشية التي يعيشها التونسي في أدق تفاصيل حياته اليومية والتي يعجز الرئيس وحكومته على إيجاد حلول لها، وهو ما يمثل تهديدا بالآفة الأخطر التي يمكن أن تهدد مجتمعات التي تبقى مجتمعات هشة وهي الانتشار الشامل للعنف.

وبأكثر واقعية، نبه اللطيفي إلى أن الرئيس يعتبر انه بصدد القيام بالأفضل للبلاد، غير انه يهتم أكثر بتطبيق مشروعه السياسي على حساب مصلحة التونسيين. الحوار غير ممكن في حال رفض الرئيس له، فمؤسسة الحكم هي مؤسسة أساسية في الحوارات الوطنية.

ريم سوودي

 

موعد خامس دعا إليه الطبوبي..  حوار وطني يحتمه الواقع الاجتماعي لا يمكن إنجاحه في غياب الرئيس

 

تونس الصباح

دعا أول أمس من جديد، أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي إلى حوار وطني، في إطار تحييد الرئيس أو ربما في سياق تقني حيث وجه الدعوة لرئيس الحكومة هذه المرة. واعتبر انه في ظل ما تعيشه البلاد من أزمة اجتماعية شملت اغلب القطاعات الحيوية وتدهور غير مسبوق للحالة المعيشية للتونسيين، لا بد من انطلاقه في القريب.

حوار إن انطلق سيكون ترتيبه الخامس من نوعية الذي تعرفه البلاد منذ ثورة 17ديسمبر/14جانفي 2011، وكانت الحوارات على اختلافاتها بمثابة محطات عبور سياسية، تنتقل بها البلاد من فترة حكم إلى أخرى، سواء يتغير معها الفاعلون السياسيون أو يشمل التحوير كل المسار السياسي..، فقد كانت مواعيد فاصلة للبلاد وللتونسيين.

وأفاد عادل اللطيفي الكاتب والباحث الأكاديمي وأستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر، في لقائه بـ"الصباح" أن الحوار، هو من الأمور التي طرحت بقوة بعد الثورة وبعد التجارب الأولى للحكم وخاصة منها سنوات 2012 و2013، وكان لها مواعيد أخرى في مراحل لاحقة.

ومن أجل فهم الحوار لابد من الخروج من الحوار التونسي- التونسي، ونطرح سؤال لماذا الحوارات السياسية تفرض نفسها في فترات الأزمات، ليس فقط في تونس بل في مختلف الدول. وذلك في مرحلة أولى من اجل الإشارة إلى أن الدول الحديثة وبمعنى الدولة الوطنية التي بدأت تتشكل نهاية القرن الـ19 كان لتونس على خلاف عدد من الدول العربية عراقة في هذا النوع. ومن بين مميزات الدولة الوطني أنها تحل الإشكاليات السياسية عبر وسائل سلمية بما فيها الحوار. وينبني هذا الحوار على اعتراف الطرف الحاكم بوجود قوى أخرى وطنية يمكن أن تكون أحزابا ومنظمات وطنية وشخصيات..، ويمكن أن نطلق عليه تسمية حوار سياسي أو حوار اجتماعي أو حوار وطني. ونرى اليوم في عديد الدول رغم أن الرئيس يكون منتخبا غير أنه خلال فترة الأزمات أو عند تقديمه لأحد مشاريع القوانين التي يرى، من المهم أن يشكل حوله إجماع بتوجه الدعوى حتى لأحزاب المعارضة. وبالتالي فمسالة فتح حوار هو أمر مهم جدا وشكل من أشكال التصرف السياسي الراقي والحديث في مسائل الشأن العام والمسائل السياسية بصفة عامة والحوار لا يشمل المفاوضات ثنائية أو الحسابات الضيقة.

وأضاف قائلا:"بالنسبة لتونس وكما سبق وأشرت نحن من بين الدول العربية القليلة التي لدينا تقاليد في الحوارات الوطنية، فالمجتمع المدني قديم في تونس يعود إلى 1882 مع الجمعية الخلدونية ونعتبر من اعرق الدول في الحركة النقابية. وفعليا انطلقنا في الحوار الاجتماعي منذ تشكل الحركة النقابية ودار بين الحزب الحر الدستوري وبين النخب، وتدعم أكثر الحوار بعد الاستقلال وخاصة منه الحوار الاجتماعي في سنوات السبعينات مع الهادي نويرة الذي أطلق الحوار الاجتماعي مع الاتحاد العام التونسي للشغل.. ".

وشدد عادل اللطيفي على أن تقاليد الحوار موجودة في تونس وهو مكسب تم الالتجاء إليه واستغلاله بعد الثورة، بعد ما عاشته البلاد من أزمة سياسية خانقة نهاية 2013 وبعد الاغتيالات السياسية التي عرفها التونسيون، أين التجأنا إلى الحوار الوطني، وقبلت به مختلف القوى المدنية والسياسية باستثناء حركة النهضة آنذاك. أين فرض عليها لاحقا، وحزب المؤتمر من اجل الجمهورية الذي لم يشارك فيه وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد أيضا من الأشخاص الذين رفضوا الحوار باعتباره مساندا لشرعية المجلس التأسيسي.

واعتبر اللطيفي أن الحوار في 2013 كان حوارا وطنيا حقيقيا، غابت فيه الحسابات الضيقة والسعي وراء مكاسب سياسية، والمنظمات الأربع التي رعت الحوار، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام التونسي للشغل وهيئة المحامين واتحاد الصناعة والتجارة، لعبت دورها كجسم محايد في ظل التوتر في العلاقات بين مكونات الساحة السياسية. ولحسن الحظ أننا في تونس لدينا هذا الجسم المحايد ففي دول أخرى هذا الدور تتولاه العشيرة أو شيوخ القبائل( أفغانستان مثلا).

وبين عادل اللطيفي أن الحوار الذي انطلق برعاية الرباعي الراعي كانت له نتائج حقيقية، وتمخضت عنه حكومة المهدي جمعة، وأنتج دستورا جديدا للجمهورية الثانية وصلت به البلاد إلى انتخابات 2014، وابتعدنا عبره من حالة التشنج التي كان يمكن أن تؤدي إلى انتشار شامل للعنف على غرار ما وقع في ليبيا.

ويعتبر اللطيفي أن حوار 2013، مهم للغاية تحصلت عبره المنظمات الوطنية ومن ورائه البلاد التونسية على جائزة نوبل التي تعد فخرا لتونس.

وبالنسبة للحوارات التي دارت فيما بعد، وهي حوارات الرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي قرطاج 1 وقرطاج 2، لم تكن حسب الكاتب والباحث الأكاديمي وأستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر، حوارات وطنية وتشبيهها بحوار 2013 هو تشويه له ولا يمكن تنزيلها إلا ضمن محاولات تشويه المنظمات الوطنية التي تريد تشويه مبدأ الحوار بنية الاستيلاء على السلطة.

وأوضح أن حوارات قرطاج 1 وقرطاج 2، فعلا جاءت في إطار تقسيم للسلطة وتمحورت حول إشكالية الحكم بالأساس، حتى أنها جاءت بـ64 نقطة تم الاتفاق فيه على 63 واختلفوا في نقطة وحيدة تعلقت برئاسة الحكومة. جاء بعد أزمة سياسية تعلقت بمفاوضات داخل السلطة وأساسا حركة النهضة ونداء تونس ومحاولات لخلق تحالفات جديدة.

وما يسميه الرئيس قيس سعيد بالحوار، ينسحب عليه توصيف "المهزلة" والمسرحية، أولا حول ماذا انبنى الحوار وكل المشاركين هم من أنصار 25 جويلية، ثم ثانيا ما هي مخرجات الحوار؟ لا وجود لأي مخرجات لا اقتصادية ولا اجتماعية وحتى الدستور لم يمكن له أي علاقة لا بالحوار الذي تم عقد وعمل اللجنة ولا بمخرجات الاستشارة التي لم يطالب فيه احد بدستور جديد.

واليوم الوضع مغاير، والحوار المطلوب هو نفس الحوار الذي شهدته البلاد في 2013 -2014، فعلى غرار ما عاشته البلاد آنذاك لا نعيش اليوم أزمة حكم فحسب بل أزمة دولة، أزمة سياسية وأزمة اقتصادية وأزمة أمنية وأزمة اجتماعية، وحتى مسالة شرعية الحكم مطروحة لدينا ببرلمان منتخب بنسبة 8%.

والأخطر حسب اللطيفي أننا أمام تهديدات المسار نحو أحادية الحكم الذي يمكن أن يضرب كل المكاسب التي تحققت ما بعد الثورة، حكم الرئيس الواحد دون وجود لمنظمات ولا أحزاب والأجسام الوسيطة.

وأشار إلى أن الخطر الأكبر الذي يهدد الدولة والمجتمع هو الأزمة الاجتماعية والمعيشية التي يعيشها التونسي في أدق تفاصيل حياته اليومية والتي يعجز الرئيس وحكومته على إيجاد حلول لها، وهو ما يمثل تهديدا بالآفة الأخطر التي يمكن أن تهدد مجتمعات التي تبقى مجتمعات هشة وهي الانتشار الشامل للعنف.

وبأكثر واقعية، نبه اللطيفي إلى أن الرئيس يعتبر انه بصدد القيام بالأفضل للبلاد، غير انه يهتم أكثر بتطبيق مشروعه السياسي على حساب مصلحة التونسيين. الحوار غير ممكن في حال رفض الرئيس له، فمؤسسة الحكم هي مؤسسة أساسية في الحوارات الوطنية.

ريم سوودي

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews