إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الكاتب والمنتج التلفزيوني عبد الجبار الشريف لـ"الصباح": الرؤية الوطنية لمنزلة ثقافة الطفل اليوم تتصف بضبابية الرؤية والتهميش

 حوار: محسن بن احمد

 

تونس - الصباح

شدت المحادثة التي أجراها رئيس يوم الجمعة 4/8/2023 بقصر قرطاج مع الرئيسة المديرة العامة للتلفزة التونسية عواطف الدالي  اهتمام  المشهد الإعلامي من خلال تعدد التعاليق والاستنتاجات بين مؤيد لمضمونها ومنتقد ورافض لها وأبى كاتب الأطفال والمنتج التلفزي الأستاذ عبد الجبار الشريف المعروف ببرنامجه (إصدارات تونسية) بالقناة الوطنية الأولى، وبتجربته الثرية في مجال ثقافة الأطفال المسموعة والمرئية والمكتوبة منذ عقود من التوقف عند هذه المحادثة في لقاء معه هذه تفاصيله يقول الأستاذ عبد الجبار الشريف في بداية هذا اللقاء معه

 - ما شدّني إلى مداخلة رئيس الجمهورية لدى لقائه الرئيسة المديرة العامة للتلفزة التونسية عواطف الدالي إلحاحه على كلمات مفاتيح بعينها "المستقبل"، "عدم التطلع إلى الوراء"، "عدم التنكّر لتاريخنا" فالمخاطب في هذا اللقاء هي الرئيسة المديرة العامة لمؤسسة التلفزة التونسية والجهاز الذي تديره، وسيلة إعلام جماهيرية مرئية هي التلفزة و"المستقبل" في اعتقادي – تمثله الناشئة وشريحة واليافعين.. و هذا ما يدعوني أن أثير في هذا الحديث، بحكم تخصّصي في ثقافة الأطفال، قضية "الثقافة المستقبلية لطفلنا التونسي" وحتى أكون أكثر دقة "الثقافة المرئية لطفلنا" من منطلق معايشتي المنتظمة لثقافة الأطفال عبر الوسائط الاتصالية المعروفة

لا أخفي أنّ الرؤية الوطنية لمنزلة ثقافة الطفل لا تزال تتصف بضبابية الرؤية وتهميش قطاع الطفولة، وهذه الشريحة – لِلْعِلْمِ – تمثل قاعدة تتميز باتساعها النسبي في هرم بلادنا السكاني. وإذا كان حال ثقافة الأطفال المكتوبة أفضل فإنّ ثقافة الأطفال المرئية في المرفق العمومي تكاد تكون منعدمة على مستوى التخطيط أو الإنتاج أو الاستيراد.. ولئن كان لهذا التهميش ما يبررّه في الأعوام الماضية أي قبل تقلد السيدة عواطف الدالي منصب الرئيسة المديرة العامة لمؤسسة  التلفزة فإنّ الحال اليوم في ظل مسؤوليتها الجديدة تقتضي تجسيم ما عبّرت لي عنه في أكثر من لقاء أي الارتقاء ببرامج الأطفال عبر تنويع أشكال التعبير وأساليب الإبلاغ والحرص على البعد الإبداعي و جمالية النص المصوّر والمساهمة في تهيئة الناشئة منذ الصغر إلى التعايش مع العلوم والتكنولوجيا ومحاورة الواقع وممارسة التعبير والتساؤل امتدادا أو تكملة لما تقدّمه ( أو لا تقدمه) المدرسة والأسرة.. أمّا عن مفهومها للتسلية أو الترفيه فترى أن تجسّمه ألعاب ومنوعات تتصف بالمناخ المريح نفسانيا وبالتنشيط الهادئ في ديكور مدروس يوحي بالحلم يتحرّك الأطفال في فضائه تلقائيا فيتفاعلون ويسألون معبّرين عمّا هو في صلب أحلامهم ومشاغلهم واهتماماتهم... وأعترف أنّ هذه الرؤية غير غريبة عن إعلامية بدأت تجربتها في التلفزة التونسية منشطة في برامج الأطفال وخاصة برنامج "عصافير الجنة"

- أي ثقافة مرئية نريد للناشئة في تونس اليوم ؟

قال : إنّ واقع ثقافة الطفل التونسي اليوم، مكتوبة و مسموعة ومرئية لا تدعو إلى التفاؤل، ولكنّه دليل لا يرقى إليه الشك على الحاجة إلى ثقافة مستقبلية تتلافى السلبيات وترسّخ الإيجابيات بغية إعداد الطفل في عالم متغيّر.. وإذا كان واقع ثقافة الطفل يساعدنا على رسم ملامح المنهج المقترح لهذه الثقافة المستقبلية، فإنه من الواجب القول إننا لا نسعى إلى ثقافة مفصولة عن الماضي والحاضر معنية بالمستقبل وحده، وإنّما نرنو إلى ثقافة تتشبث بالهوية الوطنية العربية من غير أن تنفصل عن مواكبة العصر كما نَرنُو إلى طفل يمتصّ الثقافة الجديدة المتجدّدة من غير أن تنمحِي خصوصيته وقدرته على التفكير في المستقل.

.. الثقافة المستقبلية التي نريدها لناشئتنا في هذا العصر الذي يتميز من جهة بنهضة علمية وتكنولوجية باهرة هي أن نعطي للعلم والعقلانية البعد المناسب وأن نلقّن ناشئتنا ثقافة ثرية يغذيها الزاد الثقافي العالمي، ثقافة متعدّدة الجوانب والأبعاد حَريّة بأن توفّق بين الماضي والحاضر والمستقبل ويجعل عناصرها منصهرة في تناسق وانسجام.

سؤال أيّ ثقافة نريد لناشئتنا اليوم، يقودنا كذلك إلى مسألة قيمة الغذاء الثقافي الذي نرتضيه لها.. فاشتراط الجودة والبحث عنها يمثلان في الحقيقة تمشي بيداغوجي في حدّ ذاته إذ أنّ الإنسان هو كذلك نتاج لما يُرْصَد لفائدة تنمية قدراته ونتاج ما تعوّد رؤيته وسماعه ولمسه.. فجودة الإنتاج زيادة عن أنها تتطلب أساليب خصوصية وأحيانا متفردة ووسائل مبتكرة تتطلّب أيضا ضبط مقاييس ومواصفات فنية تعوزنا أحيانا وعلينا إيجادها.. والثقافة التي نريدها للناشئة تقتضي أن تراعي المرحلة العمرية للطفل، فتقدّم للأطفال كلّ مرحلة ما يناسبهم من الزاد الثقافي بأشكال يستطيعون التواصل معها.. ولأنّ بيئتنا هشة بطبيعتها، تخضع مواردها المتجدّدة من أرض خضراء وماء عذب وبحار وبحيرات وغابات إلى استنزاف بشرى يفوق قدرة هذه الموارد على تجديد نفسها، أمّا الموارد غير المتجدّدة فنغترف منها كأننا الوارثون الوحيدون للأرض، وليست هناك أجيال جديدة من حقها أن تعيش هي أيضا، وبأفضل ممّا نعيش.. أمّا البيئة الاجتماعية فتعاني من زيادة سكانية في بعض جنباتها تزيد عن سعة الأرض والموارد، فتختلّ النّظم الطبيعية والاجتماعية والقيم جميعا.. وعلى الثقافة المستقبلية للناشئة أن تغرس فيهم ما يرفع الغشاوة عن أعينهم وأن يكونوا معمّرين حقيقيين للأرض التي استخلفوا عليها..

إنّ الثقافة المستقبلية المرئية للناشئة تفقد ثراءها المعنوي وبعدها التربوي إذا افتقر الطفل الى المضامين الدرامية بمختلف أصنافها التقليدية والحديثة وهي تمثل أيسر السّبل الفنية لتمرير المفاهيم والقيم والأنماط السلوكية لا سيّما وأن المستحدث من تكنولوجيات الاتصال والإعلام كفيل – إذا أحسن توظيفه – بخلق عناصر الجمالية والتشويق وبالتالي الرغبة في المشاهدة.. والغريب أنّ تهميش الإنتاج الدرامي الموجّه إلى الطفل يقابله حرص متزايد على انجاز مسلسل أو أكثر للشبكة الرمضانية.. وهنا يعني أنّ الحلول.. رغم ضعف الإمكانيات رهينة إرادة التلفزة على غرار سعيها إلى إثبات الذات وتعزيز المنزلة التي باتت تحظى بها المسلسلات في مجتمع الكبار..

- من هذا المنطلق ماهي رسالتك الى الإدارة العامة للتلفزة التونسية للتناغم الجدّيّ مع تطلع رئيس الجمهورية إلى المستقبل؟

- أقول إننا حين نتحدّث عن الطفل، فإنّنا نتحدّث عن المستقبل الذي نصنعُه في الحاضر، والّذي نُصوّر فيه أحلامنا وتطلُّعاتنا.. واهتمام التلفزة بوصفها جهازا إعلاميا عموميا بالأطفال سيكون حتما عملا هادفا ذا بعد استراتيجي، فهدفها الأساسي توعية أطفال تونس بأنّ ما يُبنَى في تونس اليوم هو أساس مستقبلهم وأنهم المستفيدون أوّلا ممّا سيتأسّس لفائدتهم غدًا..  التاريخ علًمنا أن المستقبل يتكوّن دوما في قلب الحاضر.

 

الكاتب والمنتج التلفزيوني عبد الجبار الشريف لـ"الصباح":  الرؤية الوطنية لمنزلة ثقافة الطفل اليوم تتصف بضبابية الرؤية والتهميش

 حوار: محسن بن احمد

 

تونس - الصباح

شدت المحادثة التي أجراها رئيس يوم الجمعة 4/8/2023 بقصر قرطاج مع الرئيسة المديرة العامة للتلفزة التونسية عواطف الدالي  اهتمام  المشهد الإعلامي من خلال تعدد التعاليق والاستنتاجات بين مؤيد لمضمونها ومنتقد ورافض لها وأبى كاتب الأطفال والمنتج التلفزي الأستاذ عبد الجبار الشريف المعروف ببرنامجه (إصدارات تونسية) بالقناة الوطنية الأولى، وبتجربته الثرية في مجال ثقافة الأطفال المسموعة والمرئية والمكتوبة منذ عقود من التوقف عند هذه المحادثة في لقاء معه هذه تفاصيله يقول الأستاذ عبد الجبار الشريف في بداية هذا اللقاء معه

 - ما شدّني إلى مداخلة رئيس الجمهورية لدى لقائه الرئيسة المديرة العامة للتلفزة التونسية عواطف الدالي إلحاحه على كلمات مفاتيح بعينها "المستقبل"، "عدم التطلع إلى الوراء"، "عدم التنكّر لتاريخنا" فالمخاطب في هذا اللقاء هي الرئيسة المديرة العامة لمؤسسة التلفزة التونسية والجهاز الذي تديره، وسيلة إعلام جماهيرية مرئية هي التلفزة و"المستقبل" في اعتقادي – تمثله الناشئة وشريحة واليافعين.. و هذا ما يدعوني أن أثير في هذا الحديث، بحكم تخصّصي في ثقافة الأطفال، قضية "الثقافة المستقبلية لطفلنا التونسي" وحتى أكون أكثر دقة "الثقافة المرئية لطفلنا" من منطلق معايشتي المنتظمة لثقافة الأطفال عبر الوسائط الاتصالية المعروفة

لا أخفي أنّ الرؤية الوطنية لمنزلة ثقافة الطفل لا تزال تتصف بضبابية الرؤية وتهميش قطاع الطفولة، وهذه الشريحة – لِلْعِلْمِ – تمثل قاعدة تتميز باتساعها النسبي في هرم بلادنا السكاني. وإذا كان حال ثقافة الأطفال المكتوبة أفضل فإنّ ثقافة الأطفال المرئية في المرفق العمومي تكاد تكون منعدمة على مستوى التخطيط أو الإنتاج أو الاستيراد.. ولئن كان لهذا التهميش ما يبررّه في الأعوام الماضية أي قبل تقلد السيدة عواطف الدالي منصب الرئيسة المديرة العامة لمؤسسة  التلفزة فإنّ الحال اليوم في ظل مسؤوليتها الجديدة تقتضي تجسيم ما عبّرت لي عنه في أكثر من لقاء أي الارتقاء ببرامج الأطفال عبر تنويع أشكال التعبير وأساليب الإبلاغ والحرص على البعد الإبداعي و جمالية النص المصوّر والمساهمة في تهيئة الناشئة منذ الصغر إلى التعايش مع العلوم والتكنولوجيا ومحاورة الواقع وممارسة التعبير والتساؤل امتدادا أو تكملة لما تقدّمه ( أو لا تقدمه) المدرسة والأسرة.. أمّا عن مفهومها للتسلية أو الترفيه فترى أن تجسّمه ألعاب ومنوعات تتصف بالمناخ المريح نفسانيا وبالتنشيط الهادئ في ديكور مدروس يوحي بالحلم يتحرّك الأطفال في فضائه تلقائيا فيتفاعلون ويسألون معبّرين عمّا هو في صلب أحلامهم ومشاغلهم واهتماماتهم... وأعترف أنّ هذه الرؤية غير غريبة عن إعلامية بدأت تجربتها في التلفزة التونسية منشطة في برامج الأطفال وخاصة برنامج "عصافير الجنة"

- أي ثقافة مرئية نريد للناشئة في تونس اليوم ؟

قال : إنّ واقع ثقافة الطفل التونسي اليوم، مكتوبة و مسموعة ومرئية لا تدعو إلى التفاؤل، ولكنّه دليل لا يرقى إليه الشك على الحاجة إلى ثقافة مستقبلية تتلافى السلبيات وترسّخ الإيجابيات بغية إعداد الطفل في عالم متغيّر.. وإذا كان واقع ثقافة الطفل يساعدنا على رسم ملامح المنهج المقترح لهذه الثقافة المستقبلية، فإنه من الواجب القول إننا لا نسعى إلى ثقافة مفصولة عن الماضي والحاضر معنية بالمستقبل وحده، وإنّما نرنو إلى ثقافة تتشبث بالهوية الوطنية العربية من غير أن تنفصل عن مواكبة العصر كما نَرنُو إلى طفل يمتصّ الثقافة الجديدة المتجدّدة من غير أن تنمحِي خصوصيته وقدرته على التفكير في المستقل.

.. الثقافة المستقبلية التي نريدها لناشئتنا في هذا العصر الذي يتميز من جهة بنهضة علمية وتكنولوجية باهرة هي أن نعطي للعلم والعقلانية البعد المناسب وأن نلقّن ناشئتنا ثقافة ثرية يغذيها الزاد الثقافي العالمي، ثقافة متعدّدة الجوانب والأبعاد حَريّة بأن توفّق بين الماضي والحاضر والمستقبل ويجعل عناصرها منصهرة في تناسق وانسجام.

سؤال أيّ ثقافة نريد لناشئتنا اليوم، يقودنا كذلك إلى مسألة قيمة الغذاء الثقافي الذي نرتضيه لها.. فاشتراط الجودة والبحث عنها يمثلان في الحقيقة تمشي بيداغوجي في حدّ ذاته إذ أنّ الإنسان هو كذلك نتاج لما يُرْصَد لفائدة تنمية قدراته ونتاج ما تعوّد رؤيته وسماعه ولمسه.. فجودة الإنتاج زيادة عن أنها تتطلب أساليب خصوصية وأحيانا متفردة ووسائل مبتكرة تتطلّب أيضا ضبط مقاييس ومواصفات فنية تعوزنا أحيانا وعلينا إيجادها.. والثقافة التي نريدها للناشئة تقتضي أن تراعي المرحلة العمرية للطفل، فتقدّم للأطفال كلّ مرحلة ما يناسبهم من الزاد الثقافي بأشكال يستطيعون التواصل معها.. ولأنّ بيئتنا هشة بطبيعتها، تخضع مواردها المتجدّدة من أرض خضراء وماء عذب وبحار وبحيرات وغابات إلى استنزاف بشرى يفوق قدرة هذه الموارد على تجديد نفسها، أمّا الموارد غير المتجدّدة فنغترف منها كأننا الوارثون الوحيدون للأرض، وليست هناك أجيال جديدة من حقها أن تعيش هي أيضا، وبأفضل ممّا نعيش.. أمّا البيئة الاجتماعية فتعاني من زيادة سكانية في بعض جنباتها تزيد عن سعة الأرض والموارد، فتختلّ النّظم الطبيعية والاجتماعية والقيم جميعا.. وعلى الثقافة المستقبلية للناشئة أن تغرس فيهم ما يرفع الغشاوة عن أعينهم وأن يكونوا معمّرين حقيقيين للأرض التي استخلفوا عليها..

إنّ الثقافة المستقبلية المرئية للناشئة تفقد ثراءها المعنوي وبعدها التربوي إذا افتقر الطفل الى المضامين الدرامية بمختلف أصنافها التقليدية والحديثة وهي تمثل أيسر السّبل الفنية لتمرير المفاهيم والقيم والأنماط السلوكية لا سيّما وأن المستحدث من تكنولوجيات الاتصال والإعلام كفيل – إذا أحسن توظيفه – بخلق عناصر الجمالية والتشويق وبالتالي الرغبة في المشاهدة.. والغريب أنّ تهميش الإنتاج الدرامي الموجّه إلى الطفل يقابله حرص متزايد على انجاز مسلسل أو أكثر للشبكة الرمضانية.. وهنا يعني أنّ الحلول.. رغم ضعف الإمكانيات رهينة إرادة التلفزة على غرار سعيها إلى إثبات الذات وتعزيز المنزلة التي باتت تحظى بها المسلسلات في مجتمع الكبار..

- من هذا المنطلق ماهي رسالتك الى الإدارة العامة للتلفزة التونسية للتناغم الجدّيّ مع تطلع رئيس الجمهورية إلى المستقبل؟

- أقول إننا حين نتحدّث عن الطفل، فإنّنا نتحدّث عن المستقبل الذي نصنعُه في الحاضر، والّذي نُصوّر فيه أحلامنا وتطلُّعاتنا.. واهتمام التلفزة بوصفها جهازا إعلاميا عموميا بالأطفال سيكون حتما عملا هادفا ذا بعد استراتيجي، فهدفها الأساسي توعية أطفال تونس بأنّ ما يُبنَى في تونس اليوم هو أساس مستقبلهم وأنهم المستفيدون أوّلا ممّا سيتأسّس لفائدتهم غدًا..  التاريخ علًمنا أن المستقبل يتكوّن دوما في قلب الحاضر.

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews