إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تناقضات السياسة الفرنسية في غرب إفريقيا

بقلم: خليفة السويح (*)

*برزت ديناميات داخلية جديدة في الساحل الافريقي من ابرزها تنامي حراك نافذ وحيوي تقوده شبيبة وهو حراك معارض للسياسة الفرنسية الخارجية ومطالب بوقف النهب والسلب

 

 

 

الردع والدعم

لم يتغير المنطق الاستعماري الفرنسي ذو الطابع الابوي والقائم على النهب والاستغلال المجحف واستعمال كل الوسائل من اجل الحفاظ على مصادر عظمة فرنسا في افريقيا. كل الطرق كانت متاحة :  اغتيالات لزعماء وطنيين إما رميا بالرصاص مثل الزعيم الكاميروني روبن م نيوبي او دس السم لفيليكس موميي سنة 1960 من طرف رجل المخابرات ويليام باشتال في جنيف او تنظيم تمرد مسلح وتمويله   في كاتنغا وبيافرا  في نيجيريا . كانت ابيدجان وزعيمها هوفوات بوانيي الذي حكم الكوت ديفوار كوزير فرنسي ومضارب في الكاكاو أهم قلاع السياسة الاستعمارية الفرنسية هي وداكار عاصمة السينغال وليبرفيل عاصمة الغابون وهي عواصم تضم أهم القواعد العسكرية للجيش الفرنسي وطبقة سياسية موالية لفرنسا لليوم. وضع الجنرال ديغول الذي كان يعتبران احد أهم ركائز عظمة فرنسا هي إفريقيا  ميثاقا استعماريا وآليات عقاب وردع  قاسي لكل زعيم إفريقي يطمح إلى تحقيق استقلال فعلي لبلده . كانت الطبقة السياسية تدرك المحاذير التي لا يجب الاقتراب منها في بلدانهم وهي تحويل المواد المنجمية الى مواد مصنعة والتخلي عن الفرنك الفرنسي ومراجعة الاتفاقيات العسكرية السرية مع فرنسا او التحالف مع الاتحاد السوفياتي او الصين " الخطر الاصفر " حسب فرنسا. دفع زعماء افارقة ورجال سياسة وقادة عسكر حياتهم ثمنا لمجرد تفكيرهم في مراجعة العقود مع الشركات الفرنسية لعل اخرهم مامادو تانجا رئيس النيجر سنة 2010 لأنه رغب في مراجعة عقود بيع الاورانيوم مع شركة اريفا افرنسية. في المقابل حظي الزعماء الأفارقة الذين سهروا على حماية مصالح فرنسا بالدعم و التمويل والحماية وتم التغاضي عن فسادهم واستبدادهم ولعل أشهرهم عمر بانغو وهوفوات بوانيي ودينيس ساسو نغيسو في كنغو برازفيل الذي نصبه الجيش الفرنسي رئيسا ازليا سنة 1997.

عصر الانقلابات المدعومة

في بداية الستينات اشرف السفير الفرنسي في التوغو هنري مازويي Henri Mazoyer  شخصيا  وهاتفيا على مراحل تنفيذ  أول انقلاب وقع في غرب افريقيا في 13 جانفي 1963 نفذه احد قدماء الجيش الفرنسي غناسينيبي اياديما ليقتل الزعيم الوطني التوغولي سيلفانوس اوليمبيو عقابا له لأنه أراد إنشاء عملة وطنية لبلده ومناقشة عقود الفسفاط مع فرنسا وانشاء ميناء تجاري بلومي عاصمة التوغو. حمت ومولت ودعمت فرنسا الجندي اياديما الذي ألهمت شخصيته الروائي احمد كوروما في روايته الشهيرة في انتظار تصويت الحيوانات المتوحشة بل تغاضت عن جرائمه الدموية واستبداده وانتهاكاته في التوغو التي يحكمها لحد اليوم ابنه فور اياديما . كتب السفير الأمريكي  الذي قتل الومبيو في حديقة سفارته التي احتمى بها ظنا منه انه في ملجئ امن انه بداية من هذا الانقلاب لم تعد إفريقيا كما كانت في السابق. وبالفعل شهدت إفريقيا أكثر من 100 انقلاب عسكري خطط ومول والهم ودعم معظمها المخابرات الفرنسية وأنجزها عسكريون افارقة درسوا في سان سير اعرق مدرسة عسكرية فرنسية ينتهي التخرج فيها بمراسيم أداء القسم لحماية المصالح العليا لفرنسا في كل مكان كما شارك في معظمها مرتزقة من الكتيبة الاجنبية الفرنسية  ونفذ بعضها الجيش الفرنسي مثل عملية باركودا في افريقيا الوسطى التي اطاحت سنة 1978 بالامبراطور بوكاسا حيث حلبت طائرة فرنسية الرئيس دايفيد داكو وتم تنصيبه في المطار. ساندت فرنسا ايضا  موسى تراوري سنة 1968 الذي واد المشروع التحرري لموديبو كايتا في مالي الذي اطرد الجيش الفرنسي وعمل على توثيق التعاون مع الاتحاد السوفياتي وارساء عملة وطنية. منذ 1990 و2022 شهدت افريقيا 32 انقلاب عسكري تركزت خاصة في البلدان الافريقية الفرانكفونية المتازمة والتي تصنف من افقر الدول ولا يملك معظمها طرقات معبدة ومدارس ومستشفيات ونسبة صعيفة جدا من التغطية بالماء الصالح للشراب والنور الكهربائي. كان ابرز هذه الانقلابات التي حظيت بدعم فرنسا  هو القبض على الرئيس الايفواري المنتخب لوران غباغبو مدرس التاريخ والمعارض التاريخي لهوفوات بوانيي في غرفة نومه يوم 12 افريل 2011 من طرف جنود فرنسيين ردعا له لانه اراد مراجعة الانفاقيات التجارية والعسكرية مع فرنسا وفكر في الخروج من منظومة الفرنك الفرنسي حيث نصب ساركوزي موظفا سامي سابق في البنك الدولي الحسن درامان واتارا كرئيس على الكوت ديفوار التي تضم اهم الاستثمارات الفرنسية ويدير فيها اباطرة المال من بولوري وارنولت وعائلة بيتانكورت ارباحا طائلة.  كان اخر الانقلابات التي ساندتها فرنسا هو تولي ابن الرئيس محمد ديبي اثر اغتيال والده واندلاع حرب شرسة حول خلافته بينه وبين حنرالات الجيش التشادي حيث حظي الشاب ديبي بزيارة  رسمية من ماكرون الذي نصبه رئيسا للتشاد احد قلاع التواجد الفرنسي في وسط افريقيا .

انقلابات غير مرحب بها

حدثت تغييرات مهمة في غرب افريقيا ابرزها منافسة قوى اقتصادية كبرى مثل الصين وتركيا وروسيا في الساحل الافريقي وتهديدها  للهيمنة الفرنسية خاصة وإن هذه القوى الاقتصادية تطرح مقاربة التعاون المثمر والربح المشترك وتأتي محملة بحزمة من الاستثمارات في بناء الطرقات والمدارس والمستشفيات والجامعات بينما حافظت فرنسا على مقاربة نز الضرع حتى ينضح دما .

برزت ديناميات داخلية جديدة في الساحل الافريقي من ابرزها تنامي حراك نافذ وحيوي تقوده شبيبة وهو حراك معارض للسياسة الفرنسية الخارجية ومطالب بوقف النهب والسلب قاده في مالي الأئمة بزعامة محمود ديكو والذي أدى إلى الإطاحة بإبراهيم بوبكر كايتا في 18 ماي 2020 من طرف الجيش المالي بقيادة العاصمي قويتا في بلد قاري شاسع تنقسم الى شمال متنطع منفلت يعصف به طموح الطوارق الازواد بالاستقلال او اخذ نصيبهم من السلطة والجاه والمال وهو مسرحا لمجموعات ارهابية. اما الجنوب الذي تضبط مجاله الدولة فهو يضم 90 بالمائة من السكان. كانت مالي احد مراكز انتشار الجيش الفرنسي في إفريقيا التي نظمت فيها فرنسا حملة سارفال من 2013 الى 2014 ثم حملة  بارخان من اوت 2014 الى نوفمبر2022 لمحاربة الارهاب. كانت أهم القرارات هو مطالبة رئيس الوزراء شوقال مايقا الجيش الفرنسي بمغادرة الأراضي المالية فورا وبدون أي مهلة وهو ما اعتبر اهانة للجيش الفرنسي خاصة وإن القادة في مالي قد شرعوا في تعاون فعلي مع مليشيات فاغنر الروسية التي أثبتت نجاعة في محاربة الإرهاب في سوريا وساهمت بشكل لافت في استتاب الأمن في افريقيا الوسطى وتركيز سلطة الرئيس تواديرا. يذكر الملاحظين أن الجيش المالي قد بدا في التعافي وتحسنت جاهزيته وبسط فعليا سيطرته على مدن مالية عجز الجيش الفرنسي عن تحريرها من الإرهابيين وزودت روسيا مالي ب5 طائرات هيلوكبتر و طائرات عسكرية لنقل الجنود و طائرات بدون طيار وأشهر الساسة الجدد في مالي العداء لفرنسا حيث تم اتهامها بتمويل وتزويد المجموعات الإرهابية بالمال والسلاح في منبر الأمم المتحدة وتم قطع إرسال إذاعة فرنسا الدولية وقناة فرنسا 24 في مالي. لم تنجح العقوبات الاقتصادية في ثني العسكر عن طي صفحة فرنسا في مالي ويسير العاصمي قويتا الذي سن دستورا جديدا في تثبيت دعائم حكمه .

شهدت بوركينا فاسو 7 انقلابات عسكرية منذ استقلالها منها 5 ناجحة اخرها انقلاب أول في 24 جانفي 2022 الذي أطاح بمارك روك كريستيان كابوري وانقلاب ثاني في سبتمبر 2022 اطاح بالقائد داميبا احد رموز الحرس القديم لنظام بلاز كامبوري المتهم الرئيس في اغتيال سانكارا والذي يجظى بحماية الحس واتارا في الكوت ديفوار. اثر توليه مقاليد السلطة سارع القائد الشاب ذو35 ربيعا إبراهيم واتارا الى طرد الفرقة الخاصة الفرنسية من واغداغو وشرع في مراجعة علاقات بلده مع فرنسا ووطد علاقاته مع روسيا ومليشيات فاغنر وقطع أيضا بث وسائل الإعلام الفرنسية متهما فرنسا بتزويد الارهابيين بالسلاح .

الرئيس النيجيري  محمد بازوم المنحدر من قبيلة عربية استقبل بحفاوة الجيش الفرنسي المطرود من مالي وبوركينا فاسو افريقيا الوسطى جاعلا من النيجر أهم مراكز التواجد الفرنسي العسكري في غرب افريقيا وتجاهل مظاهرات الشباب في بعض المدن النيجرية والتي استقبلت قوافل الإمداد والتموين للجيش الفرنسي بالحجارة وغلق الطرقات. كانت فرنسا مطمئنة إلى ثبات وجودها في نيحر التي تعتبر أهم موطن استراتيجي لها. ورغم ان النيجر هو بلد قاري ليس لديه أي منفذ مائي ما عدا ميناء بورتو نوفو بالبنين فان نيحر تصنف فضيحة جيولوجية  نظرا لثرائها ووفرة المواد المنجمية من ذهب في سلسلة جبال ارليت ومعادن ثمينة وخاصة مناجم اليورانيوم الذي تستغله فرنسا من 1950 ويمثل مادة أولية ل 56 مفاعل نووي في فرنسا. تساهم نيجر في تزويد فرنسا بالكهرباء ولكن رغم ذلك فان مدن نيجرية وقراها لا تحظى بالنور الكهربائي وتعيش هذه الأيام العاصمة نيامي والقصر الرئاسي وأحيائها بدون نور كهربائي بعد أن قطعت نيجيريا تزويدها بالكهرباء. تستغل  شركة اورانو ( شركة اريفا سابقا) والتي تملك الدولة الفرنسية 54 بالمائة من راسمالها مناجم اليورانيوم في شمال اغادس وسلسة جبال الاير وهي تحقق إرباحا طائلة لا تنفذ إلى دولة نيجر سوى الفتات منها . يعتبر الانقلاب الذي أطاح بمحمد بازوم والذي اشرف عليه قائد الحرس الرئاسي الخاص عبد الرحمان تشياني حدثا جللا هز فرنسا وحلفائها في غرب إفريقيا عقد على إثره ماكرون مجلس دفاع وامن قومي تدارس فيه خطط إجهاض الانقلاب خاصة بعد تحالف قادة مالي وبوركينا فاسو مع عسكر النيجر وبروز دعوات لتوطيد تعاونهم مع فاغنر ودعم التعاون مع روسيا خاصة اثر قيام المجلس العسكري بالغاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا التي ابرمها يوسفو وبازوم ومنع بث اذاعة فرنسا الدولية وفرنسا 24. لم يطالب المجلس العسكري مغادرة  الكتيبة الفرنسية التي تضم 1500 جندي فرنسي ولكن فرنسا عازمة على التشبث بالنيجر آخر حصونها ومركز توطنها في افريقيا ويوم الثلاثاء الفارط 09 اوت 2023 واثر فشل منظمة الايكواس في توجيه ضربة عسكرية للنيجر وإعادة محمد بازوم للحكم مثلما توعد بذلك الرئيس النيجيري فان الجيش الفرنسي  وعلى طريقة جاك فوكار بدا في شن عمليات عسكرية شمال النيجر حسب البلاغ 23 الصادر عن المجلس العسكري النيجري كما أن تنظيمات القاعدة وداعش والطوارق بداو في تنفيذ ضربات عسكرية في المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر لشل قدرة هذه البلدان على تنسيق مجهودها للانعتاق من القبضة الفرنسية المحكمة على النيجر التي تعالت أوساط عديدة في الإعلام الفرنسي بعدم التفريط فيها خاصة إزاء تنامي أزمة الطاقة نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية خاصة وأنها أهم قلاع مصالح فرنسا في غرب إفريقيا.

   * باحث في تاريخ إفريقيا المعاصر والبعثات الأممية بالكنغو.

صدر له بفرنسا كتاب السياسة الفرنسية في إفريقيا عقاب غينيا .

تناقضات السياسة الفرنسية في غرب إفريقيا

بقلم: خليفة السويح (*)

*برزت ديناميات داخلية جديدة في الساحل الافريقي من ابرزها تنامي حراك نافذ وحيوي تقوده شبيبة وهو حراك معارض للسياسة الفرنسية الخارجية ومطالب بوقف النهب والسلب

 

 

 

الردع والدعم

لم يتغير المنطق الاستعماري الفرنسي ذو الطابع الابوي والقائم على النهب والاستغلال المجحف واستعمال كل الوسائل من اجل الحفاظ على مصادر عظمة فرنسا في افريقيا. كل الطرق كانت متاحة :  اغتيالات لزعماء وطنيين إما رميا بالرصاص مثل الزعيم الكاميروني روبن م نيوبي او دس السم لفيليكس موميي سنة 1960 من طرف رجل المخابرات ويليام باشتال في جنيف او تنظيم تمرد مسلح وتمويله   في كاتنغا وبيافرا  في نيجيريا . كانت ابيدجان وزعيمها هوفوات بوانيي الذي حكم الكوت ديفوار كوزير فرنسي ومضارب في الكاكاو أهم قلاع السياسة الاستعمارية الفرنسية هي وداكار عاصمة السينغال وليبرفيل عاصمة الغابون وهي عواصم تضم أهم القواعد العسكرية للجيش الفرنسي وطبقة سياسية موالية لفرنسا لليوم. وضع الجنرال ديغول الذي كان يعتبران احد أهم ركائز عظمة فرنسا هي إفريقيا  ميثاقا استعماريا وآليات عقاب وردع  قاسي لكل زعيم إفريقي يطمح إلى تحقيق استقلال فعلي لبلده . كانت الطبقة السياسية تدرك المحاذير التي لا يجب الاقتراب منها في بلدانهم وهي تحويل المواد المنجمية الى مواد مصنعة والتخلي عن الفرنك الفرنسي ومراجعة الاتفاقيات العسكرية السرية مع فرنسا او التحالف مع الاتحاد السوفياتي او الصين " الخطر الاصفر " حسب فرنسا. دفع زعماء افارقة ورجال سياسة وقادة عسكر حياتهم ثمنا لمجرد تفكيرهم في مراجعة العقود مع الشركات الفرنسية لعل اخرهم مامادو تانجا رئيس النيجر سنة 2010 لأنه رغب في مراجعة عقود بيع الاورانيوم مع شركة اريفا افرنسية. في المقابل حظي الزعماء الأفارقة الذين سهروا على حماية مصالح فرنسا بالدعم و التمويل والحماية وتم التغاضي عن فسادهم واستبدادهم ولعل أشهرهم عمر بانغو وهوفوات بوانيي ودينيس ساسو نغيسو في كنغو برازفيل الذي نصبه الجيش الفرنسي رئيسا ازليا سنة 1997.

عصر الانقلابات المدعومة

في بداية الستينات اشرف السفير الفرنسي في التوغو هنري مازويي Henri Mazoyer  شخصيا  وهاتفيا على مراحل تنفيذ  أول انقلاب وقع في غرب افريقيا في 13 جانفي 1963 نفذه احد قدماء الجيش الفرنسي غناسينيبي اياديما ليقتل الزعيم الوطني التوغولي سيلفانوس اوليمبيو عقابا له لأنه أراد إنشاء عملة وطنية لبلده ومناقشة عقود الفسفاط مع فرنسا وانشاء ميناء تجاري بلومي عاصمة التوغو. حمت ومولت ودعمت فرنسا الجندي اياديما الذي ألهمت شخصيته الروائي احمد كوروما في روايته الشهيرة في انتظار تصويت الحيوانات المتوحشة بل تغاضت عن جرائمه الدموية واستبداده وانتهاكاته في التوغو التي يحكمها لحد اليوم ابنه فور اياديما . كتب السفير الأمريكي  الذي قتل الومبيو في حديقة سفارته التي احتمى بها ظنا منه انه في ملجئ امن انه بداية من هذا الانقلاب لم تعد إفريقيا كما كانت في السابق. وبالفعل شهدت إفريقيا أكثر من 100 انقلاب عسكري خطط ومول والهم ودعم معظمها المخابرات الفرنسية وأنجزها عسكريون افارقة درسوا في سان سير اعرق مدرسة عسكرية فرنسية ينتهي التخرج فيها بمراسيم أداء القسم لحماية المصالح العليا لفرنسا في كل مكان كما شارك في معظمها مرتزقة من الكتيبة الاجنبية الفرنسية  ونفذ بعضها الجيش الفرنسي مثل عملية باركودا في افريقيا الوسطى التي اطاحت سنة 1978 بالامبراطور بوكاسا حيث حلبت طائرة فرنسية الرئيس دايفيد داكو وتم تنصيبه في المطار. ساندت فرنسا ايضا  موسى تراوري سنة 1968 الذي واد المشروع التحرري لموديبو كايتا في مالي الذي اطرد الجيش الفرنسي وعمل على توثيق التعاون مع الاتحاد السوفياتي وارساء عملة وطنية. منذ 1990 و2022 شهدت افريقيا 32 انقلاب عسكري تركزت خاصة في البلدان الافريقية الفرانكفونية المتازمة والتي تصنف من افقر الدول ولا يملك معظمها طرقات معبدة ومدارس ومستشفيات ونسبة صعيفة جدا من التغطية بالماء الصالح للشراب والنور الكهربائي. كان ابرز هذه الانقلابات التي حظيت بدعم فرنسا  هو القبض على الرئيس الايفواري المنتخب لوران غباغبو مدرس التاريخ والمعارض التاريخي لهوفوات بوانيي في غرفة نومه يوم 12 افريل 2011 من طرف جنود فرنسيين ردعا له لانه اراد مراجعة الانفاقيات التجارية والعسكرية مع فرنسا وفكر في الخروج من منظومة الفرنك الفرنسي حيث نصب ساركوزي موظفا سامي سابق في البنك الدولي الحسن درامان واتارا كرئيس على الكوت ديفوار التي تضم اهم الاستثمارات الفرنسية ويدير فيها اباطرة المال من بولوري وارنولت وعائلة بيتانكورت ارباحا طائلة.  كان اخر الانقلابات التي ساندتها فرنسا هو تولي ابن الرئيس محمد ديبي اثر اغتيال والده واندلاع حرب شرسة حول خلافته بينه وبين حنرالات الجيش التشادي حيث حظي الشاب ديبي بزيارة  رسمية من ماكرون الذي نصبه رئيسا للتشاد احد قلاع التواجد الفرنسي في وسط افريقيا .

انقلابات غير مرحب بها

حدثت تغييرات مهمة في غرب افريقيا ابرزها منافسة قوى اقتصادية كبرى مثل الصين وتركيا وروسيا في الساحل الافريقي وتهديدها  للهيمنة الفرنسية خاصة وإن هذه القوى الاقتصادية تطرح مقاربة التعاون المثمر والربح المشترك وتأتي محملة بحزمة من الاستثمارات في بناء الطرقات والمدارس والمستشفيات والجامعات بينما حافظت فرنسا على مقاربة نز الضرع حتى ينضح دما .

برزت ديناميات داخلية جديدة في الساحل الافريقي من ابرزها تنامي حراك نافذ وحيوي تقوده شبيبة وهو حراك معارض للسياسة الفرنسية الخارجية ومطالب بوقف النهب والسلب قاده في مالي الأئمة بزعامة محمود ديكو والذي أدى إلى الإطاحة بإبراهيم بوبكر كايتا في 18 ماي 2020 من طرف الجيش المالي بقيادة العاصمي قويتا في بلد قاري شاسع تنقسم الى شمال متنطع منفلت يعصف به طموح الطوارق الازواد بالاستقلال او اخذ نصيبهم من السلطة والجاه والمال وهو مسرحا لمجموعات ارهابية. اما الجنوب الذي تضبط مجاله الدولة فهو يضم 90 بالمائة من السكان. كانت مالي احد مراكز انتشار الجيش الفرنسي في إفريقيا التي نظمت فيها فرنسا حملة سارفال من 2013 الى 2014 ثم حملة  بارخان من اوت 2014 الى نوفمبر2022 لمحاربة الارهاب. كانت أهم القرارات هو مطالبة رئيس الوزراء شوقال مايقا الجيش الفرنسي بمغادرة الأراضي المالية فورا وبدون أي مهلة وهو ما اعتبر اهانة للجيش الفرنسي خاصة وإن القادة في مالي قد شرعوا في تعاون فعلي مع مليشيات فاغنر الروسية التي أثبتت نجاعة في محاربة الإرهاب في سوريا وساهمت بشكل لافت في استتاب الأمن في افريقيا الوسطى وتركيز سلطة الرئيس تواديرا. يذكر الملاحظين أن الجيش المالي قد بدا في التعافي وتحسنت جاهزيته وبسط فعليا سيطرته على مدن مالية عجز الجيش الفرنسي عن تحريرها من الإرهابيين وزودت روسيا مالي ب5 طائرات هيلوكبتر و طائرات عسكرية لنقل الجنود و طائرات بدون طيار وأشهر الساسة الجدد في مالي العداء لفرنسا حيث تم اتهامها بتمويل وتزويد المجموعات الإرهابية بالمال والسلاح في منبر الأمم المتحدة وتم قطع إرسال إذاعة فرنسا الدولية وقناة فرنسا 24 في مالي. لم تنجح العقوبات الاقتصادية في ثني العسكر عن طي صفحة فرنسا في مالي ويسير العاصمي قويتا الذي سن دستورا جديدا في تثبيت دعائم حكمه .

شهدت بوركينا فاسو 7 انقلابات عسكرية منذ استقلالها منها 5 ناجحة اخرها انقلاب أول في 24 جانفي 2022 الذي أطاح بمارك روك كريستيان كابوري وانقلاب ثاني في سبتمبر 2022 اطاح بالقائد داميبا احد رموز الحرس القديم لنظام بلاز كامبوري المتهم الرئيس في اغتيال سانكارا والذي يجظى بحماية الحس واتارا في الكوت ديفوار. اثر توليه مقاليد السلطة سارع القائد الشاب ذو35 ربيعا إبراهيم واتارا الى طرد الفرقة الخاصة الفرنسية من واغداغو وشرع في مراجعة علاقات بلده مع فرنسا ووطد علاقاته مع روسيا ومليشيات فاغنر وقطع أيضا بث وسائل الإعلام الفرنسية متهما فرنسا بتزويد الارهابيين بالسلاح .

الرئيس النيجيري  محمد بازوم المنحدر من قبيلة عربية استقبل بحفاوة الجيش الفرنسي المطرود من مالي وبوركينا فاسو افريقيا الوسطى جاعلا من النيجر أهم مراكز التواجد الفرنسي العسكري في غرب افريقيا وتجاهل مظاهرات الشباب في بعض المدن النيجرية والتي استقبلت قوافل الإمداد والتموين للجيش الفرنسي بالحجارة وغلق الطرقات. كانت فرنسا مطمئنة إلى ثبات وجودها في نيحر التي تعتبر أهم موطن استراتيجي لها. ورغم ان النيجر هو بلد قاري ليس لديه أي منفذ مائي ما عدا ميناء بورتو نوفو بالبنين فان نيحر تصنف فضيحة جيولوجية  نظرا لثرائها ووفرة المواد المنجمية من ذهب في سلسلة جبال ارليت ومعادن ثمينة وخاصة مناجم اليورانيوم الذي تستغله فرنسا من 1950 ويمثل مادة أولية ل 56 مفاعل نووي في فرنسا. تساهم نيجر في تزويد فرنسا بالكهرباء ولكن رغم ذلك فان مدن نيجرية وقراها لا تحظى بالنور الكهربائي وتعيش هذه الأيام العاصمة نيامي والقصر الرئاسي وأحيائها بدون نور كهربائي بعد أن قطعت نيجيريا تزويدها بالكهرباء. تستغل  شركة اورانو ( شركة اريفا سابقا) والتي تملك الدولة الفرنسية 54 بالمائة من راسمالها مناجم اليورانيوم في شمال اغادس وسلسة جبال الاير وهي تحقق إرباحا طائلة لا تنفذ إلى دولة نيجر سوى الفتات منها . يعتبر الانقلاب الذي أطاح بمحمد بازوم والذي اشرف عليه قائد الحرس الرئاسي الخاص عبد الرحمان تشياني حدثا جللا هز فرنسا وحلفائها في غرب إفريقيا عقد على إثره ماكرون مجلس دفاع وامن قومي تدارس فيه خطط إجهاض الانقلاب خاصة بعد تحالف قادة مالي وبوركينا فاسو مع عسكر النيجر وبروز دعوات لتوطيد تعاونهم مع فاغنر ودعم التعاون مع روسيا خاصة اثر قيام المجلس العسكري بالغاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا التي ابرمها يوسفو وبازوم ومنع بث اذاعة فرنسا الدولية وفرنسا 24. لم يطالب المجلس العسكري مغادرة  الكتيبة الفرنسية التي تضم 1500 جندي فرنسي ولكن فرنسا عازمة على التشبث بالنيجر آخر حصونها ومركز توطنها في افريقيا ويوم الثلاثاء الفارط 09 اوت 2023 واثر فشل منظمة الايكواس في توجيه ضربة عسكرية للنيجر وإعادة محمد بازوم للحكم مثلما توعد بذلك الرئيس النيجيري فان الجيش الفرنسي  وعلى طريقة جاك فوكار بدا في شن عمليات عسكرية شمال النيجر حسب البلاغ 23 الصادر عن المجلس العسكري النيجري كما أن تنظيمات القاعدة وداعش والطوارق بداو في تنفيذ ضربات عسكرية في المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر لشل قدرة هذه البلدان على تنسيق مجهودها للانعتاق من القبضة الفرنسية المحكمة على النيجر التي تعالت أوساط عديدة في الإعلام الفرنسي بعدم التفريط فيها خاصة إزاء تنامي أزمة الطاقة نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية خاصة وأنها أهم قلاع مصالح فرنسا في غرب إفريقيا.

   * باحث في تاريخ إفريقيا المعاصر والبعثات الأممية بالكنغو.

صدر له بفرنسا كتاب السياسة الفرنسية في إفريقيا عقاب غينيا .