إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تحليل إخباري.. فرنسا تدفع ثمن "النيوكوليانية"

 

انقلاب النيجر ونظرية "الديمينو" في الساحل والصحراء

 

❌ "الطباخ" بريغوجيو يتقرب لبوتين بمنجم من "الكعك الأصفر" النيجري
❌ روسيا تواصل خنق أوروبا طاقيا


بقلم نزار مقني


تونس الصباح

ماذا يحصل في النيجر؟ وهل ربحت روسيا جولة جديدة في منطقة الساحل والصحراء؟
سؤالين يطرحان بقوة على الساحة الدولية، خصوصا مع التحولات الجيوسياسية التي تعصف بالعالم منذ الاغلاق الكبير الذي حتمه انتشار جائحة كوفيد- 19.
ولكن انقلاب النيجر على الرئيس الممتخب شرعيا محمد بازوم (أول رئيس من الأقلية العربية في النيجر)، في وقت يعقد فيه منتدى روسيا-أفريقيا في مدينة سان بترسبورغ الروسية، له عدة دلالات، خصوصا وأنه مرتبط بظهور أول وصريح لقائد مجموعة فاغنر الروسية المسلحة يفغيني بريغوجين، الذي ظهر مصافحا لمدير بروتوكول رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى في نزل قريب من مقر انعقاد المنتدى.
كما يأتي الانقلاب، بعد أقل من أسبوع على خروج روسيا من اتفاق البحر الأسود لتصدير الحبوب من أوكرانيا، ورفع روسيا لشعار "اطعام أفريقيا" دون مقابل الذي اتخذ سبيله كعنوان كبير لهذا المنتدى (روسيا أول مصدر للقمح في العالم قبل الحرب وفرض عقوبات غربية عليها بـ17.6 بالمائة من مجموع الصادرات الدولية للحبوب).
وانقلاب النيجر يأتي في فترة زمنية عرفت تقهقر وتراجع مركز فرنسا الجيوسياسي في افريقيا الغربية ومنطقة الساحل والصحراء، خصوصا بعد اتخاذ الانظمة العسكرية الحاكمة الجديدة لتغييرات في علاقاتها ومصالحها الاقتصادية والسياسية، مستفيدة من زخم وسخط شعبي وخاصة شبابي من السياسة النيوكوليانية التي صبغت تعامل فرنسا مع هذه الدول منذ استقلالها عنها في الخمسينيات والستينيات مم القرن الماضي.
ففرنسا اضطرت للخروج العسكري من مالي بعد مطالبة السلطات الانقلابية لها بالانسحاب من القواعد في شمال مالي أو قرب العاصمة باماكو، وحجتهم في ذلك فشل عملية بارخان في محاربة والقضاء على الجماعات الاسلامية المسلحة و الانفصالية الموجودة خصوصا في شمال البلاد أين أعلنت سنة 2013 دولة مستقلة عمادها القومي الطوارق وعمودها المسلح الجماعات المتطرفة والمتحالفة مع الحركات الانفصالية لطوارق والتي بقيت تهدد الامن في مالي ومدنها التاريخية في الشمال، ولكن دون تدخل حاسم من الفرنسيين الذين اتهموا بمجاراة هذه الحركات خدمة لأجندة المصالح الفرنسية وخصوصا استغلال مناجم الذهب والنيكل وخام اللوثيوم المكتشف حديثا في منطقة الساخل والصحراء، وهو نفس الأمر بالنسبة لبوركينا فاسو التي استغلت الجماعات الاسلامية عدم تحكم الحكومة المركزية في واغادوغو في كامل المجال الجغرافي البوركيني لترسم حدود مناطق نفوذ تتميز بوجود مناجم ذهب وفضة مكتشفة أواخر العشرية الماضية.
هذه الاكتشافات المنجمية أكثر ما يثير مجموعة فاغنر الروسية، بمقابل ما توفره من خدمات أمنية لفائدة المنقلبين، تتمكن من استغلال مناجم الذهب الموجودة في هذه المناطق، وهو نفس الدور الذي لعبته مثلا في السودان قبل الحرب الروسية حيث وفرت الحماية لمناجم الذهب في دارفور لفائدة قائد الدعم السريع حميدتي، مقابل استغلال لهذا الذهب الذي ذهب ليمول البنك المركزي الروسي، قبل انطلاق الحرب، وهو ما حصل كذلك في جمهورية إفريقيا الوسطى والتي تقوم قوات فاغنر حاليا بحماية مراكز الاقتراع حول استفتاء تعتزم هذه الدولة القيام به لحسم الصراع السياسي والعسكري (صراع اثني وقبائلي بين الأقليات المسلمة والمسيحية وصراع قبائلي حول مناطق نفوذ مناجم الذهب والألماس الموجودة أساسا شمال البلاد على الحدود مع التشاد).
بنفس هذا المنطلق، سقطت النيجر كحجرة ديمينو انطلقت من مالي وتبعتها غينيا وبوركينا فاسو والآن النيجر، وقبلها جمهورية إفريقيا الوسطى، بين أيدي قوات فاغنر المجموعة "البراعسكرية الروسية" التي تبنت مشاركتها في الانقلاب وانجاحه، وهو ما يعرض أرض النيجر التي تنتج "كعكا أصفر" (يورانيوم خام) يوفر 35 ٪ من الوقود النووي لفرنسا ويوفر لأوروبا نسبة 25 ٪ من كهرباء التدفئة خلال الشتاء.
حتى بالرغم من تراجع نسبي لأهمية الطاقة النووية في أوروبا خلال العشرية الماضية (خصوصا بعد حادثة تفجر مفاعل فوكوشيما الياباني) ، الا أن أهميته بدأت في التزايد مع حرب الطاقة التي تفجرت مع دخول أول دبابة روسية للأرضي الأوكرانية في فيفري سنة 2022.
ولعل هذا الانقلاب، قد يجعل المصالح الفرنسية مهددة بشكل فعلي فـ"بيضة القبان" التي تستغلها باريس منذ عام 1971 (اكتشاف اولى مناجم اليورانيوم) بثمن بخس لا يوفر الا 1.2 ٪ من المساهمة في ميزانية النيجر.
ويبدو أن أزمة الطاقة، التي عصفت بأوروبا الشتاء الماضي وما خلفه من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة ارتفاع أثمان الطاقة، فتح من جديد شهيتها لـ"الكعكة الصفراء"، لتعوض نقص الغاز الروسي الذي كان يشكل 45 ٪ من اجمالي حاجة أوروبا الشرهة للغاز الطبيعي خصوصا في أشهر الشتاء، وهو ما قد يعزز سوق اليورانيوم الخام والذي تحتل فيه النيجر المرتبة السابعة عالميا بـ 8 ٪ من مجموع الانتاج العالمي.
وبعيدا عن اغراءات سوق اليورانيوم المستقبلية، فان استحواذ الطاقة النظيفة على هاجس العالم، قد يصب في صالح النيجر، فبالاضافة لليورانيوم فان ما تحت رمال صحراء النيجر، يؤشر لوجود ثروات أخرى مثل مناجم الذهب في الجنوب مع المثلث الحدودي بين بوركينا فاسو ومالي وهو المثلث الذي تنشط فيه التنظيمات الاسلامية كالقاعدة في المغرب وتنظيم "داعش"، والتي يبدو أنها تكبدت خسائر كبيرة بعد استعانة هذه الدول بخبرة قوات فاغنر في حرب العصابات، وكذلك استكشافات بترولية هامة شرق البلاد، بالإضافة لامكانية استكشافات لخام الليثيوم، والنيكل وغيرها من المواد المنجمية.
ودون سرد كبير للامكانيات الواعدة للنيجر، فان ما حدث في النيجر، قد يؤشر لضياع مصالح فرنسا هناك، ويؤشر لوجود روسي في القرار السياسي قد يستوجب اعادة تفاو١ حَل حصص الاستثمارات الفرنسية لليورانيوم هناك، خصوصا وأنه اذا ما تعافت سوق بيع اليورانيوم قد يدفع بالشركات الصينية والروسية لقسمة الكعكة الكبرى في النيجر، وهو ما يعني خنق أوروبا طاقيا وتواصلا لاستراتيجية الحصار الطاقي المفروض من روسيا عليها.
في هذا كله، يبدو أن أكبر مستفيد مما حصل هو قائد فاغنر يفغيني بريغوجين الذي ظهر لاول منذ تمرده على "سيده" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقدم له هذه "الهدية" عشية التئام منتدى روسيا-أفريقيا، بعد أن أضحى محاصرا من الكرملين، ومطرودا من معارك أوكرانيا، وخسائره المباشرة مع اقرار التعاقد المباشر بين وزارة الدفاع الروسية والمرتزقة.
كذلك فانه يمكن قراءة العلاقة بين الكرملين وفاغنر بأنها وفرت لبوتين اداة فعالة في استراتجية المد الجيوسياسي بعيد المدى منذ مغامرة الدونباس سنة 2014 وسوريا سنة 2015.
وبالرغم من "ديبلوماسية الأمتار" الأخيرة التي تقوم بها فرنسا تحاه ما حصل في النيجر، فإنها مسرت فعلا مجالا كبيرا في منطقة الساحل والصحراء، قد تكون أكبرها خسارتها للنيجر، لكن ذلك ليس الحال بالوسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي وان تنظر بعدم ارتياح لما كصل هناك، الا ان علاقتها بالنيجر منحصرة اساسا في التعاون العسكري، حيث تملك قاعدة طائرات دون طيار في مدينة أغاديز، وتمتلك قاعدة الاستخبارات الأمريكية في شمال البلاد، تدير من خلالها عمليات استخبارية في شمال أفريقيا وتراقب من خلالها تحركات الجماعات الاسلامية المنتشرة في الساحل والصحراء.
-سقوط حجرة الديمينو

في المجمل، فإن انقلاب النيجر يعتبر سقوط ححرة ديمينو جديدة لفرنسا، حتى ولو تمكنت من الحفاظ على وجود فعلي في النيجر، الا انه سيكون منقوصا، وهي اليوم تدفع ضريبة السياسة النيوكوليانية التي مارستها على "مجالها الحيوي" السابق، والذي خلق نوعا من الحقد الشعبي ضدها، خصوصا بعد عقود من ربط كل اقتصاديات افريقيا الغربية والدول الموجودة جنوب الصحراء باقتصادها المالي مباشرة من هلال عملات "الفرنك الافريقي" و"فرنك غرب افريقيا"، وتدخلاتها في فرض انظمة ديكتاتورية عليها انطلاقا من الانقلاب على توماس سانكارا في بوركينا فاسو، وموديبو كايتا في مالي، والذان فكرا في محاولة الاستقلال الاقتصادي عن فرنسا، فكانت النتيجة مقتلهما بعد اعتقالهما.

 

تحليل إخباري..   فرنسا تدفع ثمن "النيوكوليانية"

 

انقلاب النيجر ونظرية "الديمينو" في الساحل والصحراء

 

❌ "الطباخ" بريغوجيو يتقرب لبوتين بمنجم من "الكعك الأصفر" النيجري
❌ روسيا تواصل خنق أوروبا طاقيا


بقلم نزار مقني


تونس الصباح

ماذا يحصل في النيجر؟ وهل ربحت روسيا جولة جديدة في منطقة الساحل والصحراء؟
سؤالين يطرحان بقوة على الساحة الدولية، خصوصا مع التحولات الجيوسياسية التي تعصف بالعالم منذ الاغلاق الكبير الذي حتمه انتشار جائحة كوفيد- 19.
ولكن انقلاب النيجر على الرئيس الممتخب شرعيا محمد بازوم (أول رئيس من الأقلية العربية في النيجر)، في وقت يعقد فيه منتدى روسيا-أفريقيا في مدينة سان بترسبورغ الروسية، له عدة دلالات، خصوصا وأنه مرتبط بظهور أول وصريح لقائد مجموعة فاغنر الروسية المسلحة يفغيني بريغوجين، الذي ظهر مصافحا لمدير بروتوكول رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى في نزل قريب من مقر انعقاد المنتدى.
كما يأتي الانقلاب، بعد أقل من أسبوع على خروج روسيا من اتفاق البحر الأسود لتصدير الحبوب من أوكرانيا، ورفع روسيا لشعار "اطعام أفريقيا" دون مقابل الذي اتخذ سبيله كعنوان كبير لهذا المنتدى (روسيا أول مصدر للقمح في العالم قبل الحرب وفرض عقوبات غربية عليها بـ17.6 بالمائة من مجموع الصادرات الدولية للحبوب).
وانقلاب النيجر يأتي في فترة زمنية عرفت تقهقر وتراجع مركز فرنسا الجيوسياسي في افريقيا الغربية ومنطقة الساحل والصحراء، خصوصا بعد اتخاذ الانظمة العسكرية الحاكمة الجديدة لتغييرات في علاقاتها ومصالحها الاقتصادية والسياسية، مستفيدة من زخم وسخط شعبي وخاصة شبابي من السياسة النيوكوليانية التي صبغت تعامل فرنسا مع هذه الدول منذ استقلالها عنها في الخمسينيات والستينيات مم القرن الماضي.
ففرنسا اضطرت للخروج العسكري من مالي بعد مطالبة السلطات الانقلابية لها بالانسحاب من القواعد في شمال مالي أو قرب العاصمة باماكو، وحجتهم في ذلك فشل عملية بارخان في محاربة والقضاء على الجماعات الاسلامية المسلحة و الانفصالية الموجودة خصوصا في شمال البلاد أين أعلنت سنة 2013 دولة مستقلة عمادها القومي الطوارق وعمودها المسلح الجماعات المتطرفة والمتحالفة مع الحركات الانفصالية لطوارق والتي بقيت تهدد الامن في مالي ومدنها التاريخية في الشمال، ولكن دون تدخل حاسم من الفرنسيين الذين اتهموا بمجاراة هذه الحركات خدمة لأجندة المصالح الفرنسية وخصوصا استغلال مناجم الذهب والنيكل وخام اللوثيوم المكتشف حديثا في منطقة الساخل والصحراء، وهو نفس الأمر بالنسبة لبوركينا فاسو التي استغلت الجماعات الاسلامية عدم تحكم الحكومة المركزية في واغادوغو في كامل المجال الجغرافي البوركيني لترسم حدود مناطق نفوذ تتميز بوجود مناجم ذهب وفضة مكتشفة أواخر العشرية الماضية.
هذه الاكتشافات المنجمية أكثر ما يثير مجموعة فاغنر الروسية، بمقابل ما توفره من خدمات أمنية لفائدة المنقلبين، تتمكن من استغلال مناجم الذهب الموجودة في هذه المناطق، وهو نفس الدور الذي لعبته مثلا في السودان قبل الحرب الروسية حيث وفرت الحماية لمناجم الذهب في دارفور لفائدة قائد الدعم السريع حميدتي، مقابل استغلال لهذا الذهب الذي ذهب ليمول البنك المركزي الروسي، قبل انطلاق الحرب، وهو ما حصل كذلك في جمهورية إفريقيا الوسطى والتي تقوم قوات فاغنر حاليا بحماية مراكز الاقتراع حول استفتاء تعتزم هذه الدولة القيام به لحسم الصراع السياسي والعسكري (صراع اثني وقبائلي بين الأقليات المسلمة والمسيحية وصراع قبائلي حول مناطق نفوذ مناجم الذهب والألماس الموجودة أساسا شمال البلاد على الحدود مع التشاد).
بنفس هذا المنطلق، سقطت النيجر كحجرة ديمينو انطلقت من مالي وتبعتها غينيا وبوركينا فاسو والآن النيجر، وقبلها جمهورية إفريقيا الوسطى، بين أيدي قوات فاغنر المجموعة "البراعسكرية الروسية" التي تبنت مشاركتها في الانقلاب وانجاحه، وهو ما يعرض أرض النيجر التي تنتج "كعكا أصفر" (يورانيوم خام) يوفر 35 ٪ من الوقود النووي لفرنسا ويوفر لأوروبا نسبة 25 ٪ من كهرباء التدفئة خلال الشتاء.
حتى بالرغم من تراجع نسبي لأهمية الطاقة النووية في أوروبا خلال العشرية الماضية (خصوصا بعد حادثة تفجر مفاعل فوكوشيما الياباني) ، الا أن أهميته بدأت في التزايد مع حرب الطاقة التي تفجرت مع دخول أول دبابة روسية للأرضي الأوكرانية في فيفري سنة 2022.
ولعل هذا الانقلاب، قد يجعل المصالح الفرنسية مهددة بشكل فعلي فـ"بيضة القبان" التي تستغلها باريس منذ عام 1971 (اكتشاف اولى مناجم اليورانيوم) بثمن بخس لا يوفر الا 1.2 ٪ من المساهمة في ميزانية النيجر.
ويبدو أن أزمة الطاقة، التي عصفت بأوروبا الشتاء الماضي وما خلفه من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة ارتفاع أثمان الطاقة، فتح من جديد شهيتها لـ"الكعكة الصفراء"، لتعوض نقص الغاز الروسي الذي كان يشكل 45 ٪ من اجمالي حاجة أوروبا الشرهة للغاز الطبيعي خصوصا في أشهر الشتاء، وهو ما قد يعزز سوق اليورانيوم الخام والذي تحتل فيه النيجر المرتبة السابعة عالميا بـ 8 ٪ من مجموع الانتاج العالمي.
وبعيدا عن اغراءات سوق اليورانيوم المستقبلية، فان استحواذ الطاقة النظيفة على هاجس العالم، قد يصب في صالح النيجر، فبالاضافة لليورانيوم فان ما تحت رمال صحراء النيجر، يؤشر لوجود ثروات أخرى مثل مناجم الذهب في الجنوب مع المثلث الحدودي بين بوركينا فاسو ومالي وهو المثلث الذي تنشط فيه التنظيمات الاسلامية كالقاعدة في المغرب وتنظيم "داعش"، والتي يبدو أنها تكبدت خسائر كبيرة بعد استعانة هذه الدول بخبرة قوات فاغنر في حرب العصابات، وكذلك استكشافات بترولية هامة شرق البلاد، بالإضافة لامكانية استكشافات لخام الليثيوم، والنيكل وغيرها من المواد المنجمية.
ودون سرد كبير للامكانيات الواعدة للنيجر، فان ما حدث في النيجر، قد يؤشر لضياع مصالح فرنسا هناك، ويؤشر لوجود روسي في القرار السياسي قد يستوجب اعادة تفاو١ حَل حصص الاستثمارات الفرنسية لليورانيوم هناك، خصوصا وأنه اذا ما تعافت سوق بيع اليورانيوم قد يدفع بالشركات الصينية والروسية لقسمة الكعكة الكبرى في النيجر، وهو ما يعني خنق أوروبا طاقيا وتواصلا لاستراتيجية الحصار الطاقي المفروض من روسيا عليها.
في هذا كله، يبدو أن أكبر مستفيد مما حصل هو قائد فاغنر يفغيني بريغوجين الذي ظهر لاول منذ تمرده على "سيده" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقدم له هذه "الهدية" عشية التئام منتدى روسيا-أفريقيا، بعد أن أضحى محاصرا من الكرملين، ومطرودا من معارك أوكرانيا، وخسائره المباشرة مع اقرار التعاقد المباشر بين وزارة الدفاع الروسية والمرتزقة.
كذلك فانه يمكن قراءة العلاقة بين الكرملين وفاغنر بأنها وفرت لبوتين اداة فعالة في استراتجية المد الجيوسياسي بعيد المدى منذ مغامرة الدونباس سنة 2014 وسوريا سنة 2015.
وبالرغم من "ديبلوماسية الأمتار" الأخيرة التي تقوم بها فرنسا تحاه ما حصل في النيجر، فإنها مسرت فعلا مجالا كبيرا في منطقة الساحل والصحراء، قد تكون أكبرها خسارتها للنيجر، لكن ذلك ليس الحال بالوسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي وان تنظر بعدم ارتياح لما كصل هناك، الا ان علاقتها بالنيجر منحصرة اساسا في التعاون العسكري، حيث تملك قاعدة طائرات دون طيار في مدينة أغاديز، وتمتلك قاعدة الاستخبارات الأمريكية في شمال البلاد، تدير من خلالها عمليات استخبارية في شمال أفريقيا وتراقب من خلالها تحركات الجماعات الاسلامية المنتشرة في الساحل والصحراء.
-سقوط حجرة الديمينو

في المجمل، فإن انقلاب النيجر يعتبر سقوط ححرة ديمينو جديدة لفرنسا، حتى ولو تمكنت من الحفاظ على وجود فعلي في النيجر، الا انه سيكون منقوصا، وهي اليوم تدفع ضريبة السياسة النيوكوليانية التي مارستها على "مجالها الحيوي" السابق، والذي خلق نوعا من الحقد الشعبي ضدها، خصوصا بعد عقود من ربط كل اقتصاديات افريقيا الغربية والدول الموجودة جنوب الصحراء باقتصادها المالي مباشرة من هلال عملات "الفرنك الافريقي" و"فرنك غرب افريقيا"، وتدخلاتها في فرض انظمة ديكتاتورية عليها انطلاقا من الانقلاب على توماس سانكارا في بوركينا فاسو، وموديبو كايتا في مالي، والذان فكرا في محاولة الاستقلال الاقتصادي عن فرنسا، فكانت النتيجة مقتلهما بعد اعتقالهما.

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews