إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

لحظات الفرح الصّعب...

 

 

بقلم: محمد السبوعي(*)

*نعم وضعت المهرجانات الصيفية أوزارها في بلاد تئنّ تحت إكراهات سياسية اقتصادية بالغة التعقيد..حتى ان الجميع يستكثر الفرح على هذا الشعب الذي مرّ بعديد المحن عبر التاريخ

وضعت المهرجانات الصيفية أوزارها بعد الكثير من اللغو والسخط والتبرم والاستياء .. فالفرح عملة نادرة في بلادنا بعد أن تغير كل شيء..وذهب كل شيء ..ولم يعد التونسي أنيقا كعادته يحب الحياة إذا ما استطاع إليها سبيلا على رأي محمود درويش.. في الماضي القريب..لم يكن التونسي مستأنسا بالطوابير الاشتراكية في المعسكر الشرقي..ولا بوحشية رأس المال في المعسكر الغربي...كان التونسي سعيدا باستقلاله وعودة أراضيه الزراعية..فرحا بنجاح أبنائه في السنة السادسة إبتدائي ..فتذبح الخراف وتنطلق الزغاريد من أجل شهادة ختم الدراسة الابتدائية..أما الباكالوريا فقد كانت فرحة عرش برمته وقبيلة كاملة...نعم الباكالوريا يجتازها التونسي على مرحلتين..فتنتصب الموائد وتقام الأفراح والمسرات..فحامل الباكالوريا أيامها ملك متوّج وفخر عائلته وقبيلته..ذهبت تلك الأيام..ذهبت إلى الأبد ..

           

لم يعد الطبل يجمع التونسيين ولم تعد تفرقهم العصا على رأي بن خلدون ..بل فرقتهم الأحزاب ... والبدر الذي طلع عليهم من ضباب لندن.. والطوائف والنعرات الجديدة التي لم يكن يعرفها التونسيون. وجمعتهم العروض الرديئة.. والقنوات الإعلامية المتكاثرة التي تعرض الأجساد وآلات الطبخ في غياب خطاب ثقافي وفكري ورؤية حديثة للمتغيرات الرهيبة التي يعرفها العالم...

نعم وضعت المهرجانات الصيفية أوزارها في بلاد تئنّ تحت إكراهات سياسية اقتصادية بالغة التعقيد..حتى ان الجميع يستكثر الفرح على هذا الشعب الذي مرّ بعديد المحن عبر التاريخ..ولكنه مجبول على النكتة والدعابة حتى في أوج خيباته وانكساراته...إذ لا تجد مقعدا في جميع مدارج المهرجانات إلا بصعوبة وأحيانا يبحث الناس عن تذاكر السهرات في السوق السوداء بأضعاف أثمانها...

      

نعم وضعت المهرجانات الصيفية أوزارها وسط عديد الخيبات والانكسارات...فالفاضل الجعايبي فنان كبير ولكنه لم يكن في يومه على ركح قرطاج ...وكوميدي فرنسي يدعى عز الدين بن جيلاني آزاد من اصول مغاربية لم يتردد في السلح على جماهير غفيرة غصّت بها مدارج المسرح الأثري مما استوجب تدخل أعلى هرم السلطة ممثلا في رئيس الجمهورية منتقدا ما آل إليه الوضع الثقافي من سقوط مريع لا يختلف عن الانهيار الاقتصادي والسياسي في محيط تعصف المتغيرات بثوابته..نعم لسنا وحدنا في هذه العاصفة فقد انفرط عقد التشاور والتنسيق مع محيطنا المغاربي وأصبح الكل يغنّي لليلاه ....

            

وبرغم أوجاعنا فقد نجحت عديد المهرجانات في بث الفرحة في قلوب التونسيين ذكرا لا حصرا مهرجان الحمامات الدولي ومهرجان الموسيقى السينفونية بالجم...والذي يبقى منارة عالمية وفخرا لتونس رغم الكارثة التي عصفت بمهرجان طبرقة للجاز...

مصرّون على الفرح والاحتفال والرقص والغناء عبر تاريخنا ...لثقتنا وقدرتنا على تجاوز المحن والصعوبات..فالتونسي مبدع بالغريزة والفطرة..يجيد السخرية من واقعه بإطلاق النكت اللاذعة..والتونسي عاشق للفرح والمسرات لكأن لسان حاله يقول بعاميتنا

"لا عرضك الزهو والطرب

لا تبدلو بشقاء ولا بتعب

*شاعر وروائي

 

 

 

 

 

لحظات الفرح الصّعب...

 

 

بقلم: محمد السبوعي(*)

*نعم وضعت المهرجانات الصيفية أوزارها في بلاد تئنّ تحت إكراهات سياسية اقتصادية بالغة التعقيد..حتى ان الجميع يستكثر الفرح على هذا الشعب الذي مرّ بعديد المحن عبر التاريخ

وضعت المهرجانات الصيفية أوزارها بعد الكثير من اللغو والسخط والتبرم والاستياء .. فالفرح عملة نادرة في بلادنا بعد أن تغير كل شيء..وذهب كل شيء ..ولم يعد التونسي أنيقا كعادته يحب الحياة إذا ما استطاع إليها سبيلا على رأي محمود درويش.. في الماضي القريب..لم يكن التونسي مستأنسا بالطوابير الاشتراكية في المعسكر الشرقي..ولا بوحشية رأس المال في المعسكر الغربي...كان التونسي سعيدا باستقلاله وعودة أراضيه الزراعية..فرحا بنجاح أبنائه في السنة السادسة إبتدائي ..فتذبح الخراف وتنطلق الزغاريد من أجل شهادة ختم الدراسة الابتدائية..أما الباكالوريا فقد كانت فرحة عرش برمته وقبيلة كاملة...نعم الباكالوريا يجتازها التونسي على مرحلتين..فتنتصب الموائد وتقام الأفراح والمسرات..فحامل الباكالوريا أيامها ملك متوّج وفخر عائلته وقبيلته..ذهبت تلك الأيام..ذهبت إلى الأبد ..

           

لم يعد الطبل يجمع التونسيين ولم تعد تفرقهم العصا على رأي بن خلدون ..بل فرقتهم الأحزاب ... والبدر الذي طلع عليهم من ضباب لندن.. والطوائف والنعرات الجديدة التي لم يكن يعرفها التونسيون. وجمعتهم العروض الرديئة.. والقنوات الإعلامية المتكاثرة التي تعرض الأجساد وآلات الطبخ في غياب خطاب ثقافي وفكري ورؤية حديثة للمتغيرات الرهيبة التي يعرفها العالم...

نعم وضعت المهرجانات الصيفية أوزارها في بلاد تئنّ تحت إكراهات سياسية اقتصادية بالغة التعقيد..حتى ان الجميع يستكثر الفرح على هذا الشعب الذي مرّ بعديد المحن عبر التاريخ..ولكنه مجبول على النكتة والدعابة حتى في أوج خيباته وانكساراته...إذ لا تجد مقعدا في جميع مدارج المهرجانات إلا بصعوبة وأحيانا يبحث الناس عن تذاكر السهرات في السوق السوداء بأضعاف أثمانها...

      

نعم وضعت المهرجانات الصيفية أوزارها وسط عديد الخيبات والانكسارات...فالفاضل الجعايبي فنان كبير ولكنه لم يكن في يومه على ركح قرطاج ...وكوميدي فرنسي يدعى عز الدين بن جيلاني آزاد من اصول مغاربية لم يتردد في السلح على جماهير غفيرة غصّت بها مدارج المسرح الأثري مما استوجب تدخل أعلى هرم السلطة ممثلا في رئيس الجمهورية منتقدا ما آل إليه الوضع الثقافي من سقوط مريع لا يختلف عن الانهيار الاقتصادي والسياسي في محيط تعصف المتغيرات بثوابته..نعم لسنا وحدنا في هذه العاصفة فقد انفرط عقد التشاور والتنسيق مع محيطنا المغاربي وأصبح الكل يغنّي لليلاه ....

            

وبرغم أوجاعنا فقد نجحت عديد المهرجانات في بث الفرحة في قلوب التونسيين ذكرا لا حصرا مهرجان الحمامات الدولي ومهرجان الموسيقى السينفونية بالجم...والذي يبقى منارة عالمية وفخرا لتونس رغم الكارثة التي عصفت بمهرجان طبرقة للجاز...

مصرّون على الفرح والاحتفال والرقص والغناء عبر تاريخنا ...لثقتنا وقدرتنا على تجاوز المحن والصعوبات..فالتونسي مبدع بالغريزة والفطرة..يجيد السخرية من واقعه بإطلاق النكت اللاذعة..والتونسي عاشق للفرح والمسرات لكأن لسان حاله يقول بعاميتنا

"لا عرضك الزهو والطرب

لا تبدلو بشقاء ولا بتعب

*شاعر وروائي