إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

خبير ومستشار وزاري سابق في الطاقة لـ"الصباح": الانتقال الطاقي ضرورة حياتية للبلاد.. ومسار إجباري للتخفيف من التبعية

 

 

"الحديث عن الطاقة الشمسية والانتقال الطاقي بالشكل الحالي فلكلوري، لا يمكن أن نحقق به شيئا.."

"تونس قادرة على قلب المعادلات الطاقية في سنوات قليلة "

تونس-الصباح

موجة الحر الأخيرة التي عاشتها تونس على امتداد شهر جويلية، وما تبعها من انقطاعات للكهرباء وتدن واضح في مستوى التزود أو ما يعرف تقنيا بتدني الجهد الكهربائي، جعل جزءا من التونسيين والتونسيات يعايشون ساعات الحرة قسريا دون مكيفات أو أي جهاز تبريد. وبررت آنذاك الشركة التونسية للكهرباء والغاز، التذبذب الحاصل بحجم الاستغلال غير المسبوق والاستثناء الحراري الذي تعيشه البلاد. ومن بين الحلول التي تم تناقلها وتبنيها من قبل عدد كبير من التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي هو التوجه الى استعمال مكيفات تشتغل بالطاقة الشمسية، وتسريع شركة الكهرباء والغاز في تطبيق وتنفيذ برنامج الانتقال الطاقي، فتونس دولة مشمسة على امتداد كامل أيام السنة تقريبا.

ورأت مختلف التحاليل أن هذا التوجه من شانه في نفس الوقت التخفيف من ثقل فاتورة استهلاك "الطاقة" لدى المستهلك والدولة على حد السواء.

فأين نحن اليوم من برنامج الانتقال الطاقي؟ وهل هو حل استعجالي للبلاد؟ وما مدى انخراط الحكومة والدولة في هذا الخيار الاستراتيجي؟ وما مدى صحة توجهنا نحو الشمس كمصدر طاقي بديل؟ وهل أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز هي الإطار الوحيد لتحقيق هذا الانتقال؟

وفي حواره مع "الصباح" اعتبر حامد الماطري خبير طاقي ومستشار سابق في وزارة الطاقة والمناجم، أن تونس على غرار بقية دول العالم تعتمد على "مزيج طاقي" لا تمثل الطاقة المتجددة إلا 1% منه، ويتم استعماله في إنتاج الكهرباء وكبنزين للسيارات وغيرها..

وأفاد بأن التوجه نحو الانتقال الطاقي فضلا عن أن له تبعات بيئية خارقة للعادة ويتنزل في إطار إنقاذ العالم من الانحباس الحراري ونسب التلوث العالية، جاء في غالبيته أيضا في إطار التخفيف لدى الدول من التبعية الطاقية، فمثلا ألمانيا تريد التقليص من تبعيتها للغاز الروسي وهي اليوم من ابرز التجارب الدولية العالم في مجال الطاقة المتجددة وصلت لحدود 30% من مزيجها الطاقي.

وبين الماطري أن تونس بدورها تريد الذهاب نحو الانتقال الطاقي ويعتبر ضرورة حياتية للبلاد، لسببين أساسيين، الأول معلن، وهو الاختلال المالي المتسبب فيه العجز الطاقي، خاصة وأن مستوى استقلاليتنا الطاقية (يعني ما نوفره ذاتيا من حاجياتنا) هو في حدود 50% كرقم معلن في حين أنه أقل من ذلك باعتبار أن الرقم يشمل أيضا إتاوة الغاز الجزائري ويعتبرها موارد ذاتية في حين أنها ليست كذلك..

وبالتالي فتونس اليوم تنتج نصف ما تستهلك، أما بقية حاجياتها فهي بصدد اقتنائها من الخارج وبأسعار باهظة للغاية، سواء كان غاز (بشكل كامل من الجزائر لتوليد الكهرباء)، أو نفط مكرر (بنزين ومازوط..) لاستعماله في النقل وغيره.. وهي أيضا باعتبار أنها تعتمد سياسة الدعم الجزئي للمحروقات، فمنذ سنوات الإلفين بدأت تسجل اختلالا في حجم استهلاكها وإنتاجها بخصوص المحروقات وأمام تنامي اقتصادها وعدد سكانها سنة بعد سنة صار تأثرها بأي اختلال طاقي في العالم اكبر شيئا فشيئا وأكثر وضوحا على موازناتها المالية العامة. واعتبر أن السبب الأول للانتقالي الطاقي في تونس هو اقتصادي بالأساس أين سيمكن من ناحية من التقليص في فاتورة الطاقة ومن ناحية ثانية تحقيق التوازن في الميزانية.

أما السبب الثاني للانتقال الطاقي في تونس، حسب حامد الماطري فهو استراتيجي. وأوضح في الإطار أن إنتاجنا للكهرباء في 97% منه يعتمد على الغاز ونحو الثلثين تأتينا من الجزائر في حين لا يغطي إنتاجنا من الغاز غير 39% من حاجياتنا فقط، أي أن أي تغيير يحصل من الجانب الجزائري في خصوص اتفاق التزويد من شانه أن يدخل البلاد في حالة من الظلام الدامس، وتنقطع الإنارة على الجزء الأكبر من التراب التونسي. وهنا فالانتقال الطاقي من شانه أن يخفف من حجم التبعية الطاقية والاهم من ذلك يخفض من حجم العجز المالي والاقتصادي الذي أصبح متسببا أول في اختلال كامل للاقتصاد وللميزانية.

وهنا يخلص حامد الماطري الى أن، الانتقال الطاقي هو ضرورة أكثر من كونه اختيار يمكن الذهاب فيه أو تركه فهو مسار إجباري فرضه واقع البلاد غير منتجة لا للغاز ولا للنفط.

لكن في نفس الوقت رأى الخبير الطاقي، أنه وعلى امتداد الـ15 سنة الماضية، لم تحقق تونس أي تقدم يذكر في إطار الانتقال الطاقي. وباستثناء الخطابات والتصريحات لم نر أي فعل أو برامج حقيقية.

الشمس طاقة بديلة..

وعن الطاقة البديلة التي يفترض أن نستثمر فيها، بين الماطري أن الانتقال الطاقي يعني المرور الى موارد جديدة كالطاقة النووي أو الهيدروباور على غرار أثيوبيا والصين والدول اللي لديها انهار كبرى وسدود.. أو الريح على غرار الدول التي لديها مسارات ريح كبرى مثل بحر الشمال أو مناطق المحيط في المغرب أين هناك رياح على طول السنة. وبالنسبة لنا ليس لنا لا مسار انهار ولا رياح غاذا بحديثنا على الطاقة المتجددة نتحدث أساسا على الشمس.. مع العلم أن تطوير الطاقة الشمسية لا يعني الاستغناء على الموارد الأخرى فنحن نحتاج للكهرباء ليلا وفي الأيام الغائمة. كما أنه من الضروري أيضا أن ندرك كمستهلكين، مواطنين وصناعيين ومؤسسات دولة، أن الانتقال الطاقي يفرض تغيير النظم الاستهلاكية.. على مستوى السيارات مثلا التي تعتمد على البنزين أساسا، وهو اتجاه نحو إدخال استعمالات السيارات الكهربائية.

ونبه في نفس السياق الماطري الى أن الطاقة الشمسية كتكنولوجيا تعتبر واعدة، لكنها مازالت غير ناضجة.. فهنالك تجارب فشلت أو على الأقل لم تكن في مستوى التوقعات (تجربة المغرب). كما أنها كصناعة تحتاج للكثير من الوقت حتى تحقق التطور المطلوب. وبالنسبة لتونس على الأرجح تحتاج لأربع مسارات أساسية، أولا لوقت حتى تدخل في العادات ونمط الحياة الخاص بالتونسيين ثانيا إحداث النسيج الخدماتي الخاص بها (المختصرين في التركيب والصيانة وبيع ومسالك توزيع تجهيزاتها) ثالثا ما يجب أن يرافق هذه التكنولوجيا الجديدة من تحضير على مستوى البنية التحتية، وأساسا في الشبكة الخاصة بشركة الكهرباء والغاز.

ورابعا رأى الخبير الطاقي أن مسألة الانتقال الطاقي تتطلب استثمارات كبرى بمليارات الدولارات.. وبالتالي أي استثمار في ما يتعلق بالطاقة الشمسية يجب أن يسبقه التزام من قبل الدولة وتعهد بأنها ستشتري منتوجاته لعشرين سنة قادمة بأسعار يتم الاتفاق حولها انطلاقه في المشروع.. والانطلاق في مثل هذه المشاريع يتطلب بدوره منظومة قانونية تشجع على الاستثمار دون أن تخلف خسائر جسيمة للدولة. والعملية برمتها وفي مراحلها المختلفة تتطلب حسب حامد الطاهري تأنيا ومراكمة للتجربة..

تونس بخطى بطيئة..

وبخصوص تقييمه للتجربة التونسية في مجال التجديد الطاقي، اعتبر الماطري أن الحديث عن الطاقة الشمسية والانتقال الطاقي بالشكل الحالي هو نشاط خطابي، فلكلوري، لا يمكن أن نحقق به شيئا.. والأجدر حسب رأيه أن نتحدث بداية عن الإصلاح الطاقي.

وكشف، أنه منذ 2013 أعلنت الحكومة التونسية عن خطة من أجل الوصول الى نسبة 30% من المزيج الطاقي بالطاقات المتجددة في أفق 2030.. وها نحن في 2023، ومازلنا في مستوى 1%. كما أن المستثمرين القلائل الذين دخلوا في ميدان الطاقة المتجددة لم يجدوا أي تشجيع، هذا دون أن ننسى البنية التحتية التي تعرف حالة اهتراء متواصل، وغياب كل إستراتيجية أو خطط عمل في شان مسار الانتقال أو الإصلاح الطاقي حتى انه كل تغيير وزاري يرافقه فسخ لكل ما سبق، ليبقى القطاع مهمشا بشكل مريب (أمر يعيشه منذ عهد بن علي) فلم يحظ قط بوزارة رغم انه يظم أهم شركات البلاد من "ستاغ" و"ايتاب" و"ستير" وسيريت..

الحلول العاجلة والآجلة

وأكد الماطري على أن تونس قادرة على قلب المعادلات الطاقية في سنوات قليلة، يكفي فقط وضع خطة عمل وتوفر استمرارية في التنفيذ مع إرادة وشجاعة على التغيير والكثير الكثير من العمل الجدي والمتواصل.

وأوضح المستشار السابق بوزارة الطاقة والمناجم، أن إصلاح المنظومة الطاقية الحالية وتطوير الإنتاج وتنشيط عجلة الاستكشاف التي توقفت، وحده من شانه في غضون سنوات أن يغير كل المعطيات الطاقية بالبلاد ويحقق بداية تعديل التوازنات المالية.

كما انه وعلى امتداد 15 سنة يتم وضع خطة للانتقال الطاقي تكون فيها الأهداف واضحة وبرامج العمل دقيقة، تهتم بإنتاج الطاقة وبتعديل العادات الاستهلاكية وتطوير شبكات النقل.. (مترو بدل الحافلات، تدفئة بالكهرباء بدل البنزين، طهو بالكهرباء بدل الغاز)… ولم لا تطوير حلول بديلة للتدفئة أو التبريد (في فرنسا مثلا يتم اعتماد تقييم طاقي للمساكن يحدد بقدرة الجدران والبناء على العزل الحراري والذي يترجم لاحقا في الاستهلاك والتدفئة) فبناءاتنا اليوم القائمة على الجدران البلورية ونحن دولة بدرجات حرارة مرتفعة ستحتاج الى تبريد مضاعف وهو ما يجعلنا نعيش جنونا طاقيا دون أي نوع من الاستراتيجيات.

وشدد في نفس الوقت حامد الماطري الخبير الطاقي على أن الإستراتيجية الوطنية في ما يهم بالانتقال الطاقي تشمل أيضا الشركة التونسية للكهرباء والغاز ووزارة الطاقة التي يجب أن تمر بإصلاح هيكلي وقانوني يجعلها أكثر نجاعة ويحد من البيروقراطية ويكون مصدرا للتشجيع على الاستثمار.

ريم سوودي

 

 

 

 

 

 خبير ومستشار وزاري سابق في الطاقة لـ"الصباح":  الانتقال الطاقي ضرورة حياتية للبلاد.. ومسار إجباري للتخفيف من التبعية

 

 

"الحديث عن الطاقة الشمسية والانتقال الطاقي بالشكل الحالي فلكلوري، لا يمكن أن نحقق به شيئا.."

"تونس قادرة على قلب المعادلات الطاقية في سنوات قليلة "

تونس-الصباح

موجة الحر الأخيرة التي عاشتها تونس على امتداد شهر جويلية، وما تبعها من انقطاعات للكهرباء وتدن واضح في مستوى التزود أو ما يعرف تقنيا بتدني الجهد الكهربائي، جعل جزءا من التونسيين والتونسيات يعايشون ساعات الحرة قسريا دون مكيفات أو أي جهاز تبريد. وبررت آنذاك الشركة التونسية للكهرباء والغاز، التذبذب الحاصل بحجم الاستغلال غير المسبوق والاستثناء الحراري الذي تعيشه البلاد. ومن بين الحلول التي تم تناقلها وتبنيها من قبل عدد كبير من التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي هو التوجه الى استعمال مكيفات تشتغل بالطاقة الشمسية، وتسريع شركة الكهرباء والغاز في تطبيق وتنفيذ برنامج الانتقال الطاقي، فتونس دولة مشمسة على امتداد كامل أيام السنة تقريبا.

ورأت مختلف التحاليل أن هذا التوجه من شانه في نفس الوقت التخفيف من ثقل فاتورة استهلاك "الطاقة" لدى المستهلك والدولة على حد السواء.

فأين نحن اليوم من برنامج الانتقال الطاقي؟ وهل هو حل استعجالي للبلاد؟ وما مدى انخراط الحكومة والدولة في هذا الخيار الاستراتيجي؟ وما مدى صحة توجهنا نحو الشمس كمصدر طاقي بديل؟ وهل أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز هي الإطار الوحيد لتحقيق هذا الانتقال؟

وفي حواره مع "الصباح" اعتبر حامد الماطري خبير طاقي ومستشار سابق في وزارة الطاقة والمناجم، أن تونس على غرار بقية دول العالم تعتمد على "مزيج طاقي" لا تمثل الطاقة المتجددة إلا 1% منه، ويتم استعماله في إنتاج الكهرباء وكبنزين للسيارات وغيرها..

وأفاد بأن التوجه نحو الانتقال الطاقي فضلا عن أن له تبعات بيئية خارقة للعادة ويتنزل في إطار إنقاذ العالم من الانحباس الحراري ونسب التلوث العالية، جاء في غالبيته أيضا في إطار التخفيف لدى الدول من التبعية الطاقية، فمثلا ألمانيا تريد التقليص من تبعيتها للغاز الروسي وهي اليوم من ابرز التجارب الدولية العالم في مجال الطاقة المتجددة وصلت لحدود 30% من مزيجها الطاقي.

وبين الماطري أن تونس بدورها تريد الذهاب نحو الانتقال الطاقي ويعتبر ضرورة حياتية للبلاد، لسببين أساسيين، الأول معلن، وهو الاختلال المالي المتسبب فيه العجز الطاقي، خاصة وأن مستوى استقلاليتنا الطاقية (يعني ما نوفره ذاتيا من حاجياتنا) هو في حدود 50% كرقم معلن في حين أنه أقل من ذلك باعتبار أن الرقم يشمل أيضا إتاوة الغاز الجزائري ويعتبرها موارد ذاتية في حين أنها ليست كذلك..

وبالتالي فتونس اليوم تنتج نصف ما تستهلك، أما بقية حاجياتها فهي بصدد اقتنائها من الخارج وبأسعار باهظة للغاية، سواء كان غاز (بشكل كامل من الجزائر لتوليد الكهرباء)، أو نفط مكرر (بنزين ومازوط..) لاستعماله في النقل وغيره.. وهي أيضا باعتبار أنها تعتمد سياسة الدعم الجزئي للمحروقات، فمنذ سنوات الإلفين بدأت تسجل اختلالا في حجم استهلاكها وإنتاجها بخصوص المحروقات وأمام تنامي اقتصادها وعدد سكانها سنة بعد سنة صار تأثرها بأي اختلال طاقي في العالم اكبر شيئا فشيئا وأكثر وضوحا على موازناتها المالية العامة. واعتبر أن السبب الأول للانتقالي الطاقي في تونس هو اقتصادي بالأساس أين سيمكن من ناحية من التقليص في فاتورة الطاقة ومن ناحية ثانية تحقيق التوازن في الميزانية.

أما السبب الثاني للانتقال الطاقي في تونس، حسب حامد الماطري فهو استراتيجي. وأوضح في الإطار أن إنتاجنا للكهرباء في 97% منه يعتمد على الغاز ونحو الثلثين تأتينا من الجزائر في حين لا يغطي إنتاجنا من الغاز غير 39% من حاجياتنا فقط، أي أن أي تغيير يحصل من الجانب الجزائري في خصوص اتفاق التزويد من شانه أن يدخل البلاد في حالة من الظلام الدامس، وتنقطع الإنارة على الجزء الأكبر من التراب التونسي. وهنا فالانتقال الطاقي من شانه أن يخفف من حجم التبعية الطاقية والاهم من ذلك يخفض من حجم العجز المالي والاقتصادي الذي أصبح متسببا أول في اختلال كامل للاقتصاد وللميزانية.

وهنا يخلص حامد الماطري الى أن، الانتقال الطاقي هو ضرورة أكثر من كونه اختيار يمكن الذهاب فيه أو تركه فهو مسار إجباري فرضه واقع البلاد غير منتجة لا للغاز ولا للنفط.

لكن في نفس الوقت رأى الخبير الطاقي، أنه وعلى امتداد الـ15 سنة الماضية، لم تحقق تونس أي تقدم يذكر في إطار الانتقال الطاقي. وباستثناء الخطابات والتصريحات لم نر أي فعل أو برامج حقيقية.

الشمس طاقة بديلة..

وعن الطاقة البديلة التي يفترض أن نستثمر فيها، بين الماطري أن الانتقال الطاقي يعني المرور الى موارد جديدة كالطاقة النووي أو الهيدروباور على غرار أثيوبيا والصين والدول اللي لديها انهار كبرى وسدود.. أو الريح على غرار الدول التي لديها مسارات ريح كبرى مثل بحر الشمال أو مناطق المحيط في المغرب أين هناك رياح على طول السنة. وبالنسبة لنا ليس لنا لا مسار انهار ولا رياح غاذا بحديثنا على الطاقة المتجددة نتحدث أساسا على الشمس.. مع العلم أن تطوير الطاقة الشمسية لا يعني الاستغناء على الموارد الأخرى فنحن نحتاج للكهرباء ليلا وفي الأيام الغائمة. كما أنه من الضروري أيضا أن ندرك كمستهلكين، مواطنين وصناعيين ومؤسسات دولة، أن الانتقال الطاقي يفرض تغيير النظم الاستهلاكية.. على مستوى السيارات مثلا التي تعتمد على البنزين أساسا، وهو اتجاه نحو إدخال استعمالات السيارات الكهربائية.

ونبه في نفس السياق الماطري الى أن الطاقة الشمسية كتكنولوجيا تعتبر واعدة، لكنها مازالت غير ناضجة.. فهنالك تجارب فشلت أو على الأقل لم تكن في مستوى التوقعات (تجربة المغرب). كما أنها كصناعة تحتاج للكثير من الوقت حتى تحقق التطور المطلوب. وبالنسبة لتونس على الأرجح تحتاج لأربع مسارات أساسية، أولا لوقت حتى تدخل في العادات ونمط الحياة الخاص بالتونسيين ثانيا إحداث النسيج الخدماتي الخاص بها (المختصرين في التركيب والصيانة وبيع ومسالك توزيع تجهيزاتها) ثالثا ما يجب أن يرافق هذه التكنولوجيا الجديدة من تحضير على مستوى البنية التحتية، وأساسا في الشبكة الخاصة بشركة الكهرباء والغاز.

ورابعا رأى الخبير الطاقي أن مسألة الانتقال الطاقي تتطلب استثمارات كبرى بمليارات الدولارات.. وبالتالي أي استثمار في ما يتعلق بالطاقة الشمسية يجب أن يسبقه التزام من قبل الدولة وتعهد بأنها ستشتري منتوجاته لعشرين سنة قادمة بأسعار يتم الاتفاق حولها انطلاقه في المشروع.. والانطلاق في مثل هذه المشاريع يتطلب بدوره منظومة قانونية تشجع على الاستثمار دون أن تخلف خسائر جسيمة للدولة. والعملية برمتها وفي مراحلها المختلفة تتطلب حسب حامد الطاهري تأنيا ومراكمة للتجربة..

تونس بخطى بطيئة..

وبخصوص تقييمه للتجربة التونسية في مجال التجديد الطاقي، اعتبر الماطري أن الحديث عن الطاقة الشمسية والانتقال الطاقي بالشكل الحالي هو نشاط خطابي، فلكلوري، لا يمكن أن نحقق به شيئا.. والأجدر حسب رأيه أن نتحدث بداية عن الإصلاح الطاقي.

وكشف، أنه منذ 2013 أعلنت الحكومة التونسية عن خطة من أجل الوصول الى نسبة 30% من المزيج الطاقي بالطاقات المتجددة في أفق 2030.. وها نحن في 2023، ومازلنا في مستوى 1%. كما أن المستثمرين القلائل الذين دخلوا في ميدان الطاقة المتجددة لم يجدوا أي تشجيع، هذا دون أن ننسى البنية التحتية التي تعرف حالة اهتراء متواصل، وغياب كل إستراتيجية أو خطط عمل في شان مسار الانتقال أو الإصلاح الطاقي حتى انه كل تغيير وزاري يرافقه فسخ لكل ما سبق، ليبقى القطاع مهمشا بشكل مريب (أمر يعيشه منذ عهد بن علي) فلم يحظ قط بوزارة رغم انه يظم أهم شركات البلاد من "ستاغ" و"ايتاب" و"ستير" وسيريت..

الحلول العاجلة والآجلة

وأكد الماطري على أن تونس قادرة على قلب المعادلات الطاقية في سنوات قليلة، يكفي فقط وضع خطة عمل وتوفر استمرارية في التنفيذ مع إرادة وشجاعة على التغيير والكثير الكثير من العمل الجدي والمتواصل.

وأوضح المستشار السابق بوزارة الطاقة والمناجم، أن إصلاح المنظومة الطاقية الحالية وتطوير الإنتاج وتنشيط عجلة الاستكشاف التي توقفت، وحده من شانه في غضون سنوات أن يغير كل المعطيات الطاقية بالبلاد ويحقق بداية تعديل التوازنات المالية.

كما انه وعلى امتداد 15 سنة يتم وضع خطة للانتقال الطاقي تكون فيها الأهداف واضحة وبرامج العمل دقيقة، تهتم بإنتاج الطاقة وبتعديل العادات الاستهلاكية وتطوير شبكات النقل.. (مترو بدل الحافلات، تدفئة بالكهرباء بدل البنزين، طهو بالكهرباء بدل الغاز)… ولم لا تطوير حلول بديلة للتدفئة أو التبريد (في فرنسا مثلا يتم اعتماد تقييم طاقي للمساكن يحدد بقدرة الجدران والبناء على العزل الحراري والذي يترجم لاحقا في الاستهلاك والتدفئة) فبناءاتنا اليوم القائمة على الجدران البلورية ونحن دولة بدرجات حرارة مرتفعة ستحتاج الى تبريد مضاعف وهو ما يجعلنا نعيش جنونا طاقيا دون أي نوع من الاستراتيجيات.

وشدد في نفس الوقت حامد الماطري الخبير الطاقي على أن الإستراتيجية الوطنية في ما يهم بالانتقال الطاقي تشمل أيضا الشركة التونسية للكهرباء والغاز ووزارة الطاقة التي يجب أن تمر بإصلاح هيكلي وقانوني يجعلها أكثر نجاعة ويحد من البيروقراطية ويكون مصدرا للتشجيع على الاستثمار.

ريم سوودي