إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المدرسة الاستشراقية الفرنسية ،ريجيس بلاشير نموذجا..(2/3)

بقلم: صلاح بوزيّان (*)

* تتتالى إخفاقات بلاشير وتتوالى إساءاته إلى القرآن، ويعجّ كتاباه بالأخطاء، و لا يسمحُ المقام بعرضها كاملة

*ريجيس بلاشير، دعم حركات التّحرر وتفسير القرآن:

درس ريجيس بلاشير القرآن والسّنة والأدب العربي ، وتهيأت جملة من الظروف الملائمة نعتبرها مكوّنات السياق التاريخي الذي نشأ فيه، هاجر سنة 1915 إلى المغرب صحبة عائلته لأنّ والده وُظّفَ في إدارة الاستعمار، ودرس بلاشيراللّغة العربية في مدينة الدّار البيضاء على يد المستشرق الفرنسي هنري ماسي ، ثمّ في الجامعة على يد مستشرقين فرنسيين (جورج ويليام مارسيه، لفي بروفنسال)، و تحصّل على الليسانس والتبريز وناقش رسالة الدكتوراه موضوعها أبو الطيب المتنبي، ممّا دلّ على شغفه بالثقافة العربية الإسلامية، كما اهتمّ بالمقامات واللغة وتأثّر بابن منظور وياقوت الحموي ، وكان من أبرز المنتقدين للسياسة الاستعمارية الفرنسية منذ الخمسينات وانتقدّ بشدّة اللّوبي الاستعماري وساند حركات التّحررّ في تونس والجزائر والمغرب ودعا الحكومة الفرنسية إلى الاعتراف بحقوق الشعوب المغاربية في تقرير المصير. وترجم القرآن في كتاب موسوم بـ(القرآن)(1947-1951) باللّغة الفرنسية في ثلاثة مجلّدات، ثمّ نُقل إلى العربية سنة 1974 على يد رضا سعادة وغيّر عنوانه كالآتي: (القرآن نزوله تدوينه ترجمته وتأثيره) بإشراف الأب فريد جبر. وقبل ذلك قام مترجمان ينتسبان إلى مدرسة طليطلة بترجمة القرآن في بداية القرن الثاني عشر الميلادي ، كما ترجمه ( لو دوفيكو ماراشي) سنة 1698،بعد أن قضّى أربعين سنة في دراسته ،و ترجمه (كلود سافاري)سنة 1783، وترجمه الفرنسي ( كزيميرسكي) سنة 1840.إلاّ أنّترجم معاني القرآن إلى اللّغة الفرنسية حسب تسلسل نزول السّور وليس حسب الترتيب الوارد في المصحف ، وسار على نهج بعض المترجمين البريطانيين الذين فسّروا التّشريع في ضوء الوقائع التاريخية ،إلاّ أنّه أعرض عن هذا الأسلوب في الطبعات التالية واقتنع بعدم فائدة مخالفة ترتيب المصحف العثماني. اعتمد في عمله - كما عبّر عن ذلك في مقدّمة الترجمة الخطيرة والتي تحتاج إلى تصويب-على أربعة تفاسير وهي: الطبري،البيضاوي،النسفي، الرازي، ونلاحظ أنّه رجّح آراء المستشرقين على مضامين هذه التفاسير، ولا نظفر بإجابة قاطعة تكشف سبب هذا الاختيار، ولكنّنا لا نعدم بعض القرائن التي تفيد بأنّ اعتماده هذه التفاسير كان عن قصد، وذلك إذا ما عدنا الأسلوب الذي توخّاه المفسرون،فخر الدين الرازي في (مفاتيح الغيب التفسير الكبير)فسّر القرآن بالرأي والمعقول، وذكر مناسبة السورة مع غيرها والمناسبات بين الآيات، واستطرد في العلوم الكونية وتوسّع فيها وأوغل في المسائل الأصولية والنحوية والبلاغية والاستنباطات العقلية وانتصر لمذهب أهل السّنة في العقيدة وردّ على المعتزلة والفِرق الضّالة، وفسّر معاني القرآن وإشاراته بحكمة بالغة، تُشكّل دلائل على عمق هذا التّفسير، وفِي تقديرنا هذا ما أقنع بلاشير بهذا الصنف من التفسير. كما اعتمد تفسيرالنسفي الموسوم بـ( مدارك التنزيل و حقائق التأويل) لأنّه مختصر ومفيد ، اختصره صاحبه من الكشّاف للزمخشري و من تفسير البيضاويالموسوم بـ(أنوار التنزيل و أسرار التأويل)، ووضّح النسفي منهجه في تفسير القرآن خلال مقدّمة الكتاب قال: " قد سألني من تتعيّن إجابته كتابا وسطا في التأويلات، جامعا لوجوه الإعراب والقراءات، متضمنا لدقائق علم البديع والإشارات، حاليا بأقاويل أهل السّنة والجماعة، خاليا عن أباطيل أهل البدع والضلالة،ليس بالطويل المملّ، ولا بالقصير المخلّ"[1].واعتمد تفسير الطبري، الذي أجمع العلماء على أهمّيته جعلوا منه شيخ المفسّرين ، يقول النووي:" أجمعت الأمّة على أنّه لم يصنّف مثل تفسير الطبري"، ويصفه بلاشير قائلا: "مفكّر يضاهي عظماء عصر النهضة الغربية أو العصر الوسيط الشرقي.. أبُ التفسير القرآني، فعندما وصل العالم الإسلامي إلى وقت أشرف فيه على تقويض وحدته السياسية ، كان هذا العالم يمدّ الشرق بخلاصة ظل يقتبس منها على مرّ الأجيال، جميع المسلمين السنيين الذين يحرّكهم الحماس الديني، والرغبة في أن يحفظوا الوحدة لأمة مهددة من الداخل بعقلانية بعض المدارس الكلامية والفلسفية "[2].و لكن إذا كان بلاشير معجبا بهؤلاء المفسّرين : الطبري، البيضاوي ، النسفي ، الرازي، فلماذا عرض آراءهم ثمّ أعرض عنها ورجّح واستعمل آراء المستشرقين ممّن لا علم لهم بمعاني القرآن؟ لعلّها حجّة أخرى على تحيّزه وسوء نيّته وتنصّله من النزاهة العلمية والحياد ووفائه لمبادئ المنجز الاستشراقي الفرنسي الذي لم ولن يتطهّر من نوايا الهيمنة وخبث المسعى مهما تحلّى به من محسّنات بلاغية.

نقف هنا على إقحام بلاشيركلاما من وحي خياله في القرآن ، فأضاف جملتين:( وإنّها لغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى) ووضعهما بعد الآية 20 من سورة النجم، ورد ذلك في الصفحة 561 من كتابه.وجعل منهما آيتين في القرآن. وهنا تبدو نيّة هذا المستشرق السيّئة عارية مكشوفة ، ويتجلّى كذبه مفضوحا، وكذلك في الصفحة 657 من كتابه، عندما ترجم قول الله تعالى:( اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) العلق الآية1، كالآتي:

Preche au nom detonseigeur qui crea

بمعنى :( عِظْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) فجعل معنى القراءة الوعظ، وهذه إساءة واضحة إلى معنى الآية لغة ومعنى .والغريب أنّه منح ترجمته المُسقطة صحّة لا يطالها شكّ وحاول إلحاق الشكّ بالسياق المعنوي للآية والسّورة ، فعلّق في حاشية كتابه تعليقا هجينا قال فيه:( " اقرأ" معناه "عِظ" ليس " اقرأ" كما يُترجمُ غالبًا ) و هنا حاول التشكيك و زرع الارتياب في أعمال المفسّرين العرب، و يذهبُ بعض المفكّرين إلى أنّ بلاشير لم يكن يتقن اللغة العربية وفق ما حصّله من درجات علمية ، و في تقديرنا تحتاج كلّ أعماله إلى دراسات علمية للبحث فيها و إخضاعها للنقد العلمي ، وأمّا إذا كان بلاشير يجهل اللغة العربية ، فإنّنا لا نجد أثرا للنزاهة العلمية في عمله الذي كانفيه فاشلا مسيئا إلى القرآن الكريم وإلى اللغة العربية و الحضارة العربية الإسلامية و متحاملاً على الحقائق ، ولكن الفرضية الأقرب إلى الصّواب هي أنّ هذا المستشرق ليس إلاّ موظّفا في إدارة الاستشراق الفرنسية و هو مجبر على العمل وفق توجيهات و فلسفة الاستشراق الفرنسي و منطق الثقافة الغربية المهيمنة ، وعليه فإنّه يتقن اللغة العربية ويدرك فروقاتها و يعلمُ خصوصية القرآن الكريم باعتباره معجزة لغوية جاءت من عند الله تعالى على لسان النبيّ الخاتم محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليُعجز بها الكافرين، و ما أراد أن ينجزه من خلال ترجمته معاني القرآن هو إثارة الشكّ في بناء كلام الله ليختلّ المعنى و ينشأ الارتياب في قدسية القرآن ، و من الأدلّة على ذلك ما قاله بلاشير في حاشية كتابه صفحة 29

مُعلّقا على قول الله تعالى: ( أوْ كًالذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ) البقرة الآية 259، قال: " إنّ هذه القصة مطابقة للأسطورة المنتشرة جدا في الشرق في الشرق و في الثقافة اليهودية النصرانية " . و علّقفي الصفحة 589 على الآيتين 23 و24 / الحشر، بأنّهما تذكّران بالتأبينات اليهودية شكلا و معنى. و تتتالى إخفاقات بلاشير و تتوالى إساءاته إلى القرآن ، ويعجّ كتاباه بالأخطاء، و لا يسمحُ المقام بعرضها كاملة ، و في هذا السياق نشير إلى جهود الباحثة الجزائريّة حوريّة الخمليشي في كتابها الموسوم ب ( ترجمة النّص العربي و تأويليه عند بلاشير )[3]، ونختم بهذا المثال، فقد تكرّرت هذه الجملة في ترجمته ويقصد بها القرآن ، قال:

Ensonetatactuel

بمعنى ( في وضعه الحالي ) ، فهل عاش القرآن أوضاعا ؟ ورد ذلك في ترجمته أول السُّور: الحجر و الزّمر والنّساء ، في الصّفحات: 76و289و436 ضمن كتابه .ونجد في كلام جاك بيركفرضية أخرى مفادها جهل بلاشير بالمضمون الرّوحي للقرآن، ونخالف هذا الرأي على اعتبار أنّ بلاشير أساء إلى القرآن عن قصد وفق تعاليم المدرسة الاستشراقية الفرنسية، وقد بيّنا ذلك سابقا ، يقولبيرك:" ترجمة بلاشير لها مزاياها، فهو من أفضل المستشرقين الأوروبيين اطّلاعا وضلاعة في قواعد اللغة العربية وآدابها، و لكنّ من نواقصه أنّه كان علمانيا، أي أنه لم يكن قادرا على تذوق المضمون الروحي للقرآن وأبعاده .. ترجمته للقرآن لها نواقصها ". ومن العثرات التي وقع فيها بلاشير في عمله أنّه أغفل المصادر التي أخذ عنها ومارس التحريفكلّما اقتضت رغبته، وأهمل السّنة النبوية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي وركّز على شاذّ كُتب الفهارس، ككتاب الفهرست لابن النديم، ورَدَّ أصل كلمة ( قرآن ) إلى اللغة السريانية، قال :"ويمكن أن تكون هذه الكلمة مأخوذة عن اللغة السريانية".

 

 

 

 

المدرسة الاستشراقية الفرنسية ،ريجيس بلاشير نموذجا..(2/3)

بقلم: صلاح بوزيّان (*)

* تتتالى إخفاقات بلاشير وتتوالى إساءاته إلى القرآن، ويعجّ كتاباه بالأخطاء، و لا يسمحُ المقام بعرضها كاملة

*ريجيس بلاشير، دعم حركات التّحرر وتفسير القرآن:

درس ريجيس بلاشير القرآن والسّنة والأدب العربي ، وتهيأت جملة من الظروف الملائمة نعتبرها مكوّنات السياق التاريخي الذي نشأ فيه، هاجر سنة 1915 إلى المغرب صحبة عائلته لأنّ والده وُظّفَ في إدارة الاستعمار، ودرس بلاشيراللّغة العربية في مدينة الدّار البيضاء على يد المستشرق الفرنسي هنري ماسي ، ثمّ في الجامعة على يد مستشرقين فرنسيين (جورج ويليام مارسيه، لفي بروفنسال)، و تحصّل على الليسانس والتبريز وناقش رسالة الدكتوراه موضوعها أبو الطيب المتنبي، ممّا دلّ على شغفه بالثقافة العربية الإسلامية، كما اهتمّ بالمقامات واللغة وتأثّر بابن منظور وياقوت الحموي ، وكان من أبرز المنتقدين للسياسة الاستعمارية الفرنسية منذ الخمسينات وانتقدّ بشدّة اللّوبي الاستعماري وساند حركات التّحررّ في تونس والجزائر والمغرب ودعا الحكومة الفرنسية إلى الاعتراف بحقوق الشعوب المغاربية في تقرير المصير. وترجم القرآن في كتاب موسوم بـ(القرآن)(1947-1951) باللّغة الفرنسية في ثلاثة مجلّدات، ثمّ نُقل إلى العربية سنة 1974 على يد رضا سعادة وغيّر عنوانه كالآتي: (القرآن نزوله تدوينه ترجمته وتأثيره) بإشراف الأب فريد جبر. وقبل ذلك قام مترجمان ينتسبان إلى مدرسة طليطلة بترجمة القرآن في بداية القرن الثاني عشر الميلادي ، كما ترجمه ( لو دوفيكو ماراشي) سنة 1698،بعد أن قضّى أربعين سنة في دراسته ،و ترجمه (كلود سافاري)سنة 1783، وترجمه الفرنسي ( كزيميرسكي) سنة 1840.إلاّ أنّترجم معاني القرآن إلى اللّغة الفرنسية حسب تسلسل نزول السّور وليس حسب الترتيب الوارد في المصحف ، وسار على نهج بعض المترجمين البريطانيين الذين فسّروا التّشريع في ضوء الوقائع التاريخية ،إلاّ أنّه أعرض عن هذا الأسلوب في الطبعات التالية واقتنع بعدم فائدة مخالفة ترتيب المصحف العثماني. اعتمد في عمله - كما عبّر عن ذلك في مقدّمة الترجمة الخطيرة والتي تحتاج إلى تصويب-على أربعة تفاسير وهي: الطبري،البيضاوي،النسفي، الرازي، ونلاحظ أنّه رجّح آراء المستشرقين على مضامين هذه التفاسير، ولا نظفر بإجابة قاطعة تكشف سبب هذا الاختيار، ولكنّنا لا نعدم بعض القرائن التي تفيد بأنّ اعتماده هذه التفاسير كان عن قصد، وذلك إذا ما عدنا الأسلوب الذي توخّاه المفسرون،فخر الدين الرازي في (مفاتيح الغيب التفسير الكبير)فسّر القرآن بالرأي والمعقول، وذكر مناسبة السورة مع غيرها والمناسبات بين الآيات، واستطرد في العلوم الكونية وتوسّع فيها وأوغل في المسائل الأصولية والنحوية والبلاغية والاستنباطات العقلية وانتصر لمذهب أهل السّنة في العقيدة وردّ على المعتزلة والفِرق الضّالة، وفسّر معاني القرآن وإشاراته بحكمة بالغة، تُشكّل دلائل على عمق هذا التّفسير، وفِي تقديرنا هذا ما أقنع بلاشير بهذا الصنف من التفسير. كما اعتمد تفسيرالنسفي الموسوم بـ( مدارك التنزيل و حقائق التأويل) لأنّه مختصر ومفيد ، اختصره صاحبه من الكشّاف للزمخشري و من تفسير البيضاويالموسوم بـ(أنوار التنزيل و أسرار التأويل)، ووضّح النسفي منهجه في تفسير القرآن خلال مقدّمة الكتاب قال: " قد سألني من تتعيّن إجابته كتابا وسطا في التأويلات، جامعا لوجوه الإعراب والقراءات، متضمنا لدقائق علم البديع والإشارات، حاليا بأقاويل أهل السّنة والجماعة، خاليا عن أباطيل أهل البدع والضلالة،ليس بالطويل المملّ، ولا بالقصير المخلّ"[1].واعتمد تفسير الطبري، الذي أجمع العلماء على أهمّيته جعلوا منه شيخ المفسّرين ، يقول النووي:" أجمعت الأمّة على أنّه لم يصنّف مثل تفسير الطبري"، ويصفه بلاشير قائلا: "مفكّر يضاهي عظماء عصر النهضة الغربية أو العصر الوسيط الشرقي.. أبُ التفسير القرآني، فعندما وصل العالم الإسلامي إلى وقت أشرف فيه على تقويض وحدته السياسية ، كان هذا العالم يمدّ الشرق بخلاصة ظل يقتبس منها على مرّ الأجيال، جميع المسلمين السنيين الذين يحرّكهم الحماس الديني، والرغبة في أن يحفظوا الوحدة لأمة مهددة من الداخل بعقلانية بعض المدارس الكلامية والفلسفية "[2].و لكن إذا كان بلاشير معجبا بهؤلاء المفسّرين : الطبري، البيضاوي ، النسفي ، الرازي، فلماذا عرض آراءهم ثمّ أعرض عنها ورجّح واستعمل آراء المستشرقين ممّن لا علم لهم بمعاني القرآن؟ لعلّها حجّة أخرى على تحيّزه وسوء نيّته وتنصّله من النزاهة العلمية والحياد ووفائه لمبادئ المنجز الاستشراقي الفرنسي الذي لم ولن يتطهّر من نوايا الهيمنة وخبث المسعى مهما تحلّى به من محسّنات بلاغية.

نقف هنا على إقحام بلاشيركلاما من وحي خياله في القرآن ، فأضاف جملتين:( وإنّها لغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى) ووضعهما بعد الآية 20 من سورة النجم، ورد ذلك في الصفحة 561 من كتابه.وجعل منهما آيتين في القرآن. وهنا تبدو نيّة هذا المستشرق السيّئة عارية مكشوفة ، ويتجلّى كذبه مفضوحا، وكذلك في الصفحة 657 من كتابه، عندما ترجم قول الله تعالى:( اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) العلق الآية1، كالآتي:

Preche au nom detonseigeur qui crea

بمعنى :( عِظْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) فجعل معنى القراءة الوعظ، وهذه إساءة واضحة إلى معنى الآية لغة ومعنى .والغريب أنّه منح ترجمته المُسقطة صحّة لا يطالها شكّ وحاول إلحاق الشكّ بالسياق المعنوي للآية والسّورة ، فعلّق في حاشية كتابه تعليقا هجينا قال فيه:( " اقرأ" معناه "عِظ" ليس " اقرأ" كما يُترجمُ غالبًا ) و هنا حاول التشكيك و زرع الارتياب في أعمال المفسّرين العرب، و يذهبُ بعض المفكّرين إلى أنّ بلاشير لم يكن يتقن اللغة العربية وفق ما حصّله من درجات علمية ، و في تقديرنا تحتاج كلّ أعماله إلى دراسات علمية للبحث فيها و إخضاعها للنقد العلمي ، وأمّا إذا كان بلاشير يجهل اللغة العربية ، فإنّنا لا نجد أثرا للنزاهة العلمية في عمله الذي كانفيه فاشلا مسيئا إلى القرآن الكريم وإلى اللغة العربية و الحضارة العربية الإسلامية و متحاملاً على الحقائق ، ولكن الفرضية الأقرب إلى الصّواب هي أنّ هذا المستشرق ليس إلاّ موظّفا في إدارة الاستشراق الفرنسية و هو مجبر على العمل وفق توجيهات و فلسفة الاستشراق الفرنسي و منطق الثقافة الغربية المهيمنة ، وعليه فإنّه يتقن اللغة العربية ويدرك فروقاتها و يعلمُ خصوصية القرآن الكريم باعتباره معجزة لغوية جاءت من عند الله تعالى على لسان النبيّ الخاتم محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليُعجز بها الكافرين، و ما أراد أن ينجزه من خلال ترجمته معاني القرآن هو إثارة الشكّ في بناء كلام الله ليختلّ المعنى و ينشأ الارتياب في قدسية القرآن ، و من الأدلّة على ذلك ما قاله بلاشير في حاشية كتابه صفحة 29

مُعلّقا على قول الله تعالى: ( أوْ كًالذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ) البقرة الآية 259، قال: " إنّ هذه القصة مطابقة للأسطورة المنتشرة جدا في الشرق في الشرق و في الثقافة اليهودية النصرانية " . و علّقفي الصفحة 589 على الآيتين 23 و24 / الحشر، بأنّهما تذكّران بالتأبينات اليهودية شكلا و معنى. و تتتالى إخفاقات بلاشير و تتوالى إساءاته إلى القرآن ، ويعجّ كتاباه بالأخطاء، و لا يسمحُ المقام بعرضها كاملة ، و في هذا السياق نشير إلى جهود الباحثة الجزائريّة حوريّة الخمليشي في كتابها الموسوم ب ( ترجمة النّص العربي و تأويليه عند بلاشير )[3]، ونختم بهذا المثال، فقد تكرّرت هذه الجملة في ترجمته ويقصد بها القرآن ، قال:

Ensonetatactuel

بمعنى ( في وضعه الحالي ) ، فهل عاش القرآن أوضاعا ؟ ورد ذلك في ترجمته أول السُّور: الحجر و الزّمر والنّساء ، في الصّفحات: 76و289و436 ضمن كتابه .ونجد في كلام جاك بيركفرضية أخرى مفادها جهل بلاشير بالمضمون الرّوحي للقرآن، ونخالف هذا الرأي على اعتبار أنّ بلاشير أساء إلى القرآن عن قصد وفق تعاليم المدرسة الاستشراقية الفرنسية، وقد بيّنا ذلك سابقا ، يقولبيرك:" ترجمة بلاشير لها مزاياها، فهو من أفضل المستشرقين الأوروبيين اطّلاعا وضلاعة في قواعد اللغة العربية وآدابها، و لكنّ من نواقصه أنّه كان علمانيا، أي أنه لم يكن قادرا على تذوق المضمون الروحي للقرآن وأبعاده .. ترجمته للقرآن لها نواقصها ". ومن العثرات التي وقع فيها بلاشير في عمله أنّه أغفل المصادر التي أخذ عنها ومارس التحريفكلّما اقتضت رغبته، وأهمل السّنة النبوية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي وركّز على شاذّ كُتب الفهارس، ككتاب الفهرست لابن النديم، ورَدَّ أصل كلمة ( قرآن ) إلى اللغة السريانية، قال :"ويمكن أن تكون هذه الكلمة مأخوذة عن اللغة السريانية".