إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التعليم في ضوء الثورة الرقمية

 

 

الدكتور منذر عافي (*)

تمثل البرمجيات الرقمية أحد اهم أوجه تطور تكنولوجيا المعلومات في الحقل التربوي. ذلك ان توفير التجهيزات الإعلامية يفرض توفر الوسائل المتعددة الوسائط التي تستجيب لحاجيات المربين والتلاميذ وللأهداف النوعية للمدرسة التونسية.. فهل تحققت هذه الغايات بالفعل؟ حتى وقت قريب، احتكر المربون نشر المعرفة. كان هذا قبل الثورة الرقمية وقبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي (وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. لكن اليوم بات عالمنا يتغير بشكل أسرع وأعمق من أي وقت مضى. وفي خضم هذه التحولات الرقمية، لا يمكننا ان نكف عن البحث عن مسالك توصلنا الى الإمساك بمكونات الثورة الرقمية.

الثابت ان للمؤسسات التربوية والتعليمية ارتباطا وثيقا بالتقنية، بوجه عام وبالمعلوماتية، بوجه خاص. اذ ان الحاسوب ليس من مستلزمات تيسير العمل الاداري فقط، يتوسل به في تخزين المعطيات وضبط القاعات وإعداد الجداول وانما هو قاعدة النشاط التربوي. وسيؤدي الفيض، المتزايد من المعلومات التربوية الرقمية الى مزيد تطوير الشبكات الحاسوبية وتنويع البرمجيات والاقراص الضوئية حتى يتسنى لها تخزين المعطيات. لقد بدأت الاعلامية تتحول الى مادة علمية تدرس وأجهزة بيداغوجية مساعدة في الان ذاته، الاجهزة لا يتاح تعريفها وتفكيك مكوناتها وتحديد وظائفها بصفة أدق الا في المؤسسات التربوية وان بشكل محتشم أحيانا. فالمؤسسات التربوية فضاءات مساعدة على اعادة انتاج أنماط جديدة من المعرفة وبناء انساق علمية في ضوء المستجدات التقانية التي تعتمد شبكات عريضة النطاق قادرة على ارسال بيانات بسرعة قياسية عبر الألياف الضوئية.

ولذلك تعتبر التربية، بحكم دورها وطبيعتها أكثر مؤسسات المجتمع عرضة للتغيير. ولا يمكن لنا اليوم ان نتجاهل اتساع الفضاء التربوي والآفاق المفتوحة في هذا المجال، حتى أن الاشراف على العملية التربوية أضحى من اختصاص هيئات ومنظمات متعددة حكومية وخاصة. إن ملاحظة طرائق التدريس تسمح بإدراك الأهداف التي تعرضها الجماعات التربوية، لتنشرها بين المتقبلين كما تسمح لنا بفهم الغائيات الكبرى التي ترمي إليها الدولة عبر تنويع مناهج الإبلاغ وإيصال المعلومات وتكثيف الفروع المعرفية المهتمة بالتربية وقطاعاتها المختلفة.

لكي ندرك تماما هذا الترابط بين النظام التربوي والحياة الاجتماعية، يجب أن نتتبع الحركة التعليمية الواسعة وتطورها باعتماد مباحث علوم التربية وعلم الاجتماع التربوي وفلسفة التربية. هذه المعارف تمكننا من التوصل الى وصف تقريبي لعمليات التجديد والتحديث في المجتمع. بما أن التربية أضحت تستوجب اليوم التخصص بعد أن تنامى التقسيم الاجتماعي للعمل، ولم تعد العائلة أو مجموعات القرابة أو الأفراد المعزولون قادرين على تقديم المعلومة العلمية والموضوعية الى الطفل وأضحت ممارسة منطقية تتمايز فيها النشاطات والأدوار الاجتماعية وفق نظرة إجمالية تحكمها شروط واضحة ومفهومة.

وتلبية لهذه الحاجات، ازداد الاهتمام بدور التقانة في الارتقاء بالعملية التربوية وإيجاد معايير مرنة ومنطقية لغاية تمييز البرامج وتدقيقها. ولذلك دار جدل بين المهتمين بأمر التعليم حول أهمية المعلوماتية وأنواعها ومدى الاستعانة بها. وهو جدل شمل خاصة الدول الأكثر تقدما وتصنيعا. كما طرحت مسألة اختيار أفضل الأساليب للاستفادة من المعلومات في تطوير التعليم ومعالجة مشكلاته ورفع مستوى أداء المتقبلين.

وتتميز معظم هذه الاجهزة بسهولة استعمالها وسرعتها الفائقة في بث المعطيات المطلوبة، وبذلك تسهم المعلوماتية في تكوين الأفراد وفق تصورات مجتمعية مضبوطة ومبرمجة آليا وهي تفعل ايضا في إنماء الشخصية في إطار سياق حضاري، تثبت وفقه مجموعة من الرموز الرقمية، ونستطيع أن نقيم تمييزا مهما بين استعمال الاعلامية وسيلة تدريس وتلقين ومساعدة على الفهم واستعمالها مادة علمية تدرس.

                    ما هو دور الرقميات في المدرسة؟

في الوقت الحاضر، عندما نتحدث عن وصول التقنيات إلى المدرسة، نفكر تلقائيًا في ما يسمى بالتعلم "الافتراضي" أو التعلم عبر الإنترنات ، ولا سيما على مستوى التعليم الاعدادي والثانوي- يتحدث البعض عن "المدرسة الافتراضية". كان ظهور الدورات التدريبية المفتوحة عبر الإنترنت تساعد الحواسيب الالكترونية على تنويع مجالات الإبلاغ وإثراء الدروس واعادة تنظيم الفصول. وتستوجب مثل هذه الاهداف، مجهودات فكرية ومعرفية مخططة ومراقبة منهجيا. وإنه من السهل البرهنة على ان النتائج في النهاية لن تكون غامضة أو سلبية بل تحتوي في ذاتها على نسق تطوري، باعتبار أن التطبيقات البيداغوجية المبرمجة ضمن منظومات الاتصالات عبر الشبكات المحلية او الدولية، التي تستخدم المضخمات الليفية والأمواج الضوئية ستكون ذات مردود جيد إذا خضعت الى استراتيجيات مجتمعية واضحة المعالم.

وتختلف الاعلامية التربوية في برامجها، عن الاعلامية بصفة عامة اذ هي عبارة عن منتجات ومواد تعليمية تخضع الى مجموعة من العمليات وأساليب التفكير الى جانب ارتباطها بمشاكل المجتمع السوسيوثقافية والسياسية. ولا يمكن أن تنشأ علاقة متطورة بين التنمية والعلم اذا لم تستند الى مجهود تربوي طويل النفس يتصدى لمجابهة المشاكل المطروحة.

ولقد خلق تطور المعلوماتية، امكانات متعددة أمام الأفراد ودعم تجاربهم في المجال التربوي. كما منحهم فرصا للارتقاء الذهني والمعرفي. وأصبحت المعلومات متاحة أمام الجميع كما تنوعت مصادرها وبات المربي والتلميذ يجدان خيارات كثيرة بعد أن نمت الحاجة الى الحاسوب والأجهزة الاعلامية المختلفة، سيما وأنه لا يمكن احداث الثورة التربوية تحت وطأة البيروقراطية التي عششت في كيان ادارات التعليم وتسببت في تراجع وظيفتها التسييرية والتأطيرية.

ان كل مشاريع التجديد في المجتمع تحتاج الى مرونة كبيرة لضمان أقصى استغلال للموارد الطبيعية والبشرية. اضافة الى خلق الحوافز غير المادية لدى القائمين بعمليات التدريس وجميعها مهام تحتاج مهارات عالية لابد من توافرها لدى الفاعلين على مختلف المستويات. ومن حسن الطالع أن تقانة المعلومات توفر فرصا عديدة لتدريب أطقم الإدارة التعليمية والمدرسية. كما تمكن من مساعدة متقبلي المادة التربوية على إجراء عمليات متعددة باستخدام أجهزة فائقة وتوليد صور تربوية وتصميمات بيداغوجية عالية الجودة. وتهدف عمليات دمج السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الى اعداد برامج التنمية العلمية اعدادا يساير استراتجيات الدولة الشاملة ويقدم صورة واضحة عن المجتمع يمكن النظر اليه من خلال البرامج التربوية بواسطة الحاسوب. وهو ما يجعل التنظيمات التربوية انظمة مفتوحة لا يرتبط عملها بشروط داخلية وحسب وانما كذلك بمبادلات المؤسسة التربوية مع البيئة الخارجية. ويمكننا ان نقيم الصلة بين المدرسة ومؤسسات التقنية المعلوماتية انطلاقا من اهداف الفاعلين وطموحاتهم.

كيف تؤثر التكنولوجيا الرقمية على التعلم؟

- لقد انجزت خلال العقدين الماضيين، العديد من التجارب حول استخدام الحاسوب في التربية بشكل عام والتعليم بشكل خاص. واتخذت هذه التجارب، أساليب وطرقا مختلفة، وان كانت في غالبيتها العظمى تجارب رائدة هدفت الى رسم خطوط المستقبل، وفهم خصوصيات استخدام الحاسوب في التعليم ووضع القواعد المثلى لذلك ليعود بالفائدة على العملية التربوية التي هي مؤشر يسمح بتمييز المجتمعات بطريقة بليغة ودقيقة. ولقد اثبتت التجارب ان التلاميذ الذين اعتادوا على استخدام التكنولوجيا الرقمية في القسم يحققون بشكل ملحوظ تعلمًا أفضل ، بغض النظر عن نوع الوسيلة. و يفهمون بشكل أسرع وأفضل ما قرأوه.

يمكننا ان نستخلص، من هذه المرحلة ان المجتمع حينما يقوم فيه التعليم على ترابط النشاط المعلوماتي والنشاط البشري فإنه يساهم بذلك في خلق الشروط المؤسساتية للتواصل بين الفاعلين ومختلف التشكيلات الاجتماعية وفق أساليب متميزة للعمل والتفكير تكون ملزمة للجميع.

فالعملية التربوية المتبلورة عن هذا النمط المثالي للمجتمع المعلوماتي ستساعد بكل تأكيد على بروز ثقافة اجتماعية ديمقراطية. وهو أمر يدل على ان المعلوماتية قد تبدل بشكل كبير العلاقة القائمة بين الفرد والفضاء المدرسي وتؤدي الى نشوء بيئة معومات أكثر ثراء بما يساعد على التنوع والتعدد النافع والى تكوين الأفراد انطلاقا من قيم وغائيات كونية بعيدا عن التسلط والانغلاق والتطرف.

نحن نعلم ان المسألة ليست مسألة اختيار الشبكات المعلوماتية، والانخراط في تقنيات المعلومات فحسب وانما هي أعمق من ذلك بكثير. انها تستوجب نسفا تنظيميا من أجل ضمان النجاعة والمردودية الجيدة وفقا لمتطلبات العقلانية الاجتماعية.

وفي الحقيقة انها ليست احلاما، بقدر ما هي، مشاريع حقيقية، ستكون وسيلتنا للحوار والتحليل السوسيولوجي الذي يمسّ أدق الخصوصيات في السياق الاجتماعي. ان الأشكال المختلفة التي يظهر عليها التحدي المعلوماتي تعتبر مؤشرات تعزّز المغزى الايجابي للأجهزة المعلوماتية والشبكية في خدمة التربية والتعليم.

يبقى ان ضعف الوعي الاجتماعي بخصوصيات المعلوماتية وخطورتها على بعض الشعوب والتجمعات الانسانية عوامل من شأنها ان تؤدي الى تأخير الاستفادة من المضامين الفكرية والمعرفية التي تختزنها الحاسوبات وبالتالي ادارك أهمية المشاركة في صياغة مسائل تربوية كونية جديدة. وتعد الامكانيات الهامة التي تمنحها الأجهزة المكرواعلامية والحواسيب دافعا لتطوير أساليب التدريس والارتقاء بعمليات الاستيعاب لدى التلاميذ والطلبة، ارتكازا على مرونة نظم الخزن والاسترجاع.

 هل ستكون التكنولوجيا الرقمية جزءًا لا يتجزأ من التدريس

نحن الآن بصدد نسق ذهني كليّ يطرح مسائل التطور واعادة بناء نموذج ثقافي، يقطع مع التصوّرات السائدة عن أزمة الثقافة في العالم. ولذلك تمتد الاختراقات الالكترونية في المجال الرمزي في التربية والذي هو الثقافة بما يساهم في تأسيس الملامح الاجتماعية والنفسية للفرد في شكلها الجديد. ان تصورنا للمسألة، في عموميتها لا يجب ان يحجب عنا كون التنظيم التربوي الراهن والموجود في شتّى أنحاء العالم هو عبارة عن تنظيم حصري جامد كما ان البرامج والمعايير هي نفسها. بمعنى انها برامج لا تحتوي جانب التنويع، رغم انها قد توحي بوجود توافق في التوجهات والاهتمامات ومشاركة في الصياغة بين مختلف افراد المجتمع وذلك اعتبارا الى ان البرامج التعليمية تم وضعها من قبل اجهزة رسمية لها توجهات ايديولوجية معينة. ولاشك في أن الثورة المعلوماتية يمكن، ان تضيف كثيرا الى القطاع التربوي، مع المحافظة على الافضليات الفردية واضافة الصفة الاجتماعية على البرامج. ومن وجهة نظر علمية ميدانية شاملة فإن المعلوماتية يمكن ان تتولد عنها نتائج ايجابية تقود في الغالب الأعم الى نوع من التفكير السوسيولوجي يعتمد اجتهاد الباحثين. كما يوظّف قدرة النخب على فهم الموضوع التربوي عبر مسالك ثقافية، مختلفة وأكثر اتساعا بعيدا عن الضغوطات السياسية، والتحيّزات المنهجية والانزلاقات النظرية.

(*) باحث في علم الاجتماع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليم في ضوء الثورة الرقمية

 

 

الدكتور منذر عافي (*)

تمثل البرمجيات الرقمية أحد اهم أوجه تطور تكنولوجيا المعلومات في الحقل التربوي. ذلك ان توفير التجهيزات الإعلامية يفرض توفر الوسائل المتعددة الوسائط التي تستجيب لحاجيات المربين والتلاميذ وللأهداف النوعية للمدرسة التونسية.. فهل تحققت هذه الغايات بالفعل؟ حتى وقت قريب، احتكر المربون نشر المعرفة. كان هذا قبل الثورة الرقمية وقبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي (وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. لكن اليوم بات عالمنا يتغير بشكل أسرع وأعمق من أي وقت مضى. وفي خضم هذه التحولات الرقمية، لا يمكننا ان نكف عن البحث عن مسالك توصلنا الى الإمساك بمكونات الثورة الرقمية.

الثابت ان للمؤسسات التربوية والتعليمية ارتباطا وثيقا بالتقنية، بوجه عام وبالمعلوماتية، بوجه خاص. اذ ان الحاسوب ليس من مستلزمات تيسير العمل الاداري فقط، يتوسل به في تخزين المعطيات وضبط القاعات وإعداد الجداول وانما هو قاعدة النشاط التربوي. وسيؤدي الفيض، المتزايد من المعلومات التربوية الرقمية الى مزيد تطوير الشبكات الحاسوبية وتنويع البرمجيات والاقراص الضوئية حتى يتسنى لها تخزين المعطيات. لقد بدأت الاعلامية تتحول الى مادة علمية تدرس وأجهزة بيداغوجية مساعدة في الان ذاته، الاجهزة لا يتاح تعريفها وتفكيك مكوناتها وتحديد وظائفها بصفة أدق الا في المؤسسات التربوية وان بشكل محتشم أحيانا. فالمؤسسات التربوية فضاءات مساعدة على اعادة انتاج أنماط جديدة من المعرفة وبناء انساق علمية في ضوء المستجدات التقانية التي تعتمد شبكات عريضة النطاق قادرة على ارسال بيانات بسرعة قياسية عبر الألياف الضوئية.

ولذلك تعتبر التربية، بحكم دورها وطبيعتها أكثر مؤسسات المجتمع عرضة للتغيير. ولا يمكن لنا اليوم ان نتجاهل اتساع الفضاء التربوي والآفاق المفتوحة في هذا المجال، حتى أن الاشراف على العملية التربوية أضحى من اختصاص هيئات ومنظمات متعددة حكومية وخاصة. إن ملاحظة طرائق التدريس تسمح بإدراك الأهداف التي تعرضها الجماعات التربوية، لتنشرها بين المتقبلين كما تسمح لنا بفهم الغائيات الكبرى التي ترمي إليها الدولة عبر تنويع مناهج الإبلاغ وإيصال المعلومات وتكثيف الفروع المعرفية المهتمة بالتربية وقطاعاتها المختلفة.

لكي ندرك تماما هذا الترابط بين النظام التربوي والحياة الاجتماعية، يجب أن نتتبع الحركة التعليمية الواسعة وتطورها باعتماد مباحث علوم التربية وعلم الاجتماع التربوي وفلسفة التربية. هذه المعارف تمكننا من التوصل الى وصف تقريبي لعمليات التجديد والتحديث في المجتمع. بما أن التربية أضحت تستوجب اليوم التخصص بعد أن تنامى التقسيم الاجتماعي للعمل، ولم تعد العائلة أو مجموعات القرابة أو الأفراد المعزولون قادرين على تقديم المعلومة العلمية والموضوعية الى الطفل وأضحت ممارسة منطقية تتمايز فيها النشاطات والأدوار الاجتماعية وفق نظرة إجمالية تحكمها شروط واضحة ومفهومة.

وتلبية لهذه الحاجات، ازداد الاهتمام بدور التقانة في الارتقاء بالعملية التربوية وإيجاد معايير مرنة ومنطقية لغاية تمييز البرامج وتدقيقها. ولذلك دار جدل بين المهتمين بأمر التعليم حول أهمية المعلوماتية وأنواعها ومدى الاستعانة بها. وهو جدل شمل خاصة الدول الأكثر تقدما وتصنيعا. كما طرحت مسألة اختيار أفضل الأساليب للاستفادة من المعلومات في تطوير التعليم ومعالجة مشكلاته ورفع مستوى أداء المتقبلين.

وتتميز معظم هذه الاجهزة بسهولة استعمالها وسرعتها الفائقة في بث المعطيات المطلوبة، وبذلك تسهم المعلوماتية في تكوين الأفراد وفق تصورات مجتمعية مضبوطة ومبرمجة آليا وهي تفعل ايضا في إنماء الشخصية في إطار سياق حضاري، تثبت وفقه مجموعة من الرموز الرقمية، ونستطيع أن نقيم تمييزا مهما بين استعمال الاعلامية وسيلة تدريس وتلقين ومساعدة على الفهم واستعمالها مادة علمية تدرس.

                    ما هو دور الرقميات في المدرسة؟

في الوقت الحاضر، عندما نتحدث عن وصول التقنيات إلى المدرسة، نفكر تلقائيًا في ما يسمى بالتعلم "الافتراضي" أو التعلم عبر الإنترنات ، ولا سيما على مستوى التعليم الاعدادي والثانوي- يتحدث البعض عن "المدرسة الافتراضية". كان ظهور الدورات التدريبية المفتوحة عبر الإنترنت تساعد الحواسيب الالكترونية على تنويع مجالات الإبلاغ وإثراء الدروس واعادة تنظيم الفصول. وتستوجب مثل هذه الاهداف، مجهودات فكرية ومعرفية مخططة ومراقبة منهجيا. وإنه من السهل البرهنة على ان النتائج في النهاية لن تكون غامضة أو سلبية بل تحتوي في ذاتها على نسق تطوري، باعتبار أن التطبيقات البيداغوجية المبرمجة ضمن منظومات الاتصالات عبر الشبكات المحلية او الدولية، التي تستخدم المضخمات الليفية والأمواج الضوئية ستكون ذات مردود جيد إذا خضعت الى استراتيجيات مجتمعية واضحة المعالم.

وتختلف الاعلامية التربوية في برامجها، عن الاعلامية بصفة عامة اذ هي عبارة عن منتجات ومواد تعليمية تخضع الى مجموعة من العمليات وأساليب التفكير الى جانب ارتباطها بمشاكل المجتمع السوسيوثقافية والسياسية. ولا يمكن أن تنشأ علاقة متطورة بين التنمية والعلم اذا لم تستند الى مجهود تربوي طويل النفس يتصدى لمجابهة المشاكل المطروحة.

ولقد خلق تطور المعلوماتية، امكانات متعددة أمام الأفراد ودعم تجاربهم في المجال التربوي. كما منحهم فرصا للارتقاء الذهني والمعرفي. وأصبحت المعلومات متاحة أمام الجميع كما تنوعت مصادرها وبات المربي والتلميذ يجدان خيارات كثيرة بعد أن نمت الحاجة الى الحاسوب والأجهزة الاعلامية المختلفة، سيما وأنه لا يمكن احداث الثورة التربوية تحت وطأة البيروقراطية التي عششت في كيان ادارات التعليم وتسببت في تراجع وظيفتها التسييرية والتأطيرية.

ان كل مشاريع التجديد في المجتمع تحتاج الى مرونة كبيرة لضمان أقصى استغلال للموارد الطبيعية والبشرية. اضافة الى خلق الحوافز غير المادية لدى القائمين بعمليات التدريس وجميعها مهام تحتاج مهارات عالية لابد من توافرها لدى الفاعلين على مختلف المستويات. ومن حسن الطالع أن تقانة المعلومات توفر فرصا عديدة لتدريب أطقم الإدارة التعليمية والمدرسية. كما تمكن من مساعدة متقبلي المادة التربوية على إجراء عمليات متعددة باستخدام أجهزة فائقة وتوليد صور تربوية وتصميمات بيداغوجية عالية الجودة. وتهدف عمليات دمج السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الى اعداد برامج التنمية العلمية اعدادا يساير استراتجيات الدولة الشاملة ويقدم صورة واضحة عن المجتمع يمكن النظر اليه من خلال البرامج التربوية بواسطة الحاسوب. وهو ما يجعل التنظيمات التربوية انظمة مفتوحة لا يرتبط عملها بشروط داخلية وحسب وانما كذلك بمبادلات المؤسسة التربوية مع البيئة الخارجية. ويمكننا ان نقيم الصلة بين المدرسة ومؤسسات التقنية المعلوماتية انطلاقا من اهداف الفاعلين وطموحاتهم.

كيف تؤثر التكنولوجيا الرقمية على التعلم؟

- لقد انجزت خلال العقدين الماضيين، العديد من التجارب حول استخدام الحاسوب في التربية بشكل عام والتعليم بشكل خاص. واتخذت هذه التجارب، أساليب وطرقا مختلفة، وان كانت في غالبيتها العظمى تجارب رائدة هدفت الى رسم خطوط المستقبل، وفهم خصوصيات استخدام الحاسوب في التعليم ووضع القواعد المثلى لذلك ليعود بالفائدة على العملية التربوية التي هي مؤشر يسمح بتمييز المجتمعات بطريقة بليغة ودقيقة. ولقد اثبتت التجارب ان التلاميذ الذين اعتادوا على استخدام التكنولوجيا الرقمية في القسم يحققون بشكل ملحوظ تعلمًا أفضل ، بغض النظر عن نوع الوسيلة. و يفهمون بشكل أسرع وأفضل ما قرأوه.

يمكننا ان نستخلص، من هذه المرحلة ان المجتمع حينما يقوم فيه التعليم على ترابط النشاط المعلوماتي والنشاط البشري فإنه يساهم بذلك في خلق الشروط المؤسساتية للتواصل بين الفاعلين ومختلف التشكيلات الاجتماعية وفق أساليب متميزة للعمل والتفكير تكون ملزمة للجميع.

فالعملية التربوية المتبلورة عن هذا النمط المثالي للمجتمع المعلوماتي ستساعد بكل تأكيد على بروز ثقافة اجتماعية ديمقراطية. وهو أمر يدل على ان المعلوماتية قد تبدل بشكل كبير العلاقة القائمة بين الفرد والفضاء المدرسي وتؤدي الى نشوء بيئة معومات أكثر ثراء بما يساعد على التنوع والتعدد النافع والى تكوين الأفراد انطلاقا من قيم وغائيات كونية بعيدا عن التسلط والانغلاق والتطرف.

نحن نعلم ان المسألة ليست مسألة اختيار الشبكات المعلوماتية، والانخراط في تقنيات المعلومات فحسب وانما هي أعمق من ذلك بكثير. انها تستوجب نسفا تنظيميا من أجل ضمان النجاعة والمردودية الجيدة وفقا لمتطلبات العقلانية الاجتماعية.

وفي الحقيقة انها ليست احلاما، بقدر ما هي، مشاريع حقيقية، ستكون وسيلتنا للحوار والتحليل السوسيولوجي الذي يمسّ أدق الخصوصيات في السياق الاجتماعي. ان الأشكال المختلفة التي يظهر عليها التحدي المعلوماتي تعتبر مؤشرات تعزّز المغزى الايجابي للأجهزة المعلوماتية والشبكية في خدمة التربية والتعليم.

يبقى ان ضعف الوعي الاجتماعي بخصوصيات المعلوماتية وخطورتها على بعض الشعوب والتجمعات الانسانية عوامل من شأنها ان تؤدي الى تأخير الاستفادة من المضامين الفكرية والمعرفية التي تختزنها الحاسوبات وبالتالي ادارك أهمية المشاركة في صياغة مسائل تربوية كونية جديدة. وتعد الامكانيات الهامة التي تمنحها الأجهزة المكرواعلامية والحواسيب دافعا لتطوير أساليب التدريس والارتقاء بعمليات الاستيعاب لدى التلاميذ والطلبة، ارتكازا على مرونة نظم الخزن والاسترجاع.

 هل ستكون التكنولوجيا الرقمية جزءًا لا يتجزأ من التدريس

نحن الآن بصدد نسق ذهني كليّ يطرح مسائل التطور واعادة بناء نموذج ثقافي، يقطع مع التصوّرات السائدة عن أزمة الثقافة في العالم. ولذلك تمتد الاختراقات الالكترونية في المجال الرمزي في التربية والذي هو الثقافة بما يساهم في تأسيس الملامح الاجتماعية والنفسية للفرد في شكلها الجديد. ان تصورنا للمسألة، في عموميتها لا يجب ان يحجب عنا كون التنظيم التربوي الراهن والموجود في شتّى أنحاء العالم هو عبارة عن تنظيم حصري جامد كما ان البرامج والمعايير هي نفسها. بمعنى انها برامج لا تحتوي جانب التنويع، رغم انها قد توحي بوجود توافق في التوجهات والاهتمامات ومشاركة في الصياغة بين مختلف افراد المجتمع وذلك اعتبارا الى ان البرامج التعليمية تم وضعها من قبل اجهزة رسمية لها توجهات ايديولوجية معينة. ولاشك في أن الثورة المعلوماتية يمكن، ان تضيف كثيرا الى القطاع التربوي، مع المحافظة على الافضليات الفردية واضافة الصفة الاجتماعية على البرامج. ومن وجهة نظر علمية ميدانية شاملة فإن المعلوماتية يمكن ان تتولد عنها نتائج ايجابية تقود في الغالب الأعم الى نوع من التفكير السوسيولوجي يعتمد اجتهاد الباحثين. كما يوظّف قدرة النخب على فهم الموضوع التربوي عبر مسالك ثقافية، مختلفة وأكثر اتساعا بعيدا عن الضغوطات السياسية، والتحيّزات المنهجية والانزلاقات النظرية.

(*) باحث في علم الاجتماع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews