إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تراجع نشاطه.. و"شحّت" موارده.. المجتمع المدني في تونس في مواجهة السلطة ونقص التمويلات

 

- صلاح الدين الجورشي لـ"الصباح": "المنظمات مازالت تبذل مجهودات للدفاع عن الحريات وإثبات وجودها في بعض الأزمات الطارئة"

تونس - الصباح

تراجع نشاط المجتمع المدني التونسي خلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد 25 جويلية 2021، وأرجع المهتمون بالشأن العام ذلك إلى العديد من الأسباب منها نقص المنح والتمويلات التي كانت موجهة للمنظمات والجمعيات من قبل المانحين الدوليين. يُضاف إليها المناخ السياسي وما أفرزه من تضييقات ومحاولات للجم التحركات الميدانية وملاحقة ناشطين من المجتمع قضائيا.

إيمان عبد اللطيف

من المهم جدّا التذكير بأنّ منظمات المجتمع المدني لعبت في العقد الأخير دورا حاسما في الانتقال السياسي في تونس ما بعد الثورة. فقد نجحت في دفع الحكومات المتعاقبة إلى اعتماد القوانين الضرورية للنهوض بوضعية حقوق الإنسان، مثل قانون العدالة الانتقالية لعام 2013، إلى جانب المساهمة الجبارة في تعديل العديد من الفصول في دستور سنة 2014 وتحويل وجهتها نحو ضمان الحقوق لجميع فئات المجتمع والمحافظة خصوصا على مدنية الدولة أضف إلى ذلك النضال من أجل تمرير قانون القضاء على العنف ضد المرأة لعام 2017، وكذلك قانون مناهضة التمييز العنصري لعام 2018.

وناضل المجتمع المدني أيضًا للحفاظ على الحريات التي تحصل عليها المجتمع بعد عناء كبير من خلال انتقاد التشريعات المقترحة والتي تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان مثل مشروع قانون حماية الأمنيين والذي تم تقديمه لأول مرة إلى البرلمان في عام 2015.

الجدير بالتذكير أن النجاحات التي حققتها الديمقراطية في تونس تعود في المقام الأول إلى جهود المجتمع المدني والسياسي والتي لم تتوقف يوما منذ سنة 2011 من أجل المحافظة على مسار الانتقال الديمقراطي.

لكن، الوضع تغيّر اليوم، فكان لجائحة كورونا الوقع الكبير على الجميع بما في ذلك المنظمات والجمعيات التي كانت في بداية الأزمة الصحية السند الكبير لجهود الدولة في مجابهتها، بدء من توفير المساعدات والإعانات الغذائية للعائلات المعوزة والفئات الهشة مرورا بحملات التوعية للوقاية من الفيروس ولعب دور مهم جدا في تقديم العون على المستوى الصحي.

هذه الأزمة في الوقت الذي برزت فيه بعض المنظمات والجمعيات التي توجهت كليا لمجال الصحة حينها، كانت في المقابل كارثة حطت على البعض الآخر في ظل توقف مصادر التمويل والمنح باعتبار أنّ جهود المنظمات الدولية المانحة خصصت بالكامل أو في جلها لمجابهة الجائحة.

وبالتالي تغيّرت كل التوجهات والبرامج، وباتت حتى الجهات المانحة بدورها تُعاني من شح السيولة وتقلص مواردها المالية ما أثّر على نشاط الجمعيات والمنظمات وتوقف البعض منها عن مواصلة العمل في الفضاء المدني.

لكن الوضع ازداد تأزما بالنسبة لمكونات المجتمع المدني بعد 25 جويلية والمسار السياسي الجديد الذي خلق صراعات وانقسامات داخله إلى جانب التضييقات وتشديد المراقبة على مصادر التمويلات خاصة منها الأجنبية.

في هذا السياق أكد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في تصريح لـ"الصباح" أنه "صحيح تراجع أداء المجتمع المدني في الفترة الأخيرة وذلك لأسباب عديدة. ولكن، كملاحظة أولى، مازال يبذل بعض المجهودات للدفاع عن الحريات ويحاول إثبات وجوده في بعض الأزمات الطارئة مثل الأزمة الأخيرة للمهاجرين".

أما الملاحظة الثانية، وفق قوله، "التراجع يعود إلى أسباب متعددة لعل من بينها أن الذين لعبوا دورا مهما سواء قبل الثورة أو خلال السنوات الأولى منها العديد منهم كرموز في المجتمع المدني انتقلوا إلى العمل في الأحزاب السياسية أو اندمجوا في السلطة وبالتالي ابتعدوا كثيرا وتركوا فراغا مهما في الجمعيات التي كانوا ينشطون فيها وهذا أثر على أداء الجيل الجديد الذي انخرط في المنظمات دون أن تكون له الخبرة".

وقال الجورشي "العامل الثالث الذي يعد مهما، يتمثل في أن هناك انقسامات وصراعات داخل الجمعيات، وصراعات بين الجمعيات في ما بينها ما أثر بشكل ملحوظ على الاثنان. وهذا الصراع يعود سواء من أجل الظهور أو التحزب أو خدمة أحزاب".

وأضاف "هناك أيضا عامل آخر أن هناك أزمة ثقة بين السلطة الجديدة الملتفة حول الرئيس قيس سعيد وبين المجتمع المدني وأن هناك نظرية، والتي يتبناها الرئيس، أن هذه الجمعيات الوسيطة لا قيمة لها وتلعب دورا سلبيا، لذلك لابد من التخلي عنها وتركها تموت تدريجيا حتى يكون هناك مجتمع بدونها لأنه يشك في كل طرف ويعتبره مرتبطا بالخارج أكثر من الداخل".

أما بالنسبة للتمويل، أوضح صلاح الدين الجورشي أن "هذه المسألة مهمة جدا خاصة وأنه كثر اللغط حولها، ولكن في الحقيقة في خصوص التمويلات الخارجية لولا تخلي السلطة عن أداء دورها ودعم هذه الجمعيات لما تم اللجوء والاحتياج إلى المنظمات والمؤسسات الدولية. فما دفع مكونات المجتمع المدني للالتجاء إلى الخارج هي الدولة بشكل أساسي".

في ذات السياق ذهب العديد من المهتمين بالشأن العام إلى القول والتفسير بأن تراجع نشاط المجتمع المدني يعود إلى تغيير المانحين الدوليين لخياراتهم فلم تعد تونس وجهة للدعم والمساعدة.

فبيّن الجورشي أن "تونس لا تزال على قائمة اهتمامات المنظمات الدولية، لكن المشكلة بأنها أصبحت تتعامل مع سلطة معادية لها تشكك في دورها وأدائها. فرئيس الدولة يعتبرها تلعب دور اختراق والتدخل في الشأن الداخلي. فلا تريد أن تخوض معركة معه إلا المنظمات المناضلة مثل الأمنستي واليومن رايتس واتش والمنظمات الحقوقية فبقيت تصدر تصريحات وتقارير ضد السلطة في تونس وتتهمها اتهامات خطيرة".

وأضاف "لكن بشكل عام مؤسسات التمويل تتعامل بحذر مع الوضع الراهن نتيجة الموقف السياسي منها".

 

 

 

 

 

 

تراجع نشاطه.. و"شحّت" موارده..   المجتمع المدني في تونس في مواجهة السلطة ونقص التمويلات

 

- صلاح الدين الجورشي لـ"الصباح": "المنظمات مازالت تبذل مجهودات للدفاع عن الحريات وإثبات وجودها في بعض الأزمات الطارئة"

تونس - الصباح

تراجع نشاط المجتمع المدني التونسي خلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد 25 جويلية 2021، وأرجع المهتمون بالشأن العام ذلك إلى العديد من الأسباب منها نقص المنح والتمويلات التي كانت موجهة للمنظمات والجمعيات من قبل المانحين الدوليين. يُضاف إليها المناخ السياسي وما أفرزه من تضييقات ومحاولات للجم التحركات الميدانية وملاحقة ناشطين من المجتمع قضائيا.

إيمان عبد اللطيف

من المهم جدّا التذكير بأنّ منظمات المجتمع المدني لعبت في العقد الأخير دورا حاسما في الانتقال السياسي في تونس ما بعد الثورة. فقد نجحت في دفع الحكومات المتعاقبة إلى اعتماد القوانين الضرورية للنهوض بوضعية حقوق الإنسان، مثل قانون العدالة الانتقالية لعام 2013، إلى جانب المساهمة الجبارة في تعديل العديد من الفصول في دستور سنة 2014 وتحويل وجهتها نحو ضمان الحقوق لجميع فئات المجتمع والمحافظة خصوصا على مدنية الدولة أضف إلى ذلك النضال من أجل تمرير قانون القضاء على العنف ضد المرأة لعام 2017، وكذلك قانون مناهضة التمييز العنصري لعام 2018.

وناضل المجتمع المدني أيضًا للحفاظ على الحريات التي تحصل عليها المجتمع بعد عناء كبير من خلال انتقاد التشريعات المقترحة والتي تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان مثل مشروع قانون حماية الأمنيين والذي تم تقديمه لأول مرة إلى البرلمان في عام 2015.

الجدير بالتذكير أن النجاحات التي حققتها الديمقراطية في تونس تعود في المقام الأول إلى جهود المجتمع المدني والسياسي والتي لم تتوقف يوما منذ سنة 2011 من أجل المحافظة على مسار الانتقال الديمقراطي.

لكن، الوضع تغيّر اليوم، فكان لجائحة كورونا الوقع الكبير على الجميع بما في ذلك المنظمات والجمعيات التي كانت في بداية الأزمة الصحية السند الكبير لجهود الدولة في مجابهتها، بدء من توفير المساعدات والإعانات الغذائية للعائلات المعوزة والفئات الهشة مرورا بحملات التوعية للوقاية من الفيروس ولعب دور مهم جدا في تقديم العون على المستوى الصحي.

هذه الأزمة في الوقت الذي برزت فيه بعض المنظمات والجمعيات التي توجهت كليا لمجال الصحة حينها، كانت في المقابل كارثة حطت على البعض الآخر في ظل توقف مصادر التمويل والمنح باعتبار أنّ جهود المنظمات الدولية المانحة خصصت بالكامل أو في جلها لمجابهة الجائحة.

وبالتالي تغيّرت كل التوجهات والبرامج، وباتت حتى الجهات المانحة بدورها تُعاني من شح السيولة وتقلص مواردها المالية ما أثّر على نشاط الجمعيات والمنظمات وتوقف البعض منها عن مواصلة العمل في الفضاء المدني.

لكن الوضع ازداد تأزما بالنسبة لمكونات المجتمع المدني بعد 25 جويلية والمسار السياسي الجديد الذي خلق صراعات وانقسامات داخله إلى جانب التضييقات وتشديد المراقبة على مصادر التمويلات خاصة منها الأجنبية.

في هذا السياق أكد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في تصريح لـ"الصباح" أنه "صحيح تراجع أداء المجتمع المدني في الفترة الأخيرة وذلك لأسباب عديدة. ولكن، كملاحظة أولى، مازال يبذل بعض المجهودات للدفاع عن الحريات ويحاول إثبات وجوده في بعض الأزمات الطارئة مثل الأزمة الأخيرة للمهاجرين".

أما الملاحظة الثانية، وفق قوله، "التراجع يعود إلى أسباب متعددة لعل من بينها أن الذين لعبوا دورا مهما سواء قبل الثورة أو خلال السنوات الأولى منها العديد منهم كرموز في المجتمع المدني انتقلوا إلى العمل في الأحزاب السياسية أو اندمجوا في السلطة وبالتالي ابتعدوا كثيرا وتركوا فراغا مهما في الجمعيات التي كانوا ينشطون فيها وهذا أثر على أداء الجيل الجديد الذي انخرط في المنظمات دون أن تكون له الخبرة".

وقال الجورشي "العامل الثالث الذي يعد مهما، يتمثل في أن هناك انقسامات وصراعات داخل الجمعيات، وصراعات بين الجمعيات في ما بينها ما أثر بشكل ملحوظ على الاثنان. وهذا الصراع يعود سواء من أجل الظهور أو التحزب أو خدمة أحزاب".

وأضاف "هناك أيضا عامل آخر أن هناك أزمة ثقة بين السلطة الجديدة الملتفة حول الرئيس قيس سعيد وبين المجتمع المدني وأن هناك نظرية، والتي يتبناها الرئيس، أن هذه الجمعيات الوسيطة لا قيمة لها وتلعب دورا سلبيا، لذلك لابد من التخلي عنها وتركها تموت تدريجيا حتى يكون هناك مجتمع بدونها لأنه يشك في كل طرف ويعتبره مرتبطا بالخارج أكثر من الداخل".

أما بالنسبة للتمويل، أوضح صلاح الدين الجورشي أن "هذه المسألة مهمة جدا خاصة وأنه كثر اللغط حولها، ولكن في الحقيقة في خصوص التمويلات الخارجية لولا تخلي السلطة عن أداء دورها ودعم هذه الجمعيات لما تم اللجوء والاحتياج إلى المنظمات والمؤسسات الدولية. فما دفع مكونات المجتمع المدني للالتجاء إلى الخارج هي الدولة بشكل أساسي".

في ذات السياق ذهب العديد من المهتمين بالشأن العام إلى القول والتفسير بأن تراجع نشاط المجتمع المدني يعود إلى تغيير المانحين الدوليين لخياراتهم فلم تعد تونس وجهة للدعم والمساعدة.

فبيّن الجورشي أن "تونس لا تزال على قائمة اهتمامات المنظمات الدولية، لكن المشكلة بأنها أصبحت تتعامل مع سلطة معادية لها تشكك في دورها وأدائها. فرئيس الدولة يعتبرها تلعب دور اختراق والتدخل في الشأن الداخلي. فلا تريد أن تخوض معركة معه إلا المنظمات المناضلة مثل الأمنستي واليومن رايتس واتش والمنظمات الحقوقية فبقيت تصدر تصريحات وتقارير ضد السلطة في تونس وتتهمها اتهامات خطيرة".

وأضاف "لكن بشكل عام مؤسسات التمويل تتعامل بحذر مع الوضع الراهن نتيجة الموقف السياسي منها".