إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

البعض اعتبرها مجرد شعارات.. مكافحة الفساد تواجه صعوبات.. فهل ينجح الحشاني في فتح الملفات؟

 

تونس-الصباح

يظل فتح ملفات الفساد عمليا وبجدية وإعادة النظر في الملفات التي طرحت في السنوات الماضية في نفس الإطار من بين الملفات الكبرى المطروحة أمام رئيس الحكومة أحمد الحشاني موازاة مع المهام الكبرى الأخرى لحكومته، باعتبار أن "محاربة الفساد والقضاء عليه واجتثاث منابعه" كان عنوانا كبيرا للحملة الانتخابية في الانتخابات الرئاسية لقيس سعيد في مرحلة أولى، وأحد الخطوط الكبرى لمهام وعمل حكومة رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن في ما تم الاتفاق على تنفيذه مع رئيس الجمهورية منذ مباشرة مهامها في أكتوبر 2021 في مرحلة ثانية.

وشكل هذا "الشعار" محور جدل ونقد واسعين في عدة أوساط في تونس، خاصة أمام تمسك وإصرار رئيس الجمهورية بهذه المسألة وخوضه فيها في كل المناسبات تقريبا من ناحية، والتلكؤ والتباطؤ المسجل في التعاطي معها في الجانب المقابل، نظرا للوضعية "المعقدة" والمتشابكة لهذا الملف الذي تتداخل فيه عدة مؤسسات وهياكل وأطراف معنية بمتابعته من ناحية، ثم إن شعار "محاربة الفساد" شكل عنوانا لمرحلة حكومة يوسف الشاهد، وهي الفترة التي تواصلت من سبتمبر 2016 إلى فيفري 2020، وتؤكد عديد الجهات على أنها تعد من أكثر الفترات التي سجلت عددا كبيرا من التجاوزات والفساد خلال العشرية الماضية بعضها مطروح أمام القضاء فيما ظلت محاربة الفساد والقضاء عليه مجرد شعار يرفع للدعاية السياسية ولتلهية الرأي العام لا غير.

وقد أثر التجاذب المسجل والمعركة القائمة، على سياسة الدولة في التعاطي مع قضايا الفساد المطروحة للتقاضي والحسم على مستويين وطني ودولي. الأمر الذي كلف الجهات التونسية خسارة بعض القضايا بسبب البطء في الإجراءات والتراخي فيها لعدة أسباب.

كما تؤكد عديد الجهات على التأثير السلبي لعدم انخراط الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على النحو المطلوب في فتح ملفات الفساد والتعاطي معها بجدية بما يحقق هامشا من الثقة بين السلطات التونسية والمستثمر التونسي أو الأجنبي ويعيد الاعتبار للمؤسسة والدولة والمواطن التونسي وطنيا ودوليا.

فبعد قرار رئيس الجمهورية إقالة شوقي الطبيب في أوت 2020 من رئاسة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ثم إقالة خلفه عماد بوخريص بعد عشرة أشهر من مباشرة مهامه على رأس نفس الخطة في جوان 2021 وإنهاء مهام الكاتب العام لنفس الهيئة بعد شهرين من ذاك التاريخ، لم يعد لهذه الهيئة دور في القيام بالمهام التي عهدت لها. في المقابل تواصل الشد والجذب بين سلطة الإشراف من ناحية وشق من القضاة من ناحية أخرى في "معركة" تؤكد عديد الجهات على أنها سياسية بامتياز، باعتبار أن السلك القضائي هو عنوان أساسي لآلية مكافحة الفساد.

فرغم إصدار المرسوم 14 في مارس 2022 المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة والاحتكار، لم يتسن للجهات الرسمية القضاء على الاحتكار والتلاعب بمواد الاستهلاك الأساسية والحد من ظاهرة التهريب، رغم تأكيد عديد الجهات على أن الاحتكار يرتقى إلى مستوى الجريمة في حق البلاد والمواطن تستوجب عقوبات ردعية. إضافة إلى اتخاذ الجهات الرسمية جملة من الإجراءات بهدف الحد من الفساد إلا أن الأمر لم يحقق النتائج المرجوة في التعاطي مع مكافحة الفساد. وظل الشعار يراوح مكانه لعدة أسباب منها عدم القيام بالإصلاحات المطلوبة ومراجعة التشريعات والقوانين والإجراءات الإدارية والمالية والقضائية وغيرها في التعاطي مع مثل هذه المسائل، إضافة إلى عدم تحلي الجهات الرسمية بالنزعة "البراغماتية" في سياستها خلال السنوات الماضية.

وهو ما يمكن أن يجعل مهمة الحشاني في المرحلة القادمة في التعاطي مع ملف الفساد أكثر نجاعة وبراغماتية خاصة بعد مباشرة البرلمان لمهامه التشريعية. فتأكيد عديد النواب أنهم لم يصلهم بعد إلى حد دخول مجلس نواب الشعب في عطلته السنوية، أي مشروع قانون من قبل الوزارات أو الجهات المعنية لاسيما منها المبادرات التشريعية التي لطالما طالب بها البعض واعتبروها ضرورية لتيسير بعض المهام والخدمات لاسيما منها الخدمات الإدارية والقضائية والمالية، يدفع رئيس الحكومة الجديد لإيلاء هذه المسألة الأهمية الأكبر بما يدفع للتدارك والمضي قدما في مسار مكافحة الفساد موازاة مع الصلح الجزائي المطروح رغم تأخر إنجازه.

وقد شكل فتح بعض ملفات الفساد الكبرى في المدة الأخيرة مؤشرا لتعافي بعض أجهزة الدولة وآليات عملها على خطى المحاسبة ومكافحة الفساد. فبعد أن تم في شهر مارس الماضي إعفاء الرئيس المدير العام للبنك الوطني الفلاحي منذر الأكحل من مهامه، وتم التداول في هذه الإقالة على أنها تأتي على خلفية تقديم بنك عمومي لقروض منحت لرجال أعمال وفق الصيغ غير القانونية، كان لتداول خبر إيقاف المدير السابق لبنك الإسكان وبعض رجال الأعمال بعد رفع محكمة المحاسبات لملفات تؤكد وجود شبهات تجاوز وفساد، اتجهت الأنظار إلى مزيد من الحسم في هذا الملف الذي ظل الشغل الشاغل للتونسيين وشعار كل المراحل السياسية تقريبا لكن دون نتائج تذكر.

ويعتبر البعض أن فتح مثل هذه الملفات في هذه المرحلة التي تستعد فيها بلادنا للدخول في تنفيذ برامج ومشاريع تعاون شراكات دولية واسعة، يعد بمثابة رسالة واضحة للأجانب والتونسيين على حد السواء على تعافي مناخ "العدل" بما يشجع على العمل والاستثمار على نحو غير مسبوق، خاصة أن سعيد أكد خلال تنصيبه للحشاني على أن ضرورة تحقيق العدل المنشود والكرامة الوطنية.

نزيهة الغضباني

البعض اعتبرها مجرد شعارات..   مكافحة الفساد تواجه صعوبات.. فهل ينجح الحشاني في فتح الملفات؟

 

تونس-الصباح

يظل فتح ملفات الفساد عمليا وبجدية وإعادة النظر في الملفات التي طرحت في السنوات الماضية في نفس الإطار من بين الملفات الكبرى المطروحة أمام رئيس الحكومة أحمد الحشاني موازاة مع المهام الكبرى الأخرى لحكومته، باعتبار أن "محاربة الفساد والقضاء عليه واجتثاث منابعه" كان عنوانا كبيرا للحملة الانتخابية في الانتخابات الرئاسية لقيس سعيد في مرحلة أولى، وأحد الخطوط الكبرى لمهام وعمل حكومة رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن في ما تم الاتفاق على تنفيذه مع رئيس الجمهورية منذ مباشرة مهامها في أكتوبر 2021 في مرحلة ثانية.

وشكل هذا "الشعار" محور جدل ونقد واسعين في عدة أوساط في تونس، خاصة أمام تمسك وإصرار رئيس الجمهورية بهذه المسألة وخوضه فيها في كل المناسبات تقريبا من ناحية، والتلكؤ والتباطؤ المسجل في التعاطي معها في الجانب المقابل، نظرا للوضعية "المعقدة" والمتشابكة لهذا الملف الذي تتداخل فيه عدة مؤسسات وهياكل وأطراف معنية بمتابعته من ناحية، ثم إن شعار "محاربة الفساد" شكل عنوانا لمرحلة حكومة يوسف الشاهد، وهي الفترة التي تواصلت من سبتمبر 2016 إلى فيفري 2020، وتؤكد عديد الجهات على أنها تعد من أكثر الفترات التي سجلت عددا كبيرا من التجاوزات والفساد خلال العشرية الماضية بعضها مطروح أمام القضاء فيما ظلت محاربة الفساد والقضاء عليه مجرد شعار يرفع للدعاية السياسية ولتلهية الرأي العام لا غير.

وقد أثر التجاذب المسجل والمعركة القائمة، على سياسة الدولة في التعاطي مع قضايا الفساد المطروحة للتقاضي والحسم على مستويين وطني ودولي. الأمر الذي كلف الجهات التونسية خسارة بعض القضايا بسبب البطء في الإجراءات والتراخي فيها لعدة أسباب.

كما تؤكد عديد الجهات على التأثير السلبي لعدم انخراط الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على النحو المطلوب في فتح ملفات الفساد والتعاطي معها بجدية بما يحقق هامشا من الثقة بين السلطات التونسية والمستثمر التونسي أو الأجنبي ويعيد الاعتبار للمؤسسة والدولة والمواطن التونسي وطنيا ودوليا.

فبعد قرار رئيس الجمهورية إقالة شوقي الطبيب في أوت 2020 من رئاسة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ثم إقالة خلفه عماد بوخريص بعد عشرة أشهر من مباشرة مهامه على رأس نفس الخطة في جوان 2021 وإنهاء مهام الكاتب العام لنفس الهيئة بعد شهرين من ذاك التاريخ، لم يعد لهذه الهيئة دور في القيام بالمهام التي عهدت لها. في المقابل تواصل الشد والجذب بين سلطة الإشراف من ناحية وشق من القضاة من ناحية أخرى في "معركة" تؤكد عديد الجهات على أنها سياسية بامتياز، باعتبار أن السلك القضائي هو عنوان أساسي لآلية مكافحة الفساد.

فرغم إصدار المرسوم 14 في مارس 2022 المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة والاحتكار، لم يتسن للجهات الرسمية القضاء على الاحتكار والتلاعب بمواد الاستهلاك الأساسية والحد من ظاهرة التهريب، رغم تأكيد عديد الجهات على أن الاحتكار يرتقى إلى مستوى الجريمة في حق البلاد والمواطن تستوجب عقوبات ردعية. إضافة إلى اتخاذ الجهات الرسمية جملة من الإجراءات بهدف الحد من الفساد إلا أن الأمر لم يحقق النتائج المرجوة في التعاطي مع مكافحة الفساد. وظل الشعار يراوح مكانه لعدة أسباب منها عدم القيام بالإصلاحات المطلوبة ومراجعة التشريعات والقوانين والإجراءات الإدارية والمالية والقضائية وغيرها في التعاطي مع مثل هذه المسائل، إضافة إلى عدم تحلي الجهات الرسمية بالنزعة "البراغماتية" في سياستها خلال السنوات الماضية.

وهو ما يمكن أن يجعل مهمة الحشاني في المرحلة القادمة في التعاطي مع ملف الفساد أكثر نجاعة وبراغماتية خاصة بعد مباشرة البرلمان لمهامه التشريعية. فتأكيد عديد النواب أنهم لم يصلهم بعد إلى حد دخول مجلس نواب الشعب في عطلته السنوية، أي مشروع قانون من قبل الوزارات أو الجهات المعنية لاسيما منها المبادرات التشريعية التي لطالما طالب بها البعض واعتبروها ضرورية لتيسير بعض المهام والخدمات لاسيما منها الخدمات الإدارية والقضائية والمالية، يدفع رئيس الحكومة الجديد لإيلاء هذه المسألة الأهمية الأكبر بما يدفع للتدارك والمضي قدما في مسار مكافحة الفساد موازاة مع الصلح الجزائي المطروح رغم تأخر إنجازه.

وقد شكل فتح بعض ملفات الفساد الكبرى في المدة الأخيرة مؤشرا لتعافي بعض أجهزة الدولة وآليات عملها على خطى المحاسبة ومكافحة الفساد. فبعد أن تم في شهر مارس الماضي إعفاء الرئيس المدير العام للبنك الوطني الفلاحي منذر الأكحل من مهامه، وتم التداول في هذه الإقالة على أنها تأتي على خلفية تقديم بنك عمومي لقروض منحت لرجال أعمال وفق الصيغ غير القانونية، كان لتداول خبر إيقاف المدير السابق لبنك الإسكان وبعض رجال الأعمال بعد رفع محكمة المحاسبات لملفات تؤكد وجود شبهات تجاوز وفساد، اتجهت الأنظار إلى مزيد من الحسم في هذا الملف الذي ظل الشغل الشاغل للتونسيين وشعار كل المراحل السياسية تقريبا لكن دون نتائج تذكر.

ويعتبر البعض أن فتح مثل هذه الملفات في هذه المرحلة التي تستعد فيها بلادنا للدخول في تنفيذ برامج ومشاريع تعاون شراكات دولية واسعة، يعد بمثابة رسالة واضحة للأجانب والتونسيين على حد السواء على تعافي مناخ "العدل" بما يشجع على العمل والاستثمار على نحو غير مسبوق، خاصة أن سعيد أكد خلال تنصيبه للحشاني على أن ضرورة تحقيق العدل المنشود والكرامة الوطنية.

نزيهة الغضباني