إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

آلاف المتضررين.. وآلاف الفارين من أحكام.. هل يتحقق مطلب إلغاء التجريم في قضايا الشيك دون رصيد؟!

 

تونس – الصباح

الشيكات دون رصيد ليست مجرّد جريمة يعاقب عليها القانون التونسي بعقوبات صارمة وسنوات من السجن لمجرّد عدم توفّر رصيد صكّ ما.. ولكنها ظاهرة يتشابك فيها الاجتماعي بالاقتصادي.. حيث أنها أيضا تعني أسرا مشرّدة وأطفالا دون عائل.. حياة مهنية قد تتوقّف تماما وتنهار لمجرّد خطأ كان يمكن تداركه بأكثر من طريقة، ومؤسسات صغرى ومتوسطة مفلسة ومنقرضة وآلاف مواطن الشغل المفقودة.. العشرات اليوم في السجن بعد أن فقدوا عملهم ومؤسساتهم ومشاريعهم وفقدوا حتى استقرارهم الأسري بسبب الشيكات دون رصيد ..

وأمام هذه الوضعية المعقّدة والتي تتقاطع وتتشابك فيها عدة أمور مثل حقوق الدائنين والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية للعقوبات السالبة للحرية، باتت هناك مطالب ملّحة في السنوات الأخيرة لمراجعة وتنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية المعروف بقانون الشيكات، وقد وجد هذا المطلب تفاعلا من طرف رئيس الجمهورية الذي أعلن منذ أشهر عن ضرورة إيجاد حلول جديدة في التعاطي مع المورطين في قضايا شيكات دون رصيد وقد أعلنت رئاسة الجمهورية في وقت سابق عن تقدّم الدراسات حول إعداد مشروع قانون لتنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية يحفظ حقوق الدائنين ويمكّن في الآن ذاته من أصدر صكا بدون رصيد من أن يسوي وضعيته، وذلك استئناسا الى تجارب مقارنة أشار إليها وقتها بلاغ الرئاسة، الذي أكّد أيضا الوضع الحالي لا يستفيد منه لا الدائن ولا من هو قابع وراء القضبان.

تنقيح القانون..

هذه الإحصائيات المخيفة تؤكد مدى جدية هذه المسألة وخطورتها في آن، وما يؤكد طابعها الاستعجالي أيضا، وفي هذا الإطار انتظمت أول أمس بمقر وزارة العدل جلسة عمل خصّصت للنظر في مشروع قانون يتعلق بتنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية، المعروف بتسمية «قانون الشيكات». وأكدت وزيرة العدل ليلى جفال وفق بلاغ  أصدرته الوزارة في الغرض بأن مشروع القانون يندرج ضمن دعم دور العدالة في دفع الاقتصاد الوطني وتطوير المنظومة التشريعية في مجال قانون الأعمال مع مراعاة الظروف الاجتماعية والمالية للمتعاملين الاقتصاديين وأصحاب المؤسسات خاصة الصغرى منها والمتوسطة. وأشارت إلى أن الوزارة أولت أهمية كبرى لهذا المشروع باعتباره أحد البرامج التي تحظى بمتابعة خاصة من قبل رئيس الجمهورية.

وحسب وزارة العدل فإن مشروع القانون إلى دعم أمان وموثوقية التعامل بالصكوك البنكية وذلك عبر تكريس مسؤولية المؤسسات البنكية والمصرفية وحوكمة علاقتها بحرفائها بالإضافة إلى تعديل المنظومة القانونية للشيكات نحو تسوية وضعية المدين وضمان حريته مع الحفاظ على حقوق الدائنين في استخلاص المبالغ المستحقة.

تجدر الإشارة إلى أن لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب تنظر بدورها في مشروع هذا القانون وينص الفصل 411 من القانون التجاري على أنّه « يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية تساوي 40% من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على أن لا تقل عن 20% من مبلغ الشيك أو باقي قيمته كل من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه".

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أكد في وقت سابق أنه «يجب أن يقوم مشروع القانون على تحقيق التوازن المنشود بين حقوق الدائنين من جهة التي يجب أن تكون محفوظة وإخراج من تمّ الحكم عليهم من أجل إصدار صكوك بدون رصيد من السجون، فلا الدائن منتفع ولا من يقبع في السجن قادر على تسوية وضعيته من وراء القضبان «.

وكانت بيانات رسمية من مصالح الإحصاء بوزارة العدل قد أشارت سابقا إلى تسجيل زيادات سنوية في عدد قضايا الشيكات التي مرت من 120 ألف قضية عام 2014 إلى 173 ألفا خلال السنة القضائية 2016 -2017 ثم إلى 193 ألفا خلال العام القضائي 2017 -2018.

 

مطالب ملحة من طرف «الضحايا «

ضحايا الشيكات دون رصيد ليسوا فقط الدائنين الذين لا يجدون رصيدا يغطي نفقاتهم أو سلعهم ولكن الضحايا أيضا هم مصدرو الصكوك كذلك الذين يجدون أنفسهم خلف القضبان دون أي إمكانية لتسوية وضعيتهم خاصة وان عددا هاما منهم من أصحاب المشاريع الصغرى الذين اضطروا الى إصدار شيكات دون رصيد بسبب تعطل مشاريعهم..

وفي هذا السياق أكّد رئيس الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، عبد الرزاق حواص، في وقت سابق إن 7200 تونسي يقبعون في السجون بسبب عدم خلاص الشيكات بينما يقدر عدد الفارين من الأحكام بـ420 ألفا من بينهم 10800 هربوا خارج التراب التونسي. ويصرّ حواص على اعتبار أن إلغاء عقوبة الحبس للملاحقين في قضايا الشيكات عبر إلغاء أحكام الفصل 411 من المجلة التجارية سينهي معاناة آلاف التونسيين من صغار ومتوسطي المستثمرين الذين يدفعون ثمنا غاليا بسبب نقص السيولة لديهم واستعمال الشيكات كوسيلة دفع مؤجلة.

تعتبر الأمم المتحدة أن العقوبات السالبة للحرية في قضايا الشيك دون رصيد مخالفة لأحكام المادة 11 من ميثاق الأمم المتحدة الدولي، الذي صادقت عليه تونس ودخل حيز التنفيذ منذ 1976، والذي ينص على أنه "لا يجوز حبس أي شخص لأنه لم يف بالتزاماته التعاقدية".

وتكشف بيانات صادرة عن البنك المركزي التونسي سنة 2022 حول وسائل الدفع أن الشيكات المرفوضة لعدم كفاية الرصيد أو انعدامه بلغت 392 ألف شيك من مجموع 25.3 مليون شيك جرى تداوله العام الماضي.

وإذا كان رئيس جمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة قد نبه الى وجود آلاف التونسيين في السجون بسبب الشيكات دون رصيد فإن مقرر لجنة التشريع العام بالبرلمان ظافر الصغيري أكد في تصريحات إعلامية أن عدد المساجين الذين تعلقت بهم قضايا الصكوك دون رصيد بلغ 365، وذلك استنادا لأرقام رسمية للدولة التونسية وفق تعبيره، مشددا على ضرورة مراجعة فكرة العقوبة السجنية في هذه القضايا. ولأن لجنة التشريع العام منكبة على إعداد مشروع قانون قال ظافر الصغيري أن اللجنة ارتأت أن تنطلق بالاستماعات في هذا الغرض وأنها استمتعت  لممثلين عن وزارة العدل والبنك المركزي ووزارة المالية، ولممثلي الجمعية التونسية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة والمحامين والقضاة، وأن كل الآراء تؤكد أن العقوبة السجنية ليست الحلّ .

ورغم ذلك فان هناك اليوم بعض الأطراف التي ترفض إسقاط العقوبة السجنية ومنها الجمعية التونسية لمكافحة الفساد الذي يؤكدها رئيسها  إبراهيم الميساوي إنّه من غير المنطقي المطالبة بإلغاء العقوبات السجنية في جرائم الشيكات دون رصيد معتبرا أنّ الشيك بدون رصيد «جريمة تحيل لأنّ صاحب الصك يعلم مسبقا انه لا يملك السيولة الكافية «.

وانتظار الصيغة الجديد للفصل 411 تجاري فانه من الضروري مراجعة مسألة العقوبة السالبة للحرية والتي لا تخدم أي طرف في عملية الشيك دون رصيد .

منية العرفاوي

آلاف المتضررين.. وآلاف الفارين من أحكام..   هل يتحقق مطلب إلغاء التجريم في قضايا الشيك دون رصيد؟!

 

تونس – الصباح

الشيكات دون رصيد ليست مجرّد جريمة يعاقب عليها القانون التونسي بعقوبات صارمة وسنوات من السجن لمجرّد عدم توفّر رصيد صكّ ما.. ولكنها ظاهرة يتشابك فيها الاجتماعي بالاقتصادي.. حيث أنها أيضا تعني أسرا مشرّدة وأطفالا دون عائل.. حياة مهنية قد تتوقّف تماما وتنهار لمجرّد خطأ كان يمكن تداركه بأكثر من طريقة، ومؤسسات صغرى ومتوسطة مفلسة ومنقرضة وآلاف مواطن الشغل المفقودة.. العشرات اليوم في السجن بعد أن فقدوا عملهم ومؤسساتهم ومشاريعهم وفقدوا حتى استقرارهم الأسري بسبب الشيكات دون رصيد ..

وأمام هذه الوضعية المعقّدة والتي تتقاطع وتتشابك فيها عدة أمور مثل حقوق الدائنين والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية للعقوبات السالبة للحرية، باتت هناك مطالب ملّحة في السنوات الأخيرة لمراجعة وتنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية المعروف بقانون الشيكات، وقد وجد هذا المطلب تفاعلا من طرف رئيس الجمهورية الذي أعلن منذ أشهر عن ضرورة إيجاد حلول جديدة في التعاطي مع المورطين في قضايا شيكات دون رصيد وقد أعلنت رئاسة الجمهورية في وقت سابق عن تقدّم الدراسات حول إعداد مشروع قانون لتنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية يحفظ حقوق الدائنين ويمكّن في الآن ذاته من أصدر صكا بدون رصيد من أن يسوي وضعيته، وذلك استئناسا الى تجارب مقارنة أشار إليها وقتها بلاغ الرئاسة، الذي أكّد أيضا الوضع الحالي لا يستفيد منه لا الدائن ولا من هو قابع وراء القضبان.

تنقيح القانون..

هذه الإحصائيات المخيفة تؤكد مدى جدية هذه المسألة وخطورتها في آن، وما يؤكد طابعها الاستعجالي أيضا، وفي هذا الإطار انتظمت أول أمس بمقر وزارة العدل جلسة عمل خصّصت للنظر في مشروع قانون يتعلق بتنقيح الفصل 411 من المجلة التجارية، المعروف بتسمية «قانون الشيكات». وأكدت وزيرة العدل ليلى جفال وفق بلاغ  أصدرته الوزارة في الغرض بأن مشروع القانون يندرج ضمن دعم دور العدالة في دفع الاقتصاد الوطني وتطوير المنظومة التشريعية في مجال قانون الأعمال مع مراعاة الظروف الاجتماعية والمالية للمتعاملين الاقتصاديين وأصحاب المؤسسات خاصة الصغرى منها والمتوسطة. وأشارت إلى أن الوزارة أولت أهمية كبرى لهذا المشروع باعتباره أحد البرامج التي تحظى بمتابعة خاصة من قبل رئيس الجمهورية.

وحسب وزارة العدل فإن مشروع القانون إلى دعم أمان وموثوقية التعامل بالصكوك البنكية وذلك عبر تكريس مسؤولية المؤسسات البنكية والمصرفية وحوكمة علاقتها بحرفائها بالإضافة إلى تعديل المنظومة القانونية للشيكات نحو تسوية وضعية المدين وضمان حريته مع الحفاظ على حقوق الدائنين في استخلاص المبالغ المستحقة.

تجدر الإشارة إلى أن لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب تنظر بدورها في مشروع هذا القانون وينص الفصل 411 من القانون التجاري على أنّه « يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية تساوي 40% من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على أن لا تقل عن 20% من مبلغ الشيك أو باقي قيمته كل من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه".

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أكد في وقت سابق أنه «يجب أن يقوم مشروع القانون على تحقيق التوازن المنشود بين حقوق الدائنين من جهة التي يجب أن تكون محفوظة وإخراج من تمّ الحكم عليهم من أجل إصدار صكوك بدون رصيد من السجون، فلا الدائن منتفع ولا من يقبع في السجن قادر على تسوية وضعيته من وراء القضبان «.

وكانت بيانات رسمية من مصالح الإحصاء بوزارة العدل قد أشارت سابقا إلى تسجيل زيادات سنوية في عدد قضايا الشيكات التي مرت من 120 ألف قضية عام 2014 إلى 173 ألفا خلال السنة القضائية 2016 -2017 ثم إلى 193 ألفا خلال العام القضائي 2017 -2018.

 

مطالب ملحة من طرف «الضحايا «

ضحايا الشيكات دون رصيد ليسوا فقط الدائنين الذين لا يجدون رصيدا يغطي نفقاتهم أو سلعهم ولكن الضحايا أيضا هم مصدرو الصكوك كذلك الذين يجدون أنفسهم خلف القضبان دون أي إمكانية لتسوية وضعيتهم خاصة وان عددا هاما منهم من أصحاب المشاريع الصغرى الذين اضطروا الى إصدار شيكات دون رصيد بسبب تعطل مشاريعهم..

وفي هذا السياق أكّد رئيس الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، عبد الرزاق حواص، في وقت سابق إن 7200 تونسي يقبعون في السجون بسبب عدم خلاص الشيكات بينما يقدر عدد الفارين من الأحكام بـ420 ألفا من بينهم 10800 هربوا خارج التراب التونسي. ويصرّ حواص على اعتبار أن إلغاء عقوبة الحبس للملاحقين في قضايا الشيكات عبر إلغاء أحكام الفصل 411 من المجلة التجارية سينهي معاناة آلاف التونسيين من صغار ومتوسطي المستثمرين الذين يدفعون ثمنا غاليا بسبب نقص السيولة لديهم واستعمال الشيكات كوسيلة دفع مؤجلة.

تعتبر الأمم المتحدة أن العقوبات السالبة للحرية في قضايا الشيك دون رصيد مخالفة لأحكام المادة 11 من ميثاق الأمم المتحدة الدولي، الذي صادقت عليه تونس ودخل حيز التنفيذ منذ 1976، والذي ينص على أنه "لا يجوز حبس أي شخص لأنه لم يف بالتزاماته التعاقدية".

وتكشف بيانات صادرة عن البنك المركزي التونسي سنة 2022 حول وسائل الدفع أن الشيكات المرفوضة لعدم كفاية الرصيد أو انعدامه بلغت 392 ألف شيك من مجموع 25.3 مليون شيك جرى تداوله العام الماضي.

وإذا كان رئيس جمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة قد نبه الى وجود آلاف التونسيين في السجون بسبب الشيكات دون رصيد فإن مقرر لجنة التشريع العام بالبرلمان ظافر الصغيري أكد في تصريحات إعلامية أن عدد المساجين الذين تعلقت بهم قضايا الصكوك دون رصيد بلغ 365، وذلك استنادا لأرقام رسمية للدولة التونسية وفق تعبيره، مشددا على ضرورة مراجعة فكرة العقوبة السجنية في هذه القضايا. ولأن لجنة التشريع العام منكبة على إعداد مشروع قانون قال ظافر الصغيري أن اللجنة ارتأت أن تنطلق بالاستماعات في هذا الغرض وأنها استمتعت  لممثلين عن وزارة العدل والبنك المركزي ووزارة المالية، ولممثلي الجمعية التونسية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة والمحامين والقضاة، وأن كل الآراء تؤكد أن العقوبة السجنية ليست الحلّ .

ورغم ذلك فان هناك اليوم بعض الأطراف التي ترفض إسقاط العقوبة السجنية ومنها الجمعية التونسية لمكافحة الفساد الذي يؤكدها رئيسها  إبراهيم الميساوي إنّه من غير المنطقي المطالبة بإلغاء العقوبات السجنية في جرائم الشيكات دون رصيد معتبرا أنّ الشيك بدون رصيد «جريمة تحيل لأنّ صاحب الصك يعلم مسبقا انه لا يملك السيولة الكافية «.

وانتظار الصيغة الجديد للفصل 411 تجاري فانه من الضروري مراجعة مسألة العقوبة السالبة للحرية والتي لا تخدم أي طرف في عملية الشيك دون رصيد .

منية العرفاوي