إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

العاملات في القطاع الفلاحي.. أكثر من 600 ألف امرأة حقوقهن تنتهك دون حماية قانونية!

 

تونس – الصباح

ماذا لو توقفت عاملات القطاع الفلاحي عن العمل؟ من سيجني المحاصيل ويؤمّن قوت ملايين التونسيين من الغذاء ونحن الذين اكتشفنا أهمية قطاع الفلاحة في جائحة كورنا وفي أزمة الحبوب العالمية اليوم، فالبلد الذي لا يأكل مما ينتجه سيجوع حتما وتنتهك سيادته ويصبح تابعا بالضرورة، ولكن أولئك الكادحات في الأرض اللواتي يؤمّن قوت الملايين، مناضلات رغيف الخبز، مازلن يعشن التهميش والنسيان وتنتهك حقوقهن يوميا دون إجراءات صارمة وتشريعات تحميهن في عملهن وتحول دون انتهاك حقوقهن الاقتصادية..

فإلى اليوم لم يغادر ملف الدفاع عن حقوق عاملات الفلاحة، خانة الشعارات دون منجزات واقعية تنهض بوضعياتهن التي ما زالت هشة إلى اليوم، رغم أن رئيس الجمهورية وفي كل مناسبة عيد المرأة يتذكّر هذه الفئة الاجتماعية الهشة وقد قام بزيارات ميدانية في مناطق مختلفة للاطلاع على وضعيتها وآخر تلك الزيارات كانت يوم الأحد الماضي وذلك بمناسبة عيد المرأة عندما قام الرئيس قيس سعيد بتدشين أوّل شركة أهلية نسائية ببرج التومي بجهة البطان من ولاية منوبة حيث صرّح يومها قائلا:"اخترت الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة بين الكادحات واللاتي يعملن مقابل 15 دينارا في اليوم".

وهذا الأجر الزهيد الذي تشتغل به عاملات الفلاحة لساعات عمل طويلة تبدأ في الفجر وتنتهي مع الغروب هو أكبر انتهاك لحقوقهن خاصة وأنه في العمل الفلاحي يتم وبشكل متكرّر التمييز السلبي في الأجر بين النساء والرجال ..

وتعي العاملات في القطاع الفلاحي أنهنّ يعملن في ظروف غير قانونية ودون أي ضمانات لحقوقهن، فمقابل عملهن الشاق لا يحصلن إلا على أجر زهيد لا يكفي أحيانا لسدّ احتياجاتهن وهن في الغالب من يعلن أسرهن وأطفالهن، وهن يكابدن اليوم من أجل نيل حقوقهن خاصة الاقتصادية منها بما يضمن لهن أجرا يتناسب مع المجهود المبذول في عملهن..، وفي السنوات الأخيرة انخرط هؤلاء الكادحات وبمساعدة جمعيات ريفية ونسوية في التعريف بقضيتهن.. ولكن رغم كل المجهودات المبذولة من عدد من الجمعيات والمنظمات الداعمة لحقوق عاملات الفلاحة إلا أن المنظومة التشريعية التي تحمي حقوقهن الاقتصادية وتضمن كرامتهن ما زالت تعاني من فراغ .

أكثر من 600 ألف عاملة فلاحية ..

تشير أغلب الإحصائيات إلى أن عدد العاملات بالمجال الفلاحي في تونس يفوق الـ 600 ألف عاملة، ويمثلن 80 بالمائة من عدد العاملين في القطاع الفلاحي، ويزيد هذا العدد في مواسم جني المحاصيل حيث تكون هناك عاملات جديدات وافدات على القطاع خاصة في المناطق الفلاحية والريفية ..

وفي السنوات الأخيرة وبمساعدة نشطاء في المجتمع المدني ومنظمات بدأ هناك وعي في صفوف هؤلاء العاملات للنضال من أجل حقوقهن، وبدأن في تنفيذ وقفات احتجاجية لافتة آخرها كانت في أكتوبر الماضي أمام المسرح البلدي حيث قامت عشرات العاملات بتنفيذ وقفة احتجاجية لافتة كانت تحت شعار "اعترفوا بيا"،  وذلك احتجاجا على الأجر الزهيد وغياب التغطية الصحية والتلكؤ في الالتزام بالقانون عدد 51 لسنة 2019 والمتعلّق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة والعاملات في القطاع الفلاحي لتفادي حوادث السير المروعة والتي ذهبت بحياة عشرات العاملات .

وقد كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقرير له عن أن الفترة الممتدة بين 2015 و2022 سجلت وفاة 51 امرأة من العاملات بالقطاع الفلاحي في 56 حادث نقل في ظروف غير آمنة وهذا الرقم ارتفع في الأشهر الأخيرة ويبقى دائما مرشح للارتفاع .

حملات مناصرة ..

من أبرز حملات المناصرة المنحازة لحقوق هؤلاء العاملات، حملة "فالحة" والتي كان هدفها وفق منظميها، ترسيخ الاعتراف بمجهودات النساء العاملات في قطاع الفلاحة والدفاع عن حقوقهن المهضومة، وقادت هذه الحملة جمعية المرأة الريفية بولاية جندوبة والاتحاد الجهوي للمرأة التونسية بولاية القيروان وذلك تحت شعار "في ضمان حقوق النساء ضمان للأمن الغذائي"، وقد تلقت العاملات الفلاحيات المشاركات في هذه الحملة تدريبا خاصا حول المناصرة الذاتية لترسيخ وعيهن بحقوقهن، وتمكينهن من الدفاع عن كرامتهن من خلال نقل قصصهن إلى العالم عبر فيديوهات وجدت تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذه الحملة تندرج ضمن مشروع يمتد على 5 سنوات ويهدف إلى زيادة الوعي بقضية العاملات في قطاع الفلاحة، وتفعيل القوانين التي من شأنها أن تحسن أوضاعهن خاصة فيما يتعلق بالنقل الآمن والأجر العادل والمعاملة المتساوية. ويقول المشرفون على هذه الحملة أن "فالحة" تقدم صورة أخرى عن المرأة الريفية التي تمثل حلقة أساسية من حلقات الإنتاج، وفاعلا مهما في الدورة الاقتصادية، مشيرة إلى أن تأمين القوت يجب أن يكون مرتبطا بتأمين حقوق من يضمنه.

ورغم كل هذه المجهودات التي يبذلها المجتمع المدني في مناصرة عاملات الفلاحة إلا أن التفاعل الرسمي مع هذه المبادرات ما زال محتشما وليس هناك تجاوبا من المشرع لسنّ قوانين تحمي النساء وتوفّر لهنّ وضعية مريحة اقتصادية، وما زال القانون عدد 51 عاجزا تماما وبعد أربع سنوات من صدوره عن حماية العاملات عند نقلهنّ والذي ما زال يتم وباعتماد شاحنات الموت التي أودت بحياة العشرات منهنّ .

منية العرفاوي

العاملات في القطاع الفلاحي..  أكثر من 600 ألف امرأة حقوقهن تنتهك دون حماية قانونية!

 

تونس – الصباح

ماذا لو توقفت عاملات القطاع الفلاحي عن العمل؟ من سيجني المحاصيل ويؤمّن قوت ملايين التونسيين من الغذاء ونحن الذين اكتشفنا أهمية قطاع الفلاحة في جائحة كورنا وفي أزمة الحبوب العالمية اليوم، فالبلد الذي لا يأكل مما ينتجه سيجوع حتما وتنتهك سيادته ويصبح تابعا بالضرورة، ولكن أولئك الكادحات في الأرض اللواتي يؤمّن قوت الملايين، مناضلات رغيف الخبز، مازلن يعشن التهميش والنسيان وتنتهك حقوقهن يوميا دون إجراءات صارمة وتشريعات تحميهن في عملهن وتحول دون انتهاك حقوقهن الاقتصادية..

فإلى اليوم لم يغادر ملف الدفاع عن حقوق عاملات الفلاحة، خانة الشعارات دون منجزات واقعية تنهض بوضعياتهن التي ما زالت هشة إلى اليوم، رغم أن رئيس الجمهورية وفي كل مناسبة عيد المرأة يتذكّر هذه الفئة الاجتماعية الهشة وقد قام بزيارات ميدانية في مناطق مختلفة للاطلاع على وضعيتها وآخر تلك الزيارات كانت يوم الأحد الماضي وذلك بمناسبة عيد المرأة عندما قام الرئيس قيس سعيد بتدشين أوّل شركة أهلية نسائية ببرج التومي بجهة البطان من ولاية منوبة حيث صرّح يومها قائلا:"اخترت الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة بين الكادحات واللاتي يعملن مقابل 15 دينارا في اليوم".

وهذا الأجر الزهيد الذي تشتغل به عاملات الفلاحة لساعات عمل طويلة تبدأ في الفجر وتنتهي مع الغروب هو أكبر انتهاك لحقوقهن خاصة وأنه في العمل الفلاحي يتم وبشكل متكرّر التمييز السلبي في الأجر بين النساء والرجال ..

وتعي العاملات في القطاع الفلاحي أنهنّ يعملن في ظروف غير قانونية ودون أي ضمانات لحقوقهن، فمقابل عملهن الشاق لا يحصلن إلا على أجر زهيد لا يكفي أحيانا لسدّ احتياجاتهن وهن في الغالب من يعلن أسرهن وأطفالهن، وهن يكابدن اليوم من أجل نيل حقوقهن خاصة الاقتصادية منها بما يضمن لهن أجرا يتناسب مع المجهود المبذول في عملهن..، وفي السنوات الأخيرة انخرط هؤلاء الكادحات وبمساعدة جمعيات ريفية ونسوية في التعريف بقضيتهن.. ولكن رغم كل المجهودات المبذولة من عدد من الجمعيات والمنظمات الداعمة لحقوق عاملات الفلاحة إلا أن المنظومة التشريعية التي تحمي حقوقهن الاقتصادية وتضمن كرامتهن ما زالت تعاني من فراغ .

أكثر من 600 ألف عاملة فلاحية ..

تشير أغلب الإحصائيات إلى أن عدد العاملات بالمجال الفلاحي في تونس يفوق الـ 600 ألف عاملة، ويمثلن 80 بالمائة من عدد العاملين في القطاع الفلاحي، ويزيد هذا العدد في مواسم جني المحاصيل حيث تكون هناك عاملات جديدات وافدات على القطاع خاصة في المناطق الفلاحية والريفية ..

وفي السنوات الأخيرة وبمساعدة نشطاء في المجتمع المدني ومنظمات بدأ هناك وعي في صفوف هؤلاء العاملات للنضال من أجل حقوقهن، وبدأن في تنفيذ وقفات احتجاجية لافتة آخرها كانت في أكتوبر الماضي أمام المسرح البلدي حيث قامت عشرات العاملات بتنفيذ وقفة احتجاجية لافتة كانت تحت شعار "اعترفوا بيا"،  وذلك احتجاجا على الأجر الزهيد وغياب التغطية الصحية والتلكؤ في الالتزام بالقانون عدد 51 لسنة 2019 والمتعلّق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة والعاملات في القطاع الفلاحي لتفادي حوادث السير المروعة والتي ذهبت بحياة عشرات العاملات .

وقد كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقرير له عن أن الفترة الممتدة بين 2015 و2022 سجلت وفاة 51 امرأة من العاملات بالقطاع الفلاحي في 56 حادث نقل في ظروف غير آمنة وهذا الرقم ارتفع في الأشهر الأخيرة ويبقى دائما مرشح للارتفاع .

حملات مناصرة ..

من أبرز حملات المناصرة المنحازة لحقوق هؤلاء العاملات، حملة "فالحة" والتي كان هدفها وفق منظميها، ترسيخ الاعتراف بمجهودات النساء العاملات في قطاع الفلاحة والدفاع عن حقوقهن المهضومة، وقادت هذه الحملة جمعية المرأة الريفية بولاية جندوبة والاتحاد الجهوي للمرأة التونسية بولاية القيروان وذلك تحت شعار "في ضمان حقوق النساء ضمان للأمن الغذائي"، وقد تلقت العاملات الفلاحيات المشاركات في هذه الحملة تدريبا خاصا حول المناصرة الذاتية لترسيخ وعيهن بحقوقهن، وتمكينهن من الدفاع عن كرامتهن من خلال نقل قصصهن إلى العالم عبر فيديوهات وجدت تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذه الحملة تندرج ضمن مشروع يمتد على 5 سنوات ويهدف إلى زيادة الوعي بقضية العاملات في قطاع الفلاحة، وتفعيل القوانين التي من شأنها أن تحسن أوضاعهن خاصة فيما يتعلق بالنقل الآمن والأجر العادل والمعاملة المتساوية. ويقول المشرفون على هذه الحملة أن "فالحة" تقدم صورة أخرى عن المرأة الريفية التي تمثل حلقة أساسية من حلقات الإنتاج، وفاعلا مهما في الدورة الاقتصادية، مشيرة إلى أن تأمين القوت يجب أن يكون مرتبطا بتأمين حقوق من يضمنه.

ورغم كل هذه المجهودات التي يبذلها المجتمع المدني في مناصرة عاملات الفلاحة إلا أن التفاعل الرسمي مع هذه المبادرات ما زال محتشما وليس هناك تجاوبا من المشرع لسنّ قوانين تحمي النساء وتوفّر لهنّ وضعية مريحة اقتصادية، وما زال القانون عدد 51 عاجزا تماما وبعد أربع سنوات من صدوره عن حماية العاملات عند نقلهنّ والذي ما زال يتم وباعتماد شاحنات الموت التي أودت بحياة العشرات منهنّ .

منية العرفاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews