إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الفنان التونسي في المهرجانات الصيفية.. " التونسي لا يستهلك تونسي" فكرة مغلوطة وشباب الأغنية التونسية أحق بفرص الدعم

 

فرض المشاريع الابداعية التونسية فرض للبعد الثقافي لمهرجاناتنا

تونس - الصباح

يشكل الإنتاج الفني التونسي مساحة هامشية في عروض كبرى المهرجانات التونسية فرغم النسب، التي تؤكد أن أكثر من 50 بالمائة من السهرات تونسية وأحيانا تكون هذه النسبة أعلى ومع ذلك لا تعكس الخيارات القائمة على المنتوج الموسيقي المحلي مقومات أخرى من الضروري توفرها على مستوى برمجة السهرات التونسية فالدعاية ضعيفة والميزانية المخصصة للفنان التونسي متواضعة وفي أحيان كثيرة لا ينال الفنان أجرا عن هذه الحفلات بعد دفع أجور المجموعة الموسيقية المرافقة ومحاولة تحسين ظروف العرض على المستوى التقني والدعائي بدفع التكاليف من ماله الخاص.

وفي خضم هذه العقبات والصعوبات المالية واللوجستية المرتبطة بحضور الفنان التونسي في المهرجانات، تتعالى أصوات تستهزأ بالإنتاج الفني الوطني بتعلة أن صانع الفرجة التونسي من مطربين، مسرحيين وغيرهم من مبدعي العروض الحية غير قادرين على منافسة الفنان العربي والأجنبي على مستوى شباك التذاكر متناسيا أسس إنشاء هذه المهرجانات والتظاهرات الفنية ودورها في دفع منوال التنموية ودعم الثقافة الوطنية.

البحث عن الربح المالي وعائدات تغطي تكاليف تنظيم المهرجانات الصيفية حق مشروع ومن البديهي السعي لتحقيق هذا الهدف ولكن في إطار رؤية جادة وهادفة تلبي مختلف الأذواق الفنية وتحافظ على خصوصية التظاهرات التونسية والموجهة لجمهور واعي ومنفتح على مختلف التعبيرات الإبداعية وقادر على التميز بين المضامين المبرمجة في العروض الفنية.

سياسة ثقافية !!

مراجعة السياسة الثقافية - رغم اعتقادنا أن خيارات وزارة الشؤون الثقافية لا تعكس ملامح مشروع ثقافي وطني متكامل- مسألة حتمية فاستمرار هذا التهاون في التعامل مع المنتوج الإبداعي التونسي يصل أحيانا إلى حد "تقزيم" والقرارات الاعتباطية ووليدة اللحظة دون رؤية واستراتجية عمل، تراهن على البعد الإبداعي والفكري، يقودنا إلى مسار خطر قد يهدد في صورة تواصل هذا الاستسهال على مستوى البرمجة والتنظيم خصوصيات الثقافة التونسية، إشعاعها وبعدها التنموي.

لكن ضبابية الرؤية الخاصة بخيارات ومضامين المهرجانات الصيفية التونسية لم تمنع من بروز مشاريع فنية حاول أًصحابها بمجهودات ذاتية تقديم انتاج موسيقي، مسرحي، كوريغرافي وغيره لمبرمجين بعضهم آمن بهذه المضامين رغم الصعوبات المالية وآخرون قيدتهم الميزانيات وضغوطات "المحسوبية" و"شباك التذاكر" وفضلوا اعتماد أسهل الطرق لبرمجة "فلكلورية" تنشيطية.

منح مبرمجي المهرجانات والمديرين الفنين لهذه التظاهرات هامشا من حرية الاختيار دون قيود وضغوط مالية وفي إطار رؤية عميقة للحراك الإبداعي في بلادنا قادر على انتاج مادة ثقافية ترفيهية ترتقي بالذائقة الفنية للتونسيين وتكون في مستوى تطلعات هذه الجماهير،المتمكنة من استيعاب كل الفنون وتفاعل معها إيجابا أو سلبا فالجمهور التونسي بمختلف فئاته العمرية والثقافية والاجتماعية هو مستهلك للمنتوج الإبداعي منذ عقود ويحمل في تكوينه التربوي والفكري ملكات تجعله قادرا على التقييم ما يقترح عليه من برامج فنية والثقافية.

جمهور نوعي

ومن السهرات الداعمة لمنتوج فني تونسي، حضرها جمهور نوعي وعكست جودة فنية وصورة تليق بالحراك الموسيقي في بلادنا حفل مجموعتي "برزخ" و"كرطاغودز" ضمن فعاليات الدورة 57 لمهرجان قرطاج الدولي وسهرة "وعد الثنايا" لعبير دربال ومهدي الطرابلسي وخماسي لوجدي الشريف ضمن برمجة مهرجان الحمامات الدولي وهي من السهرات، التي تراهن على المشاريع الإبداعية والتجديد الموسيقى ضمن أنماط تجريبية حديثة تستلهم تصوراتها من تناغم الإيقاع والكلمة التونسية مع موسيقات العالم.

والمشاريع الإبداعية لصناع الفن في تونس عديدة وأنتجت الكثير من التصورات الموسيقية والمسرحية والكوريغرافية في السنتين الأخيرتين وتم عرضها في الموسم الثقافي المنقضي وتفاعل مع مضامينها جمهور أيام قرطاج الموسيقية، المسرحية والمخصصة للفن المعاصر وغيرها من التظاهرات ومع ذلك لا نجد في مراجعتنا للبرمجة الصيفية استثمار جاد لهذه الانتاجات ماعدا استثناءات قليلة يمكن في هذا السياق الإشارة لمهرجان الحمامات الدولي أو لخيارات مهرجان دقة الدولي القائم على رؤية متفردة مقارنة بغيره من التظاهرات لصائفة 2023.

ويمكن ادراج حضور الفنان الشاب مرتضى الفتيتي على ركح مسرح قرطاج الأثري في خانة "الفرص"، التي من الضروري منحها اليوم لشباب الأغنية التونسية وتكثيفها عوضا عن تقديمها على طبق لأسماء غير تونسية تملك الحظوة لدى متعهدي الحفلات وداعميهم من مديري المهرجانات وفي المقابل لا يحقق حضورها على مسارح تونس الجودة الفنية ولا المردود المالي المأمول على عكس ما يشاع من قدرتها على جذب الجماهير وفي الاطار نذكر بسهرة رحمة رياض وسيف نبيل في الدورة المنقضية من مهرجان قرطاج.

صناع الفرجة والدعم

فتراكم التجارب لمرتضى الفتيتي واجتهاده على امتداد سنوات واستعداده الجاد والجيد لسهرته على ركح قرطاج منحه النجاح فتفاعل جمهور قرطاج مع أعمال مرتضى الفتيتي ومنها "أنا اللي بغيت"، "ما سمعوا كلامو"، "رايدة"، "2000 كتاب" وجديده الغنائي "بورا بورا" و"ما علاباليش" يثبت قدرة الفنان التونسي على اعتلاء أهم المسارح وجذب جمهورها ولا نعتقد أن مرتضى الفتيتي الفنان الوحيد القادر على تحقيق هذا الرهان وكان بالإمكان منح هذه الفرص لعدد من الفنانين الشباب وأصحاب المشاريع الموسيقية في سهرات مشتركة في رؤية تكون هدفها دعم صناع الفرجة في بلادنا.

فرض الفنان التونسي في برمجة المهرجانات والتظاهرات الفنية والثقافية هو فرض لرؤية دولة تراهن على مبدعيها والإشكال الحقيقي حسب اعتقادنا لا يتعلق بقدرة الفنان على استقطاب جماهير وتحقيق المردود المالي للمهرجانات فهذه التعلة واهية لأطراف مشرفة على قطاع يفتقد لاستراتجية عمل وسياسة ثقافية قائمة على أسس متينة تعمل فحسب على ملأ الفراغات دون التفكير العميق في تداعيات خياراتها.

نجلاء قموع

 

 

 

 

 

الفنان التونسي في المهرجانات الصيفية..  " التونسي لا يستهلك تونسي" فكرة مغلوطة وشباب الأغنية التونسية أحق بفرص الدعم

 

فرض المشاريع الابداعية التونسية فرض للبعد الثقافي لمهرجاناتنا

تونس - الصباح

يشكل الإنتاج الفني التونسي مساحة هامشية في عروض كبرى المهرجانات التونسية فرغم النسب، التي تؤكد أن أكثر من 50 بالمائة من السهرات تونسية وأحيانا تكون هذه النسبة أعلى ومع ذلك لا تعكس الخيارات القائمة على المنتوج الموسيقي المحلي مقومات أخرى من الضروري توفرها على مستوى برمجة السهرات التونسية فالدعاية ضعيفة والميزانية المخصصة للفنان التونسي متواضعة وفي أحيان كثيرة لا ينال الفنان أجرا عن هذه الحفلات بعد دفع أجور المجموعة الموسيقية المرافقة ومحاولة تحسين ظروف العرض على المستوى التقني والدعائي بدفع التكاليف من ماله الخاص.

وفي خضم هذه العقبات والصعوبات المالية واللوجستية المرتبطة بحضور الفنان التونسي في المهرجانات، تتعالى أصوات تستهزأ بالإنتاج الفني الوطني بتعلة أن صانع الفرجة التونسي من مطربين، مسرحيين وغيرهم من مبدعي العروض الحية غير قادرين على منافسة الفنان العربي والأجنبي على مستوى شباك التذاكر متناسيا أسس إنشاء هذه المهرجانات والتظاهرات الفنية ودورها في دفع منوال التنموية ودعم الثقافة الوطنية.

البحث عن الربح المالي وعائدات تغطي تكاليف تنظيم المهرجانات الصيفية حق مشروع ومن البديهي السعي لتحقيق هذا الهدف ولكن في إطار رؤية جادة وهادفة تلبي مختلف الأذواق الفنية وتحافظ على خصوصية التظاهرات التونسية والموجهة لجمهور واعي ومنفتح على مختلف التعبيرات الإبداعية وقادر على التميز بين المضامين المبرمجة في العروض الفنية.

سياسة ثقافية !!

مراجعة السياسة الثقافية - رغم اعتقادنا أن خيارات وزارة الشؤون الثقافية لا تعكس ملامح مشروع ثقافي وطني متكامل- مسألة حتمية فاستمرار هذا التهاون في التعامل مع المنتوج الإبداعي التونسي يصل أحيانا إلى حد "تقزيم" والقرارات الاعتباطية ووليدة اللحظة دون رؤية واستراتجية عمل، تراهن على البعد الإبداعي والفكري، يقودنا إلى مسار خطر قد يهدد في صورة تواصل هذا الاستسهال على مستوى البرمجة والتنظيم خصوصيات الثقافة التونسية، إشعاعها وبعدها التنموي.

لكن ضبابية الرؤية الخاصة بخيارات ومضامين المهرجانات الصيفية التونسية لم تمنع من بروز مشاريع فنية حاول أًصحابها بمجهودات ذاتية تقديم انتاج موسيقي، مسرحي، كوريغرافي وغيره لمبرمجين بعضهم آمن بهذه المضامين رغم الصعوبات المالية وآخرون قيدتهم الميزانيات وضغوطات "المحسوبية" و"شباك التذاكر" وفضلوا اعتماد أسهل الطرق لبرمجة "فلكلورية" تنشيطية.

منح مبرمجي المهرجانات والمديرين الفنين لهذه التظاهرات هامشا من حرية الاختيار دون قيود وضغوط مالية وفي إطار رؤية عميقة للحراك الإبداعي في بلادنا قادر على انتاج مادة ثقافية ترفيهية ترتقي بالذائقة الفنية للتونسيين وتكون في مستوى تطلعات هذه الجماهير،المتمكنة من استيعاب كل الفنون وتفاعل معها إيجابا أو سلبا فالجمهور التونسي بمختلف فئاته العمرية والثقافية والاجتماعية هو مستهلك للمنتوج الإبداعي منذ عقود ويحمل في تكوينه التربوي والفكري ملكات تجعله قادرا على التقييم ما يقترح عليه من برامج فنية والثقافية.

جمهور نوعي

ومن السهرات الداعمة لمنتوج فني تونسي، حضرها جمهور نوعي وعكست جودة فنية وصورة تليق بالحراك الموسيقي في بلادنا حفل مجموعتي "برزخ" و"كرطاغودز" ضمن فعاليات الدورة 57 لمهرجان قرطاج الدولي وسهرة "وعد الثنايا" لعبير دربال ومهدي الطرابلسي وخماسي لوجدي الشريف ضمن برمجة مهرجان الحمامات الدولي وهي من السهرات، التي تراهن على المشاريع الإبداعية والتجديد الموسيقى ضمن أنماط تجريبية حديثة تستلهم تصوراتها من تناغم الإيقاع والكلمة التونسية مع موسيقات العالم.

والمشاريع الإبداعية لصناع الفن في تونس عديدة وأنتجت الكثير من التصورات الموسيقية والمسرحية والكوريغرافية في السنتين الأخيرتين وتم عرضها في الموسم الثقافي المنقضي وتفاعل مع مضامينها جمهور أيام قرطاج الموسيقية، المسرحية والمخصصة للفن المعاصر وغيرها من التظاهرات ومع ذلك لا نجد في مراجعتنا للبرمجة الصيفية استثمار جاد لهذه الانتاجات ماعدا استثناءات قليلة يمكن في هذا السياق الإشارة لمهرجان الحمامات الدولي أو لخيارات مهرجان دقة الدولي القائم على رؤية متفردة مقارنة بغيره من التظاهرات لصائفة 2023.

ويمكن ادراج حضور الفنان الشاب مرتضى الفتيتي على ركح مسرح قرطاج الأثري في خانة "الفرص"، التي من الضروري منحها اليوم لشباب الأغنية التونسية وتكثيفها عوضا عن تقديمها على طبق لأسماء غير تونسية تملك الحظوة لدى متعهدي الحفلات وداعميهم من مديري المهرجانات وفي المقابل لا يحقق حضورها على مسارح تونس الجودة الفنية ولا المردود المالي المأمول على عكس ما يشاع من قدرتها على جذب الجماهير وفي الاطار نذكر بسهرة رحمة رياض وسيف نبيل في الدورة المنقضية من مهرجان قرطاج.

صناع الفرجة والدعم

فتراكم التجارب لمرتضى الفتيتي واجتهاده على امتداد سنوات واستعداده الجاد والجيد لسهرته على ركح قرطاج منحه النجاح فتفاعل جمهور قرطاج مع أعمال مرتضى الفتيتي ومنها "أنا اللي بغيت"، "ما سمعوا كلامو"، "رايدة"، "2000 كتاب" وجديده الغنائي "بورا بورا" و"ما علاباليش" يثبت قدرة الفنان التونسي على اعتلاء أهم المسارح وجذب جمهورها ولا نعتقد أن مرتضى الفتيتي الفنان الوحيد القادر على تحقيق هذا الرهان وكان بالإمكان منح هذه الفرص لعدد من الفنانين الشباب وأصحاب المشاريع الموسيقية في سهرات مشتركة في رؤية تكون هدفها دعم صناع الفرجة في بلادنا.

فرض الفنان التونسي في برمجة المهرجانات والتظاهرات الفنية والثقافية هو فرض لرؤية دولة تراهن على مبدعيها والإشكال الحقيقي حسب اعتقادنا لا يتعلق بقدرة الفنان على استقطاب جماهير وتحقيق المردود المالي للمهرجانات فهذه التعلة واهية لأطراف مشرفة على قطاع يفتقد لاستراتجية عمل وسياسة ثقافية قائمة على أسس متينة تعمل فحسب على ملأ الفراغات دون التفكير العميق في تداعيات خياراتها.

نجلاء قموع