إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الخبير الاقتصادي والمالي سفيان بالناصر لـ"الصباح": تونس ليست في وضع كارثي.. وهذه أسس درء المخاطر والتحول الاقتصادي

 

-نحن اليوم في حاجة إلى خريطة طريق جديدة وواضحة تعتمد على عدة نقاط قوة وضغط

-ضرورة بعث "بيت الاستثمار التونسي"ليكون هيئة وحيدة ومخاطب وحيد يجمع القطاعين العام والخاص ويكون بمثابة الإدارة الرقمية يقدم للعالم سبل الاستثمار في تونس

-الإدارة التونسية استباحتها التعيينات الغريبة طيلة 12 سنة ونزلنا بالحد الأدنى (standard) من قيمة المسؤولين والخبرات الى مستويات دنيا..

-من الغريب أن تونس في حاجة للعملة الصعبة وتسمح لنفسها باستغلال مخزون البنك المركزي عوض أن يكون للمواطن والشركات حسابات خاصة بهم

-ضرورة تصنيع القطاع الفلاحي تحت علامات صناعية عالمية كبرى لكن بشعار "صنع في تونس"

-تطوير اقتصاد البحر والسماوات المفتوحة سيحولان الاقتصاد التونسي بصفة كلية إيجابا

تونس-الصباح

سفيان بالناصر، دكتور في مجال الاقتصاد والأعمال، مستقر منذ حوالي 40 عاما في الولايات المتحدة وشغل مناصب عليا في مجالات الخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات والاستشارات الإدارية وتخصص في تجديد المؤسسات وقيادة التغيير والتصرف في الأزمات والتطوير التنظيمي. عاد إلى تونس بعد 2011 وأسس شركة أسهم خاصة لتمكين المؤسسات التونسية من الدخول إلى رأس المال وأسواق المخاطرة المالية. وألف كتاب "تونس.. الجمهورية التي نريد".

التقت به "الصباح" وكان لنا معه هذا الحوار الذي تركز خاصة حول الوضع الاقتصادي بالبلاد وسبل إصلاحه والخروج مما تردت فيه البلاد في السنوات الأخيرة التي تلت الثورة.

حاوره: سفيان رجب

*الأكيد وبالرغم من تواجدك خارج أرض الوطن واستقرارك في الولايات المتحدة، فإنك تتابع عن كثب المشهد في تونس بمختلف تفرعاته.. فماهي قراءتكم للوضع الراهن في البلاد؟

لن أتحدث عن الوضع الذي بات معروفا للجميع وتحدثنا فيه طيلة سنوات. لكن من واجبي الوطني وحبي لبلادي أن استعرض الحلول الممكنة.

بالنسبة لي أرى أن تونس في حاجة اليوم الى خريطة طريق جديدة وواضحة تعتمد على عدة نقاط قوة وضغط، نقاط تأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي تهدد البلاد ونقاط الضغط لدرء تلك المخاطر.

المخاطر هي خمسة، أولا الديون وعدم القدرة على الخلاص، ثانيا التضخم (surtaxation)، ثالثا الحزام الجبائي المتقلص عبر السنين نتيجة وجود 2 مليون عاطل عن العمل مع نقص الإنتاجية، رابعا تهميش الفلاحة ووجود مليون هكتار من الأراضي غير مستغلة رغم عدم الاكتفاء الذاتي الغذائي، وخامسا معضلة العملة والصرف نتيجة عدم التوازن بين التوريد والتصدير.

هذه أبرز المخاطر التي تواجه تونس اليوم والتي وضعناها في خمسة محاور كبرى يمكن أن نضيف إليها مخاطر أخرى تصنف في الدرجة الثانية نذكر منها نوعية اليد العاملة التي انهارت كما ونوعا يضاف الى ذلك البيروقراطية وفشل السياسة التعليمية وسوء فهم الديمقراطية وانحلال الإدارة بعدما استباحتها التعيينات الغريبة طيلة 12 سنة وبعدما نزلنا بالحد الأدنى (standard) من قيمة المسؤولين والخبرات الى مستويات دنيا..

* تعداد واضح لنقط الضعف أو ما سميتها نقط المخاطر وهي نقاط يشاركك فيها أغلب العارفين بالشأن التونسي اليوم، فأي سبل للنهوض أو على الأقل الخروج من الوضع الكارثي الذي وجدنا أنفسنا فيه؟

تونس دولة الاعتدال ويجب أن تبقى كذلك وأي تطرف في أي مجال سياسي ديني اقتصادي اجتماعي ستكون له انعكاسات سلبية على المنظومة ككل. ومن الضروري العودة الى إستراتيجية القاطرة أي أن الدولة هي الماسكة بزمام المبادرة وتقود وراءها الكل بما في ذلك القطاع الخاص الذي يبقى دوره رياديا لكن تحت تنظيم ودفع وتشجيع الدولة.

هناك سبعة أسس من الضروري أن تبادر بها الدولة للإصلاح والإقلاع والخروج من الحال الذي وضعه الكل تحت يافطة "الكارثي":

أولا: إنشاء وبعث بيت الاستثمار التونسي (Tunisianinvestment House) ليعوض عشرات الهياكل والمؤسسات الأخرى التي تعنى بالاستثمار والتي لم تقدم أي فائدة مثل صندوق الودائع والأمانات، وكالة النهوض بالصناعة والتجديد، وكالة النهوض بالصادرات، الهيئة العليا للاستثمار...

فبيت الاستثمار التونسي هيئة وحيدة ومخاطب وحيد يجمع القطاعين العام والخاص ويكون بمثابة الإدارة الرقمية ومشروع نموذجي يقدم للعالم سبل الاستثمار في تونس دون عراقيل وتعطيلات وبيروقراطية وتجعل من بلادنا محيطا للاستثمار الداخلي والخارجي مع وضع قانون متطور للاستثمار الخارجي المباشر.

ثانيا: التسويق لتونس، ففي أمريكا مثلا هناك 360 مليون مواطن يعيشون في ظل اقتصاد يساوي 35 تريليون دولار ولهم غرفة تجارة واحدة. في حين أن تونس التي تتوفر على 12 مليون ساكن واقتصادها لا يتجاوز الـ 45 مليار دينار لها عشرات الغرف التجارية مثل اتحاد الصناعة والتجارة وكونكت والغرف التجارية الثنائية، فالمطلوب توحيد هذه الغرف تحت راية واحدة تسمى الغرفة التجارية التونسية تعمل بشكل تشاركي مع الدولة وتساهم في سن القوانين بل هي التي تسن القوانين والتشريعات الاقتصادية.

ويجب أن لا تكون هذه الغرفة مقسمة الى قطاعات (النسيج، السيارات...) بل التقسيم يجب أن يكون وفق التقسيم الجغرافي العالمي (نائب رئيس مكلف بأوروبا، نائب رئيس مكلف بآسيا.) ويكون فريق الغرفة هو ممثل اللوبي الخارجي للاقتصاد التونسي. فمن غير لوبي خارجي للاقتصاد لن نأمل في دفع الاستثمار والتصدير واكتساح الأسواق.

ثالثا: تعديل قانون الصرف والسماح للتونسيين بفتح حسابات بنكية بالعملة الصعبة وعدم تجريم هذا النشاط.. فمن الغريب أن تونس في حاجة للعملة الصعبة وفي نفس الوقت تسمح لنفسها بمنح المسافرين والمستثمرين والمعاملات الأخرى العملة الصعبة من مخزون البنك المركزي عوض أن تكون لهم حسابات خاصة بهم يتصرفون فيها وفق قانون واضح.. ففي فلسطين والصين والمغرب وكل دول العالم تقريبا يسمح بفتح حسابات بالعملة الصعبة إلا في تونس.. وهذا ينتج عنه تهريب العملة وتبييض الأموال واللجوء للجنات الضريبية.. كذلك كيف تستحوذ الدولة على الأموال المحولة بالعملة الصعبة وتحولها لأصحابها بالدينار التونسي..

رابعا: ضرورة التوجه وبأقصى سرعة نحو اعتماد اللغة الانقليزية كلغة ثانية، فالمستثمرون لا يتوجهون نحو تونس لأنها لا تعتمد الإنقليزية في معاملاتها الرسمية مما يخلق إشكاليات تواصل وإشكاليات إدارية.. التكنولوجيا اليوم أنقليزية والبحوث كذلك والمعاملات والاقتصاد..

خامسا: ضرورة تصنيع القطاع الفلاحي وجلب كبرى الشركات العالمية للتصنيع الفلاحي واستغلال المخزون الزراعي التونسي وتحويله صناعيا تحت علامات صناعية عالمية كبرى لكن بشعار "صنع في تونس" وهنا لا بد من وضع المليون هكتار من أراضي الدولة تحت تصرف المصنعين العالميين.

سادسا: فتح السماوات أمام الطيران الدولي وهو ما سيؤدي إلى تطوير الحركة الاقتصادية في المناطق التي تتواجد فيها المطارات التونسية والتي لا تعمل إلا بشكل موسمي على غرار طبرقة وتوزر وقفصة وصفاقس وبالتالي سيتم تنشيط الاستثمارات المعطلة ودفع التنمية في هذه الجهات وخلق فرص عمل هامة وكبيرة.

وبالرغم من شبكة الموانئ الجوية ووجود 8 مطارات مدنية في كامل الجمهورية، لا تزال الحركة الجويّة منحصرة في 3 مطارات تقريبا وهي مطار تونس قرطاج الدولي، النفيضة وجربة وبدرجة اقل مطار المنستير، فيما تكتفي مطارات أخرى ببعض الرحلات الموسمية أو سفر الحجيج.

وفتح السماوات، سيعجل بإصلاح شركة الخطوط التونسية الذي تأخر وسيدفع الشركة نحو تطوير قدرتها التنافسية ويعطيها الصلابة المطلوبة التي تمكنها من الدخول في منافسة مع شركات طيران جوية تعتمد سياسة السعر الأدنى.

كما أن فتح السماوات سيعطي دفعا هاما للقطاع السياحي ويرفع من نسبة التشغيل في النزل وبقية المهن المتعلقة بالسياحة ولنا في التجارب المقارنة أحسن مثال على ذلك أن عدد السياح الذين توافدوا على المغرب تضاعف 3 مرات بعد فتح السماوات أمام حركة الطيران العالمي، وهو ما حصل أيضا في تركيا. ففي السنة الأولى لتطبيق السماوات المفتوحة، حققت المغرب أكبر نسبة نمو في تاريخها بنحو 13% وفي تلك السنة تم تسجيل إضافة 150 خطا جويا أسبوعيا جديدا بين المغرب وأوروبا منها 93% مؤمنة من قبل الشركات منخفضة الكلفة، وتونس لن تحقق أهدافها ببلوغ 7 ملايين سائح في العام، دون فتح السماوات.

سابعا: تطوير اقتصاد البحر واستغلال الساحل التونسي الممتد والذي لم نر فيه لا فلاحة بحرية متطورة ولا رياضات بحرية متقدمة ولا صناعات للسفن.. فتونس يمكن أن تكون فضاء كبيرا للصناعات البحرية ومأوى فخما للسفن التي لا تجد لها مرسى ومخزن هام للفلاحة البحرية.. من الضروري تطوير موانئنا باعتبارها تمثل اليوم ثروة مهملة مثل ميناء النفيضة وبنزرت وصفاقس وقابس وجرجيس والمهدية ورادس...

تونس تفتقد لموانئ مياه عميقة وهو ما يعيق الاستيراد والتصدير.

هذه بعض الحلول الواضحة والبسيطة والتي يمكن أن نضاعفها لو أردنا وهي لا تتطلب أموالا ولا اقتراضا. تتطلب فقط إرادة سياسية وقرارات من رئيس الدولة. بهذه الحلول تخلق الإنتاج والثروة وتصلح الاقتصاد وتطور التصدير وتضاعف مرات ومرات مخزون العملة الصعبة...

*وهل ترى أن هذه الحلول السبعة يمكن أن تخرج تونس مما تردت فيه منذ سنوات؟

بهذه الحلول توجه رسالة للعالم أن تونس دولة منفتحة ينجح فيها الاستثمار والمشاريع. فالكل وحسب علاقاتي الشخصية واطلاعي على الوضع الجيوسياسي والاقتصاد العالمي يرغب في الاستثمار في تونس التي تتوفر على جميع المقومات للعيش والاستثمار لكن مع إصلاحات بسيطة وممكنة تحقق التحول الكامل وتجنبنا الصعوبات التي نعيش وتخلصنا من شبح المديونية الذي وجدنا أنفسنا رهائن له دون إيجاد حلول للتخلص منه أو حتى الحد منه مرحليا.

*الحديث عن المديونية يجرنا الى الحديث عن سياسة أصبحت تقليدا بالنسبة لتونس ونعني هنا الاقتراض والتداين.. فهل ترى مخرجا من هذا الطريق الصعب الذي توجهنا فيه؟

المشكل ليس في التداين فكل الدول تقترض بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها.. لكن المشكل في كيفية استغلال الأموال المقترضة ووضع تصورات أولية لتسديد النفقات وخاصة منها الأجور وتسديد القروض وخدمات الدين بعيدا عن الدخول في دوامة الاقتراض من اجل خلاص القروض وتبعاتها. سياسة التداين التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة في تونس ما بعد الثورة أوصلتنا الى حافة الإفلاس وهددت بصفة جدية مكتسباتنا الاقتصادية والمالية والاجتماعية وأوقفت الاستثمارات والتشغيل..

كما أن توجه الحكومة لتمويل الخزينة عبر الاعتماد على البنك المركزي لشراء القروض التي أصدرتها الدولة في شكل رقاع، من شأنه أن يؤدي الى ارتفاع كبير وحاد في التضخم الى جانب تدهور سعر صرف الدينار وما ينجر عنه من انعكاسات وخيمة خاصة على تكلفة إرجاع الديون وحجم المديونية وعلى ارتفاع التضخم الذي سيزيد بشكل كبير بسبب غلاء قيمة الواردات ليكون تأثير ذلك لاحقا على المؤسسات والشركات الاقتصادية ومنها على القوة الشرائية للمواطن والدخول في دائرة مفرغة عواقبها الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية معروفة.

*وأي حلول ترونها لذلك؟

المطلوب اليوم وضع خطة إنعاش مستعجلة للاقتصاد بعيدا عن حلول الاقتراض الخارجي التي باتت صعبة ولنا في قرض صندوق النقد الدولي أحسن مثال. فالدخول للسوق المالية الدولية أصبح صعبا في ظل وضعنا الاقتصادي وتضخم مديونيتنا الخارجية، وبالتالي فان الحلول ستكون ذاتية داخلية أبرزها الاعتماد على السوق المالية الداخلية لسد العجز المالي في الميزانية وتوفير الموارد الضرورية لاستكمال السنة الإدارية الحالية التي سنواجه فيها مشكلة كبرى بسبب "ثقب" قرص الصندوق، وذلك عبر إصدار أذون خزينة يمكن للبنوك وشركات التأمين وكبار المدخرين الاكتتاب فيها خاصة أن الواجب على بنوكنا اليوم إظهار طابعها الوطني وتغليب المصلحة الوطنية باعتبارها القطاع الوحيد الذي ظل متماسكا ما بعد الثورة بل ازدادت مرابيحه وتضاعفت في السنوات الأخيرة وذلك على حساب الدولة والمواطن.. كما يجب أن يلعب المواطن دوره كذلك بعيدا عن سياسة الاقتطاع من الأجر التي تلجأ إليها الحكومات بل عبر استرجاع ثقافة العمل والإنتاج والقطع مع الإضرابات والمطلبية وتعطيل الإنتاج ومصالح الدولة..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخبير الاقتصادي والمالي سفيان بالناصر لـ"الصباح":  تونس ليست في وضع كارثي.. وهذه أسس درء المخاطر والتحول الاقتصادي

 

-نحن اليوم في حاجة إلى خريطة طريق جديدة وواضحة تعتمد على عدة نقاط قوة وضغط

-ضرورة بعث "بيت الاستثمار التونسي"ليكون هيئة وحيدة ومخاطب وحيد يجمع القطاعين العام والخاص ويكون بمثابة الإدارة الرقمية يقدم للعالم سبل الاستثمار في تونس

-الإدارة التونسية استباحتها التعيينات الغريبة طيلة 12 سنة ونزلنا بالحد الأدنى (standard) من قيمة المسؤولين والخبرات الى مستويات دنيا..

-من الغريب أن تونس في حاجة للعملة الصعبة وتسمح لنفسها باستغلال مخزون البنك المركزي عوض أن يكون للمواطن والشركات حسابات خاصة بهم

-ضرورة تصنيع القطاع الفلاحي تحت علامات صناعية عالمية كبرى لكن بشعار "صنع في تونس"

-تطوير اقتصاد البحر والسماوات المفتوحة سيحولان الاقتصاد التونسي بصفة كلية إيجابا

تونس-الصباح

سفيان بالناصر، دكتور في مجال الاقتصاد والأعمال، مستقر منذ حوالي 40 عاما في الولايات المتحدة وشغل مناصب عليا في مجالات الخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات والاستشارات الإدارية وتخصص في تجديد المؤسسات وقيادة التغيير والتصرف في الأزمات والتطوير التنظيمي. عاد إلى تونس بعد 2011 وأسس شركة أسهم خاصة لتمكين المؤسسات التونسية من الدخول إلى رأس المال وأسواق المخاطرة المالية. وألف كتاب "تونس.. الجمهورية التي نريد".

التقت به "الصباح" وكان لنا معه هذا الحوار الذي تركز خاصة حول الوضع الاقتصادي بالبلاد وسبل إصلاحه والخروج مما تردت فيه البلاد في السنوات الأخيرة التي تلت الثورة.

حاوره: سفيان رجب

*الأكيد وبالرغم من تواجدك خارج أرض الوطن واستقرارك في الولايات المتحدة، فإنك تتابع عن كثب المشهد في تونس بمختلف تفرعاته.. فماهي قراءتكم للوضع الراهن في البلاد؟

لن أتحدث عن الوضع الذي بات معروفا للجميع وتحدثنا فيه طيلة سنوات. لكن من واجبي الوطني وحبي لبلادي أن استعرض الحلول الممكنة.

بالنسبة لي أرى أن تونس في حاجة اليوم الى خريطة طريق جديدة وواضحة تعتمد على عدة نقاط قوة وضغط، نقاط تأخذ بعين الاعتبار المخاطر التي تهدد البلاد ونقاط الضغط لدرء تلك المخاطر.

المخاطر هي خمسة، أولا الديون وعدم القدرة على الخلاص، ثانيا التضخم (surtaxation)، ثالثا الحزام الجبائي المتقلص عبر السنين نتيجة وجود 2 مليون عاطل عن العمل مع نقص الإنتاجية، رابعا تهميش الفلاحة ووجود مليون هكتار من الأراضي غير مستغلة رغم عدم الاكتفاء الذاتي الغذائي، وخامسا معضلة العملة والصرف نتيجة عدم التوازن بين التوريد والتصدير.

هذه أبرز المخاطر التي تواجه تونس اليوم والتي وضعناها في خمسة محاور كبرى يمكن أن نضيف إليها مخاطر أخرى تصنف في الدرجة الثانية نذكر منها نوعية اليد العاملة التي انهارت كما ونوعا يضاف الى ذلك البيروقراطية وفشل السياسة التعليمية وسوء فهم الديمقراطية وانحلال الإدارة بعدما استباحتها التعيينات الغريبة طيلة 12 سنة وبعدما نزلنا بالحد الأدنى (standard) من قيمة المسؤولين والخبرات الى مستويات دنيا..

* تعداد واضح لنقط الضعف أو ما سميتها نقط المخاطر وهي نقاط يشاركك فيها أغلب العارفين بالشأن التونسي اليوم، فأي سبل للنهوض أو على الأقل الخروج من الوضع الكارثي الذي وجدنا أنفسنا فيه؟

تونس دولة الاعتدال ويجب أن تبقى كذلك وأي تطرف في أي مجال سياسي ديني اقتصادي اجتماعي ستكون له انعكاسات سلبية على المنظومة ككل. ومن الضروري العودة الى إستراتيجية القاطرة أي أن الدولة هي الماسكة بزمام المبادرة وتقود وراءها الكل بما في ذلك القطاع الخاص الذي يبقى دوره رياديا لكن تحت تنظيم ودفع وتشجيع الدولة.

هناك سبعة أسس من الضروري أن تبادر بها الدولة للإصلاح والإقلاع والخروج من الحال الذي وضعه الكل تحت يافطة "الكارثي":

أولا: إنشاء وبعث بيت الاستثمار التونسي (Tunisianinvestment House) ليعوض عشرات الهياكل والمؤسسات الأخرى التي تعنى بالاستثمار والتي لم تقدم أي فائدة مثل صندوق الودائع والأمانات، وكالة النهوض بالصناعة والتجديد، وكالة النهوض بالصادرات، الهيئة العليا للاستثمار...

فبيت الاستثمار التونسي هيئة وحيدة ومخاطب وحيد يجمع القطاعين العام والخاص ويكون بمثابة الإدارة الرقمية ومشروع نموذجي يقدم للعالم سبل الاستثمار في تونس دون عراقيل وتعطيلات وبيروقراطية وتجعل من بلادنا محيطا للاستثمار الداخلي والخارجي مع وضع قانون متطور للاستثمار الخارجي المباشر.

ثانيا: التسويق لتونس، ففي أمريكا مثلا هناك 360 مليون مواطن يعيشون في ظل اقتصاد يساوي 35 تريليون دولار ولهم غرفة تجارة واحدة. في حين أن تونس التي تتوفر على 12 مليون ساكن واقتصادها لا يتجاوز الـ 45 مليار دينار لها عشرات الغرف التجارية مثل اتحاد الصناعة والتجارة وكونكت والغرف التجارية الثنائية، فالمطلوب توحيد هذه الغرف تحت راية واحدة تسمى الغرفة التجارية التونسية تعمل بشكل تشاركي مع الدولة وتساهم في سن القوانين بل هي التي تسن القوانين والتشريعات الاقتصادية.

ويجب أن لا تكون هذه الغرفة مقسمة الى قطاعات (النسيج، السيارات...) بل التقسيم يجب أن يكون وفق التقسيم الجغرافي العالمي (نائب رئيس مكلف بأوروبا، نائب رئيس مكلف بآسيا.) ويكون فريق الغرفة هو ممثل اللوبي الخارجي للاقتصاد التونسي. فمن غير لوبي خارجي للاقتصاد لن نأمل في دفع الاستثمار والتصدير واكتساح الأسواق.

ثالثا: تعديل قانون الصرف والسماح للتونسيين بفتح حسابات بنكية بالعملة الصعبة وعدم تجريم هذا النشاط.. فمن الغريب أن تونس في حاجة للعملة الصعبة وفي نفس الوقت تسمح لنفسها بمنح المسافرين والمستثمرين والمعاملات الأخرى العملة الصعبة من مخزون البنك المركزي عوض أن تكون لهم حسابات خاصة بهم يتصرفون فيها وفق قانون واضح.. ففي فلسطين والصين والمغرب وكل دول العالم تقريبا يسمح بفتح حسابات بالعملة الصعبة إلا في تونس.. وهذا ينتج عنه تهريب العملة وتبييض الأموال واللجوء للجنات الضريبية.. كذلك كيف تستحوذ الدولة على الأموال المحولة بالعملة الصعبة وتحولها لأصحابها بالدينار التونسي..

رابعا: ضرورة التوجه وبأقصى سرعة نحو اعتماد اللغة الانقليزية كلغة ثانية، فالمستثمرون لا يتوجهون نحو تونس لأنها لا تعتمد الإنقليزية في معاملاتها الرسمية مما يخلق إشكاليات تواصل وإشكاليات إدارية.. التكنولوجيا اليوم أنقليزية والبحوث كذلك والمعاملات والاقتصاد..

خامسا: ضرورة تصنيع القطاع الفلاحي وجلب كبرى الشركات العالمية للتصنيع الفلاحي واستغلال المخزون الزراعي التونسي وتحويله صناعيا تحت علامات صناعية عالمية كبرى لكن بشعار "صنع في تونس" وهنا لا بد من وضع المليون هكتار من أراضي الدولة تحت تصرف المصنعين العالميين.

سادسا: فتح السماوات أمام الطيران الدولي وهو ما سيؤدي إلى تطوير الحركة الاقتصادية في المناطق التي تتواجد فيها المطارات التونسية والتي لا تعمل إلا بشكل موسمي على غرار طبرقة وتوزر وقفصة وصفاقس وبالتالي سيتم تنشيط الاستثمارات المعطلة ودفع التنمية في هذه الجهات وخلق فرص عمل هامة وكبيرة.

وبالرغم من شبكة الموانئ الجوية ووجود 8 مطارات مدنية في كامل الجمهورية، لا تزال الحركة الجويّة منحصرة في 3 مطارات تقريبا وهي مطار تونس قرطاج الدولي، النفيضة وجربة وبدرجة اقل مطار المنستير، فيما تكتفي مطارات أخرى ببعض الرحلات الموسمية أو سفر الحجيج.

وفتح السماوات، سيعجل بإصلاح شركة الخطوط التونسية الذي تأخر وسيدفع الشركة نحو تطوير قدرتها التنافسية ويعطيها الصلابة المطلوبة التي تمكنها من الدخول في منافسة مع شركات طيران جوية تعتمد سياسة السعر الأدنى.

كما أن فتح السماوات سيعطي دفعا هاما للقطاع السياحي ويرفع من نسبة التشغيل في النزل وبقية المهن المتعلقة بالسياحة ولنا في التجارب المقارنة أحسن مثال على ذلك أن عدد السياح الذين توافدوا على المغرب تضاعف 3 مرات بعد فتح السماوات أمام حركة الطيران العالمي، وهو ما حصل أيضا في تركيا. ففي السنة الأولى لتطبيق السماوات المفتوحة، حققت المغرب أكبر نسبة نمو في تاريخها بنحو 13% وفي تلك السنة تم تسجيل إضافة 150 خطا جويا أسبوعيا جديدا بين المغرب وأوروبا منها 93% مؤمنة من قبل الشركات منخفضة الكلفة، وتونس لن تحقق أهدافها ببلوغ 7 ملايين سائح في العام، دون فتح السماوات.

سابعا: تطوير اقتصاد البحر واستغلال الساحل التونسي الممتد والذي لم نر فيه لا فلاحة بحرية متطورة ولا رياضات بحرية متقدمة ولا صناعات للسفن.. فتونس يمكن أن تكون فضاء كبيرا للصناعات البحرية ومأوى فخما للسفن التي لا تجد لها مرسى ومخزن هام للفلاحة البحرية.. من الضروري تطوير موانئنا باعتبارها تمثل اليوم ثروة مهملة مثل ميناء النفيضة وبنزرت وصفاقس وقابس وجرجيس والمهدية ورادس...

تونس تفتقد لموانئ مياه عميقة وهو ما يعيق الاستيراد والتصدير.

هذه بعض الحلول الواضحة والبسيطة والتي يمكن أن نضاعفها لو أردنا وهي لا تتطلب أموالا ولا اقتراضا. تتطلب فقط إرادة سياسية وقرارات من رئيس الدولة. بهذه الحلول تخلق الإنتاج والثروة وتصلح الاقتصاد وتطور التصدير وتضاعف مرات ومرات مخزون العملة الصعبة...

*وهل ترى أن هذه الحلول السبعة يمكن أن تخرج تونس مما تردت فيه منذ سنوات؟

بهذه الحلول توجه رسالة للعالم أن تونس دولة منفتحة ينجح فيها الاستثمار والمشاريع. فالكل وحسب علاقاتي الشخصية واطلاعي على الوضع الجيوسياسي والاقتصاد العالمي يرغب في الاستثمار في تونس التي تتوفر على جميع المقومات للعيش والاستثمار لكن مع إصلاحات بسيطة وممكنة تحقق التحول الكامل وتجنبنا الصعوبات التي نعيش وتخلصنا من شبح المديونية الذي وجدنا أنفسنا رهائن له دون إيجاد حلول للتخلص منه أو حتى الحد منه مرحليا.

*الحديث عن المديونية يجرنا الى الحديث عن سياسة أصبحت تقليدا بالنسبة لتونس ونعني هنا الاقتراض والتداين.. فهل ترى مخرجا من هذا الطريق الصعب الذي توجهنا فيه؟

المشكل ليس في التداين فكل الدول تقترض بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها.. لكن المشكل في كيفية استغلال الأموال المقترضة ووضع تصورات أولية لتسديد النفقات وخاصة منها الأجور وتسديد القروض وخدمات الدين بعيدا عن الدخول في دوامة الاقتراض من اجل خلاص القروض وتبعاتها. سياسة التداين التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة في تونس ما بعد الثورة أوصلتنا الى حافة الإفلاس وهددت بصفة جدية مكتسباتنا الاقتصادية والمالية والاجتماعية وأوقفت الاستثمارات والتشغيل..

كما أن توجه الحكومة لتمويل الخزينة عبر الاعتماد على البنك المركزي لشراء القروض التي أصدرتها الدولة في شكل رقاع، من شأنه أن يؤدي الى ارتفاع كبير وحاد في التضخم الى جانب تدهور سعر صرف الدينار وما ينجر عنه من انعكاسات وخيمة خاصة على تكلفة إرجاع الديون وحجم المديونية وعلى ارتفاع التضخم الذي سيزيد بشكل كبير بسبب غلاء قيمة الواردات ليكون تأثير ذلك لاحقا على المؤسسات والشركات الاقتصادية ومنها على القوة الشرائية للمواطن والدخول في دائرة مفرغة عواقبها الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية معروفة.

*وأي حلول ترونها لذلك؟

المطلوب اليوم وضع خطة إنعاش مستعجلة للاقتصاد بعيدا عن حلول الاقتراض الخارجي التي باتت صعبة ولنا في قرض صندوق النقد الدولي أحسن مثال. فالدخول للسوق المالية الدولية أصبح صعبا في ظل وضعنا الاقتصادي وتضخم مديونيتنا الخارجية، وبالتالي فان الحلول ستكون ذاتية داخلية أبرزها الاعتماد على السوق المالية الداخلية لسد العجز المالي في الميزانية وتوفير الموارد الضرورية لاستكمال السنة الإدارية الحالية التي سنواجه فيها مشكلة كبرى بسبب "ثقب" قرص الصندوق، وذلك عبر إصدار أذون خزينة يمكن للبنوك وشركات التأمين وكبار المدخرين الاكتتاب فيها خاصة أن الواجب على بنوكنا اليوم إظهار طابعها الوطني وتغليب المصلحة الوطنية باعتبارها القطاع الوحيد الذي ظل متماسكا ما بعد الثورة بل ازدادت مرابيحه وتضاعفت في السنوات الأخيرة وذلك على حساب الدولة والمواطن.. كما يجب أن يلعب المواطن دوره كذلك بعيدا عن سياسة الاقتطاع من الأجر التي تلجأ إليها الحكومات بل عبر استرجاع ثقافة العمل والإنتاج والقطع مع الإضرابات والمطلبية وتعطيل الإنتاج ومصالح الدولة..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews