إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

25 جويلية.. أحداث سحبت البساط من "عيد الجمهورية" وأصبحت عنوانا للذكرى!!

 

تونس – الصباح

تعالت عديد الأصوات المطالبة بضرورة إعادة الاعتبار لعيد الجمهورية في ذكراه الـ66 كمناسبة وطنية هامة وإيلاء المراسم الاحتفالية فيه الأهمية الكبرى نظرا لدور ذلك في تذكير الأجيال الصاعدة بأهمية هذه المناسبة سياسيا وتاريخيا وثقافيا وحضاريا.

 يأتي ذلك بعد ما اعتبره البعض محاولات طمس هذه المناسبة الوطنية بعد أن خطفت أحداث أخرى أضواء الاحتفالية منها وتحويلها إلى مناسبة تنتظم على هامش مناسبات أخرى. الأمر الذي يحيل إلى طرح الجدل حول مفهومي "الصيرورة" والسيرورة" في التعاطي مع مثل هذه المناسبات في تونس، في أبعادها التاريخية والسياسية والفكرية.

وبعيد الثورة تحرك المجتمع المدني الرافض لممارسات منظومة الحكم ما بعد 2011 بقيادة حركة النهضة والرافض لمحاولاتها القفز على المحطات التاريخية لدولة الاستقلال وتغييب كل المظاهر الاحتفالية بالأعياد والمناسبات الوطنية في علاقة بالدولة الحديثة المدنية.

ونزّل البعض من قوى المجتمع المدني والقوى المنتصرة للحداثة، طمس مثل هذه المناسبات وتغييبها في سياق مشروع سياسي لتغيير معالم الدولة المدنية الحديثة خاصة أنها تزامنت مع تفشي ظواهر ومظاهر وسلوكات صنفها البعض في خانة أجندات دخيلة على المجتمع التونسي شكلا ومضمونا وفكرا تراهن عليها بعض الجهات السياسية بهدف التمكن من الدولة والسلطة والحكم.

فطغى جانب من التجاذب طيلة السنوات التي تلت تلك الأحداث حول دوافع تغييب كل مظاهر الاحتفال بالأعياد والمناسبات الوطنية ورمي منظومة الحكم أجندا هذه الأعياد في محاولة لقطع أواصر العلاقة بين المواطنين ومنظومة الحكم السابقة فيما يرى المدافعون عن ذلك أن تلك المناسبات هي لكل التونسيين ولا تحسب لطرف سياسي بعينه. ولم يتوقف الأمر عند عيد الجمهورية فحسب بل أيضا غيرها من المناسبات والأعياد الأخرى التي تحولت إلى عناوين لأحداث ومناسبات أخرى على غرار عيد الاستقلال وذكرى سقوط شهداء 9 أفريل وعد الجلاء في 15 أكتوبر من كل سنة، وكذلك موعد عيد الجمهورية يوم 25 جويلية.. محطات تحولت كلها إلى أيام كسائر أيام السنة حيث غابت المظاهر الاحتفالية وشكلت عملية عدم رفع الأعلام والرايات الوطنية في الشوارع والساحات التونسية أثناء هذه المناسبات بمثابة الكابوس الذي يخيم على المرحلة أو ناقوس الخطر حول وجود مخاطر تهدد كيان الدولة المدنية الحديثة.

البراهمي والاغتيال السياسي

فقد عرفت بلادنا في السنوات الأخيرة أحداثا كبرى ومحطات مفصلية تاريخية تزامنت مع ذكرى25 جويلية رمز الجمهورية. هذا اليوم أصبح لدى البعض ذكرى سنوية للاحتفاء بها لعل أبرزها حادثة اغتيال الشهيد محمد البراهمي يوم 25 جويلية 2013. لتخيم ذكرى هذا الاغتيال السياسي الذي جاء بعد أشهر قليلة من اغتيال شكري بلعيد على ذكرى السنوية التي دأب التونسيون على الاحتفال بها منذ أكثر من ستة عقود.

وفاة قائد السبسي

ليتزامن نفس التاريخ أي 25 جويلية 2019 مع وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وتحول نفس التاريخ من كل سنة إلى ذكرى إحياء وفاة هذا الراحل الذي اضطلع بعديد المهام الإدارية والسياسية في الجمهورية الحديث منذ عقود طويلة، وباعتباره أيضا أول رئيس جمهورية منتخب في تاريخ تونس الحديث.

قرارات سعيد الاستثنائية

ليكون الحدث المفصلي الآخر الذي غير مجرى المناسبة أيضا في السنوات الأخيرة هو الهبة الواسعة للشارع التونسي في كامل جهات الجمهورية في ذكرى عيد الجمهورية 2021 ليلتقف قيس سعيد رئيس الجمهورية اللحظة، رغم محدودية الصلاحيات التي يخولها دستور 2014 لرئيس الجمهورية، عبر اتخاذ جملة من القرارات أهمها إقالة حكومة مشيشي وتجميد البرلمان فحله ودخول البلاد في مرحلة الحكم عبر التدابير الاستثنائية فيما تباينت المواقف حول الحدث بين الترحيب والرفض والاستنكار. فكانت تلك القرارات بمثابة منعرج آخر في تاريخ الاحتفال بذكرى عيد الجمهورية بعد أن خطفت مرة أخرى قرارات سعيد المصيرية والتاريخية الأضواء الحافة بهذه الذكرى وأصبحت عنوانا للاحتفال بمسار 25 جويلية ونقطة مفصلية في تصنيف المراحل السياسية والمواقف المميزة لها بين ما قبل أو ما بعد دون ذكر أو إيراد العنوان الأول لهذه المناسبة وهي عيد الجمهورية أو ذكرى إعلان الجمهورية وتحول نظام الحكم في تونس إلى جمهوري بعد أن كان نظاما ملكيا، خاصة أنها تأتي بعد محاولات متكررة سابقة لطمس معالم هذه ذكرى الاحتفال بعيد الجمهورية على غرار بقية الأعياد والمناسبات الوطنية رغم مبادرات التصدي لذلك.

 ليتحول بذلك الجدل حول هذه المناسبة بين أنصار الرئيس من ناحية والقوى السياسية والمدنية المعارضة لسياسته حول منظومة الحكم والتشاركية والحريات والحقوق والإصلاحات دون أن يكون لهذا التاريخ الوطني حضورا تقريبا من هذا الجانب أو ذاك.

الاستفتاء على الدستور

وتعزز ذلك بعد أن اختار سعيد أن يكون يوم 25 جويلية 2021 موعدا لتنظيم الاستفتاء على الدستور الجديد بعد أن سبق هذا التاريخ تنظيم استشارة وطنية الكترونية حول الخطوط العريضة لمشروع الجمهورية الجديدة الذي اختتم يوم 20 مارس 2022 تزامنا مع عيد الاستقلال. ليحتفل البعض أول أمس بالذكر الأولى للدستور الجديد أيضا.

وما جعل بعض الأصوات تتعالى مؤخرا مطالبة بضرورة إعادة الاعتبار للمناسبات والأعياد الوطنية التي تم السطو عليها بشكل أو بآخر هو العناوين العديدة ومختلفة الأبعاد التي حملها البعض تزامنا مع 25 جويلية 2023 بعد أن اجتمع الأحداث والمستجدات السابقة المتزامنة مع هذا التاريخ إلى محاور كبرى للاحتفاء أو إحياء هذه الذكرى في المقابل أصبحت ذكرى عيد الجمهورية بعدد 66 سنة من تواصل الاحتفال بها مجرد ذكرى "على هامش" أحداث التاريخ القريب. فيما يرى البعض أن التاريخ لا يتوقف بل يظل متحولا ولا يمكن التوقف في وضع أجندا مثل هذه المناسبات عند مراحل تاريخها معينة بل أن الأمر مرشحا للتطور والتغيير تناغما مع السيرورة التاريخية ومستجداتها ومفارقاتها.

نزيهة الغضباني

25  جويلية..   أحداث سحبت البساط من "عيد الجمهورية" وأصبحت عنوانا للذكرى!!

 

تونس – الصباح

تعالت عديد الأصوات المطالبة بضرورة إعادة الاعتبار لعيد الجمهورية في ذكراه الـ66 كمناسبة وطنية هامة وإيلاء المراسم الاحتفالية فيه الأهمية الكبرى نظرا لدور ذلك في تذكير الأجيال الصاعدة بأهمية هذه المناسبة سياسيا وتاريخيا وثقافيا وحضاريا.

 يأتي ذلك بعد ما اعتبره البعض محاولات طمس هذه المناسبة الوطنية بعد أن خطفت أحداث أخرى أضواء الاحتفالية منها وتحويلها إلى مناسبة تنتظم على هامش مناسبات أخرى. الأمر الذي يحيل إلى طرح الجدل حول مفهومي "الصيرورة" والسيرورة" في التعاطي مع مثل هذه المناسبات في تونس، في أبعادها التاريخية والسياسية والفكرية.

وبعيد الثورة تحرك المجتمع المدني الرافض لممارسات منظومة الحكم ما بعد 2011 بقيادة حركة النهضة والرافض لمحاولاتها القفز على المحطات التاريخية لدولة الاستقلال وتغييب كل المظاهر الاحتفالية بالأعياد والمناسبات الوطنية في علاقة بالدولة الحديثة المدنية.

ونزّل البعض من قوى المجتمع المدني والقوى المنتصرة للحداثة، طمس مثل هذه المناسبات وتغييبها في سياق مشروع سياسي لتغيير معالم الدولة المدنية الحديثة خاصة أنها تزامنت مع تفشي ظواهر ومظاهر وسلوكات صنفها البعض في خانة أجندات دخيلة على المجتمع التونسي شكلا ومضمونا وفكرا تراهن عليها بعض الجهات السياسية بهدف التمكن من الدولة والسلطة والحكم.

فطغى جانب من التجاذب طيلة السنوات التي تلت تلك الأحداث حول دوافع تغييب كل مظاهر الاحتفال بالأعياد والمناسبات الوطنية ورمي منظومة الحكم أجندا هذه الأعياد في محاولة لقطع أواصر العلاقة بين المواطنين ومنظومة الحكم السابقة فيما يرى المدافعون عن ذلك أن تلك المناسبات هي لكل التونسيين ولا تحسب لطرف سياسي بعينه. ولم يتوقف الأمر عند عيد الجمهورية فحسب بل أيضا غيرها من المناسبات والأعياد الأخرى التي تحولت إلى عناوين لأحداث ومناسبات أخرى على غرار عيد الاستقلال وذكرى سقوط شهداء 9 أفريل وعد الجلاء في 15 أكتوبر من كل سنة، وكذلك موعد عيد الجمهورية يوم 25 جويلية.. محطات تحولت كلها إلى أيام كسائر أيام السنة حيث غابت المظاهر الاحتفالية وشكلت عملية عدم رفع الأعلام والرايات الوطنية في الشوارع والساحات التونسية أثناء هذه المناسبات بمثابة الكابوس الذي يخيم على المرحلة أو ناقوس الخطر حول وجود مخاطر تهدد كيان الدولة المدنية الحديثة.

البراهمي والاغتيال السياسي

فقد عرفت بلادنا في السنوات الأخيرة أحداثا كبرى ومحطات مفصلية تاريخية تزامنت مع ذكرى25 جويلية رمز الجمهورية. هذا اليوم أصبح لدى البعض ذكرى سنوية للاحتفاء بها لعل أبرزها حادثة اغتيال الشهيد محمد البراهمي يوم 25 جويلية 2013. لتخيم ذكرى هذا الاغتيال السياسي الذي جاء بعد أشهر قليلة من اغتيال شكري بلعيد على ذكرى السنوية التي دأب التونسيون على الاحتفال بها منذ أكثر من ستة عقود.

وفاة قائد السبسي

ليتزامن نفس التاريخ أي 25 جويلية 2019 مع وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وتحول نفس التاريخ من كل سنة إلى ذكرى إحياء وفاة هذا الراحل الذي اضطلع بعديد المهام الإدارية والسياسية في الجمهورية الحديث منذ عقود طويلة، وباعتباره أيضا أول رئيس جمهورية منتخب في تاريخ تونس الحديث.

قرارات سعيد الاستثنائية

ليكون الحدث المفصلي الآخر الذي غير مجرى المناسبة أيضا في السنوات الأخيرة هو الهبة الواسعة للشارع التونسي في كامل جهات الجمهورية في ذكرى عيد الجمهورية 2021 ليلتقف قيس سعيد رئيس الجمهورية اللحظة، رغم محدودية الصلاحيات التي يخولها دستور 2014 لرئيس الجمهورية، عبر اتخاذ جملة من القرارات أهمها إقالة حكومة مشيشي وتجميد البرلمان فحله ودخول البلاد في مرحلة الحكم عبر التدابير الاستثنائية فيما تباينت المواقف حول الحدث بين الترحيب والرفض والاستنكار. فكانت تلك القرارات بمثابة منعرج آخر في تاريخ الاحتفال بذكرى عيد الجمهورية بعد أن خطفت مرة أخرى قرارات سعيد المصيرية والتاريخية الأضواء الحافة بهذه الذكرى وأصبحت عنوانا للاحتفال بمسار 25 جويلية ونقطة مفصلية في تصنيف المراحل السياسية والمواقف المميزة لها بين ما قبل أو ما بعد دون ذكر أو إيراد العنوان الأول لهذه المناسبة وهي عيد الجمهورية أو ذكرى إعلان الجمهورية وتحول نظام الحكم في تونس إلى جمهوري بعد أن كان نظاما ملكيا، خاصة أنها تأتي بعد محاولات متكررة سابقة لطمس معالم هذه ذكرى الاحتفال بعيد الجمهورية على غرار بقية الأعياد والمناسبات الوطنية رغم مبادرات التصدي لذلك.

 ليتحول بذلك الجدل حول هذه المناسبة بين أنصار الرئيس من ناحية والقوى السياسية والمدنية المعارضة لسياسته حول منظومة الحكم والتشاركية والحريات والحقوق والإصلاحات دون أن يكون لهذا التاريخ الوطني حضورا تقريبا من هذا الجانب أو ذاك.

الاستفتاء على الدستور

وتعزز ذلك بعد أن اختار سعيد أن يكون يوم 25 جويلية 2021 موعدا لتنظيم الاستفتاء على الدستور الجديد بعد أن سبق هذا التاريخ تنظيم استشارة وطنية الكترونية حول الخطوط العريضة لمشروع الجمهورية الجديدة الذي اختتم يوم 20 مارس 2022 تزامنا مع عيد الاستقلال. ليحتفل البعض أول أمس بالذكر الأولى للدستور الجديد أيضا.

وما جعل بعض الأصوات تتعالى مؤخرا مطالبة بضرورة إعادة الاعتبار للمناسبات والأعياد الوطنية التي تم السطو عليها بشكل أو بآخر هو العناوين العديدة ومختلفة الأبعاد التي حملها البعض تزامنا مع 25 جويلية 2023 بعد أن اجتمع الأحداث والمستجدات السابقة المتزامنة مع هذا التاريخ إلى محاور كبرى للاحتفاء أو إحياء هذه الذكرى في المقابل أصبحت ذكرى عيد الجمهورية بعدد 66 سنة من تواصل الاحتفال بها مجرد ذكرى "على هامش" أحداث التاريخ القريب. فيما يرى البعض أن التاريخ لا يتوقف بل يظل متحولا ولا يمكن التوقف في وضع أجندا مثل هذه المناسبات عند مراحل تاريخها معينة بل أن الأمر مرشحا للتطور والتغيير تناغما مع السيرورة التاريخية ومستجداتها ومفارقاتها.

نزيهة الغضباني