هناك داء مستفحل في العقلية السياسية للعرب وهو داء يبدو انه استعصى على امهر خبراء السياسة والمحللين والدبلوماسيين والعارفين بالعلاقات بين الزعماء السياسيين من أبناء الجلدة الواحدة وأبناء القضية الواحدة وأبناء الوطن الواحد والأمثلة كثيرة ومتعددة ولا يبدو أن موعد الخلاص قريب من هذا الداء الذي يمكن تصنيفه ضمن الأمراض المتفرعة عن النرجسية المفرطة الهدامة وهي تلك النرجسية التي تجعل الفرد يعتقد انه الأهم والأقدر على حل كل الأزمات وأنه الأجدر باهتمام الجميع من العامة إلى الخاصة من الأوساط الشعبية إلى الأوساط السياسية الرسمية والحزبية والإعلامية.. والأكيد أن البحث عن علاج أو تلقيح ضد هذا الداء أصبح أولوية مطلقة حتى تتطور العقول وتستقيم النفوس وتنضج العقليات وترتقي الأفكار والخيارات إلى ما ينبغي أن تكون عليه لا لمواجهة الأزمات القائمة فهذه مسألة ستحتاج إلى عقود طويلة ولكن على الأقل لكسب احترام الآخر والانتباه إلى مآسي ومخاطر هذا الداء الذي يجرف أصحاب السلطة ويدفع بهم إلى عزلة داخلية وخارجية مقيتة فلا ينتبهون إلى ما يحدث من تحولات من حولهم ولا يدركون ما يصيبهم من تهميش ومن تراجع لشعبيتهم ومكانتهم وما يمكن أن يلاحقهم أيضا من فشل ذريع بسبب خياراتهم وبسبب تفردهم بالمشهد وإقصائهم لكل الكفاءات الموثوق بها مستصغرين كل رأي مخالف ...
ولاشك أن الأمثلة في عالمنا العربي اليوم كثيرة ومتعددة وهي تحتاج لصدمة تهز الضمائر وتعيدها إلى الوعي المفقود لتنتبه إلى خطورة الانسياق وراء المبررات الوهمية لحالة الفشل الذي تجتره.. ولو أننا حاولنا رصد واستعراض هذه الحالات لوجدنا أنه حيثما وجدت الأزمات والصراعات والمآسي إلا وكانت مسبوقة بقطيعة إلى درجة التنافر بين أصحاب القضية الواحدة والوطن الواحد.. السودان الذي تخطى عتبة المائة يوم من الحرب يعيش على وقع استنزاف للأرواح والأملاك لا ينتهي والأرقام تعلن كل يوم مزيدا من القتلى والجرحى والمهجرين واللاجئين الذين ضاقت بهم سبل الحياة وتاهوا على الحدود بحثا عن ملجأ آمن كل ذلك فيما استحال الحوار واللقاء بين المتسببين في الحرب زعيم الجيش السوداني وزعيم قوات التدخل السريع اللذان يصران على مواصلة الحرب حتى لو لم يبق غيرهما على أرض السودان..
السيناريو ذاته مستمر في اليمن الحزين منذ نحو عقد ولا نهاية للنفق المظلم لان الجسور تقطعت ولا مجال لأطراف النزاع في اللقاء أو الحوار والأمر ذاته ينسحب على لبنان الصغير الذي استحال توافق نوابه لانتخاب رئيس وإخراج هذا البلد من محنة طالت.. ولو واصلنا إلى حد فلسطين سنجد أن الأمر بلغ بالإخوة الأعداء مبلغا حتى انه لم يعد العدو الأول هو الاحتلال ولكن العدو هو الطرف الفلسطيني الآخر سواء تعلق الأمر بغزة أو الضفة وقد فشلت على مدى عشرين عاما كل محاولات جمع زعماء الفلسطينيين.. المثير أن الرئيس الفلسطيني الذي لم يتمكن من دخول غزة المنكوبة ولا الاجتماع بأبناء وطنه على ارض فلسطين انتقل إلى تركيا حيث يسعى الرئيس أردوغان لتنظيم لقاء بينه وبين غريمه الأول هنية قبل موعد لقاء القاهرة لجمع الفصائل الفلسطينية..
يصعب التكهن بما سيؤول إليه لقاء أنقرة ولكن المشهد في الجوار الليبي حيث يتناحر الإخوة الأعداء منذ أكثر من عقد وحيث لا يزال الحل السياسي والدستور والانتخابات في حكم المجهول في بلد اخترقته الحركات المسلحة وقسمته الجماعات الإرهابية واستوطنته القوة الأجنبية... وحتى لا نجانب الصواب فقد وجب القول إننا في تونس لسنا في وضع أفضل في ظل القطيعة الحاصلة في المشهد السياسي والتصحر الذي ساد في غياب المكونات الطبيعية للديموقراطية مثلث الأحزاب والمجتمع المدني والإعلام... وفي الذكرى السادسة والستين لعيد الجمهورية لا يبدو أن الحدث على أهميته يمكن أن يدفع إلى إذابة الجليد أو يمهد للخروج من دائرة الانقسامات السائدة ولا يبدو أن تداعيات موجة الحرارة غير المسبوقة والحرائق المتأججة والأزمات المتلاحقة يمكن أن تعيد الدفء إلى القلوب التي تجمدت بفعل الأحقاد والضغينة وانتشار ثقافة التخوين وانتصاب المحاكم الشعبية في الفضاءات الزرقاء لإصدار أحكامها بعد أن منحت نفسها حق أن تشق القلوب والنفوس والاطلاع على ما بداخلها.. نعم العالم يتغير إلا الإخوة الأعداء وكل داء له دواء يستطب به إلا داء الإخوة الأعداء.
اسيا العتروس
هناك داء مستفحل في العقلية السياسية للعرب وهو داء يبدو انه استعصى على امهر خبراء السياسة والمحللين والدبلوماسيين والعارفين بالعلاقات بين الزعماء السياسيين من أبناء الجلدة الواحدة وأبناء القضية الواحدة وأبناء الوطن الواحد والأمثلة كثيرة ومتعددة ولا يبدو أن موعد الخلاص قريب من هذا الداء الذي يمكن تصنيفه ضمن الأمراض المتفرعة عن النرجسية المفرطة الهدامة وهي تلك النرجسية التي تجعل الفرد يعتقد انه الأهم والأقدر على حل كل الأزمات وأنه الأجدر باهتمام الجميع من العامة إلى الخاصة من الأوساط الشعبية إلى الأوساط السياسية الرسمية والحزبية والإعلامية.. والأكيد أن البحث عن علاج أو تلقيح ضد هذا الداء أصبح أولوية مطلقة حتى تتطور العقول وتستقيم النفوس وتنضج العقليات وترتقي الأفكار والخيارات إلى ما ينبغي أن تكون عليه لا لمواجهة الأزمات القائمة فهذه مسألة ستحتاج إلى عقود طويلة ولكن على الأقل لكسب احترام الآخر والانتباه إلى مآسي ومخاطر هذا الداء الذي يجرف أصحاب السلطة ويدفع بهم إلى عزلة داخلية وخارجية مقيتة فلا ينتبهون إلى ما يحدث من تحولات من حولهم ولا يدركون ما يصيبهم من تهميش ومن تراجع لشعبيتهم ومكانتهم وما يمكن أن يلاحقهم أيضا من فشل ذريع بسبب خياراتهم وبسبب تفردهم بالمشهد وإقصائهم لكل الكفاءات الموثوق بها مستصغرين كل رأي مخالف ...
ولاشك أن الأمثلة في عالمنا العربي اليوم كثيرة ومتعددة وهي تحتاج لصدمة تهز الضمائر وتعيدها إلى الوعي المفقود لتنتبه إلى خطورة الانسياق وراء المبررات الوهمية لحالة الفشل الذي تجتره.. ولو أننا حاولنا رصد واستعراض هذه الحالات لوجدنا أنه حيثما وجدت الأزمات والصراعات والمآسي إلا وكانت مسبوقة بقطيعة إلى درجة التنافر بين أصحاب القضية الواحدة والوطن الواحد.. السودان الذي تخطى عتبة المائة يوم من الحرب يعيش على وقع استنزاف للأرواح والأملاك لا ينتهي والأرقام تعلن كل يوم مزيدا من القتلى والجرحى والمهجرين واللاجئين الذين ضاقت بهم سبل الحياة وتاهوا على الحدود بحثا عن ملجأ آمن كل ذلك فيما استحال الحوار واللقاء بين المتسببين في الحرب زعيم الجيش السوداني وزعيم قوات التدخل السريع اللذان يصران على مواصلة الحرب حتى لو لم يبق غيرهما على أرض السودان..
السيناريو ذاته مستمر في اليمن الحزين منذ نحو عقد ولا نهاية للنفق المظلم لان الجسور تقطعت ولا مجال لأطراف النزاع في اللقاء أو الحوار والأمر ذاته ينسحب على لبنان الصغير الذي استحال توافق نوابه لانتخاب رئيس وإخراج هذا البلد من محنة طالت.. ولو واصلنا إلى حد فلسطين سنجد أن الأمر بلغ بالإخوة الأعداء مبلغا حتى انه لم يعد العدو الأول هو الاحتلال ولكن العدو هو الطرف الفلسطيني الآخر سواء تعلق الأمر بغزة أو الضفة وقد فشلت على مدى عشرين عاما كل محاولات جمع زعماء الفلسطينيين.. المثير أن الرئيس الفلسطيني الذي لم يتمكن من دخول غزة المنكوبة ولا الاجتماع بأبناء وطنه على ارض فلسطين انتقل إلى تركيا حيث يسعى الرئيس أردوغان لتنظيم لقاء بينه وبين غريمه الأول هنية قبل موعد لقاء القاهرة لجمع الفصائل الفلسطينية..
يصعب التكهن بما سيؤول إليه لقاء أنقرة ولكن المشهد في الجوار الليبي حيث يتناحر الإخوة الأعداء منذ أكثر من عقد وحيث لا يزال الحل السياسي والدستور والانتخابات في حكم المجهول في بلد اخترقته الحركات المسلحة وقسمته الجماعات الإرهابية واستوطنته القوة الأجنبية... وحتى لا نجانب الصواب فقد وجب القول إننا في تونس لسنا في وضع أفضل في ظل القطيعة الحاصلة في المشهد السياسي والتصحر الذي ساد في غياب المكونات الطبيعية للديموقراطية مثلث الأحزاب والمجتمع المدني والإعلام... وفي الذكرى السادسة والستين لعيد الجمهورية لا يبدو أن الحدث على أهميته يمكن أن يدفع إلى إذابة الجليد أو يمهد للخروج من دائرة الانقسامات السائدة ولا يبدو أن تداعيات موجة الحرارة غير المسبوقة والحرائق المتأججة والأزمات المتلاحقة يمكن أن تعيد الدفء إلى القلوب التي تجمدت بفعل الأحقاد والضغينة وانتشار ثقافة التخوين وانتصاب المحاكم الشعبية في الفضاءات الزرقاء لإصدار أحكامها بعد أن منحت نفسها حق أن تشق القلوب والنفوس والاطلاع على ما بداخلها.. نعم العالم يتغير إلا الإخوة الأعداء وكل داء له دواء يستطب به إلا داء الإخوة الأعداء.