إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الأعمال الصيفية للتلاميذ.. العائلات في "قفص الاتهام " ولابدّ من قوانين رادعة جديدة

 

بقلم: ريم بالخذيري

*تعتبر العقلية التونسية الأبناء ملكية شخصية يتصرفون فيها كيفما يشاؤون وآن الأوان لتغييرها بحملات التوعية وكذلك بسن قوانين واضحة وصارمة في هذا المجال.

علميّا تعدّ العطلة الصّيفية ضروريّة وليس ترفا وقد اتفقت كل الدول على منح راحة سنوية للتلاميذ لا تقل عن الشهرين.

وكلّ الدراسات النفسية تؤكد على أهمية هذه العطلة للراحة النفسية، كما أن لها فوائد كثيرة فالعقل البشري لا يستطيع العمل بدون راحة وبدون ترفيه، لذا فإن الراحة والابتعاد عن المدارس مطلوب للعودة مرة أخرى بنفس جديد وطاقة متجددة.

وعند الشعوب المتقدمة يتم الاستفادة الكاملة من هذه العطلة لوعيهم الكبير بأهميتها لدى أبنائهم.

في تونس ولئن كانت تبدو كذلك فإنها عذاب وجحيم عند الالاف من التلاميذ الذين يجدون أنفسهم مجبرين على قضائها في أعمال شاقة محفوفة بالمخاطر أقلها أن تبتر ساق أحدهم في جبال القصرين نتيجة انفجار لغم عليه حينما كان بصدد جمع الاكليل والزعتر لبيعه وتحصيل بعض الدنانير لعودته المدرسية.

                عائلات في فقص الاتهام

من الصّعب أن نجد تلميذا واحدا يرغب في حرمان نفسه من التمتع بالعطلة الصيفية و يقوم طوعيّا بالعمل في أعمال شاقة تحت أشعة الشمس وفي الجبال .وحتى لو كان بمبادرة ذاتية فانّ الفقر والخصاصة هما الدافعان الى ذلك. لكن ما يلاحظ مع الأسف هو أن الأولياء هم من يجبرون أبنائهم التلاميذ على العمل امّا عند الغير الذين يلقون على يديهم أبشع أنواع الاستغلال سواء في محطات غسل السيارات أو في المقاهي والمحلات .

أو العمل عندهم اذا ما كانوا تجارا أو ما شابهه بحجة تدريبهم على العمل وتحمل المسؤولية وهو خطأ يرتكبونه دون وعي منهم لأنّ نتائجه عادة ما تكون عكسية وتجعل الطفل يكره العمل وتغرس فيه نزعة التواكل عند الكبر.

أمّا النوع الآخر من الأعمال التي يجبر الأولياء أبنائهم على القيام بها ولاعلاقة لها بالفقر والحاجة فهي القيام بتربصات في الورشات والمحلات وغيرها من الأماكن وذلك بعنوان "يتعلّم صنعة" حيث يقضي التلميذ بين الأربع و12ساعة في هذه الأماكن دون حتى أن يقبض أجرا عن ذلك بل انه في أغلب الأحيان لا يتعلّم شيئا ووظيفته تقتصر على قضاء الشؤون الخاصة لصاحب الورشة أو المحل وحينما يرغب في التوقف عن هذا النشاط يقابل بشتّى الشتائم و المعاملة السيئة من طرف والديه دون أن يكلفا نفسيهما لحظات للاستماع اليه.

القانون المغيّب والرقابة المفقودة

مجلة الطفل وغيرها من المجلات القانونية تجمع على تجريم تشغيل الأطفال. فقد ورد بمجلة الشغل في فصلها الفصل 53 على أنّه "لا يمكن تشغيل الأطفال الّذين يقل سنهم عن ستة عشر عاما في جميع الأنشطة الخاضعة لهذه المجلة مع مراعاة الأحكام الخاصة الواردة بنفس المجلة".

أمّا الفصل الأغرب فهو الفصل 55 من مجلة الشغل الذي نص على "تخفيض سنّ قبول الأطفال في العمل إلى ثلاثة عشر عاماً في الأعمال الفلاحية الخفيفة التي لا تضرّ بصحتهم ونموّهم، ولا تمس بمواظبتهم وقدراتهم على الدراسة، ومشاركتهم فـي برامج التوجيه أو التكوين المهني المصادق عليه من قبل السلط العمومية المختصة". كما ينصّ قانون عمال المنازل المنقّح سنة 2005 على تشغيل الأطفال ما بين سن 16 و18 سنة.

كما أجاز المشرع تشغيل الأطفال الّذين يقل عمرهم عن الستة عشر عاما في المؤسسات الّتي يعمل بها أفراد العائلة تحت سلطة الأب أو الأم أو الوصي كما يمكن استخدام الأطفال الّذين تجاوزوا سنّ الثلاثة عشر عاما في الأشغال الفلاحيّة الخفيفة على أن لا يكون لهذا التشغيل أو الاستخدام تأثير سلبي على صحتهم ونموهم البدني والعقلي وأن لا تمسّ بمواظبتهم على الدراسة ومشاركتهم في برامج التوجيه والتكوين المهني.

وما نلاحظه أن المشرّع سكت عن تشغيل التلاميذ لأنه من المفروض أنه مجرّم في كل الأعمار وفي كل الأعمال لأن التلميذ مكانه الطبيعي المدرسة وفي العطل مكانه المنزل أو نوادي الترفيه والتكوين .لكن من الضروري اصدار نصوص قانونية واضحة في هذا الخصوص بعد تفاقم ظاهرة تشغيل التلاميذ و التي تؤثّر سلبا عليهم وهي أحد الأسباب الرئيسة في الانقطاع المبكّر عن الدراسة.

مقترحات قانون

كما أشرنا فان القوانين موجودة بخصوص تشغيل الأطفال رغم الثغرات الكبيرة والكثيرة فيها وهو ما يقتضي أوّلا تفعيلها بشكل كامل وهو ليس واقع الحال كما أنه من الضروري اصدار قانون واحد موحدّ يخص به الأطفال والتلاميذ .

وكما يلاحظ فان الأولياء متورطون بشكل كبير في تشغيل أبنائهم أو اجبارهم على الشغل بعناوين مختلفة تعرضنا لها وبالتالي من الضروري أن تشمل القوانين الردعية الوالدين كما هو معمول به في عدد من الدول المتقدمة والتي تصل الى حرمانهما من أبنائهما في صورة ثبوت تكرر الإساءة لهما بالتشغيل أو غيره .

حيث أن العقلية التونسية تعتبر الأبناء ملكية شخصية يتصرفون فيها كيفما يشاؤون وآن الأوان لتغييرها بحملات التوعية وكذلك بسن قوانين واضحة وصارمة في هذا المجال. وتشديد أقصى العقوبات على المخالفين .

فالضرر الذي يصيب الأطفال من التشغيل المبكّر يتجاوز البدني الى النفسي. وعديد الدراسات العلمية حذرت منه وواجب علينا الانتباه الى هذه الظاهرة التي بدأت في الانتشار السريع.

 

 

 

الأعمال الصيفية للتلاميذ.. العائلات في "قفص الاتهام " ولابدّ من قوانين رادعة جديدة

 

بقلم: ريم بالخذيري

*تعتبر العقلية التونسية الأبناء ملكية شخصية يتصرفون فيها كيفما يشاؤون وآن الأوان لتغييرها بحملات التوعية وكذلك بسن قوانين واضحة وصارمة في هذا المجال.

علميّا تعدّ العطلة الصّيفية ضروريّة وليس ترفا وقد اتفقت كل الدول على منح راحة سنوية للتلاميذ لا تقل عن الشهرين.

وكلّ الدراسات النفسية تؤكد على أهمية هذه العطلة للراحة النفسية، كما أن لها فوائد كثيرة فالعقل البشري لا يستطيع العمل بدون راحة وبدون ترفيه، لذا فإن الراحة والابتعاد عن المدارس مطلوب للعودة مرة أخرى بنفس جديد وطاقة متجددة.

وعند الشعوب المتقدمة يتم الاستفادة الكاملة من هذه العطلة لوعيهم الكبير بأهميتها لدى أبنائهم.

في تونس ولئن كانت تبدو كذلك فإنها عذاب وجحيم عند الالاف من التلاميذ الذين يجدون أنفسهم مجبرين على قضائها في أعمال شاقة محفوفة بالمخاطر أقلها أن تبتر ساق أحدهم في جبال القصرين نتيجة انفجار لغم عليه حينما كان بصدد جمع الاكليل والزعتر لبيعه وتحصيل بعض الدنانير لعودته المدرسية.

                عائلات في فقص الاتهام

من الصّعب أن نجد تلميذا واحدا يرغب في حرمان نفسه من التمتع بالعطلة الصيفية و يقوم طوعيّا بالعمل في أعمال شاقة تحت أشعة الشمس وفي الجبال .وحتى لو كان بمبادرة ذاتية فانّ الفقر والخصاصة هما الدافعان الى ذلك. لكن ما يلاحظ مع الأسف هو أن الأولياء هم من يجبرون أبنائهم التلاميذ على العمل امّا عند الغير الذين يلقون على يديهم أبشع أنواع الاستغلال سواء في محطات غسل السيارات أو في المقاهي والمحلات .

أو العمل عندهم اذا ما كانوا تجارا أو ما شابهه بحجة تدريبهم على العمل وتحمل المسؤولية وهو خطأ يرتكبونه دون وعي منهم لأنّ نتائجه عادة ما تكون عكسية وتجعل الطفل يكره العمل وتغرس فيه نزعة التواكل عند الكبر.

أمّا النوع الآخر من الأعمال التي يجبر الأولياء أبنائهم على القيام بها ولاعلاقة لها بالفقر والحاجة فهي القيام بتربصات في الورشات والمحلات وغيرها من الأماكن وذلك بعنوان "يتعلّم صنعة" حيث يقضي التلميذ بين الأربع و12ساعة في هذه الأماكن دون حتى أن يقبض أجرا عن ذلك بل انه في أغلب الأحيان لا يتعلّم شيئا ووظيفته تقتصر على قضاء الشؤون الخاصة لصاحب الورشة أو المحل وحينما يرغب في التوقف عن هذا النشاط يقابل بشتّى الشتائم و المعاملة السيئة من طرف والديه دون أن يكلفا نفسيهما لحظات للاستماع اليه.

القانون المغيّب والرقابة المفقودة

مجلة الطفل وغيرها من المجلات القانونية تجمع على تجريم تشغيل الأطفال. فقد ورد بمجلة الشغل في فصلها الفصل 53 على أنّه "لا يمكن تشغيل الأطفال الّذين يقل سنهم عن ستة عشر عاما في جميع الأنشطة الخاضعة لهذه المجلة مع مراعاة الأحكام الخاصة الواردة بنفس المجلة".

أمّا الفصل الأغرب فهو الفصل 55 من مجلة الشغل الذي نص على "تخفيض سنّ قبول الأطفال في العمل إلى ثلاثة عشر عاماً في الأعمال الفلاحية الخفيفة التي لا تضرّ بصحتهم ونموّهم، ولا تمس بمواظبتهم وقدراتهم على الدراسة، ومشاركتهم فـي برامج التوجيه أو التكوين المهني المصادق عليه من قبل السلط العمومية المختصة". كما ينصّ قانون عمال المنازل المنقّح سنة 2005 على تشغيل الأطفال ما بين سن 16 و18 سنة.

كما أجاز المشرع تشغيل الأطفال الّذين يقل عمرهم عن الستة عشر عاما في المؤسسات الّتي يعمل بها أفراد العائلة تحت سلطة الأب أو الأم أو الوصي كما يمكن استخدام الأطفال الّذين تجاوزوا سنّ الثلاثة عشر عاما في الأشغال الفلاحيّة الخفيفة على أن لا يكون لهذا التشغيل أو الاستخدام تأثير سلبي على صحتهم ونموهم البدني والعقلي وأن لا تمسّ بمواظبتهم على الدراسة ومشاركتهم في برامج التوجيه والتكوين المهني.

وما نلاحظه أن المشرّع سكت عن تشغيل التلاميذ لأنه من المفروض أنه مجرّم في كل الأعمار وفي كل الأعمال لأن التلميذ مكانه الطبيعي المدرسة وفي العطل مكانه المنزل أو نوادي الترفيه والتكوين .لكن من الضروري اصدار نصوص قانونية واضحة في هذا الخصوص بعد تفاقم ظاهرة تشغيل التلاميذ و التي تؤثّر سلبا عليهم وهي أحد الأسباب الرئيسة في الانقطاع المبكّر عن الدراسة.

مقترحات قانون

كما أشرنا فان القوانين موجودة بخصوص تشغيل الأطفال رغم الثغرات الكبيرة والكثيرة فيها وهو ما يقتضي أوّلا تفعيلها بشكل كامل وهو ليس واقع الحال كما أنه من الضروري اصدار قانون واحد موحدّ يخص به الأطفال والتلاميذ .

وكما يلاحظ فان الأولياء متورطون بشكل كبير في تشغيل أبنائهم أو اجبارهم على الشغل بعناوين مختلفة تعرضنا لها وبالتالي من الضروري أن تشمل القوانين الردعية الوالدين كما هو معمول به في عدد من الدول المتقدمة والتي تصل الى حرمانهما من أبنائهما في صورة ثبوت تكرر الإساءة لهما بالتشغيل أو غيره .

حيث أن العقلية التونسية تعتبر الأبناء ملكية شخصية يتصرفون فيها كيفما يشاؤون وآن الأوان لتغييرها بحملات التوعية وكذلك بسن قوانين واضحة وصارمة في هذا المجال. وتشديد أقصى العقوبات على المخالفين .

فالضرر الذي يصيب الأطفال من التشغيل المبكّر يتجاوز البدني الى النفسي. وعديد الدراسات العلمية حذرت منه وواجب علينا الانتباه الى هذه الظاهرة التي بدأت في الانتشار السريع.

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews