إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

راي: لطيفة العرفاوي...الفن في خدمة المجتمع

 

لا أخفي ما انتابني من تردد حين أردت أن أتوجه بهذه التحية للفنانة لطيفة العرفاوي. وأسباب التردد تتمثل أساسا في عاملين مهمين أولهما أن الحديث عن لطيفة العرفاوي قد تواتر في الأيام الأخيرة وأما العامل الثاني فيتمثل في أن لطيفة العرفاوي قد غابت لفترة طويلة عن تونس وهو ما فتح الباب أمام البعض لتوجيه انتقادات بل وحتى إشارات لا تخلو أحيانا من سوء نية.

لكن مسار لطيفة العرفاوي ليس عاديا ولا يمكن التأريخ للغناء التونسي دون التوقف عند تجربتها سواء من خلال التطرق إلى هذا المسار من زاوية فردية أو عبر تنزيله في سياق الحركة الموسيقية والغنائية في تونس. ليس من السهل الانتقال من مرحلة الهواية في معهد باردو - المعروف أكثر بإسم معهد خزندار- ودار الشباب التي تحاذيه إلى تبوء موقع متميز في الصف الأول لنجوم الغناء في الوطن العربي والمحافظة على هذا الموقع لسنوات .لا شك أن تأطير البدايات الذي قام به على أفضل وجه عدد من الأساتذة الأجلاء وفي مقدمتهم الأستاذ عبد الكريم الدليسي كان له دوره .لكن التصرف في مسيرة فنية ومهنية كاملة وطويلة وناجحة يحتاج إلى تفاعل عدة عوامل من أهمها العزيمة والإصرار والذكاء والطموح مع كل ما يعنيه ذلك من مغامرة مدروسة. هذه المكونات تمتلكها لطيفة العرفاوي وهو ما جعلها تتحول في تونس إلى رمز تشبيب الأغنية التونسية خاصة في مستوى الأصوات النسائية لأن ظهور لطيفة العرفاوي في مطلع ثمانينيات القرن الماضي قد تساوق مع ظهور أصوات نسائية متميزة من أبرزها الراحلة ذكرى محمد وفاطمة بن عرفة ونبيهة كراولي وامينة فاخت وخاصة مع وجود حاجة لدى المتلقين لنفس جديد يهب على الأغنية التونسية. ويتجلى طموح لطيفة العرفاوي في قرارها التحول إلى مصر والاستقرار هناك وهو ما لم يسبقها فيه من المطربين والمطربات إلا الراحلة علية والتي لم يطل بها المقام في القاهرة طويلا .البيئة الفنية في مصر معقدة وتتداخل فيها الاعتبارات السياسية والتجارية وحتى " الأمنية " وتحكمها عقلية حمائية تجعل البيئة الفنية المصرية بيئة طاردة للفنانين الأجانب وهناك من الأسماء والتجارب في هذا المجال ما يكفي لملء كتاب. نجحت لطيفة العرفاوي هنا حيث فشل الكثيرون واستطاعت خاصة أن تحافظ على الإنتماء بتونس والارتباط بها.

يحاول البعض التركيز على أن لطيفة العرفاوي هي منتوج خالص للنظام السابق. وهذه المسألة ليست تهمة في حد ذاتها في ظل معطيين على الأقل .ذلك أن النظام السابق يبقى ، رغم كل نقائصه وسلبياته متقدما في مستوى الإنجازات عن كل الذين جاؤوا بعده. وأما المعطى الثاني فيتمثل في أن لطيفة العرفاوي أكدت في السموات الأخيرة أن التزامها هو تجاه المجتمع قبل أن يكون تجاه الأنظمة السياسية وهو ما تجلى بوضوح في السنوات الأخيرة في تجندها لدعم جهود مواجهة وباء الكوفيد وفي توليها إعادة بناء المدرسة الابتدائية التي درست بها ومؤخرا في تحركها لتنظيم حفل تخصص مداخيله لمساعدة ضحايا الحرائق التي ضربت طبقة مؤخرا.

هشام الحاجي

راي:   لطيفة العرفاوي...الفن في خدمة المجتمع

 

لا أخفي ما انتابني من تردد حين أردت أن أتوجه بهذه التحية للفنانة لطيفة العرفاوي. وأسباب التردد تتمثل أساسا في عاملين مهمين أولهما أن الحديث عن لطيفة العرفاوي قد تواتر في الأيام الأخيرة وأما العامل الثاني فيتمثل في أن لطيفة العرفاوي قد غابت لفترة طويلة عن تونس وهو ما فتح الباب أمام البعض لتوجيه انتقادات بل وحتى إشارات لا تخلو أحيانا من سوء نية.

لكن مسار لطيفة العرفاوي ليس عاديا ولا يمكن التأريخ للغناء التونسي دون التوقف عند تجربتها سواء من خلال التطرق إلى هذا المسار من زاوية فردية أو عبر تنزيله في سياق الحركة الموسيقية والغنائية في تونس. ليس من السهل الانتقال من مرحلة الهواية في معهد باردو - المعروف أكثر بإسم معهد خزندار- ودار الشباب التي تحاذيه إلى تبوء موقع متميز في الصف الأول لنجوم الغناء في الوطن العربي والمحافظة على هذا الموقع لسنوات .لا شك أن تأطير البدايات الذي قام به على أفضل وجه عدد من الأساتذة الأجلاء وفي مقدمتهم الأستاذ عبد الكريم الدليسي كان له دوره .لكن التصرف في مسيرة فنية ومهنية كاملة وطويلة وناجحة يحتاج إلى تفاعل عدة عوامل من أهمها العزيمة والإصرار والذكاء والطموح مع كل ما يعنيه ذلك من مغامرة مدروسة. هذه المكونات تمتلكها لطيفة العرفاوي وهو ما جعلها تتحول في تونس إلى رمز تشبيب الأغنية التونسية خاصة في مستوى الأصوات النسائية لأن ظهور لطيفة العرفاوي في مطلع ثمانينيات القرن الماضي قد تساوق مع ظهور أصوات نسائية متميزة من أبرزها الراحلة ذكرى محمد وفاطمة بن عرفة ونبيهة كراولي وامينة فاخت وخاصة مع وجود حاجة لدى المتلقين لنفس جديد يهب على الأغنية التونسية. ويتجلى طموح لطيفة العرفاوي في قرارها التحول إلى مصر والاستقرار هناك وهو ما لم يسبقها فيه من المطربين والمطربات إلا الراحلة علية والتي لم يطل بها المقام في القاهرة طويلا .البيئة الفنية في مصر معقدة وتتداخل فيها الاعتبارات السياسية والتجارية وحتى " الأمنية " وتحكمها عقلية حمائية تجعل البيئة الفنية المصرية بيئة طاردة للفنانين الأجانب وهناك من الأسماء والتجارب في هذا المجال ما يكفي لملء كتاب. نجحت لطيفة العرفاوي هنا حيث فشل الكثيرون واستطاعت خاصة أن تحافظ على الإنتماء بتونس والارتباط بها.

يحاول البعض التركيز على أن لطيفة العرفاوي هي منتوج خالص للنظام السابق. وهذه المسألة ليست تهمة في حد ذاتها في ظل معطيين على الأقل .ذلك أن النظام السابق يبقى ، رغم كل نقائصه وسلبياته متقدما في مستوى الإنجازات عن كل الذين جاؤوا بعده. وأما المعطى الثاني فيتمثل في أن لطيفة العرفاوي أكدت في السموات الأخيرة أن التزامها هو تجاه المجتمع قبل أن يكون تجاه الأنظمة السياسية وهو ما تجلى بوضوح في السنوات الأخيرة في تجندها لدعم جهود مواجهة وباء الكوفيد وفي توليها إعادة بناء المدرسة الابتدائية التي درست بها ومؤخرا في تحركها لتنظيم حفل تخصص مداخيله لمساعدة ضحايا الحرائق التي ضربت طبقة مؤخرا.

هشام الحاجي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews