إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

11 رئيس حكومة منذ 2011 .. غياب البرامج سبب الفشل.. فهل يقطع الحشاني مع سياسة سابقيه؟

 

 

- كسب التحدي لا يكون عبر الاكتفاء بمسايرة الموجود وإنما عبر وضع برنامج مدروس واضح المعالم

تونس – الصباح

سجلت تونس منذ سقوط نظام الراحل زين العابدين بن علي في جانفي 2011 إلى حد اليوم تعاقب إحدى عشرة رئيسا للحكومة باحتساب رئيس الحكومة الحالي أحمد الحشاني، الذي عينه رئيس الجمهورية قيس سعيد مساء الثلاثاء الماضي. وهو رئيس الحكومة الرابع منذ تولي سعيد رئاسة الجمهورية إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية أكتوبر 2019. ورغم اختلاف المراحل والسياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدستورية لكل تعيين، فإن القاسم المشترك بينهم جميعا تقريبا هو أن الاختيار والتعيين لم يكن وفقا لبرامج واضحة المعالم وإنما وصل أغلبهم إلى "القصبة" في سياقات سياسة أو أملته ظروف معينة. الأمر الذي يجعل سياستهم أو مهامهم تكون في مجملها أقرب مجاراة نسق ما هو موجود، وفق منطق "أخذ القطار وهو يسير".

لتسقط بذلك أغلب الحكومات ووزرائها في التعاطي مع الوضع حسب مستجدات وأحداث اليومي على نحو انحصرت أدوارهم في أشبه ما يكون بمحاولات "إطفاء" و"تسكين" و"لملمة" لما هو موجود في ظل غياب الإستراتيجيات والبرامج المسطرة، إضافة إلى سيطرة المحاصصات والمحسوبية في التعيينات والتسميات مقابل تغييب الكفاءات. وهو من العوامل التي صعبت مهمة أغلب رؤساء الحكومات المتعاقبة لاسيما منهم رؤساء الحكومات.

فبالعودة إلى رؤساء حكومات ما بعد الثورة بدءا بمحمد الغنوشي مرورا بالراحل الباجي قايد السبسي وحمادي الجبالي وعلي العريض فمهدي جمعة كانت في سياق مرحلة انتقالية من مرحلة سياسية إلى أخرى. والأمر نفسه تقريبا بالنسبة لحكومات ما بعد انتخابات 2014 أي حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد رغم أن هذا الثنائي توليا مهمة رئاسة الحكومة طبقا لدستور جديد وهو دستور 2014 وبعد فوز حزبهما نداء تونس بالأغلبية في البرلمان فضلا عن انتخاب السبسي رئيس الحزب في الانتخابات الرئاسية. ولكن اختار هؤلاء مواصلة نفس المنهج في الحكم بعد الدخول في وفاق وتوافق بين "النداء" و"النهضة" التي كانت تمسك بزمام الحكم في مرحلة ما بعد 2011. ليلقي منطق المحاصصة والمحسوبية الحزبية بظلاله على أجواء الحكم والقرار في القصبة لاسيما في ظل نظام حكم برلماني شبه مختلط.

وهو ما جعل أغلب المتابعين للشأنين السياسي والعام في تونس يؤكدون أنه لم تعد لمطالب واستحقاقات الثورة أي مجال للتحقق بعد تنكر الطبقة السياسية لها، باعتبار أن الجدل والصراع والتنافس على "القصبة" وفي بقية دوائر الحكم والقرار في تلك المراحل لم يكن محورها البرامج والمشاريع الإصلاحية لفائدة الدولة والمجتمع وإنما كانت كلها تدور حول "رحى" التموقع والفوز بمناصب في الدولة والإدارة ومواقع القرار والمؤسسات وفق منطق الغنيمة المتحكم في مسار الحكم.

وهو ما دفع المواطنين لتغيير قواعد اللعبة وإعادة توزيع أوراق اللعبة السياسية في انتخابات 2019 الرئاسية والتشريعية، عبر انتخاب أسماء وأحزاب وسياسيين جلهم من خارج الدوائر السياسية التي كانت مسيطرة في قصور قرطاج والقصبة وباردو، وليكون حسم الشارع التونسي في طي صفحة هذه الطبقة السياسية بعد حوالي عامين من نفس الانتخابات بعد الخروج في يوم غضب ضد منظومة الحكم في كامل جهات الجمهورية يوم 25 جيويلية 2021، سريعا ما التقط سعيد اللحظة وحولها لفائدة مشروعه الذي يتقاطع فيه مع شريحة واسعة من الشارع التونسي ممن فقدت ثقتها في الطبقة السياسية والأحزاب.

فبعد فشل حكومة الحبيب الجمني "النهضوية" في نيل ثقة مجلس نواب الشعب بعد انتخابات 2019 اختار سعيد تكليف إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، ورغم استحسان البعض لهذه الحكومة واستشرافها لقدراتها على إصلاح ما أفسدته الحكومات السابقة خاصة أمام البرنامج الذي قدمه وعبر عن التزامه وحكومته بتنفيذه، رغم سيطرة التجاذب والصراع في الأوساط السياسية حولها خاصة في ظل التقارب بين سعيد والفخفاخ من ناحية والتفاوت في الصلاحيات بين رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان ومحدودية صلاحيات ساكن قرطاج مقارنة بالبقية، إلى أن هذه الحكومة لم تعمر طويلا إذ قدم الفخفاخ استقالة حكومته بعد رفع قضية ضده على اعتبار التضارب في المصالح، ليفتح المجال لوزير داخلية نفس الحكومة وهو هشام مشيشي كرئيس للحكومة. فلم يقدم بدوره برنامجا بل اختار مجاراة ما هو موجود والانحياز إلى أحزاب حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة باعتبارها أحزابا تشكل الحزام السياسي لحكومته، ليحتدم الصراع طيلة فترة حكمه، على الصلاحيات بين سعيد من ناحية ومشيشي والغنوشي رئيس البرلمان من ناحية أخرى.

فلم يعد الحديث عن البرامج والمشاريع والإنجازات والإصلاحات وما هو مطلوب طيلة تلك المراحل السابقة بل كان الاهتمام بالمشاغل اليومية والمستجدات من أحداث وتطورات في وضع كانت التحركات الاحتجاجية والمطلبية القطاعية والاغتيالات والاعتداءات الإرهابية العناوين الكبرى التي تميزه. وسقط أغلب رؤساء الحكومات، دون خيار منهم في التعاطي مع هذه المستجدات، دون تغييب دور الاتحاد العام التونسي للشغل وغيره من المنظمات الوطنية في هذه المرحلة. رغم أن أغلب رؤساء الحكومات الذين كانوا في فترة سيطرة حركة النهضة على منظومة الحكم، اختاروا المحافظة على مواقعهم دون إرادة أو توجه للتغيير أو وتقديم برامج. فواصلوا مهامهم وسط انتقادات واسعة.

الحشاني والتحدي المطروح

لذلك تبدو مهمة رئيس الحكومة الحالي ليست بالهينة إذا ما أراد القطع مع سياسة سابقيه واختار خطا ومنهجا سياسيا مختلفا عن سابقيه، خاصة أنه رئيس الجمهورية أكد أثناء أداء الحشاني لليمين على أن أمام سلطة الإشراف تحديات كبرى. فظروف مباشرة هذا الأخير لمهامه على رأس الحكومة تختلف عما كان عليه الأمر بالنسبة لسابقته نجلاء بودن التي جاءت في ظروف استثنائية في جميع المستويات كانت أشبه بتأسيس لمرحلة ومنظومة ودستور تمهيدا للجمهورية الجديدة. فيما يباشر الحشاني مهامه بعد أن اتضحت معالم منظومة الحكم والسياسية في تونس بمباشرة برلمان جديد لمهامه أغلب أعضائه غير متحزبين، والانطلاق عمليا في فتح ملف مشاريع القوانين والتشريعات في سياق الإصلاحات المنتظرة تناغما مع "أدبيات" المرحلة دستوريا وسياسيا واجتماعيا.

فمهام رئيس الحكومة الحالي ووفق ما ينص عليه الفصل 111 من الدستور الجديد، تكون بالتعاون مع رئيس الجمهورية إذ "تسهر الحكومة على تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية".

وكسب التحدي لا يكون عبر الاكتفاء بمسايرة الموجود، الذي كان السمة المميزة للحكومات السابقة وإنما عبر وضع برنامج مدروس واضح المعالم والأهداف بين القصيرة المدى والعاجلة وأخرى آجلة وطويلة المدى والالتزام بتنفيذها في آجالها. لأن الوقت والاستحقاقات المطروحة لم تعد تنتظر التأجيل والتلكؤ وتواصل سياسة اللامبالاة والاكتفاء بتسجيل الحضور وربح المزيد من الوقت في المناصب الذي يعتمده البعض بل يتطلب مضاعفة المجهود والتجند للعمل وإنجاح المرحلة والدولة كأولوية ومسؤولية وطنية لا غير.

نزيهة الغضباني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 11 رئيس حكومة منذ 2011 ..  غياب البرامج سبب الفشل.. فهل يقطع الحشاني مع سياسة سابقيه؟

 

 

- كسب التحدي لا يكون عبر الاكتفاء بمسايرة الموجود وإنما عبر وضع برنامج مدروس واضح المعالم

تونس – الصباح

سجلت تونس منذ سقوط نظام الراحل زين العابدين بن علي في جانفي 2011 إلى حد اليوم تعاقب إحدى عشرة رئيسا للحكومة باحتساب رئيس الحكومة الحالي أحمد الحشاني، الذي عينه رئيس الجمهورية قيس سعيد مساء الثلاثاء الماضي. وهو رئيس الحكومة الرابع منذ تولي سعيد رئاسة الجمهورية إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية أكتوبر 2019. ورغم اختلاف المراحل والسياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدستورية لكل تعيين، فإن القاسم المشترك بينهم جميعا تقريبا هو أن الاختيار والتعيين لم يكن وفقا لبرامج واضحة المعالم وإنما وصل أغلبهم إلى "القصبة" في سياقات سياسة أو أملته ظروف معينة. الأمر الذي يجعل سياستهم أو مهامهم تكون في مجملها أقرب مجاراة نسق ما هو موجود، وفق منطق "أخذ القطار وهو يسير".

لتسقط بذلك أغلب الحكومات ووزرائها في التعاطي مع الوضع حسب مستجدات وأحداث اليومي على نحو انحصرت أدوارهم في أشبه ما يكون بمحاولات "إطفاء" و"تسكين" و"لملمة" لما هو موجود في ظل غياب الإستراتيجيات والبرامج المسطرة، إضافة إلى سيطرة المحاصصات والمحسوبية في التعيينات والتسميات مقابل تغييب الكفاءات. وهو من العوامل التي صعبت مهمة أغلب رؤساء الحكومات المتعاقبة لاسيما منهم رؤساء الحكومات.

فبالعودة إلى رؤساء حكومات ما بعد الثورة بدءا بمحمد الغنوشي مرورا بالراحل الباجي قايد السبسي وحمادي الجبالي وعلي العريض فمهدي جمعة كانت في سياق مرحلة انتقالية من مرحلة سياسية إلى أخرى. والأمر نفسه تقريبا بالنسبة لحكومات ما بعد انتخابات 2014 أي حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد رغم أن هذا الثنائي توليا مهمة رئاسة الحكومة طبقا لدستور جديد وهو دستور 2014 وبعد فوز حزبهما نداء تونس بالأغلبية في البرلمان فضلا عن انتخاب السبسي رئيس الحزب في الانتخابات الرئاسية. ولكن اختار هؤلاء مواصلة نفس المنهج في الحكم بعد الدخول في وفاق وتوافق بين "النداء" و"النهضة" التي كانت تمسك بزمام الحكم في مرحلة ما بعد 2011. ليلقي منطق المحاصصة والمحسوبية الحزبية بظلاله على أجواء الحكم والقرار في القصبة لاسيما في ظل نظام حكم برلماني شبه مختلط.

وهو ما جعل أغلب المتابعين للشأنين السياسي والعام في تونس يؤكدون أنه لم تعد لمطالب واستحقاقات الثورة أي مجال للتحقق بعد تنكر الطبقة السياسية لها، باعتبار أن الجدل والصراع والتنافس على "القصبة" وفي بقية دوائر الحكم والقرار في تلك المراحل لم يكن محورها البرامج والمشاريع الإصلاحية لفائدة الدولة والمجتمع وإنما كانت كلها تدور حول "رحى" التموقع والفوز بمناصب في الدولة والإدارة ومواقع القرار والمؤسسات وفق منطق الغنيمة المتحكم في مسار الحكم.

وهو ما دفع المواطنين لتغيير قواعد اللعبة وإعادة توزيع أوراق اللعبة السياسية في انتخابات 2019 الرئاسية والتشريعية، عبر انتخاب أسماء وأحزاب وسياسيين جلهم من خارج الدوائر السياسية التي كانت مسيطرة في قصور قرطاج والقصبة وباردو، وليكون حسم الشارع التونسي في طي صفحة هذه الطبقة السياسية بعد حوالي عامين من نفس الانتخابات بعد الخروج في يوم غضب ضد منظومة الحكم في كامل جهات الجمهورية يوم 25 جيويلية 2021، سريعا ما التقط سعيد اللحظة وحولها لفائدة مشروعه الذي يتقاطع فيه مع شريحة واسعة من الشارع التونسي ممن فقدت ثقتها في الطبقة السياسية والأحزاب.

فبعد فشل حكومة الحبيب الجمني "النهضوية" في نيل ثقة مجلس نواب الشعب بعد انتخابات 2019 اختار سعيد تكليف إلياس الفخفاخ رئيسا للحكومة، ورغم استحسان البعض لهذه الحكومة واستشرافها لقدراتها على إصلاح ما أفسدته الحكومات السابقة خاصة أمام البرنامج الذي قدمه وعبر عن التزامه وحكومته بتنفيذه، رغم سيطرة التجاذب والصراع في الأوساط السياسية حولها خاصة في ظل التقارب بين سعيد والفخفاخ من ناحية والتفاوت في الصلاحيات بين رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان ومحدودية صلاحيات ساكن قرطاج مقارنة بالبقية، إلى أن هذه الحكومة لم تعمر طويلا إذ قدم الفخفاخ استقالة حكومته بعد رفع قضية ضده على اعتبار التضارب في المصالح، ليفتح المجال لوزير داخلية نفس الحكومة وهو هشام مشيشي كرئيس للحكومة. فلم يقدم بدوره برنامجا بل اختار مجاراة ما هو موجود والانحياز إلى أحزاب حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة باعتبارها أحزابا تشكل الحزام السياسي لحكومته، ليحتدم الصراع طيلة فترة حكمه، على الصلاحيات بين سعيد من ناحية ومشيشي والغنوشي رئيس البرلمان من ناحية أخرى.

فلم يعد الحديث عن البرامج والمشاريع والإنجازات والإصلاحات وما هو مطلوب طيلة تلك المراحل السابقة بل كان الاهتمام بالمشاغل اليومية والمستجدات من أحداث وتطورات في وضع كانت التحركات الاحتجاجية والمطلبية القطاعية والاغتيالات والاعتداءات الإرهابية العناوين الكبرى التي تميزه. وسقط أغلب رؤساء الحكومات، دون خيار منهم في التعاطي مع هذه المستجدات، دون تغييب دور الاتحاد العام التونسي للشغل وغيره من المنظمات الوطنية في هذه المرحلة. رغم أن أغلب رؤساء الحكومات الذين كانوا في فترة سيطرة حركة النهضة على منظومة الحكم، اختاروا المحافظة على مواقعهم دون إرادة أو توجه للتغيير أو وتقديم برامج. فواصلوا مهامهم وسط انتقادات واسعة.

الحشاني والتحدي المطروح

لذلك تبدو مهمة رئيس الحكومة الحالي ليست بالهينة إذا ما أراد القطع مع سياسة سابقيه واختار خطا ومنهجا سياسيا مختلفا عن سابقيه، خاصة أنه رئيس الجمهورية أكد أثناء أداء الحشاني لليمين على أن أمام سلطة الإشراف تحديات كبرى. فظروف مباشرة هذا الأخير لمهامه على رأس الحكومة تختلف عما كان عليه الأمر بالنسبة لسابقته نجلاء بودن التي جاءت في ظروف استثنائية في جميع المستويات كانت أشبه بتأسيس لمرحلة ومنظومة ودستور تمهيدا للجمهورية الجديدة. فيما يباشر الحشاني مهامه بعد أن اتضحت معالم منظومة الحكم والسياسية في تونس بمباشرة برلمان جديد لمهامه أغلب أعضائه غير متحزبين، والانطلاق عمليا في فتح ملف مشاريع القوانين والتشريعات في سياق الإصلاحات المنتظرة تناغما مع "أدبيات" المرحلة دستوريا وسياسيا واجتماعيا.

فمهام رئيس الحكومة الحالي ووفق ما ينص عليه الفصل 111 من الدستور الجديد، تكون بالتعاون مع رئيس الجمهورية إذ "تسهر الحكومة على تنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية".

وكسب التحدي لا يكون عبر الاكتفاء بمسايرة الموجود، الذي كان السمة المميزة للحكومات السابقة وإنما عبر وضع برنامج مدروس واضح المعالم والأهداف بين القصيرة المدى والعاجلة وأخرى آجلة وطويلة المدى والالتزام بتنفيذها في آجالها. لأن الوقت والاستحقاقات المطروحة لم تعد تنتظر التأجيل والتلكؤ وتواصل سياسة اللامبالاة والاكتفاء بتسجيل الحضور وربح المزيد من الوقت في المناصب الذي يعتمده البعض بل يتطلب مضاعفة المجهود والتجند للعمل وإنجاح المرحلة والدولة كأولوية ومسؤولية وطنية لا غير.

نزيهة الغضباني