إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

لا وصاية على القواعد النّقابية الرّافضة خوض المعارك السّياسوية بالوكالة

- "عدنا والعود أحمد".

 ما زال صوت المدير يرنّ في أذني:

- "عطلة سعيدة يا أبنائي".

لعلّ الشعب التونسي بطمّ طميمه لم ينس بعد ما عاشته المؤسّسات التربوية في العام الدّراسي 2022-2023 من تجاذبات بين وزارة الإشراف والمربّيات والمربّين. وقد اشتدت الأزمة وبلغت ذروتها بين الطرفين حتّى وصفت بمعركة ليّ الذراع أو كسر العظام حسب بعضهم.

إنّنا نستحضر هذه الأوضاع التي كانت فيها الأطراف كلّها خاسرة وبالأخصّ بلادنا على جميع الأصعدة. ويبدو، ونحن لا تفصلنا إلاّ أسابيع قليلة على العودة المدرسية، أنّ الأزمة ظلّت تراوح مكانها إلى الآن. ولعلّ ما يعانيه الكثير من المعلّمات والمعلّمين النّواب من عدم الحصول على مرتباهم إلى يوم النّاس هذا لأكبر دليل على أنّ حبل التفاهم لا يزال مقطوعا بين الجامعة العامة للتعليم الأساسيّ ووزارة الإشراف. وقد صرّح أحد أعضاء الجامعة العامة للتّعليم الأساسيّ أنّ وزارة التّربية لم تدعُ الطّرف النقابي للجلوس على طاولة الحوار من جديد.

إنّنا لا نضيف شيئا جديدا إذا قلنا إنّ مطالب المربّيات والمربّين شرعية وإنّ أوضاعهم المادّية والمعنويّة تتطلّب استجابة جدّية ومجزية من قبل وزارة الإشراف. وبذلك قد تخفّف وزارة التّربية من الأعباء التي أثقلت ظهور المربّيات والمربّين وقصمتها. يدرّس رجال التعليم ونساؤه في مؤسّسات تفتقر لأبسط الظروف الملائمة للقيام بدورهم: بنى تحتية كارثية، أقسام من دون نوافذ ومن دون أبواب في بعض الأحيان، أسقف آيلة للسقوط، أقسام مكتظّة بالتلاميذ الذين يبلغ عددهم الخمسين في حالات عديدة. هذا فضلا عن انعدام الماء والكهرباء في المناطق النائية. ومن ناحية أخرى، لم يتمتع المربّيات والمربّون منذ سنوات بمنح ولا ترقيات من شأنها أن تحفزهم على مزيد العطاء والبذل والاجتهاد.

قد يردّ علينا بعضهم بالقول إنّ الوضع الماليّ ببلادنا لا يسمح بتلبية مطالب المربّيات والمربّين. ولكنّنا نجيب أنّه ليس من باب العدل والانصاف أن يتحمل هؤلاء وحدهم ما تعانيه خزينة البلاد من عجز بسبب فساد وسرقات أتت عليها وتركتها فارغة لا شيء فيها ربّما غير بصمات الذين استولوا عليها.

إنّ اقترابنا من موعد رجوع أبنائنا التلاميذ إلى مقاعد الدّرس يجعلنا نؤكد ضرورة فتح سبل الحوار بين النقابة العامة للتّعليم الأساسيّ ووزارة الإشراف لضمان عودة مدرسية طبيعية بعيدة، ولو نسبيّا، عن أجواء التوترات ولغة التصعيد والتهديد سواء من هذا الطرف أو ذاك.

إنّ القواعد النقابية منضوية إلى شعار "أولى بشعابها". وهي أدرى بالطّرق المثلى لتجاوز هذه الأزمة. وإنّ تاريخ الجامعة العامة للتّعليم الأساسيّ عريق ونضالاتها سبقت حتّى تأسيس منظمة حشاد. فعمر الجامعة تجاوز المائة السّنة. ولا بدّ أن يحافظ النقابيّات والنقابيّون على هذا الإرث العزير الشامخ. ولا سبيل إلى أن يتبخّر في هذه الأزمة أو في غيرها. فالجامعة العامة للتّعليم الأساسيّ مدرسة ضاربة جذورها في النّضال. ولا يجوز أن يهوى هذا الصّرح بين لحظة وأخرى...

إنّنا نرى أنّ من بين العوامل التي أدّت إلى تأزم الوضع بين وزارة الّتربية والجامعة العامة للتّعليم الأساسيّ أنّ الجامعة اتخذت منذ البداية منحى بعيدا عن مطالب المربّيات والمربّين الصرفة. وقد كانت المعركة بين الطّرفين سياسيّة بامتياز. وأقيمت الدّنيا ولم تقعد بين الوزارة والطرف النقابي بسبب حسابات حزبية وفئوية ضيّقة رهانها من يسجّل أهدافا ضد الآخر...

إنّنا نشاطر الدّكتور منصف القابسي أستاذ علم الاجتماع بكليّة الآداب بصفاقس في رأيه إذ يقول: "لست ممّن يدعو إلى فصل النّقابيّ عن السّياسي، غير أنّ السّياسة في العمل النقابي هي تلك القراءة التي تمكّن من الدّفع باتجاه مواقف وطنيّة وشعبيّة دون البحث عن تحالفات مشبوهة مع أيّ طرف حزبيّ أو سلطة راشية.

إننا نقول دون مراوغة أو نفاق إنّ نقابة التعليم الأساسيّ قد اتّخذت من المربّيات والمربّين "حطب شعول" ومطيّة لخوض معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل. ونحن لا ندعو القواعد والهياكل الوسطى إلى التّمرّد على قيادتهم سرّا. بل على هؤلاء أن يعلنوا جهرا ودون مواربة أنّهم يريدون تحقيق مطالبهم المادّية والمعنويّة كلّفهم ذلك ما كلفهم من صراع مع السّلطة إن هي أمعنت في الصّلف والجحود لدور المربيّات والمربّين. وعلى المربّيات والمربّين أن يذكّروا الأطراف كلّها بأنّهم لن ينحنوا أبدا وسيخوضون نضالاتهم بهمّة وشرف دون أن يعرفوا ركونا أو يرضوا بهوان أو ذلّ. ما عدا هذا ليست للمربيّات والمربّين حسابات يصفّونها مع عمرو أو زيد فذاك شأن أصحاب الدّكاكين الحزبيّة الخاوية على عروشها وما أكثرها.

وعلى العموم، فإنّنا نرى أنّ هكذا أرضيّة نقابية سيكون لها الصّدى الكبير. وسيلتفّ حولها كلّ مناضل نقابيّ غيور على منظمة حشاد حتّى تبقى صامدة أمام كلّ من تحدثه نفسه التّربص بها أو التّسابق على إضعافها ومحو تاريخها من زمن الاستعمار المباشر إلى يوم النّاس هذا.

مصدّق الشّريف

 

لا وصاية على القواعد النّقابية الرّافضة خوض المعارك السّياسوية بالوكالة

- "عدنا والعود أحمد".

 ما زال صوت المدير يرنّ في أذني:

- "عطلة سعيدة يا أبنائي".

لعلّ الشعب التونسي بطمّ طميمه لم ينس بعد ما عاشته المؤسّسات التربوية في العام الدّراسي 2022-2023 من تجاذبات بين وزارة الإشراف والمربّيات والمربّين. وقد اشتدت الأزمة وبلغت ذروتها بين الطرفين حتّى وصفت بمعركة ليّ الذراع أو كسر العظام حسب بعضهم.

إنّنا نستحضر هذه الأوضاع التي كانت فيها الأطراف كلّها خاسرة وبالأخصّ بلادنا على جميع الأصعدة. ويبدو، ونحن لا تفصلنا إلاّ أسابيع قليلة على العودة المدرسية، أنّ الأزمة ظلّت تراوح مكانها إلى الآن. ولعلّ ما يعانيه الكثير من المعلّمات والمعلّمين النّواب من عدم الحصول على مرتباهم إلى يوم النّاس هذا لأكبر دليل على أنّ حبل التفاهم لا يزال مقطوعا بين الجامعة العامة للتعليم الأساسيّ ووزارة الإشراف. وقد صرّح أحد أعضاء الجامعة العامة للتّعليم الأساسيّ أنّ وزارة التّربية لم تدعُ الطّرف النقابي للجلوس على طاولة الحوار من جديد.

إنّنا لا نضيف شيئا جديدا إذا قلنا إنّ مطالب المربّيات والمربّين شرعية وإنّ أوضاعهم المادّية والمعنويّة تتطلّب استجابة جدّية ومجزية من قبل وزارة الإشراف. وبذلك قد تخفّف وزارة التّربية من الأعباء التي أثقلت ظهور المربّيات والمربّين وقصمتها. يدرّس رجال التعليم ونساؤه في مؤسّسات تفتقر لأبسط الظروف الملائمة للقيام بدورهم: بنى تحتية كارثية، أقسام من دون نوافذ ومن دون أبواب في بعض الأحيان، أسقف آيلة للسقوط، أقسام مكتظّة بالتلاميذ الذين يبلغ عددهم الخمسين في حالات عديدة. هذا فضلا عن انعدام الماء والكهرباء في المناطق النائية. ومن ناحية أخرى، لم يتمتع المربّيات والمربّون منذ سنوات بمنح ولا ترقيات من شأنها أن تحفزهم على مزيد العطاء والبذل والاجتهاد.

قد يردّ علينا بعضهم بالقول إنّ الوضع الماليّ ببلادنا لا يسمح بتلبية مطالب المربّيات والمربّين. ولكنّنا نجيب أنّه ليس من باب العدل والانصاف أن يتحمل هؤلاء وحدهم ما تعانيه خزينة البلاد من عجز بسبب فساد وسرقات أتت عليها وتركتها فارغة لا شيء فيها ربّما غير بصمات الذين استولوا عليها.

إنّ اقترابنا من موعد رجوع أبنائنا التلاميذ إلى مقاعد الدّرس يجعلنا نؤكد ضرورة فتح سبل الحوار بين النقابة العامة للتّعليم الأساسيّ ووزارة الإشراف لضمان عودة مدرسية طبيعية بعيدة، ولو نسبيّا، عن أجواء التوترات ولغة التصعيد والتهديد سواء من هذا الطرف أو ذاك.

إنّ القواعد النقابية منضوية إلى شعار "أولى بشعابها". وهي أدرى بالطّرق المثلى لتجاوز هذه الأزمة. وإنّ تاريخ الجامعة العامة للتّعليم الأساسيّ عريق ونضالاتها سبقت حتّى تأسيس منظمة حشاد. فعمر الجامعة تجاوز المائة السّنة. ولا بدّ أن يحافظ النقابيّات والنقابيّون على هذا الإرث العزير الشامخ. ولا سبيل إلى أن يتبخّر في هذه الأزمة أو في غيرها. فالجامعة العامة للتّعليم الأساسيّ مدرسة ضاربة جذورها في النّضال. ولا يجوز أن يهوى هذا الصّرح بين لحظة وأخرى...

إنّنا نرى أنّ من بين العوامل التي أدّت إلى تأزم الوضع بين وزارة الّتربية والجامعة العامة للتّعليم الأساسيّ أنّ الجامعة اتخذت منذ البداية منحى بعيدا عن مطالب المربّيات والمربّين الصرفة. وقد كانت المعركة بين الطّرفين سياسيّة بامتياز. وأقيمت الدّنيا ولم تقعد بين الوزارة والطرف النقابي بسبب حسابات حزبية وفئوية ضيّقة رهانها من يسجّل أهدافا ضد الآخر...

إنّنا نشاطر الدّكتور منصف القابسي أستاذ علم الاجتماع بكليّة الآداب بصفاقس في رأيه إذ يقول: "لست ممّن يدعو إلى فصل النّقابيّ عن السّياسي، غير أنّ السّياسة في العمل النقابي هي تلك القراءة التي تمكّن من الدّفع باتجاه مواقف وطنيّة وشعبيّة دون البحث عن تحالفات مشبوهة مع أيّ طرف حزبيّ أو سلطة راشية.

إننا نقول دون مراوغة أو نفاق إنّ نقابة التعليم الأساسيّ قد اتّخذت من المربّيات والمربّين "حطب شعول" ومطيّة لخوض معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل. ونحن لا ندعو القواعد والهياكل الوسطى إلى التّمرّد على قيادتهم سرّا. بل على هؤلاء أن يعلنوا جهرا ودون مواربة أنّهم يريدون تحقيق مطالبهم المادّية والمعنويّة كلّفهم ذلك ما كلفهم من صراع مع السّلطة إن هي أمعنت في الصّلف والجحود لدور المربيّات والمربّين. وعلى المربّيات والمربّين أن يذكّروا الأطراف كلّها بأنّهم لن ينحنوا أبدا وسيخوضون نضالاتهم بهمّة وشرف دون أن يعرفوا ركونا أو يرضوا بهوان أو ذلّ. ما عدا هذا ليست للمربيّات والمربّين حسابات يصفّونها مع عمرو أو زيد فذاك شأن أصحاب الدّكاكين الحزبيّة الخاوية على عروشها وما أكثرها.

وعلى العموم، فإنّنا نرى أنّ هكذا أرضيّة نقابية سيكون لها الصّدى الكبير. وسيلتفّ حولها كلّ مناضل نقابيّ غيور على منظمة حشاد حتّى تبقى صامدة أمام كلّ من تحدثه نفسه التّربص بها أو التّسابق على إضعافها ومحو تاريخها من زمن الاستعمار المباشر إلى يوم النّاس هذا.

مصدّق الشّريف