إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

شدّد عليها سعيد في أكثر من مناسبة.. "تطهير الإدارة" ضمن أولويات مهمة الحشاني

 

تونس – الصباح

لئن شكل مطلب إصلاح الإدارة و"تعصيرها" الشغل الشاغل للتونسيين في السنوات الأخيرة بما يستجيب لتطوير خدماتها على اعتبار أن ذلك يعد آلية أساسية لتحقيق التنمية والتطور الاستثمار، فإن بوصلة سياسية الدولة اليوم موجه إلى "تطهير الإدارة" من مخلفات التعيينات التي تمت خلال العشرية الماضية وأصبح هؤلاء يشكلون اليوم عقبة أمام تطور الإدارة وسير عملها. وهذا ما أكده رئيس الجمهورية قيس سعيد في مناسبتين الأولى كانت في القصبة بمقر رئاسة الحكومة في بداية الشهر الجاري أثناء إشرافه على موكب تسلم أحمد الحشاني لمهامه رئيسا للحكومة خلفا لنجلاء بودن. لتكون المناسبة الثانية التي شدد فيها سعيد على "تطهير الإدارة" وطرح ذلك كضرورة وهدف ضمن أولويات مهمة الحشاني على رأس حكومته في لقائه به أول أمس بقرطاج، وذلك بتأكيده أيضا على ضرورة "إعداد مشروع أمر يتعلق بتطهير الإدارة من الذين تسللوا إليها بغير وجه حق منذ أكثر من عقد من الزمن وتحولوا إلى عقبات تعيق سير عمل الدولة".

ورغم إجماع عديد الجهات في سنوات ما قبل صعود سعيد إلى الرئاسة، على أن الإصلاح الإداري يعد من أوكد الأولويات، إلا أن الاختلاف حول الآليات والمعايير والبرامج التي تطارحها البعض من سياسيين وأحزاب وغيرهم ضمن المشاريع التي تقديمها للغرض، اصطدمت بعدة عراقيل ومطبات حالت دون فتح هذا الملف عمليا، ليضل مجرد مطلبا معلقا. وشكلت مسألة الانتدابات التي عرفتها أجهزة الدولة والمؤسسات العمومية في فترة ما بعد 2011 أحد النقاط السوداء في الإدارة التونسية لعدة اعتبارات.

فالتحول اليوم من الحديث عن إصلاح الإدارة وتطوير خدماتها على نحو تكون مواكبة لتطورات العصر التكنولوجية والرقمية وتكون آلية ناجعة وقاطرة لتحقيق التنمية والتشجيع على الاستثمار بالنسبة للتونسيين والأجانب على حد السواء، لينتقل إلى الحديث عن تطهير الإدارة من "ترسبات التعيينات بالجملة التي عرفتها الإدارة التونسية في مرحلة ما بعد 2011 على اعتبار أنها تعيينات لم تستجب للمعايير والنواميس القانونية المنظمة للعملية وإنما كانت خاضعة لآلية المحسوبية الحزبية والسياسية وغيرها من الطرق التي ساهمت في تسرب آلاف إلى الإدارة التونسية ممن لا تتوفر فيهم الشروط المطلوبة الأمر الذي دفع بعضهم إلى اعتماد طرق وآليات "ملتوية" لتقنين "توظيفه" وأبرزها اعتماد وتقديم شهائد ووثائق مدلسة. وما خلفته تلك الانتدابات من جدل وتباين في المواقف بين الاستنكار والرفض والترحيب والدفع لإيجاد مداخل قانونية لتكريس ذلك، وكان أبرزها صدور مرسوم العفو التشريعي العام الصادر في 19 فيفري 2011 في سياق الاستعداد لإجراء أول انتخابات تشريعية في تونس ما بعد الثورة وهو موجه بالأساس لفتح المجال لانتداب الأشخاص المحكوم عليهم قبل ثورة 14 جانفي 2011 خاصة أن بعض هؤلاء تم التسويق لهم على أن محاكماتهم كانت ذات طابع سياسي وإيديولوجي سواء كانوا في السجن أو في المنفى فضلا عن تمتع هؤلاء بطلب التعويض.

فتح ملف الانتدابات والتعيينات في مختلف مؤسسات وأجهزة الدولة خلال العشرية الماضية

وتجدر الإشارة إلى أنه وفق دراسة في الغرض أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية بلغ عدد المنتفعين بالعفو التشريعي العام الذين تم انتدابهم بالجملة في الوظيفة العمومية دون الخضوع لإجراء مناظرة في الغرض بعد 2012 بحوالي 6839 موظفا. كما تم بعد عام 2014 انتداب 2929 موظفا من عائلات شهداء الثورة وجرحاها بصفة عشوائية وفق ما تضمنته نفس الدراسة. إضافة إلى انتداب أعداد كبيرة من عمال المناولة والحضائر والآلية 16 بعد سنة 2012 بلغ عددهم حوالي 54 ألفا. كما كشفت بعض الجهات أن نحو 77 ألف انتداب في المؤسسات العمومية تم في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2015 لم يخضع أصحابها لأي مناظرة.

وكانت الولاءات الحزبية والمحسوبية هي المقياس الذي لعب دوره في عملية الغربلة في الانتدابات المذكورة. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل أن بعض هؤلاء المنتدبين عشوائيا تقلدوا مناصب إدارية عليا في الإدارة والتسيير وتحصلوا على ترقيات دون اعتبار أو خضوع للآليات المعتمدة في الوظيفة العمومية من تجربة وخبرة وأقدمية وغيرها. وهو ما يعتبره البعض سببا وجيها في تردي الخدمات وتراجع دورها ومردوديتها في العشرية الماضية.  ودعت رئاسة الحكومة سنة 2013 إلى تشكيل لجان بكل الوزارات مهمّتها إعادة بناء المسار المهني للعائدين لوظائفهم من المنتفعين بالعفو التشريعي العام في أجل أقصاه موفى شهر ديسمبر من نفس السنة.

وهو ما ساهم أيضا في إثقال ميزانية الدولة باعتبار أن هذه الانتدابات بالجملة كانت عشوائية ولم تراع حاجيات كل مؤسسة أو هيكل أو مؤسسة. ولكن سلطة الإشراف حينها لم تعط أهمية لصيحات الفزع التي أطلقها خبراء في المالية والاقتصاد حول التداعيات السلبية والخطيرة لإثقال كاهل الدولة بالانتدابات العشوائية خاصة أن ذلك جاء بعد ثورة قادها آلاف من الشباب من حاملي الشهائد العليا والعاطلين عن العمل.

لذلك تبدو مهمة الحشاني على غاية من الأهمية والدقة في نفس الوقت للقيام بمراجعات التعيينات والتسميات التي غيبت عامل الكفاءة والأهلية، خاصة أن الانتدابات "المشبوهة" والموجهة التي عرفتها بلادنا خلال العشرية الماضية شملت كل مؤسسات الدولة وبعض هؤلاء اليوم يضطلع بمهام متقدمة في الوزارات والإدارات ومؤسسات الدولة خاصة ممن انخرطوا في الولاءات للأحزاب والمكونة لمنظومة الحكم السابقة.

فمسألة التسلسل إلى الإدارة التونسية وفقا لمقياس الولاءات ليست خاصية منظومة ما بعد الثورة وحدها، بل هي ظاهرة متفشية ومتواصلة لدى فئة واسعة ممن خبروا  التمرغ والتخفي وراء "التلوينات" الحزبية والسياسية في مراحلها المختلفة، بهدف البحث عن التموقع والتموضع في دوائر الإدارة والقرار تحديدا بقطع النظر عن مقاييس الكفاءة والمسؤولية والنزاهة التي يعتبرها سعيد شروطا  ومعايير هامة في الاختيارات.

فوضع مرسوم يقنن عملية "تطهير" الإدارة ومراجعة التعيينات والتسميات في هذه المرحلة التي تعد اجتماعية بالأساس من شأنه أن يفتح المجال للتأويلات والقراءات مرة أخرى بما يجعل مسألة "الولاء" لمسار ما بعد 25 جويلية مقياسا للإصلاح والتطهير والمراجعة.

نزيهة الغضباني

 شدّد عليها سعيد في أكثر من مناسبة..   "تطهير الإدارة" ضمن أولويات مهمة الحشاني

 

تونس – الصباح

لئن شكل مطلب إصلاح الإدارة و"تعصيرها" الشغل الشاغل للتونسيين في السنوات الأخيرة بما يستجيب لتطوير خدماتها على اعتبار أن ذلك يعد آلية أساسية لتحقيق التنمية والتطور الاستثمار، فإن بوصلة سياسية الدولة اليوم موجه إلى "تطهير الإدارة" من مخلفات التعيينات التي تمت خلال العشرية الماضية وأصبح هؤلاء يشكلون اليوم عقبة أمام تطور الإدارة وسير عملها. وهذا ما أكده رئيس الجمهورية قيس سعيد في مناسبتين الأولى كانت في القصبة بمقر رئاسة الحكومة في بداية الشهر الجاري أثناء إشرافه على موكب تسلم أحمد الحشاني لمهامه رئيسا للحكومة خلفا لنجلاء بودن. لتكون المناسبة الثانية التي شدد فيها سعيد على "تطهير الإدارة" وطرح ذلك كضرورة وهدف ضمن أولويات مهمة الحشاني على رأس حكومته في لقائه به أول أمس بقرطاج، وذلك بتأكيده أيضا على ضرورة "إعداد مشروع أمر يتعلق بتطهير الإدارة من الذين تسللوا إليها بغير وجه حق منذ أكثر من عقد من الزمن وتحولوا إلى عقبات تعيق سير عمل الدولة".

ورغم إجماع عديد الجهات في سنوات ما قبل صعود سعيد إلى الرئاسة، على أن الإصلاح الإداري يعد من أوكد الأولويات، إلا أن الاختلاف حول الآليات والمعايير والبرامج التي تطارحها البعض من سياسيين وأحزاب وغيرهم ضمن المشاريع التي تقديمها للغرض، اصطدمت بعدة عراقيل ومطبات حالت دون فتح هذا الملف عمليا، ليضل مجرد مطلبا معلقا. وشكلت مسألة الانتدابات التي عرفتها أجهزة الدولة والمؤسسات العمومية في فترة ما بعد 2011 أحد النقاط السوداء في الإدارة التونسية لعدة اعتبارات.

فالتحول اليوم من الحديث عن إصلاح الإدارة وتطوير خدماتها على نحو تكون مواكبة لتطورات العصر التكنولوجية والرقمية وتكون آلية ناجعة وقاطرة لتحقيق التنمية والتشجيع على الاستثمار بالنسبة للتونسيين والأجانب على حد السواء، لينتقل إلى الحديث عن تطهير الإدارة من "ترسبات التعيينات بالجملة التي عرفتها الإدارة التونسية في مرحلة ما بعد 2011 على اعتبار أنها تعيينات لم تستجب للمعايير والنواميس القانونية المنظمة للعملية وإنما كانت خاضعة لآلية المحسوبية الحزبية والسياسية وغيرها من الطرق التي ساهمت في تسرب آلاف إلى الإدارة التونسية ممن لا تتوفر فيهم الشروط المطلوبة الأمر الذي دفع بعضهم إلى اعتماد طرق وآليات "ملتوية" لتقنين "توظيفه" وأبرزها اعتماد وتقديم شهائد ووثائق مدلسة. وما خلفته تلك الانتدابات من جدل وتباين في المواقف بين الاستنكار والرفض والترحيب والدفع لإيجاد مداخل قانونية لتكريس ذلك، وكان أبرزها صدور مرسوم العفو التشريعي العام الصادر في 19 فيفري 2011 في سياق الاستعداد لإجراء أول انتخابات تشريعية في تونس ما بعد الثورة وهو موجه بالأساس لفتح المجال لانتداب الأشخاص المحكوم عليهم قبل ثورة 14 جانفي 2011 خاصة أن بعض هؤلاء تم التسويق لهم على أن محاكماتهم كانت ذات طابع سياسي وإيديولوجي سواء كانوا في السجن أو في المنفى فضلا عن تمتع هؤلاء بطلب التعويض.

فتح ملف الانتدابات والتعيينات في مختلف مؤسسات وأجهزة الدولة خلال العشرية الماضية

وتجدر الإشارة إلى أنه وفق دراسة في الغرض أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية بلغ عدد المنتفعين بالعفو التشريعي العام الذين تم انتدابهم بالجملة في الوظيفة العمومية دون الخضوع لإجراء مناظرة في الغرض بعد 2012 بحوالي 6839 موظفا. كما تم بعد عام 2014 انتداب 2929 موظفا من عائلات شهداء الثورة وجرحاها بصفة عشوائية وفق ما تضمنته نفس الدراسة. إضافة إلى انتداب أعداد كبيرة من عمال المناولة والحضائر والآلية 16 بعد سنة 2012 بلغ عددهم حوالي 54 ألفا. كما كشفت بعض الجهات أن نحو 77 ألف انتداب في المؤسسات العمومية تم في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2015 لم يخضع أصحابها لأي مناظرة.

وكانت الولاءات الحزبية والمحسوبية هي المقياس الذي لعب دوره في عملية الغربلة في الانتدابات المذكورة. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل أن بعض هؤلاء المنتدبين عشوائيا تقلدوا مناصب إدارية عليا في الإدارة والتسيير وتحصلوا على ترقيات دون اعتبار أو خضوع للآليات المعتمدة في الوظيفة العمومية من تجربة وخبرة وأقدمية وغيرها. وهو ما يعتبره البعض سببا وجيها في تردي الخدمات وتراجع دورها ومردوديتها في العشرية الماضية.  ودعت رئاسة الحكومة سنة 2013 إلى تشكيل لجان بكل الوزارات مهمّتها إعادة بناء المسار المهني للعائدين لوظائفهم من المنتفعين بالعفو التشريعي العام في أجل أقصاه موفى شهر ديسمبر من نفس السنة.

وهو ما ساهم أيضا في إثقال ميزانية الدولة باعتبار أن هذه الانتدابات بالجملة كانت عشوائية ولم تراع حاجيات كل مؤسسة أو هيكل أو مؤسسة. ولكن سلطة الإشراف حينها لم تعط أهمية لصيحات الفزع التي أطلقها خبراء في المالية والاقتصاد حول التداعيات السلبية والخطيرة لإثقال كاهل الدولة بالانتدابات العشوائية خاصة أن ذلك جاء بعد ثورة قادها آلاف من الشباب من حاملي الشهائد العليا والعاطلين عن العمل.

لذلك تبدو مهمة الحشاني على غاية من الأهمية والدقة في نفس الوقت للقيام بمراجعات التعيينات والتسميات التي غيبت عامل الكفاءة والأهلية، خاصة أن الانتدابات "المشبوهة" والموجهة التي عرفتها بلادنا خلال العشرية الماضية شملت كل مؤسسات الدولة وبعض هؤلاء اليوم يضطلع بمهام متقدمة في الوزارات والإدارات ومؤسسات الدولة خاصة ممن انخرطوا في الولاءات للأحزاب والمكونة لمنظومة الحكم السابقة.

فمسألة التسلسل إلى الإدارة التونسية وفقا لمقياس الولاءات ليست خاصية منظومة ما بعد الثورة وحدها، بل هي ظاهرة متفشية ومتواصلة لدى فئة واسعة ممن خبروا  التمرغ والتخفي وراء "التلوينات" الحزبية والسياسية في مراحلها المختلفة، بهدف البحث عن التموقع والتموضع في دوائر الإدارة والقرار تحديدا بقطع النظر عن مقاييس الكفاءة والمسؤولية والنزاهة التي يعتبرها سعيد شروطا  ومعايير هامة في الاختيارات.

فوضع مرسوم يقنن عملية "تطهير" الإدارة ومراجعة التعيينات والتسميات في هذه المرحلة التي تعد اجتماعية بالأساس من شأنه أن يفتح المجال للتأويلات والقراءات مرة أخرى بما يجعل مسألة "الولاء" لمسار ما بعد 25 جويلية مقياسا للإصلاح والتطهير والمراجعة.

نزيهة الغضباني

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews