إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المعارضة في تونس..بين قصف السلطة والنيران الصديقة

تونس-الصباح

رغم مرور سنتين عن إعلان الرئيس قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية يوم 25جويلية 2021 فإنه لا أحد قادر على استقراء الأوضاع في تونس. موقف يترجمه السؤال المتداول بين الجميع دون استثناء "وين ماشية البلاد" حيث لا تزال الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تراوح مكانها دون أفق واضح أو حل محتمل.

ولا خلاف بأن السلطة التنفيذية بقيادة الرئيس قيس سعيد قد تجاوزت الإعصار السياسي  بعيد إعلانه عن واقعة 25جويلية بعد أن استحكمت "قرطاج" في مسار أهدافها بانجاز استفتاء السنة الماضية وانتخابات ديسمبر 2022 وجانفي 2023 وعقد أول جلسة للبرلمان دون مشاكل إلا أنها عجزت عن الخروج بالبلاد الى بر الأمان .

وحتى تضمن لنفسها البقاء والاستمرار وتنفيذا لرؤيتها السياسية عملت السلطة القائمة على إنهاء كل الوسائط المدنية والحزبية والإعلامية في إطار مشروع قاعدي لا فضل فيه لأحد على الشعب إلا سلطات التدابير الاستثنائية بما حولّها إلى اللاعب الأقوى رغم بعض المناوشات التي تطلقها المعارضة من حين إلى آخر .

كما عملت سلطات 25 جويلية على نزع فتيل الاحتجاج والتقليل من أهميته وتأثيره على ارض الواقع غير أن ذلك لم ينجح إذ تمكنت الأحزاب والمجتمع المدني من تخطي حاجز الخوف لتمر بعدها السلطة الى سرعتها القصوى والانطلاق في حملات إيقاف طالت قيادات الصف الأول من المعارضة ومستقلين ونقابيين.

وأمام تحولات المشهد وعلى الرغم من وحدة التوصيف بأنه لا مجال "لحكم الفرد في البلاد" حسب تصريحات عدة أحزاب ومن مختلف العائلات السياسية، فان أهداف المعارضة لم تكن بذات الوضوح لتعيش على إثرها الأحزاب والمنظمات تحت قصف السلطة.

انقسام الأحزاب..

تنقسم المعارضة بين من يسعى لـ"الإطاحة" بالنظام وما تلاه من مراسيم وتعيينات وبين من يعتقد "أن التشاركية في الحكم تمر عبر تثبيت حوار وطني "مشروط أو المشاركة في المحطات الانتخابية بما يقلل لاحقا من عمق الفجوة بين السلطة والأحزاب وبهدف إنهاء أدوار بعض من المعارضة وأساسا الراديكالية منها.

وحافظت المعارضة الراديكالية لنظام سعيد على علو صوتها وتواتر تحركاتها الميدانية حيث لم تمنع الإيقافات ضد زعماء الصف الأول للأحزاب من تراجع وتيرة الأنشطة بل كانت حافزا لمزيد فرض نفسها كبديل لما هو قائم ونجحت في 3 مناسبات بإقناع عموم الناخبين سواء بمقاطعة الاستفتاء أو بعدم الذهاب الى صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية لتكون أرقام ومعطيات المشاركة المصرح بها أكبر دليل على ذلك.

وإذ نجحت المعارضة في ضرب مصداقية الاستفتاء وتشريعية 2022/2023 فإنها لم تنجح في فرض خطتها وسحب قيس سعيد الى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها رغم حجم الضغط الذي مورس عليه منذ 25 جويلية 2021.

في المقابل نجح رئيس الجمهورية في تفعيل خريطة الطريق المعلنة يوم 13ديسمبر 2021 بعد أن تضمنت مواعيد  لكل أشكال الانتخابات إلا الانتخابات الرئاسية.

وقد لمست المعارضة الوطنية أن طريق الانتخابات السابقة لأوانها بات مغلقا في ظل إصرار السلطة التنفيذية على الذهاب برؤيتها بعيدا بل وفرضها كأمر واقع على الجميع باستثناء حركة النهضة وجبهة الخلاص والتيار الديمقراطي والحزب الجمهوري الذين يتمسكون بانتخابات رئاسية قبل أوانها.

ومع تأكد جل الأحزاب بأن هامش المناورة داخل مربع الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها قد أفضى الى نتيجة صفرية عادت الشخصيات الوطنية لمناقشة موضوع الانتخابات ولكن من بوابة موعدها الأصلي أي سنة 2024.

وخرج هذا الحديث من سياق الصالونات المغلقة ومناقشات المكاتب التنفيذية للأحزاب الى الفضاء العام بعد أن شكل التكلم فيه منذ وقت قصير واحدا من الموضوعات الموجبة "للتآمر على أمن الدولة " كما هو حال القضية التي أوقف بسببها جمع من السياسيين أو ما بات يعرف إعلاميا بقضية خيام التركي.

الخلافات…المرض العضال

وواقعيا لم تكن المعارضة التونسية تحت قصف السلطة فحسب إذ تحرص بعض الأحزاب على خلق خطوط موازية للعمل السياسي المشترك بل وتكثف من زرع الألغام في حقول بعضها البعض.

ولئن شكل النشاط السياسي الأخير لبعض الأحزاب قبل الإفراج عن  شيماء عيسى ولزهر العكرمي مدخلا متوقعا لتدعيم ميزان داخل المعارضة في مصارعتها للسلطة وحديث بعض القيادات عن خلق  الإطار الأمثل لقيادة مرحلة سياسية جديدة قوامها توحيد العمل المشترك في مواجهته لنظام الرئيس قيس سعيد وتجاوز واقع الخلافات بينها فإن ذلك لم يحصل.

فقد دعت جبهة الخلاص الى اجتماع عام اليوم أمام المسرح البلدي بالعاصمة لتسليط الضوء على المستجدات الوطنية والتعبير عن التضامن مع كافة الموقوفين السياسيين ومساندة عائلاتهم.

في المقابل أحزاب التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري وحزب العمال والقطب الى مسيرة مواطنية في نفس اليوم وعلى بعد أمتار قليلة من تحرك جبهة الخلاص ليتأكد الجميع انه لا تقارب سياسي بين قطبي المعارضة وأن كلاهما يعيش تحت وطأة العزلة ورفض التقارب بما يجعلهم جميعا دون مخالب أمام السلطة .

تمييزا في الدفاع عن الموقوفين

ولا تبدو حظوظ الدفاع عن المساجين السياسيين والتعريف بقضاياهم بعد حملة الإيقافات الممتدة لأكثر من 5 أشهر حظوظا متساوية .

غياب المساواة في الدفاع عن كل المعتقلين كشف عن شكل من أشكال التمييز بين الشخصيات السياسية الموقوفة على خلفية القضايا المرفوعة ضدهم في إطار ما يسمى"بالتآمر على امن الدولة".

وإذ نجح النظام في "ضرب خصومه" على حد وصف هيئات الدفاع عن الموقوفين فقد فشلت المعارضة في تحريرهم بعد أن ميزت بين الملفات ووضعت أسبقية للبعض على حساب البعض الآخر.

ولم يعد التمييز بين الموقوفين مجرد ملاحظة عابرة بل تأكدت من خلال إصرار أحزاب على الانتصار لمجموعة بعينها والترويج لها إعلاميا وحقوقيا عبر نشر صورهم وقضاياهم دون البقية.

خليل الحناشي

المعارضة في تونس..بين قصف السلطة والنيران الصديقة

تونس-الصباح

رغم مرور سنتين عن إعلان الرئيس قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية يوم 25جويلية 2021 فإنه لا أحد قادر على استقراء الأوضاع في تونس. موقف يترجمه السؤال المتداول بين الجميع دون استثناء "وين ماشية البلاد" حيث لا تزال الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تراوح مكانها دون أفق واضح أو حل محتمل.

ولا خلاف بأن السلطة التنفيذية بقيادة الرئيس قيس سعيد قد تجاوزت الإعصار السياسي  بعيد إعلانه عن واقعة 25جويلية بعد أن استحكمت "قرطاج" في مسار أهدافها بانجاز استفتاء السنة الماضية وانتخابات ديسمبر 2022 وجانفي 2023 وعقد أول جلسة للبرلمان دون مشاكل إلا أنها عجزت عن الخروج بالبلاد الى بر الأمان .

وحتى تضمن لنفسها البقاء والاستمرار وتنفيذا لرؤيتها السياسية عملت السلطة القائمة على إنهاء كل الوسائط المدنية والحزبية والإعلامية في إطار مشروع قاعدي لا فضل فيه لأحد على الشعب إلا سلطات التدابير الاستثنائية بما حولّها إلى اللاعب الأقوى رغم بعض المناوشات التي تطلقها المعارضة من حين إلى آخر .

كما عملت سلطات 25 جويلية على نزع فتيل الاحتجاج والتقليل من أهميته وتأثيره على ارض الواقع غير أن ذلك لم ينجح إذ تمكنت الأحزاب والمجتمع المدني من تخطي حاجز الخوف لتمر بعدها السلطة الى سرعتها القصوى والانطلاق في حملات إيقاف طالت قيادات الصف الأول من المعارضة ومستقلين ونقابيين.

وأمام تحولات المشهد وعلى الرغم من وحدة التوصيف بأنه لا مجال "لحكم الفرد في البلاد" حسب تصريحات عدة أحزاب ومن مختلف العائلات السياسية، فان أهداف المعارضة لم تكن بذات الوضوح لتعيش على إثرها الأحزاب والمنظمات تحت قصف السلطة.

انقسام الأحزاب..

تنقسم المعارضة بين من يسعى لـ"الإطاحة" بالنظام وما تلاه من مراسيم وتعيينات وبين من يعتقد "أن التشاركية في الحكم تمر عبر تثبيت حوار وطني "مشروط أو المشاركة في المحطات الانتخابية بما يقلل لاحقا من عمق الفجوة بين السلطة والأحزاب وبهدف إنهاء أدوار بعض من المعارضة وأساسا الراديكالية منها.

وحافظت المعارضة الراديكالية لنظام سعيد على علو صوتها وتواتر تحركاتها الميدانية حيث لم تمنع الإيقافات ضد زعماء الصف الأول للأحزاب من تراجع وتيرة الأنشطة بل كانت حافزا لمزيد فرض نفسها كبديل لما هو قائم ونجحت في 3 مناسبات بإقناع عموم الناخبين سواء بمقاطعة الاستفتاء أو بعدم الذهاب الى صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية لتكون أرقام ومعطيات المشاركة المصرح بها أكبر دليل على ذلك.

وإذ نجحت المعارضة في ضرب مصداقية الاستفتاء وتشريعية 2022/2023 فإنها لم تنجح في فرض خطتها وسحب قيس سعيد الى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها رغم حجم الضغط الذي مورس عليه منذ 25 جويلية 2021.

في المقابل نجح رئيس الجمهورية في تفعيل خريطة الطريق المعلنة يوم 13ديسمبر 2021 بعد أن تضمنت مواعيد  لكل أشكال الانتخابات إلا الانتخابات الرئاسية.

وقد لمست المعارضة الوطنية أن طريق الانتخابات السابقة لأوانها بات مغلقا في ظل إصرار السلطة التنفيذية على الذهاب برؤيتها بعيدا بل وفرضها كأمر واقع على الجميع باستثناء حركة النهضة وجبهة الخلاص والتيار الديمقراطي والحزب الجمهوري الذين يتمسكون بانتخابات رئاسية قبل أوانها.

ومع تأكد جل الأحزاب بأن هامش المناورة داخل مربع الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها قد أفضى الى نتيجة صفرية عادت الشخصيات الوطنية لمناقشة موضوع الانتخابات ولكن من بوابة موعدها الأصلي أي سنة 2024.

وخرج هذا الحديث من سياق الصالونات المغلقة ومناقشات المكاتب التنفيذية للأحزاب الى الفضاء العام بعد أن شكل التكلم فيه منذ وقت قصير واحدا من الموضوعات الموجبة "للتآمر على أمن الدولة " كما هو حال القضية التي أوقف بسببها جمع من السياسيين أو ما بات يعرف إعلاميا بقضية خيام التركي.

الخلافات…المرض العضال

وواقعيا لم تكن المعارضة التونسية تحت قصف السلطة فحسب إذ تحرص بعض الأحزاب على خلق خطوط موازية للعمل السياسي المشترك بل وتكثف من زرع الألغام في حقول بعضها البعض.

ولئن شكل النشاط السياسي الأخير لبعض الأحزاب قبل الإفراج عن  شيماء عيسى ولزهر العكرمي مدخلا متوقعا لتدعيم ميزان داخل المعارضة في مصارعتها للسلطة وحديث بعض القيادات عن خلق  الإطار الأمثل لقيادة مرحلة سياسية جديدة قوامها توحيد العمل المشترك في مواجهته لنظام الرئيس قيس سعيد وتجاوز واقع الخلافات بينها فإن ذلك لم يحصل.

فقد دعت جبهة الخلاص الى اجتماع عام اليوم أمام المسرح البلدي بالعاصمة لتسليط الضوء على المستجدات الوطنية والتعبير عن التضامن مع كافة الموقوفين السياسيين ومساندة عائلاتهم.

في المقابل أحزاب التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري وحزب العمال والقطب الى مسيرة مواطنية في نفس اليوم وعلى بعد أمتار قليلة من تحرك جبهة الخلاص ليتأكد الجميع انه لا تقارب سياسي بين قطبي المعارضة وأن كلاهما يعيش تحت وطأة العزلة ورفض التقارب بما يجعلهم جميعا دون مخالب أمام السلطة .

تمييزا في الدفاع عن الموقوفين

ولا تبدو حظوظ الدفاع عن المساجين السياسيين والتعريف بقضاياهم بعد حملة الإيقافات الممتدة لأكثر من 5 أشهر حظوظا متساوية .

غياب المساواة في الدفاع عن كل المعتقلين كشف عن شكل من أشكال التمييز بين الشخصيات السياسية الموقوفة على خلفية القضايا المرفوعة ضدهم في إطار ما يسمى"بالتآمر على امن الدولة".

وإذ نجح النظام في "ضرب خصومه" على حد وصف هيئات الدفاع عن الموقوفين فقد فشلت المعارضة في تحريرهم بعد أن ميزت بين الملفات ووضعت أسبقية للبعض على حساب البعض الآخر.

ولم يعد التمييز بين الموقوفين مجرد ملاحظة عابرة بل تأكدت من خلال إصرار أحزاب على الانتصار لمجموعة بعينها والترويج لها إعلاميا وحقوقيا عبر نشر صورهم وقضاياهم دون البقية.

خليل الحناشي