لم تخف مساحيق التصريحات والحوارات الصحفية حقيقة الجفاء الواضحة بين أقطاب المعارضة من أحزاب ومن شخصيات وطنية مناهضة لمسار 25جويلية 2021.
وعلى الرغم من وحدة الهدف الرافض للنظام الحالي ولسياسات الرئيس قيس سعيد وإعادة زمن السياسة الى ما قبل 25 جويلية ديمقراطيا إلا أن ذلك لم يحصل بعد أن عجز الكل عن المشي في طريق مستقيم لتحقيق أهداف استعادة دستور 2014 والعودة الى الشرعية البرلمانية وتنشيط الأحزاب مجددا وإخراجها من غرفة الإنعاش.
ولا يعنى ما تقدم، أن محاولات توحيد الصف كانت غائبة عن تصريحات المعارضة بل على العكس من ذلك كان حضور دعوات الوحدة لافتا في بعض الأحيان ومتوفرا أحيانا أخرى.
ففي التحرك الميداني لأحزاب المعارضة يوم 13جويلية الماضي لم يكن موضوع الوحدة موضوعا عابرا بل شكل حدثا مهما في تدخلات القيادات الحزبية .
حيث اعتبر الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير انه "منذ 25 جولية هذا أول لقاء تتجمع فيه جل مكونات الحياة السياسية والمدنية هذا لا يمكن أن يكون إلا رسالة واضحة ومباشرة لسلطة قيس سعيد بأن المواصلة في سياسات الاستبداد والتفرد بالحكم وضرب الحقوق والحريات والمس من الحد الأدنى الديمقراطي والتنكيل بالخصوم لا يمكن إلا أن يعزز الوحدة بين مختلف المكونات ويرص صفوف الأحرار".
بدوره قال القيادي بحركة النهضة رياض الشعيبي "اليوم التقى الطيف السياسي الأوسع في البلاد، جبهة الخلاص وما تمثله من مكونات والرباعية الديمقراطية الاجتماعية والحزب الجمهوري وممثلي عديد المنظمات المدنية وترسانة إعلامية كبيرة، كلهم التقوا في مكان واحد وبصوت واحد للمطالبة بإسقاط الانقلاب، وبإطلاق سراح المعتقلين، وباستقلالية القضاء."
اعتبر الشعيبي "أن هذا تطور مهم بلا شك، وهو مكسب نوعي مهم، في دائرة واحدة يقف حمة الهمامي ونجيب الشابي وعشرات القيادات السياسية والمدنية من مختلف ألوان الطيف، اجتماع لم تشهد مثله ساحات التصدي للانقلاب من قبل".
غير أن المكابرة السياسية للبعض من الأحزاب على غرار حزب التيار الديمقراطي (شريك حركة النهضة في حكومة الياس الفخفاخ) والتكتل (شريك الإخوان في حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض) أثرت جديا على كل محاولات العمل المشترك لمقارعة النظام بما اضعف المعارضة وأخّر دورها في تغيير الواقع.
تناقضات.. أزمة إيديولوجية
نتيجة صفرية هي الحصيلة السياسية للأحزاب المناهضة لسعيد فباستثناء الإفراج عن المناضلين شيماء عيسى ولزهر العكرمي (مستقلان) خاب مسعى المعارضة في فرض عملية الإفراج عن القادة الحزبيين وظلت دعوات إخراجهم من السجون محصورة في تحركات غير مؤثرة في النظام ودون اهتمام واضح من الشارع التونسي الذي غرق بدوره في قضاياه اليومية من بحث عن الخبز وتوفير مستلزماته العائلية.
كما تراجع تأثير الأحزاب أيضا الى المستوى الحقوقي بعد أن سطا هذا المربع على المربع السياسي وحوله الى مطلب ثانوي مقارنة بمطلب الإفراج عن القيادات الحزبية في السجون.
علاوة على ذلك وقعت المعارضة في تناقضات كبرى، فهي من جهة تطالب نظام سعيد بالعودة الى الديمقراطية وتشريك الأحزاب في إدارة الشأن العام في حين أن جزءا من المعارضة نفسها يمارس سياسة الإقصاء تجاه بقية المعارضة.
ولا مناص من القول بأن التقديرات السياسية لبعض الأطراف قد أخطأت أهدافها إذ تسجل الساحة الوطنية بوضوح أسبقية التناقض الثانوي على التناقض الرئيسي، حيث تعمل أحزاب مثلا على تقديم خلافاتها الذاتية والإيديولوجية التاريخية على حساب الهدف الرئيسي وهو استعادة اللحظة الديمقراطية والعودة الى طاولة الحوار وخلق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية.
تعويم الواقع
في الوقت الذي كان فيه متوقعا أن تساهم المبادرات المواطنية والحزبية في الخروج بتونس من واقعها الخطير والمنعرج الحاسم، زادت هذه المبادرات في تيه السياسة والسياسيين بعد أن غرقت البلاد بمحاولات قيل إنها للإنقاذ والحال أنها لم تكن كذلك بالمرة.
وتحول طرح المبادرات أحيانا الى فرصة للمزايدة على هذا الطرف أو ذاك، كما كانت عند البعض محاولات للتخلص من ارث ثقيل بعد حمى الإسناد السياسي والدستوري لقيس سعيد.
مبادرات.. ألف كأف
وبإحصاء مقترحات الإنقاذ فقد بلغ عدد المبادرات السياسية الصادرة سواء عن منظمات المجتمع المدني أو الأحزاب أو شخصيات وطنية مستقلة بلغت 13 مبادرة أهمها مبادرة تصحيح المسار للحزب الدستوري الحر
مبادرة تقدم للمؤرخ التونسي عادل اللطيفي، مبادرة صمود التي تطلقها ائتلاف صمود بعد فك الارتباط بينه وبين الرئيس قيس سعيد وتخلى الأخير عن أبرز قياداته مثل أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ والصادق بلعيد، مبادرة اللقاء الوطني للإنقاذ، مبادرة الخلاص الوطني…
مبادرة جبهة وطنية "الرابطة الوطنية"، مبادرة كندا أو ما يعرف باسم ميثاق قرطاج، النداء السياسي للمناضل اليساري محمد الكيلاني من أجل توحيد القوى الديمقراطية واليسارية والتقدمية للدفاع عن الجمهورية وعن مصالح الشعب والوطن، مبادرة عازمون، مبادرة الحوار الوطني، المبادرة السياسية لغازي الشواشي، مبادرة حزب العمل والانجاز.. فهل تنتصر المعارضة التونسية على أزمتها النفسية؟
خليل الحناشي
تونس-الصباح
لم تخف مساحيق التصريحات والحوارات الصحفية حقيقة الجفاء الواضحة بين أقطاب المعارضة من أحزاب ومن شخصيات وطنية مناهضة لمسار 25جويلية 2021.
وعلى الرغم من وحدة الهدف الرافض للنظام الحالي ولسياسات الرئيس قيس سعيد وإعادة زمن السياسة الى ما قبل 25 جويلية ديمقراطيا إلا أن ذلك لم يحصل بعد أن عجز الكل عن المشي في طريق مستقيم لتحقيق أهداف استعادة دستور 2014 والعودة الى الشرعية البرلمانية وتنشيط الأحزاب مجددا وإخراجها من غرفة الإنعاش.
ولا يعنى ما تقدم، أن محاولات توحيد الصف كانت غائبة عن تصريحات المعارضة بل على العكس من ذلك كان حضور دعوات الوحدة لافتا في بعض الأحيان ومتوفرا أحيانا أخرى.
ففي التحرك الميداني لأحزاب المعارضة يوم 13جويلية الماضي لم يكن موضوع الوحدة موضوعا عابرا بل شكل حدثا مهما في تدخلات القيادات الحزبية .
حيث اعتبر الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير انه "منذ 25 جولية هذا أول لقاء تتجمع فيه جل مكونات الحياة السياسية والمدنية هذا لا يمكن أن يكون إلا رسالة واضحة ومباشرة لسلطة قيس سعيد بأن المواصلة في سياسات الاستبداد والتفرد بالحكم وضرب الحقوق والحريات والمس من الحد الأدنى الديمقراطي والتنكيل بالخصوم لا يمكن إلا أن يعزز الوحدة بين مختلف المكونات ويرص صفوف الأحرار".
بدوره قال القيادي بحركة النهضة رياض الشعيبي "اليوم التقى الطيف السياسي الأوسع في البلاد، جبهة الخلاص وما تمثله من مكونات والرباعية الديمقراطية الاجتماعية والحزب الجمهوري وممثلي عديد المنظمات المدنية وترسانة إعلامية كبيرة، كلهم التقوا في مكان واحد وبصوت واحد للمطالبة بإسقاط الانقلاب، وبإطلاق سراح المعتقلين، وباستقلالية القضاء."
اعتبر الشعيبي "أن هذا تطور مهم بلا شك، وهو مكسب نوعي مهم، في دائرة واحدة يقف حمة الهمامي ونجيب الشابي وعشرات القيادات السياسية والمدنية من مختلف ألوان الطيف، اجتماع لم تشهد مثله ساحات التصدي للانقلاب من قبل".
غير أن المكابرة السياسية للبعض من الأحزاب على غرار حزب التيار الديمقراطي (شريك حركة النهضة في حكومة الياس الفخفاخ) والتكتل (شريك الإخوان في حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض) أثرت جديا على كل محاولات العمل المشترك لمقارعة النظام بما اضعف المعارضة وأخّر دورها في تغيير الواقع.
تناقضات.. أزمة إيديولوجية
نتيجة صفرية هي الحصيلة السياسية للأحزاب المناهضة لسعيد فباستثناء الإفراج عن المناضلين شيماء عيسى ولزهر العكرمي (مستقلان) خاب مسعى المعارضة في فرض عملية الإفراج عن القادة الحزبيين وظلت دعوات إخراجهم من السجون محصورة في تحركات غير مؤثرة في النظام ودون اهتمام واضح من الشارع التونسي الذي غرق بدوره في قضاياه اليومية من بحث عن الخبز وتوفير مستلزماته العائلية.
كما تراجع تأثير الأحزاب أيضا الى المستوى الحقوقي بعد أن سطا هذا المربع على المربع السياسي وحوله الى مطلب ثانوي مقارنة بمطلب الإفراج عن القيادات الحزبية في السجون.
علاوة على ذلك وقعت المعارضة في تناقضات كبرى، فهي من جهة تطالب نظام سعيد بالعودة الى الديمقراطية وتشريك الأحزاب في إدارة الشأن العام في حين أن جزءا من المعارضة نفسها يمارس سياسة الإقصاء تجاه بقية المعارضة.
ولا مناص من القول بأن التقديرات السياسية لبعض الأطراف قد أخطأت أهدافها إذ تسجل الساحة الوطنية بوضوح أسبقية التناقض الثانوي على التناقض الرئيسي، حيث تعمل أحزاب مثلا على تقديم خلافاتها الذاتية والإيديولوجية التاريخية على حساب الهدف الرئيسي وهو استعادة اللحظة الديمقراطية والعودة الى طاولة الحوار وخلق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية.
تعويم الواقع
في الوقت الذي كان فيه متوقعا أن تساهم المبادرات المواطنية والحزبية في الخروج بتونس من واقعها الخطير والمنعرج الحاسم، زادت هذه المبادرات في تيه السياسة والسياسيين بعد أن غرقت البلاد بمحاولات قيل إنها للإنقاذ والحال أنها لم تكن كذلك بالمرة.
وتحول طرح المبادرات أحيانا الى فرصة للمزايدة على هذا الطرف أو ذاك، كما كانت عند البعض محاولات للتخلص من ارث ثقيل بعد حمى الإسناد السياسي والدستوري لقيس سعيد.
مبادرات.. ألف كأف
وبإحصاء مقترحات الإنقاذ فقد بلغ عدد المبادرات السياسية الصادرة سواء عن منظمات المجتمع المدني أو الأحزاب أو شخصيات وطنية مستقلة بلغت 13 مبادرة أهمها مبادرة تصحيح المسار للحزب الدستوري الحر
مبادرة تقدم للمؤرخ التونسي عادل اللطيفي، مبادرة صمود التي تطلقها ائتلاف صمود بعد فك الارتباط بينه وبين الرئيس قيس سعيد وتخلى الأخير عن أبرز قياداته مثل أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ والصادق بلعيد، مبادرة اللقاء الوطني للإنقاذ، مبادرة الخلاص الوطني…
مبادرة جبهة وطنية "الرابطة الوطنية"، مبادرة كندا أو ما يعرف باسم ميثاق قرطاج، النداء السياسي للمناضل اليساري محمد الكيلاني من أجل توحيد القوى الديمقراطية واليسارية والتقدمية للدفاع عن الجمهورية وعن مصالح الشعب والوطن، مبادرة عازمون، مبادرة الحوار الوطني، المبادرة السياسية لغازي الشواشي، مبادرة حزب العمل والانجاز.. فهل تنتصر المعارضة التونسية على أزمتها النفسية؟