إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

قرطاج.. منبع الثقافات

بقلم: محمد السبوعي

*مهرجان قرطاج الدولي كان يشكل الشهادة الفنية لكل مبدع يعتلي ركحه الأثري..

يتواصل الجدل حول المهرجانات الصيفية وما يحدث من انفلات في ظاهرة ميزت تونس دون غيرها وجعلت منها عاصمة للفكر والثقافة لعقود.. فمهرجان قرطاج الدولي كان يشكل الشهادة الفنية لكل مبدع يعتلي ركحه الأثري.. مهرجان الموسيقى السيمفونية بالجم  والمايسترو  أحمد عاشور والموزع العبقري وناس خليجان الذي هاجر نهائيا إلى سويسرا  وكان العضد الأيمن لكمال الفرجاني  فنيا  وعلى مستوى التأليف والتوزيع الموسيقي.. مهرجان الحمامات الدولي.. مهرجان طبرقة للجاز الذي كبر بين أحضان رجل الأعمال المغدور  الدكتور الطبيب جيلاني الدبوسي.. هذه إذن أبرز المهرجانات الدولية التي كانت منارة إشعاع لتونس وحضارتها  وتاريخها الموغل في العراقة والقدامة.. نعم مهرجانات جعلت كبار نجوم العالم تهفو للمشاركة في دوراتها لا عن حاجة مالية بقدر ماكانت فرصة تاريخية وشهادة اعتراف دولية فقد كانت قرطاج أيامها عاصمة عالمية للثقافة شأنها شأن براغ والبندقية  وباريس وغيرهم...بالرغم من اتهام البعض لمهرجاناتنا بالنخبوية نعم النخبوية.. فلا مكان في قرطاج لأحمد عدوية.. أو الهادي حبوبة.. مع أنهم الأكثر جذبا للجماهير.. كانت قرطاج خطا أحمر في كل ما يهتم بالذائقة الجمالية التي ساهمت الدولة وتحديدا الزعيم بورقيبة في فرضها على المهرجانات ووسائل الإعلام السمعية والبصرية لحين رحيله عن الحكم...

            

بقدوم بن علي للحكم تغيّر الأمر قليلا بعد أن سمح لآلة المزود التي ارتبطت في بداياتها بالجريمة والسجون.. ولكن سمير العقربي والفاضل الجزيري نجحا في دمجها في الجهاز الثقافي بأعمال رائعة كالنوبة جعلت  جميع فئات المجتمع تتقبل هذه العروض الفرجوية وتقبل عليها بشغف دون تخطي الخطوط الحمراء لمجتمعاتنا التقليدية والمحافظة  ولم يجرؤ أحد على تخطي ما ترسب في شخصيتنا من قيم  يشترك فيها جميع سكان الكون ولا يتخطاها غير عاق أو شاذ...فجميع الديانات والشرائع تجرم التجاهر بما بنافي الحياء...ولا أعتقد انه من الفنّ والإبداع في شيء أن تقول كلاما بذيئا  أو تشير بحركات لا أخلاقية على ركح يجمع جميع أطياف المجتمع ..

             

ولمهرجان قرطاج شموخ من كبرياء قرطاج وعظمة دورها الثقافي في حوض المتوسط بدءا بالأبجدية وصولا لأول دستور  أشاد به الإغريق..ودستور قرطاجة...وعلى ركح قرطاج صعد أشهر الفنانين وأبرزهم من مختلف أنحاء العالم ذكرا لا حصرا ميكيس تيدوراكيس، جيمس براون، وديع الصافي، نجاة الصغيرة، صباح فخري، ليو فارّاي، ظافر يوسف، أنور براهم، راي شارل، مريام ماكيبا، مارسيل خليفة، الطيب الصديق، فاضل الجعايبي. شارل أزنافور...أذكر أيضا..  مانوال دي بنقو وألفا بلوندي.. ومهرجان قرطاج من العراقة مما جعل أعلى هرم السلطة يتدخل عندما حاد هذا المهرجان العريق عن مساره الثقافي والتاريخي.. نعم هي ليست المرّة الأولى خصوصا في العشرية السوداء التي يعتلي فيها الرعاع  هذا الصرح الأسطوري  ولكن تدخّل رئيس  الجمهورية  الأخير جعل نواقيس  الخطر تقرع  بقوة.. لقد زرع  الرومان قرطاج  بعد هزيمة زامة  ملحا وخرابا... ولكننا أعدنا لها  هيكلها  وروحها  حتى انها تحتضن  مقر  رئاسة الجمهورية.. ويحمل مطارنا الدولي  اسم قرطاج  ليذكر العالم  بأمجاد  عسكرية وسياسية وثقافية كان منشؤها هذه  الأرض.. وعلى هذه  الأرض ما يستحقّ الخلود..

*شاعر وروائي

قرطاج.. منبع الثقافات

بقلم: محمد السبوعي

*مهرجان قرطاج الدولي كان يشكل الشهادة الفنية لكل مبدع يعتلي ركحه الأثري..

يتواصل الجدل حول المهرجانات الصيفية وما يحدث من انفلات في ظاهرة ميزت تونس دون غيرها وجعلت منها عاصمة للفكر والثقافة لعقود.. فمهرجان قرطاج الدولي كان يشكل الشهادة الفنية لكل مبدع يعتلي ركحه الأثري.. مهرجان الموسيقى السيمفونية بالجم  والمايسترو  أحمد عاشور والموزع العبقري وناس خليجان الذي هاجر نهائيا إلى سويسرا  وكان العضد الأيمن لكمال الفرجاني  فنيا  وعلى مستوى التأليف والتوزيع الموسيقي.. مهرجان الحمامات الدولي.. مهرجان طبرقة للجاز الذي كبر بين أحضان رجل الأعمال المغدور  الدكتور الطبيب جيلاني الدبوسي.. هذه إذن أبرز المهرجانات الدولية التي كانت منارة إشعاع لتونس وحضارتها  وتاريخها الموغل في العراقة والقدامة.. نعم مهرجانات جعلت كبار نجوم العالم تهفو للمشاركة في دوراتها لا عن حاجة مالية بقدر ماكانت فرصة تاريخية وشهادة اعتراف دولية فقد كانت قرطاج أيامها عاصمة عالمية للثقافة شأنها شأن براغ والبندقية  وباريس وغيرهم...بالرغم من اتهام البعض لمهرجاناتنا بالنخبوية نعم النخبوية.. فلا مكان في قرطاج لأحمد عدوية.. أو الهادي حبوبة.. مع أنهم الأكثر جذبا للجماهير.. كانت قرطاج خطا أحمر في كل ما يهتم بالذائقة الجمالية التي ساهمت الدولة وتحديدا الزعيم بورقيبة في فرضها على المهرجانات ووسائل الإعلام السمعية والبصرية لحين رحيله عن الحكم...

            

بقدوم بن علي للحكم تغيّر الأمر قليلا بعد أن سمح لآلة المزود التي ارتبطت في بداياتها بالجريمة والسجون.. ولكن سمير العقربي والفاضل الجزيري نجحا في دمجها في الجهاز الثقافي بأعمال رائعة كالنوبة جعلت  جميع فئات المجتمع تتقبل هذه العروض الفرجوية وتقبل عليها بشغف دون تخطي الخطوط الحمراء لمجتمعاتنا التقليدية والمحافظة  ولم يجرؤ أحد على تخطي ما ترسب في شخصيتنا من قيم  يشترك فيها جميع سكان الكون ولا يتخطاها غير عاق أو شاذ...فجميع الديانات والشرائع تجرم التجاهر بما بنافي الحياء...ولا أعتقد انه من الفنّ والإبداع في شيء أن تقول كلاما بذيئا  أو تشير بحركات لا أخلاقية على ركح يجمع جميع أطياف المجتمع ..

             

ولمهرجان قرطاج شموخ من كبرياء قرطاج وعظمة دورها الثقافي في حوض المتوسط بدءا بالأبجدية وصولا لأول دستور  أشاد به الإغريق..ودستور قرطاجة...وعلى ركح قرطاج صعد أشهر الفنانين وأبرزهم من مختلف أنحاء العالم ذكرا لا حصرا ميكيس تيدوراكيس، جيمس براون، وديع الصافي، نجاة الصغيرة، صباح فخري، ليو فارّاي، ظافر يوسف، أنور براهم، راي شارل، مريام ماكيبا، مارسيل خليفة، الطيب الصديق، فاضل الجعايبي. شارل أزنافور...أذكر أيضا..  مانوال دي بنقو وألفا بلوندي.. ومهرجان قرطاج من العراقة مما جعل أعلى هرم السلطة يتدخل عندما حاد هذا المهرجان العريق عن مساره الثقافي والتاريخي.. نعم هي ليست المرّة الأولى خصوصا في العشرية السوداء التي يعتلي فيها الرعاع  هذا الصرح الأسطوري  ولكن تدخّل رئيس  الجمهورية  الأخير جعل نواقيس  الخطر تقرع  بقوة.. لقد زرع  الرومان قرطاج  بعد هزيمة زامة  ملحا وخرابا... ولكننا أعدنا لها  هيكلها  وروحها  حتى انها تحتضن  مقر  رئاسة الجمهورية.. ويحمل مطارنا الدولي  اسم قرطاج  ليذكر العالم  بأمجاد  عسكرية وسياسية وثقافية كان منشؤها هذه  الأرض.. وعلى هذه  الأرض ما يستحقّ الخلود..

*شاعر وروائي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews