إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

فيما سجلت الأسعار صعودا "صاروخيا".. أزمة المواد المفقودة بلا حلول.. إلى متى؟

 

تونس – الصباح

عرفت أغلب المواد الاستهلاكية قفزة أخرى في الأسعار خلال الشطر الثاني من هذه الصائفة بشكل ملفت دفع عديد الجهات لإطلاق صيحات الفزع واستنكار لما آلت إليه الأوضاع "المعيشية" للمواطن اليوم من ترد في ظل تفاقم الأزمات وصعوبة تزود الأغلبية بما يحتاجونه من مواد استهلاكية أساسية. في المقابل يتوسع نشاط "السوق السوداء" والسوق أو التجارة الموازية التي تحولت إلى ملاذ للبعض خاصة فيما يتعلق بالمواد المفقودة في الفضاءات التجارية ومسالك التوزيع، رغم تأكيد الجهات الرسمية في عديد المناسبات على توفر السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية فضلا عن إصدارها قرارات وقوانين زجرية للتصدي للاحتكار والتلاعب بالأسعار والمخالفات.

فلم يعد الحديث اليوم عن مدى التقيد والالتزام بأسعار المواد المدعمة من غيرها، على غرار الزيت والسكر والخبز والحليب والأرز والشاي والقهوة وغيرها من المواد الاستهلاكية الأساسية بل تعداه ليصبح الهدف والرهان بالنسبة للمستهلك اليوم هو توفر المادة في حد ذاتها. الأمر الذي فتح المجال لـ"لوبيات" الفساد المستثمرة في مثل هذه الأزمات والمستفيدة منها لتنشط بقوة وتفرض "قوانين" لعبتها وتحكمها في سوق الإنتاج والاستهلاك على حد السواء.

وقد شكلت هذه المسألة أحد محور اللقاء الذي جمع أول أمس رئيس الجمهورية قيس سعيد بأحمد الحشاني رئيس الحكومة، وفق ما تضمنه البيان الذي صدر في الغرض على الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية. ولطالما نزل سعيد الأزمات التي تم تسجيلها في هذا المستوى خلال السنتين الأخيرتين في إطار سياسي بامتياز حمل فيه المسؤولية لمعارضي سياسته ومشروعه المبني بالأساس على مقاومة الفساد من ناحية والسعي إلى مراجعة المنظومات التجارية والاقتصادية القائمة في سياق إصلاحي شامل بما يتماشى وتوجهاته في وضع منظومة دولة اجتماعية بامتياز وما تتطلبه من آليات تكريس العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجهات. خاصة أن بعض المتابعين للشأن الوطني يذهبون في تفسيرهم لاستفحال هذه الظاهرة إلى ضعف أجهزة الدولة وعدم قدرتها على مقاومة موجة الانفلات والفساد المتفشية في عدة أوساط وانخراط بعض العاملين في هذه الجهات الرسمية في عمليات الفساد والتلاعب، معتبرين ما تسجله أروقة المحاكم من قضايا في الغرض يؤكد هذه العملية. إضافة إلى ما تتطلبه المسألة من ضرورة مراجعة المنظومة ووضع أجهزة وهياكل مختصة في هذا المجال.

لتتعالى بذلك المطالب والدعوات الموجهة إلى السلطات الرسمية الداعية للتحرك والعمل على تطويق الأزمة ووضع حد لعملية تآكل الطبقة الوسطى من المجتمع مقابل سرعة توسع دائرة الطبقة الفقيرة والمهمشة والمعدمة. لأن أغلب المتابعين لهذا الوضع نبهوا لخطوة تداعيات ذلك اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا إذا لم توجد الجهات الرسمية المعادلة المطلوبة للتحكم في "السوق" التجارية والاستهلاكية ونجحت في التحكم في "حالة الانفلات" المسجلة وفي الارتفاع المشط في الأسعار. فموازاة مع أزمة الخبز والسميد والفرينة التي كانت عنوانا بارزا لمعاناة التونسيين منذ أكثر من شهر، سجلت أسعار الخضر والغلال الفصلية والموسمية ارتفاعا في الأسعار بشكل غير مسبوق خلال هذه الفترة.

ويذكر أن سعيد كان قد استقبل كلا من كمال الفقي، وزير الداخلية، وكلثوم بن رجب قزاح، وزيرة التجارة وتنمية الصادرات نهاية الشهر المنقضي وتناول اللقاء الارتفاع المشط للأسعار وغياب عدد من المواد الأساسية في عدد من مناطق الجمهورية.

و"شدد على ضرورة معاضدة جهود مراقبي وزارة التجارة من قبل القوات الأمنية ومحاسبة كل من يعمل على تأجيج الأوضاع الاجتماعية بكل السبل بما فيها التنكيل بالتونسيين في قوتهم وفي معاشهم وفي أبسط حقوقهم في الحياة كالحق في الماء".

لذلك بدا واضحا أن الوضع المتردي هذا يتطلب القيام بجملة من المراجعات لأن استفحال الأزمات لإثقال كاهل المستهلك التونسي ودفع من تبقى من المواطنين ممن لم يغادروها بشكل قانوني أو غير قانوني هروبا من جحيم المعاناة وغلاء الأسعار والحرمان الذي أصبحوا عليه، للخروج للشارع رفضا للوضع المتردي. فالأمر لم يعد متوقفا على وضع المراسيم والقوانين الزجرية ومراجعة المنظومات بل يتطلب آلية عملية والنجاعة في التنفيذ بما يفرض دولة القانون والنظام دون انتعاش فئة على حساب فئة أخرى أو تعد على حريات وحقوق الآخرين. وهذا ما عجزت عنه حكومة بودن فهل يتدارك الحشاني الأمر؟

زيادات وأزمات مرتقبة

كما بدأ الحديث في أوساط عدة قطاعات أخرى عن وجود أزمة مرتقبة على غرار الحليب أو زيادة في الأسعار بالنسبة للحوم الحمراء ليتجاوز سعر كيلوغرام من اللحم 45 دينارا. إذ أكد أحمد رجب، عميد الأطباء البياطرة مؤخرا، أن الأسعار مرجحة للارتفاع أكثر خلال السنوات القادمة في ظل تواصل اعتماد السياسات نفسها فضلا عن انتشار ذبح النعاج والخراف والأبقار الإناث بعد أن اختار عدد كبير من الفلاحين التفريط في القطيع بسبب الصعوبات التي عايشها الجميع خلال السنوات الأخيرة وتمثلت بالأساس في معضلة التزود بالأعلاف وغلاء أسعارها التي تزامنت مع فترة جفاف. الأمر الذي يهدد استمرارية القطعان لدى الفلاحين.

وسبق أن نبه يحي مسعود، عضو اتحاد الفلاحة والصيد البحري المُكلف بمنظومة الألبان، منذ شهر تقريبا من دخول بلادنا في أزمة مرتقبة في مادة الحليب بداية من شهر سبتمبر المقبل، في ظل تراجع الإنتاج وعدم استجابة الجهات الرسمية لطلب الزيادة في سعر الحليب منذ أول العام الجاري والمقدرة بـ500 مليم.

والأمر نفسه تقريبا بالنسبة للمياه المعدنية وغيرها من المواد الاستهلاكية الأخرى التي يعاني المواطن التونسي الأمرين من أجل الحصول عليها باعتبار أنها من الضروريات.

نزيهة الغضباني

 

 

 

فيما سجلت الأسعار صعودا "صاروخيا"..   أزمة المواد المفقودة بلا حلول.. إلى متى؟

 

تونس – الصباح

عرفت أغلب المواد الاستهلاكية قفزة أخرى في الأسعار خلال الشطر الثاني من هذه الصائفة بشكل ملفت دفع عديد الجهات لإطلاق صيحات الفزع واستنكار لما آلت إليه الأوضاع "المعيشية" للمواطن اليوم من ترد في ظل تفاقم الأزمات وصعوبة تزود الأغلبية بما يحتاجونه من مواد استهلاكية أساسية. في المقابل يتوسع نشاط "السوق السوداء" والسوق أو التجارة الموازية التي تحولت إلى ملاذ للبعض خاصة فيما يتعلق بالمواد المفقودة في الفضاءات التجارية ومسالك التوزيع، رغم تأكيد الجهات الرسمية في عديد المناسبات على توفر السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية فضلا عن إصدارها قرارات وقوانين زجرية للتصدي للاحتكار والتلاعب بالأسعار والمخالفات.

فلم يعد الحديث اليوم عن مدى التقيد والالتزام بأسعار المواد المدعمة من غيرها، على غرار الزيت والسكر والخبز والحليب والأرز والشاي والقهوة وغيرها من المواد الاستهلاكية الأساسية بل تعداه ليصبح الهدف والرهان بالنسبة للمستهلك اليوم هو توفر المادة في حد ذاتها. الأمر الذي فتح المجال لـ"لوبيات" الفساد المستثمرة في مثل هذه الأزمات والمستفيدة منها لتنشط بقوة وتفرض "قوانين" لعبتها وتحكمها في سوق الإنتاج والاستهلاك على حد السواء.

وقد شكلت هذه المسألة أحد محور اللقاء الذي جمع أول أمس رئيس الجمهورية قيس سعيد بأحمد الحشاني رئيس الحكومة، وفق ما تضمنه البيان الذي صدر في الغرض على الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية. ولطالما نزل سعيد الأزمات التي تم تسجيلها في هذا المستوى خلال السنتين الأخيرتين في إطار سياسي بامتياز حمل فيه المسؤولية لمعارضي سياسته ومشروعه المبني بالأساس على مقاومة الفساد من ناحية والسعي إلى مراجعة المنظومات التجارية والاقتصادية القائمة في سياق إصلاحي شامل بما يتماشى وتوجهاته في وضع منظومة دولة اجتماعية بامتياز وما تتطلبه من آليات تكريس العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجهات. خاصة أن بعض المتابعين للشأن الوطني يذهبون في تفسيرهم لاستفحال هذه الظاهرة إلى ضعف أجهزة الدولة وعدم قدرتها على مقاومة موجة الانفلات والفساد المتفشية في عدة أوساط وانخراط بعض العاملين في هذه الجهات الرسمية في عمليات الفساد والتلاعب، معتبرين ما تسجله أروقة المحاكم من قضايا في الغرض يؤكد هذه العملية. إضافة إلى ما تتطلبه المسألة من ضرورة مراجعة المنظومة ووضع أجهزة وهياكل مختصة في هذا المجال.

لتتعالى بذلك المطالب والدعوات الموجهة إلى السلطات الرسمية الداعية للتحرك والعمل على تطويق الأزمة ووضع حد لعملية تآكل الطبقة الوسطى من المجتمع مقابل سرعة توسع دائرة الطبقة الفقيرة والمهمشة والمعدمة. لأن أغلب المتابعين لهذا الوضع نبهوا لخطوة تداعيات ذلك اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا إذا لم توجد الجهات الرسمية المعادلة المطلوبة للتحكم في "السوق" التجارية والاستهلاكية ونجحت في التحكم في "حالة الانفلات" المسجلة وفي الارتفاع المشط في الأسعار. فموازاة مع أزمة الخبز والسميد والفرينة التي كانت عنوانا بارزا لمعاناة التونسيين منذ أكثر من شهر، سجلت أسعار الخضر والغلال الفصلية والموسمية ارتفاعا في الأسعار بشكل غير مسبوق خلال هذه الفترة.

ويذكر أن سعيد كان قد استقبل كلا من كمال الفقي، وزير الداخلية، وكلثوم بن رجب قزاح، وزيرة التجارة وتنمية الصادرات نهاية الشهر المنقضي وتناول اللقاء الارتفاع المشط للأسعار وغياب عدد من المواد الأساسية في عدد من مناطق الجمهورية.

و"شدد على ضرورة معاضدة جهود مراقبي وزارة التجارة من قبل القوات الأمنية ومحاسبة كل من يعمل على تأجيج الأوضاع الاجتماعية بكل السبل بما فيها التنكيل بالتونسيين في قوتهم وفي معاشهم وفي أبسط حقوقهم في الحياة كالحق في الماء".

لذلك بدا واضحا أن الوضع المتردي هذا يتطلب القيام بجملة من المراجعات لأن استفحال الأزمات لإثقال كاهل المستهلك التونسي ودفع من تبقى من المواطنين ممن لم يغادروها بشكل قانوني أو غير قانوني هروبا من جحيم المعاناة وغلاء الأسعار والحرمان الذي أصبحوا عليه، للخروج للشارع رفضا للوضع المتردي. فالأمر لم يعد متوقفا على وضع المراسيم والقوانين الزجرية ومراجعة المنظومات بل يتطلب آلية عملية والنجاعة في التنفيذ بما يفرض دولة القانون والنظام دون انتعاش فئة على حساب فئة أخرى أو تعد على حريات وحقوق الآخرين. وهذا ما عجزت عنه حكومة بودن فهل يتدارك الحشاني الأمر؟

زيادات وأزمات مرتقبة

كما بدأ الحديث في أوساط عدة قطاعات أخرى عن وجود أزمة مرتقبة على غرار الحليب أو زيادة في الأسعار بالنسبة للحوم الحمراء ليتجاوز سعر كيلوغرام من اللحم 45 دينارا. إذ أكد أحمد رجب، عميد الأطباء البياطرة مؤخرا، أن الأسعار مرجحة للارتفاع أكثر خلال السنوات القادمة في ظل تواصل اعتماد السياسات نفسها فضلا عن انتشار ذبح النعاج والخراف والأبقار الإناث بعد أن اختار عدد كبير من الفلاحين التفريط في القطيع بسبب الصعوبات التي عايشها الجميع خلال السنوات الأخيرة وتمثلت بالأساس في معضلة التزود بالأعلاف وغلاء أسعارها التي تزامنت مع فترة جفاف. الأمر الذي يهدد استمرارية القطعان لدى الفلاحين.

وسبق أن نبه يحي مسعود، عضو اتحاد الفلاحة والصيد البحري المُكلف بمنظومة الألبان، منذ شهر تقريبا من دخول بلادنا في أزمة مرتقبة في مادة الحليب بداية من شهر سبتمبر المقبل، في ظل تراجع الإنتاج وعدم استجابة الجهات الرسمية لطلب الزيادة في سعر الحليب منذ أول العام الجاري والمقدرة بـ500 مليم.

والأمر نفسه تقريبا بالنسبة للمياه المعدنية وغيرها من المواد الاستهلاكية الأخرى التي يعاني المواطن التونسي الأمرين من أجل الحصول عليها باعتبار أنها من الضروريات.

نزيهة الغضباني