لا يجب أن ننسى أن البحر مؤلف من قطرات وأن في كل قطرة كل ما في البحر من أنباء ومعان.
حادثة تحطم طائرة يفغيني بريغوجين قائد مجموعة فاغنر الروسية كانت بمثابة الخبر الزلزال الذي هزّ العالم.
إن الحروب قبل أن نراها على الجبهات فهي تدور في الغرف المظلمة وكواليس السياسة والاستخبارات .
عندما أرادت المخابرات الأمريكية في أوج الحرب الباردة التعرّف على الحالة الصحية لرئيس الاتحاد السوفياتي ليونيد بريجنيف (1964 - 1982)، تحيّنت فرصة زيارته لمقرّ الأمم المتحدة بنيويورك وقامت بربط قنوات الحمام الخاص به داخل الجناح الرئاسي بالفندق بقنوات أخرى خارج شبكة الصرف الصحي وجمعت في حاويات كلّ ما يلقي به من براز وبول، ثمّ نقلت ذلك الى مخبر سري للتحاليل والكشف عن حقيقة الوضع الصحي لزعيم الاتحاد السوفياتي وبالتالي إصابته بأمراض خطيرة تهدّد ما تبقى من أيام حياته .
منذ هذه الحادثة، أصبحت أجهزة واستخبارات أغلب قادة دول العالم لا تترك أيّ آثار تتعلق بالرؤساء وغالبا ما يتم اعتماد أجهزة ذاتية لإعدامها أو إعادتها للبلد الأصل .
ليس من مهمّة أعقد وأصعب في أيّ دولة من حماية الرّئيس، وهو أمر عادة ما يتكفّل به أفضل ما لديها من رجالات استخبارات وأمن وحتى جنود. .
الجميع يذكر حادثة إقالة عبد الرحمان بلحاج علي مدير الأمن الرّئاسي الأسبق في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي الذي أبهرني شخصيا بسعة معارفه وثقافته الموسوعية، والأهم انضباطه وإخلاصه.
كانت الفترة صيفا، وكعادته كان رئيس الدولة يتنقل الى قصره بالحمامات، فاجأ فجر أحد الأيام الجميع بأن استفاق وقرر الالتحاق بمكتبه بالقصر الرئاسي بقرطاج، لكن فوجئ بتأخير في تجهيز السيارة الرّئاسية الأمر الذي أثار غضبه، مع العلم أن البروتوكلات الأمنية تقتضي أن تكون كلّ وسائل النقل من سيارة رئاسية وإسعاف وبارجة وحتى طائرة هيليكوبتر وكذلك الطّائرة الرّئاسية جاهزة على مدار الساعة .
بالمناسبة أذكر حادثة عشتها شخصيا في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، خلال انعقاد القمة الإفريقية .
يوم الافتتاح الرسمي جرت محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك لمّا كان في طريقه الى مقرّ القمة، فاضطرّ عديد الرّؤساء يومها الى المغادرة بما في ذلك الرئيس زين العابدين بن علي، وقد فوجئنا باتصال من قبل أحد المسؤولين بأن نتوجه الى المطار فورا للمغادرة والعودة، وهو ما حصل فعلا وكان استغرابنا أنّ الطائرة الرئاسية، التي كان من المفروض أن تكون عودتها بعد يومين، كانت جاهزة بكامل طاقمها وانطلقت حالما صعد رئيس الدولة ومن أمكن من الالتحاق من بقية الوفد .
من المفارقة وهذا عشته وشاهدته بأم عيني أن بعض المسؤولين والمرافقين تأخروا في الوصول ولم يتمكنوا من الصعود الى الطائرة التي انطلقت حالما صعد الرئيس وأخذت في السير، فكانوا يجرون على الممرّ وراءها ولكن دون جدوى، لأن الإجراءات تقتضي ذلك.
المعلوم أنّ أغلب أجهزة الاستخبارات في العالم هي عوالم سرية، من الصعب جدا دخولها أو استكشاف عوالمها .
من أخطر القرارات التي تمّ اتخاذها بعد 14 جانفي 2011 وبخلفية مبيتة هي حل مصالح الاستخبارات التونسية، الأمر الذي أدى إلى تلك الفوضى التي عرفناها .
(للحديث صلة)
يرويها: أبوبكر الصغير
لا يجب أن ننسى أن البحر مؤلف من قطرات وأن في كل قطرة كل ما في البحر من أنباء ومعان.
حادثة تحطم طائرة يفغيني بريغوجين قائد مجموعة فاغنر الروسية كانت بمثابة الخبر الزلزال الذي هزّ العالم.
إن الحروب قبل أن نراها على الجبهات فهي تدور في الغرف المظلمة وكواليس السياسة والاستخبارات .
عندما أرادت المخابرات الأمريكية في أوج الحرب الباردة التعرّف على الحالة الصحية لرئيس الاتحاد السوفياتي ليونيد بريجنيف (1964 - 1982)، تحيّنت فرصة زيارته لمقرّ الأمم المتحدة بنيويورك وقامت بربط قنوات الحمام الخاص به داخل الجناح الرئاسي بالفندق بقنوات أخرى خارج شبكة الصرف الصحي وجمعت في حاويات كلّ ما يلقي به من براز وبول، ثمّ نقلت ذلك الى مخبر سري للتحاليل والكشف عن حقيقة الوضع الصحي لزعيم الاتحاد السوفياتي وبالتالي إصابته بأمراض خطيرة تهدّد ما تبقى من أيام حياته .
منذ هذه الحادثة، أصبحت أجهزة واستخبارات أغلب قادة دول العالم لا تترك أيّ آثار تتعلق بالرؤساء وغالبا ما يتم اعتماد أجهزة ذاتية لإعدامها أو إعادتها للبلد الأصل .
ليس من مهمّة أعقد وأصعب في أيّ دولة من حماية الرّئيس، وهو أمر عادة ما يتكفّل به أفضل ما لديها من رجالات استخبارات وأمن وحتى جنود. .
الجميع يذكر حادثة إقالة عبد الرحمان بلحاج علي مدير الأمن الرّئاسي الأسبق في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي الذي أبهرني شخصيا بسعة معارفه وثقافته الموسوعية، والأهم انضباطه وإخلاصه.
كانت الفترة صيفا، وكعادته كان رئيس الدولة يتنقل الى قصره بالحمامات، فاجأ فجر أحد الأيام الجميع بأن استفاق وقرر الالتحاق بمكتبه بالقصر الرئاسي بقرطاج، لكن فوجئ بتأخير في تجهيز السيارة الرّئاسية الأمر الذي أثار غضبه، مع العلم أن البروتوكلات الأمنية تقتضي أن تكون كلّ وسائل النقل من سيارة رئاسية وإسعاف وبارجة وحتى طائرة هيليكوبتر وكذلك الطّائرة الرّئاسية جاهزة على مدار الساعة .
بالمناسبة أذكر حادثة عشتها شخصيا في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، خلال انعقاد القمة الإفريقية .
يوم الافتتاح الرسمي جرت محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك لمّا كان في طريقه الى مقرّ القمة، فاضطرّ عديد الرّؤساء يومها الى المغادرة بما في ذلك الرئيس زين العابدين بن علي، وقد فوجئنا باتصال من قبل أحد المسؤولين بأن نتوجه الى المطار فورا للمغادرة والعودة، وهو ما حصل فعلا وكان استغرابنا أنّ الطائرة الرئاسية، التي كان من المفروض أن تكون عودتها بعد يومين، كانت جاهزة بكامل طاقمها وانطلقت حالما صعد رئيس الدولة ومن أمكن من الالتحاق من بقية الوفد .
من المفارقة وهذا عشته وشاهدته بأم عيني أن بعض المسؤولين والمرافقين تأخروا في الوصول ولم يتمكنوا من الصعود الى الطائرة التي انطلقت حالما صعد الرئيس وأخذت في السير، فكانوا يجرون على الممرّ وراءها ولكن دون جدوى، لأن الإجراءات تقتضي ذلك.
المعلوم أنّ أغلب أجهزة الاستخبارات في العالم هي عوالم سرية، من الصعب جدا دخولها أو استكشاف عوالمها .
من أخطر القرارات التي تمّ اتخاذها بعد 14 جانفي 2011 وبخلفية مبيتة هي حل مصالح الاستخبارات التونسية، الأمر الذي أدى إلى تلك الفوضى التي عرفناها .