إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الدّكتور أحمد ذياب: لماذا لم يتعرض أهل العلم بين القرن الثامن حتى الثالث عشر إلى كتاب "الطّبّ النّبويّ"لابن القيم وهم الأقرب إلى الرّسول زمنيّا وبيئيّا؟

 

بقلم:مصدّق الشّريف

ولد ابن القيم الجوزية في السابع من شهر صفر، في عام 691 للهجرة، وكان مسقط رأسه في دمشق. ابتدأ ابن القيم بأخذ العلم في صغرِه، وقرأ على كثير من الشيوخ. كما سمع ابن القيم الدروس من كثير من العلماء في مدينة دمشق؛ والتي كانت تزخر بالعلماء في ذلك الوقت، ثمّ ارتحل بعدها إلى مصر لطلب العلم فيها. كان لابن القيم مؤيدون وتلاميذ كثر أثنوا عليه، كما أثنى عليه عدد من علماء عصره، وأثنوا على كتبه. وكان أيضا لبعض العلماء والمفكرين المسلمين سواء من العصر الحديث أو القديم موقف معاد له. وغالبا ما يُقرن نقده مع نقد ابن تيمية، وذلك على خلفيّة اصطدامه مع المذاهب العقدية والفكرية الأخرى مثل الفلاسفة والصوفية والأشاعرة والمعتزلة والشيعة، وكذلك بسبب عدد من الفتاوى والآراء الفقهية.

ومن أشهر كتب ابن القيم كتاب "الطبّ النّبويّ". وقد شدّنا تعليق الدكتور أحمد ذياب الأستاذ في الجراحة وتقويم الأعضاء، عضو الجمعيّة الدّوليّة للجراحة وتقويم الأعضاء، عضو الجمعيّة الدّولية لتاريخ الطّبّ، وله شهادة دكتوراه معمّقة في الأنتروبولوجيا، وهو أمين عام الجمعيّة التّونسيّة لتاريخ الطّبّ والصّيدلة. وهو رئيس جمعيّة اللّغة العربيّة، وهو عضو مجمع اللّغة العربيّة بليبيا، صاحب كتاب "مغامرة الحياة بين العلم والخرافة" الصادر عن دار محمد علي للنشر، على هذا المؤلّف وعلى مؤلّفين آخرين إذ يقول:

 " في هذا الأسبوع قرأت كتابين:

  • أخلاق الطبيب لأبي بكر الرازي
  • فصل المقال لابن رشد

وما استنتجته هو التالي:

أولا: أنه من الضروري على كل طبيب أن يدرس تاريخ الطب وفلسفة العلوم، حتى يطلع على كنوز العرب.

ثانيا: أننا اليوم لم نضف شيئا أو نكاد على ما كان يعلمه هذان العالمان العربيان (إنما العربية اللسان).

ثالثا: لا أحد منهما ذكر حديثا نبويا واحدا يهم الطبّ والطبابةǃǃǃ

رابعا: يحقّ لي أن أقول إنّ كتاب "الطّبّ النّبويّ" الذي كتبه جاهل بحقّ، هو ابن القيم الجوزية، في القرن الرابع عشر يمثل علامة تخلّف وبداية انحدار للعرب والمسلمين".

وقد طلبنا من الدكتور أحمد ذياب توضيح كلامه القادح الصّريح. فأفادنا مشكورا بما يلي:

"كثيرا ما يبرز عالم من العلماء وتنطفئ شمعة غيره، أو تضمحلّ. والحال أنّ هذا الأخير المنسيّ كان له الفضل الأكبر في نظرية ما أو في علم ما. ففي القرن الثالث عشر مثلا، نجد أنّ ابن قيم الجوزية قد ذاع صيته لكتابته الطبّ النبويّ، والحال أنّ هذا الكتاب لا يتضمن موضوعا اسمه الطب النبويّ. وفي القرن نفسه، والمدينة دمشق نفسها، عاش ابن النفيس ذلك العالم الذي غيّر مجرى الفيزيولوجيا والطب في العالم أجمع. تنكرنا لهذا الأخير، ولم نعثر على آثاره، نحن العرب، أهله، إلاّ بعد سنة 1924 حين اطلع طبيب مصري على مخطوطته بمكتبة ألمانية. بل ولعلّنا كفّرناه لأنّه كان يقوم بتجارب على الحيوانات.

لماذا لم يتعرض أهل العلم بين القرن الثامن حتى الثالث عشر إلى هذا المرجع النفيس: الأحاديث الطبية والصحية للرسول؟ وهم الأقرب إلى الرسول زمنيا وبيئيّا؟

لا الرازي لا المجوسي لا ابن سينا لا الزهراوي ولا ابن رشد ولا أحمد ابن الجزار الورع.. والذين لا يشكّ البتة في دينهم...

ابن خلدون والطب النبويّ:

 أكتفي برأي ابن خلدون في المقدّمة، في وصفه لما سميّ بالطبّ النبويّ:

 "وللبادية من أهل العمران طبّ يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، ويتداولونه متوارثاً عن مشايخ الحيّ وعجائزه، وربما يصحّ منه البعض، إلاّ أنّه ليس على قانون طبيعي، ولا عن موافقة المزاج. وكان عند العرب من هذا الطبّ كثير، وكان فيهم أطباء معروفون: كالحارث بن كلدة وغيره. والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل، وليس من الوحي في شيء وإنما هو أمرٌ كان عادياً للعرب. ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلّة، لا من جهة أنّ ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل. فإنّه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلّمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطبّ ولا غيره من العاديات. وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال: "أنتم أعلمُ بأمور دنياكم". فلا ينبغي أن يحمل شيء من الذي وقع من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنّه مشروع، فليس هناك ما يدلّ عليه، اللهم إلاّ إن استعمل على جهة التبرّك وصدق العقد الإيماني، فيكون له أثر عظيم في النفع. وليس ذلك من الطبّ المزاجي وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية، كما وقع في مداواة المبطون بالعسل ونحوه. والله الهادي إلى الصواب لا ربّ سواه". (المقدمة، باب في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه، الفصل الخامس والعشرون: علم الطبّ).

وعلى الرغم من كلّ هذا، فإنّ كتاب الطب النبويّ قد دخل أغلب البيوت. بعد القرن الثالث عشر على وجه الخصوص، حين أذنت الساعة بالتكفير المتزايد والتخلّف. وحين يقرأه الواحد منّا بتبصّر وإيمان، يتيقّن بأنّ ناقله ابن قيم لم يطّلع على من يعيش بجواره طبيبا عالما. بل إنّ ابن قيّم الجوزية تجاهل ما وصل إليه الطبّ العربيّ الإسلاميّ. وللتذكير فإنّ بيمارستان النوري بناه الملك العادل نور الدين محمود الزنكي عام 1154م، مشترطا في وقفه أن يكون مخصصاً للفقراء والمساكين، وكان يحتوي على جملة كبيرة من الكتب الطبية، كما كان يتسع لألف وثلاثمائة سرير. وقد كان الأطبّاء يفدون إليه من كلّ البلاد. ففي تلك الفترة بالذات، كانت العلوم قد تقدّمت أشواطا كبيرة في ميادين التشخيص والتشريح التجريبي والعلاج والتدوين وطب الأطفال وطب الشيوخ وطب الفقراء وطبّ السفر. ولم يتعرّض للطبّ النبويّ عالم ممن دوّنوا الطبّ وأبدعوا فيه.

ولم يكتب لـ"زاد المعاد في هدي خير العباد" انتقال إلى الضفة الشمالية والغرب، لم يذكره غيرنا. لكن كتب ابن النفيس وابن سينا والرازي والزهراوي وأحمد ابن الجزار، انتقلت إلى الغرب، فرنسا وإيطاليا، وأضافت إلى الزاد البشريّ خبرة وتجربة. ومثّلت الإسهام الحقيقيّ العربي الإسلامي المتبقي في الحضارة الكونية.

بعض الأحاديث المذكورة في الطب النبوي:

  • عرق النسا وألية الشاه:

أجزم أن لا دخل لألية الشاة العربية بعِرْق النَسَا. ولا دخل لهذا الجهاز الهضميّ بالجهاز الفقاريّ والحركيّ والقرص والفقرات. ولعلّ ما ذكره ابن قيم الجوزية في فصل أسماه الطب النبويّ، لا يرتقي إلاّ لخياله العقائديّ، ولا ظننت الرسول ينصح بأمر مثل هذا. إذ يقول "إنّ دواء عِرْق النَسَا ألية شاة أعرابية تذاب، ثمّ تجزأ ثلاثة أجزاء، ثمّ يشرب على الريق في كلّ يوم جزء‏‏‏". ‏ ويضيف "أنه من أنفع العلاج له، فإن هذا المرض يحدث من يبس، وقد يحدث من مادة غليظة لزجة، فعلاجها بالإسهال والألية فيها الخاصيتان‏:‏ الإنضاج، والتليين، ففيها الإنضاج، والإخراج‏. ‏ وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين، وفي تعيين الشاة الأعرابية لقلة فضولها، وصغر مقدارها، ولطف جوهرها، وخاصية مرعاها إلى غير ذلك". ونعلم اليوم كم هي ضارة هذه الأكلة الدسمة في حدّ ذاتها في كلّ الأزمان وفي كلّ مكان بالكون، وأن ابن قيم الجوزية نفسه، تتلمذ على يدي ابن تيمية، ولم ينقل ما قاله عن طبيب، والحال أنّ الأطبّاء قد انتشروا في ذلك العصر وقبله، لكنّهم كُفّروا. ذاك أنّ الفترة التي كتب فيها هذا الفصل من كتابه "زاد المعـاد" هي بداية انحدارنا إلى عصر الظلمات ونبذ العلماء والعودة إلى العصور الحجرية.

  • "السلقلق":

كنت أجهل المصطلح. بحثتُ عنه. وفهمتُ أنّه حيض يأتي من غير موضعه بل هو يأتي من الشرج!! كان اكتشافا بالنسبة إليّ. وقد كتبت آلاف الصفحات في التشريح والجراحة وقد أكون من أكثر من أمسك بعلم التشريح باللغات جميعها. وهو ما يسمح بأن أبدي الرأي العلمي كما تعلمته وعلّمته.

جاء عن ابْنِ عَبَّاسٍ أنّه قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلى ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: إِنِّي أُبْغِضُكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ:أَنْتِ إذا سَلَقْلَقٌ؟ قَالَتْ: وَمَا السَّلَقْلَقُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " يَا عَلِيُّ، لا يُبْغِضُكَ مِنَ النِّسَاءِ إلاّ السَّلَقْلَقُ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا السَّلَقْلَقُ؟ قَالَ: "الَّتِي تَحِيضُ مِنْ دُبُرِهَا"، قالت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أنا أحيضُ من دبُري وما عَلِم أبواي.

ثم بحثتُ وحمدت الله أن كان الحديث ضعيفَ السند. ورأيي أنّه لا وجود له أصلا.

لكنّ الأمرّ والأقسى أن يأتي ذكرُه على لسان داعية إسلامية ينشر خطبه باليوتوب ويلقيها على منابر مدينة فيينّا بالنمسا. يدّعي العلم وهو يجهله تماما. وتصوّروا نمساويا أو ألمانيا يدخل المسجد ويبتسم للخطيب فيغترّ هذا الأخير ويزداد رصيدُ أنفته وتكبّره. تصوروا الألماني يفهم أنّ الإمام العالمَ (؟) يعلّم الناس أن هناك من النساء من تحضن من غير المكان الطبيعي!!طبعا سوف يقول في نفسه إنّ قرونا من الزمن العلمي تفصلُ اليوم أوروبا عن هذا العالم العربيّ الإسلامي. وفي الوقت نفسه، لعلّه يتفهّم جيدا أن تبنيَ إسرائيل جدارا عازلا حتى لا ترى العرب ولا المسلمين. ولا تسمع داعيةً. أقول هذا والألم والحسرة يمزّقان الحشا.

إنّ مصيبتنا كبيرة جدّا ".

لقد اتضح جليا أنّ كتابة التاريخ العربي الإسلامي وبالتحديد ما يُعرف بالأحاديث النبوية والسيرة قد شابهما الكثير من الدّجل والافتراء على النّبي محمد صلّى الله عليه وسلم. وقد نُسبت إليه أقوال هو براء منها لا تمتّ بصلة لكتاب الله وشريعته. حتّى إنّ بعض باعة الخضر صاح حين كسدت بضاعته:" قال عليه الصّلاة والسلام عليكم بأكل الباذنجان فإن منافعه لا تحصى ولا تعدّ".

ورغم ما نلاحظه من استفاقة في قراءة النص القرآني وطرح للعديد من الأسئلة حول مدى صحة ما يُعرف بالأحاديث النبوية وما أحيط بها من زيادة ونقصان بعد قرنين ونصف من الرّسالة المحمدية، فإنّ "الجماعة" وما يسمى بعلماء الأمة بقوا على جهلهم وقصر تفكيرهم يمضون قدما في تفسير القرآن الكريم اعتمادا على الشيوخ الأوائل دون أن يجتهدوا أو يقلبوا تدبرالقرءان. وأغلبهم لا يفتأ يعيد كالببغاء ما سمعه أوما قرأه في كتب أغلبها صفراء لا تخلو تحاليلها من الفكر الجامد والمتحجر.

الدّكتور أحمد ذياب:  لماذا لم يتعرض أهل العلم بين القرن الثامن حتى الثالث عشر إلى كتاب "الطّبّ النّبويّ"لابن القيم وهم الأقرب إلى الرّسول زمنيّا وبيئيّا؟

 

بقلم:مصدّق الشّريف

ولد ابن القيم الجوزية في السابع من شهر صفر، في عام 691 للهجرة، وكان مسقط رأسه في دمشق. ابتدأ ابن القيم بأخذ العلم في صغرِه، وقرأ على كثير من الشيوخ. كما سمع ابن القيم الدروس من كثير من العلماء في مدينة دمشق؛ والتي كانت تزخر بالعلماء في ذلك الوقت، ثمّ ارتحل بعدها إلى مصر لطلب العلم فيها. كان لابن القيم مؤيدون وتلاميذ كثر أثنوا عليه، كما أثنى عليه عدد من علماء عصره، وأثنوا على كتبه. وكان أيضا لبعض العلماء والمفكرين المسلمين سواء من العصر الحديث أو القديم موقف معاد له. وغالبا ما يُقرن نقده مع نقد ابن تيمية، وذلك على خلفيّة اصطدامه مع المذاهب العقدية والفكرية الأخرى مثل الفلاسفة والصوفية والأشاعرة والمعتزلة والشيعة، وكذلك بسبب عدد من الفتاوى والآراء الفقهية.

ومن أشهر كتب ابن القيم كتاب "الطبّ النّبويّ". وقد شدّنا تعليق الدكتور أحمد ذياب الأستاذ في الجراحة وتقويم الأعضاء، عضو الجمعيّة الدّوليّة للجراحة وتقويم الأعضاء، عضو الجمعيّة الدّولية لتاريخ الطّبّ، وله شهادة دكتوراه معمّقة في الأنتروبولوجيا، وهو أمين عام الجمعيّة التّونسيّة لتاريخ الطّبّ والصّيدلة. وهو رئيس جمعيّة اللّغة العربيّة، وهو عضو مجمع اللّغة العربيّة بليبيا، صاحب كتاب "مغامرة الحياة بين العلم والخرافة" الصادر عن دار محمد علي للنشر، على هذا المؤلّف وعلى مؤلّفين آخرين إذ يقول:

 " في هذا الأسبوع قرأت كتابين:

  • أخلاق الطبيب لأبي بكر الرازي
  • فصل المقال لابن رشد

وما استنتجته هو التالي:

أولا: أنه من الضروري على كل طبيب أن يدرس تاريخ الطب وفلسفة العلوم، حتى يطلع على كنوز العرب.

ثانيا: أننا اليوم لم نضف شيئا أو نكاد على ما كان يعلمه هذان العالمان العربيان (إنما العربية اللسان).

ثالثا: لا أحد منهما ذكر حديثا نبويا واحدا يهم الطبّ والطبابةǃǃǃ

رابعا: يحقّ لي أن أقول إنّ كتاب "الطّبّ النّبويّ" الذي كتبه جاهل بحقّ، هو ابن القيم الجوزية، في القرن الرابع عشر يمثل علامة تخلّف وبداية انحدار للعرب والمسلمين".

وقد طلبنا من الدكتور أحمد ذياب توضيح كلامه القادح الصّريح. فأفادنا مشكورا بما يلي:

"كثيرا ما يبرز عالم من العلماء وتنطفئ شمعة غيره، أو تضمحلّ. والحال أنّ هذا الأخير المنسيّ كان له الفضل الأكبر في نظرية ما أو في علم ما. ففي القرن الثالث عشر مثلا، نجد أنّ ابن قيم الجوزية قد ذاع صيته لكتابته الطبّ النبويّ، والحال أنّ هذا الكتاب لا يتضمن موضوعا اسمه الطب النبويّ. وفي القرن نفسه، والمدينة دمشق نفسها، عاش ابن النفيس ذلك العالم الذي غيّر مجرى الفيزيولوجيا والطب في العالم أجمع. تنكرنا لهذا الأخير، ولم نعثر على آثاره، نحن العرب، أهله، إلاّ بعد سنة 1924 حين اطلع طبيب مصري على مخطوطته بمكتبة ألمانية. بل ولعلّنا كفّرناه لأنّه كان يقوم بتجارب على الحيوانات.

لماذا لم يتعرض أهل العلم بين القرن الثامن حتى الثالث عشر إلى هذا المرجع النفيس: الأحاديث الطبية والصحية للرسول؟ وهم الأقرب إلى الرسول زمنيا وبيئيّا؟

لا الرازي لا المجوسي لا ابن سينا لا الزهراوي ولا ابن رشد ولا أحمد ابن الجزار الورع.. والذين لا يشكّ البتة في دينهم...

ابن خلدون والطب النبويّ:

 أكتفي برأي ابن خلدون في المقدّمة، في وصفه لما سميّ بالطبّ النبويّ:

 "وللبادية من أهل العمران طبّ يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص، ويتداولونه متوارثاً عن مشايخ الحيّ وعجائزه، وربما يصحّ منه البعض، إلاّ أنّه ليس على قانون طبيعي، ولا عن موافقة المزاج. وكان عند العرب من هذا الطبّ كثير، وكان فيهم أطباء معروفون: كالحارث بن كلدة وغيره. والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل، وليس من الوحي في شيء وإنما هو أمرٌ كان عادياً للعرب. ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلّة، لا من جهة أنّ ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل. فإنّه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلّمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطبّ ولا غيره من العاديات. وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال: "أنتم أعلمُ بأمور دنياكم". فلا ينبغي أن يحمل شيء من الذي وقع من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنّه مشروع، فليس هناك ما يدلّ عليه، اللهم إلاّ إن استعمل على جهة التبرّك وصدق العقد الإيماني، فيكون له أثر عظيم في النفع. وليس ذلك من الطبّ المزاجي وإنما هو من آثار الكلمة الإيمانية، كما وقع في مداواة المبطون بالعسل ونحوه. والله الهادي إلى الصواب لا ربّ سواه". (المقدمة، باب في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه، الفصل الخامس والعشرون: علم الطبّ).

وعلى الرغم من كلّ هذا، فإنّ كتاب الطب النبويّ قد دخل أغلب البيوت. بعد القرن الثالث عشر على وجه الخصوص، حين أذنت الساعة بالتكفير المتزايد والتخلّف. وحين يقرأه الواحد منّا بتبصّر وإيمان، يتيقّن بأنّ ناقله ابن قيم لم يطّلع على من يعيش بجواره طبيبا عالما. بل إنّ ابن قيّم الجوزية تجاهل ما وصل إليه الطبّ العربيّ الإسلاميّ. وللتذكير فإنّ بيمارستان النوري بناه الملك العادل نور الدين محمود الزنكي عام 1154م، مشترطا في وقفه أن يكون مخصصاً للفقراء والمساكين، وكان يحتوي على جملة كبيرة من الكتب الطبية، كما كان يتسع لألف وثلاثمائة سرير. وقد كان الأطبّاء يفدون إليه من كلّ البلاد. ففي تلك الفترة بالذات، كانت العلوم قد تقدّمت أشواطا كبيرة في ميادين التشخيص والتشريح التجريبي والعلاج والتدوين وطب الأطفال وطب الشيوخ وطب الفقراء وطبّ السفر. ولم يتعرّض للطبّ النبويّ عالم ممن دوّنوا الطبّ وأبدعوا فيه.

ولم يكتب لـ"زاد المعاد في هدي خير العباد" انتقال إلى الضفة الشمالية والغرب، لم يذكره غيرنا. لكن كتب ابن النفيس وابن سينا والرازي والزهراوي وأحمد ابن الجزار، انتقلت إلى الغرب، فرنسا وإيطاليا، وأضافت إلى الزاد البشريّ خبرة وتجربة. ومثّلت الإسهام الحقيقيّ العربي الإسلامي المتبقي في الحضارة الكونية.

بعض الأحاديث المذكورة في الطب النبوي:

  • عرق النسا وألية الشاه:

أجزم أن لا دخل لألية الشاة العربية بعِرْق النَسَا. ولا دخل لهذا الجهاز الهضميّ بالجهاز الفقاريّ والحركيّ والقرص والفقرات. ولعلّ ما ذكره ابن قيم الجوزية في فصل أسماه الطب النبويّ، لا يرتقي إلاّ لخياله العقائديّ، ولا ظننت الرسول ينصح بأمر مثل هذا. إذ يقول "إنّ دواء عِرْق النَسَا ألية شاة أعرابية تذاب، ثمّ تجزأ ثلاثة أجزاء، ثمّ يشرب على الريق في كلّ يوم جزء‏‏‏". ‏ ويضيف "أنه من أنفع العلاج له، فإن هذا المرض يحدث من يبس، وقد يحدث من مادة غليظة لزجة، فعلاجها بالإسهال والألية فيها الخاصيتان‏:‏ الإنضاج، والتليين، ففيها الإنضاج، والإخراج‏. ‏ وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين، وفي تعيين الشاة الأعرابية لقلة فضولها، وصغر مقدارها، ولطف جوهرها، وخاصية مرعاها إلى غير ذلك". ونعلم اليوم كم هي ضارة هذه الأكلة الدسمة في حدّ ذاتها في كلّ الأزمان وفي كلّ مكان بالكون، وأن ابن قيم الجوزية نفسه، تتلمذ على يدي ابن تيمية، ولم ينقل ما قاله عن طبيب، والحال أنّ الأطبّاء قد انتشروا في ذلك العصر وقبله، لكنّهم كُفّروا. ذاك أنّ الفترة التي كتب فيها هذا الفصل من كتابه "زاد المعـاد" هي بداية انحدارنا إلى عصر الظلمات ونبذ العلماء والعودة إلى العصور الحجرية.

  • "السلقلق":

كنت أجهل المصطلح. بحثتُ عنه. وفهمتُ أنّه حيض يأتي من غير موضعه بل هو يأتي من الشرج!! كان اكتشافا بالنسبة إليّ. وقد كتبت آلاف الصفحات في التشريح والجراحة وقد أكون من أكثر من أمسك بعلم التشريح باللغات جميعها. وهو ما يسمح بأن أبدي الرأي العلمي كما تعلمته وعلّمته.

جاء عن ابْنِ عَبَّاسٍ أنّه قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلى ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: إِنِّي أُبْغِضُكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ:أَنْتِ إذا سَلَقْلَقٌ؟ قَالَتْ: وَمَا السَّلَقْلَقُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " يَا عَلِيُّ، لا يُبْغِضُكَ مِنَ النِّسَاءِ إلاّ السَّلَقْلَقُ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا السَّلَقْلَقُ؟ قَالَ: "الَّتِي تَحِيضُ مِنْ دُبُرِهَا"، قالت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أنا أحيضُ من دبُري وما عَلِم أبواي.

ثم بحثتُ وحمدت الله أن كان الحديث ضعيفَ السند. ورأيي أنّه لا وجود له أصلا.

لكنّ الأمرّ والأقسى أن يأتي ذكرُه على لسان داعية إسلامية ينشر خطبه باليوتوب ويلقيها على منابر مدينة فيينّا بالنمسا. يدّعي العلم وهو يجهله تماما. وتصوّروا نمساويا أو ألمانيا يدخل المسجد ويبتسم للخطيب فيغترّ هذا الأخير ويزداد رصيدُ أنفته وتكبّره. تصوروا الألماني يفهم أنّ الإمام العالمَ (؟) يعلّم الناس أن هناك من النساء من تحضن من غير المكان الطبيعي!!طبعا سوف يقول في نفسه إنّ قرونا من الزمن العلمي تفصلُ اليوم أوروبا عن هذا العالم العربيّ الإسلامي. وفي الوقت نفسه، لعلّه يتفهّم جيدا أن تبنيَ إسرائيل جدارا عازلا حتى لا ترى العرب ولا المسلمين. ولا تسمع داعيةً. أقول هذا والألم والحسرة يمزّقان الحشا.

إنّ مصيبتنا كبيرة جدّا ".

لقد اتضح جليا أنّ كتابة التاريخ العربي الإسلامي وبالتحديد ما يُعرف بالأحاديث النبوية والسيرة قد شابهما الكثير من الدّجل والافتراء على النّبي محمد صلّى الله عليه وسلم. وقد نُسبت إليه أقوال هو براء منها لا تمتّ بصلة لكتاب الله وشريعته. حتّى إنّ بعض باعة الخضر صاح حين كسدت بضاعته:" قال عليه الصّلاة والسلام عليكم بأكل الباذنجان فإن منافعه لا تحصى ولا تعدّ".

ورغم ما نلاحظه من استفاقة في قراءة النص القرآني وطرح للعديد من الأسئلة حول مدى صحة ما يُعرف بالأحاديث النبوية وما أحيط بها من زيادة ونقصان بعد قرنين ونصف من الرّسالة المحمدية، فإنّ "الجماعة" وما يسمى بعلماء الأمة بقوا على جهلهم وقصر تفكيرهم يمضون قدما في تفسير القرآن الكريم اعتمادا على الشيوخ الأوائل دون أن يجتهدوا أو يقلبوا تدبرالقرءان. وأغلبهم لا يفتأ يعيد كالببغاء ما سمعه أوما قرأه في كتب أغلبها صفراء لا تخلو تحاليلها من الفكر الجامد والمتحجر.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews