إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين الإدارة والدولة.. كيف تنهض بها وكيف تعرقلها؟

 

 

بقلم:ريم بالخذيري

لوقت قريب كانت الإدارة التونسية العمود الفقري الصلب للبلاد والقاطرة التي تجرّ وراءها كل القطاعات . وكانت محلّ ثقة المواطن والمستثمرين من الداخل والخارج.

لكن هذه الثقة بدأت في الانحسار والعمود الفقري الصلب بدأ في التقوّس منذ 2011 بعد قيام الإدارة بأسمى رسالة لها خلال الثورة وبعدها بقليل حيث بقيت متماسكة وبقيت الخدمات منتظمة رغم انعدام الأمن حينها والفراغ في السلطة .

واليوم بدأ الحديث من أعلى هرم السلطة على ضرورة تطهير الإدارة وتكال لها الاتهامات بعرقلة المسار الإصلاحي للبلاد فما الذي حدث وما مدى صحة هذه الاتهامات ؟وكيف السبيل لاستعادة ثقة الدولة والمواطنين والمستثمرين في الإدارة ؟

مفهوم الإدارة والدولة

إدارة الدولة هي العملية التي تهدف إلى تنظيم وإدارة شؤون البلاد ومؤسساتها وفقًا للقوانين واللوائح والسياسات المتبعة. وتشمل إدارة الدولة العمليات الإدارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين وتطوير البنية التحتية والحفاظ على الأمن والاستقرار . ويشار إلى أن الحكومة (الإدارة الكبرى) هي المسؤولة الرئيسية عن إدارة الدولة وتنفيذ سياساتها وتحقيق أهدافها.

الإدارة أيقونة الثورة

لقد أذهلت الإدارة التونسية العالم والتونسيون أنفسهم حيث كان لها دور محوري في الفترة ما بين 14 جانفي 2010 الى غاية شهر مارس من سنة 2011 وهي الفترة التي شهدت انهيارا كاملا في كل القطاعات وفراغ سياسي حيث امنت الإدارة التونسية كافة الخدمات للمواطنين وللاجانب وامنت الدخول والخروج السلس من والى تونس عبر المطارات والموانئ.

كما امّنت الصحة والماء والكهرباء وعدد كبير من الخدمات الادارية.

وتواصلت هذه الخدمات بروح وطنية لم تشهدها البلاد من قبل لغاية تنصيب اول حكومة منتخبة بقيادة الترويكا اذ سرعان ما عمدت حركة النهضة الى تفجير الإدارة التونسية أولا بتعلة تطهيرها من أنصار النظام السابق من التجمعيين وارتكبت بذلك أكبر مجزرة في تاريخ القطاع العمومي حيث اقيل الالاف من المديرين العامين ومن المديرين وكبار الموظفين من مناصبهم بتهم باطلة وتم تعويضهم بجماعة العفو التشريعي العام والذي اغلبهم لا يستطيع إدارة مصلحة في مؤسسة عمومية ليجد اغلبهم أنفسهم في مناصب عليا أكبر منهم بكثير ولا يعرفون عنها شيئا ولا تسمح مؤهلاتهم العلمية ولا الفكرية بمسكها.

وهو ما نتج عنه تراجع للخدمات وتنامي المحسوبية. وأثقلت الإدارة بأكثر من 300الف وظيفة اغلبها وهمي والاخر بشهادات مزورة أو غير مطابقة للوظيفة.

اتحاد الشغل والإدارة

ما ساهم أيضا في انحدار الإدارة وتفككها هو وقوعها تحت سطوة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي قويت شوكته مستغلا المناخ الديمقراطي المغشوش وتفكك أجهزة الدولة. فقامت نقاباته المختلفة في الصحة والنقل وغيرها من القطاعات الحيوية بالسيطرة على الإدارة فأصبحت تعين المديرين وتقيلهم واصبحت تتدخل في السياسات العليا للمؤسسات العمومية.

وتحولوا لأصحاب القرار الحقيقيين يسيرون الإدارة وفق هواهم ومصالحهم.

كما تم انهاكها بمزيد من الانتدابات العشوائية القائمة على المحسوبية النقابية.

الادارة المعرقلة؟

منذ إجراءات 25 جويلية 2021 تتهم الإدارة التونسية بأنها انخرطت في عرقلة المسار وأنه تكون داخلها ما سمي بحزب الإدارة وهو خليط من أنصار حركة النهضة وعدد النقابيين.

وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية أن دور الإدارة هو تنفيذ سياسة الدولة وأكد على ضرورة الإسراع بتطهيرها من كل من يعمل على تعطيل أي مرفق عمومي، وهي ظاهرة تفاقمت خلال الأسابيع الأخيرة سواء على المستوى المركزي أو على المستويين الجهوي أوالمحلي. فالإدارة بوجه عام هي لخدمة المواطنين وليست حلبة صراع بين أحزاب أو قوى ضغط تتخفى وراءها "

كما شدد رئيس الجمهورية على أن الإدارة التونسية تعجّ بالكفاءات، التّي سُدّت أمامها أبواب تحمل المسؤولية وهي كفاءات يمكن أن تحلّ محلّ من لم يؤدّ واجبه على الوجه المطلوب وأخلّ إلى جانب تعطيله لمصالح المواطنين بواجب التحفظ المحمول عليه .

الإدارة المحايدة

في الدول المتقدمة الإدارة هي المحرك الرئيسي للمجتمع وهي تعمل بحياد عن كل الاحزاب والحكام بوصلتها في ذلك خدمة الصالح العام دون حسابات سياسية أو نقابية.

وفي تونس لابدّ أن تستعيد الإدارة نجاعتها وتعمل بحياد وفق التوجهات الحكومية والسياسات العامة للحكومة . فالالتزام الإداري اليوم مطلوب أكثر من أي وقت ولابدّ من الجرأة في اتخاذ القرارات والتشبع بروح الوطنية .فبلد دون إدارة قوية وفاعلة لا يمكن أن يتقدّم قيد أنملة بل هو للتأخر أقرب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بين الإدارة والدولة.. كيف تنهض بها وكيف تعرقلها؟

 

 

بقلم:ريم بالخذيري

لوقت قريب كانت الإدارة التونسية العمود الفقري الصلب للبلاد والقاطرة التي تجرّ وراءها كل القطاعات . وكانت محلّ ثقة المواطن والمستثمرين من الداخل والخارج.

لكن هذه الثقة بدأت في الانحسار والعمود الفقري الصلب بدأ في التقوّس منذ 2011 بعد قيام الإدارة بأسمى رسالة لها خلال الثورة وبعدها بقليل حيث بقيت متماسكة وبقيت الخدمات منتظمة رغم انعدام الأمن حينها والفراغ في السلطة .

واليوم بدأ الحديث من أعلى هرم السلطة على ضرورة تطهير الإدارة وتكال لها الاتهامات بعرقلة المسار الإصلاحي للبلاد فما الذي حدث وما مدى صحة هذه الاتهامات ؟وكيف السبيل لاستعادة ثقة الدولة والمواطنين والمستثمرين في الإدارة ؟

مفهوم الإدارة والدولة

إدارة الدولة هي العملية التي تهدف إلى تنظيم وإدارة شؤون البلاد ومؤسساتها وفقًا للقوانين واللوائح والسياسات المتبعة. وتشمل إدارة الدولة العمليات الإدارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين وتطوير البنية التحتية والحفاظ على الأمن والاستقرار . ويشار إلى أن الحكومة (الإدارة الكبرى) هي المسؤولة الرئيسية عن إدارة الدولة وتنفيذ سياساتها وتحقيق أهدافها.

الإدارة أيقونة الثورة

لقد أذهلت الإدارة التونسية العالم والتونسيون أنفسهم حيث كان لها دور محوري في الفترة ما بين 14 جانفي 2010 الى غاية شهر مارس من سنة 2011 وهي الفترة التي شهدت انهيارا كاملا في كل القطاعات وفراغ سياسي حيث امنت الإدارة التونسية كافة الخدمات للمواطنين وللاجانب وامنت الدخول والخروج السلس من والى تونس عبر المطارات والموانئ.

كما امّنت الصحة والماء والكهرباء وعدد كبير من الخدمات الادارية.

وتواصلت هذه الخدمات بروح وطنية لم تشهدها البلاد من قبل لغاية تنصيب اول حكومة منتخبة بقيادة الترويكا اذ سرعان ما عمدت حركة النهضة الى تفجير الإدارة التونسية أولا بتعلة تطهيرها من أنصار النظام السابق من التجمعيين وارتكبت بذلك أكبر مجزرة في تاريخ القطاع العمومي حيث اقيل الالاف من المديرين العامين ومن المديرين وكبار الموظفين من مناصبهم بتهم باطلة وتم تعويضهم بجماعة العفو التشريعي العام والذي اغلبهم لا يستطيع إدارة مصلحة في مؤسسة عمومية ليجد اغلبهم أنفسهم في مناصب عليا أكبر منهم بكثير ولا يعرفون عنها شيئا ولا تسمح مؤهلاتهم العلمية ولا الفكرية بمسكها.

وهو ما نتج عنه تراجع للخدمات وتنامي المحسوبية. وأثقلت الإدارة بأكثر من 300الف وظيفة اغلبها وهمي والاخر بشهادات مزورة أو غير مطابقة للوظيفة.

اتحاد الشغل والإدارة

ما ساهم أيضا في انحدار الإدارة وتفككها هو وقوعها تحت سطوة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي قويت شوكته مستغلا المناخ الديمقراطي المغشوش وتفكك أجهزة الدولة. فقامت نقاباته المختلفة في الصحة والنقل وغيرها من القطاعات الحيوية بالسيطرة على الإدارة فأصبحت تعين المديرين وتقيلهم واصبحت تتدخل في السياسات العليا للمؤسسات العمومية.

وتحولوا لأصحاب القرار الحقيقيين يسيرون الإدارة وفق هواهم ومصالحهم.

كما تم انهاكها بمزيد من الانتدابات العشوائية القائمة على المحسوبية النقابية.

الادارة المعرقلة؟

منذ إجراءات 25 جويلية 2021 تتهم الإدارة التونسية بأنها انخرطت في عرقلة المسار وأنه تكون داخلها ما سمي بحزب الإدارة وهو خليط من أنصار حركة النهضة وعدد النقابيين.

وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية أن دور الإدارة هو تنفيذ سياسة الدولة وأكد على ضرورة الإسراع بتطهيرها من كل من يعمل على تعطيل أي مرفق عمومي، وهي ظاهرة تفاقمت خلال الأسابيع الأخيرة سواء على المستوى المركزي أو على المستويين الجهوي أوالمحلي. فالإدارة بوجه عام هي لخدمة المواطنين وليست حلبة صراع بين أحزاب أو قوى ضغط تتخفى وراءها "

كما شدد رئيس الجمهورية على أن الإدارة التونسية تعجّ بالكفاءات، التّي سُدّت أمامها أبواب تحمل المسؤولية وهي كفاءات يمكن أن تحلّ محلّ من لم يؤدّ واجبه على الوجه المطلوب وأخلّ إلى جانب تعطيله لمصالح المواطنين بواجب التحفظ المحمول عليه .

الإدارة المحايدة

في الدول المتقدمة الإدارة هي المحرك الرئيسي للمجتمع وهي تعمل بحياد عن كل الاحزاب والحكام بوصلتها في ذلك خدمة الصالح العام دون حسابات سياسية أو نقابية.

وفي تونس لابدّ أن تستعيد الإدارة نجاعتها وتعمل بحياد وفق التوجهات الحكومية والسياسات العامة للحكومة . فالالتزام الإداري اليوم مطلوب أكثر من أي وقت ولابدّ من الجرأة في اتخاذ القرارات والتشبع بروح الوطنية .فبلد دون إدارة قوية وفاعلة لا يمكن أن يتقدّم قيد أنملة بل هو للتأخر أقرب.