إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في ندوة فكرية.. نقل الوقائع من مكان الحدث عبر الأثير.. الاعلامي محمد المحرزي يستحضر أبرز احداث معركة بنزرت

 

 المشاركون يؤكدون على ضرورة تثبيت الذكرى في الذاكرة الوطنية

بنزرت- الصباح

 نظمت تنسيقية ذكرى معركة بنزرت، التي تضم عددا من الجمعيات الناشطة بالجهة منها صيانة المدينة والهلال الأخضر التونسي وبنزرت البحرية والارتقاء بحي الأندلس ، ندوة فكرية بالفضاء الأثري متحف سيدي الحني بالقصبة أثثها الإعلامي السابق الذي نقل عبر الأثير وقائع المعركة محمد المحرزي ،بحضور نخبة من المفكرين ، وقام بإدارة الحوار الكاتب والمناضل والمعتقل السياسي السابق محمد الصالح فليس وبين المحرزي أن موضوع الجلاء كان ثابتا في فكر الرئيس السابق الحبيب بورقيبة ، الذي كان يعبر في كل مناسبة عن رغبته في تجسيم السيادة والتخلص من الوجود الفرنسي من الشمال إلى الجنوب. وقد انتهز مرة عدم أداء جندي فرنسي له التحية أمام الثكنة العسكرية بالقصبة أثناء مروره أمامها من المرسى إلى قصر الحكومة ، ليطلب من الكاتب العام للحكومة خميس الحجري أن يصله هاتفيا بالمندوب السامي الفرنساوي، ليخاطبه بغضب : "احنا مستقلين والا موش مستقلين ؟ما معنى وأنا أمر كل يوم أمام ثكنتكم والعسكري متاعكم لا يؤدي لي التحية" ، ثم فرض على العسكريين الفرنسيين ألا يخرجوا من ثكناتهم ويدخلوا إليها إلا برخصة من السلط التونسية، وتم تعميم هذا الإجراء بكامل الولايات التي يوجد بها العسكر الفرنسي .

ودعمت أحداث سيدي يوسف فكرة الجلاء عنده، وخصوصا اعتماد فرنسا ما كانت تسمية حق المطاردة ، لتعقب المناضلين الجزائريين بتونس. وقد استغل فرصة إعلامه من قبل والي بنزرت محمد بالأمين بقيام فرنسا بتوسعة مهبط الطائرات بقاعدة سيدي أحمد الجوية، وهو ما يؤكد نيتها عدم الجلاء عن بنزرت، خصوصا وأنها كانت ترفض الدخول في مفاوضات سلمية لتحديد موعد للجلاء، وقرارها إرسال تعزيزات من جنود المضلات قادمة من الجزائر، لبدء الاستعداد للمعركة؛ إذ انطلقت بعد المظاهرات الشعبية بشوارع بنزرت أيام6 و9 وبتونس 14 جويلية ، واجتماع مجلس الأمة يوم 17 جويلية. لتنطلق معركة بنزرت يوم 19 جويلية وتمتد إلى مثل هذا اليوم السبت 22 جويلية 1961 .

وتحدث المحرزي عن طريقة نقله لوقائع المعركة عبر الأثير حيث خصص له البريد التونسي موقعا قرب ضريح الولي الصالح سيدي سالم ، ظاهره كوخ ، وداخله مؤثث بشكل مناسب للقيام بالمهمة، ونقل الاخبار 24 ساعة على 24 ساعة . وفيما يتعلق بعدد الضحايا أكد المحاضر أنهم بالمئات وفق معاينته الشخصية، وليس كما يتم تداوله من قبل البعض الذين يقدرون عددهم بالآلاف.

 وأكد كذلك أنه شاهد الشهيد الرائد محمد البجاوي وهو يوجه الجنود ويحثهم على القتال حتى بعد إصابته

 . التنازل عن بنزرت مقابل استقلال الجزائر

ومن المسائل التي مازال يستحضرها المحرزي اقتراح بورقيبة على فرنسا التنازل نهائيا لها عن بنزرت مقابل منحها الاستقلال للجزائر ، وهو ما رفضه شارل ديغول. وبين كذلك أنه كان شاهدا على تفتيش المظليين الفرنسيين سيارة الأمين العام للأمم المتحدة داغ هامرشولد الذي كان مرفوقا بالباجي قايد السبسي

ملخص المعركة

وفي ملخص له عن أيام المعركة بين الناشط المجتمعي محمد علي بن قايد حسين في تصريح له ل"الصباح" أن اليوم الأول في 19 جويلية شهد تحصن الجنود بخنادق قرب قاعدة سيدي أحمد ومحاصرتها ، وتم إسقاط طائرة استكشاف عمودية بمدفعية الجيش التونسي غرب القاعدة .

ويوم الخميس 20 جويلية نظم الاتحاد النسائي مظاهرة نسائية. وحاول الملازم الأول آنذاك حميدة الفرشيشي أن يوقف المسيرة على مستوى باب ماطر خوفا على سلامة المشاركات ، لكن عزمهن كان أكبر ، وواصلن المسيرة وهن يرددن "الجلاء السلاح" وعند الوصول الى المصيدة ، فتح المستعمر النار على المتظاهرين من شبابيك عمارات الجيش الفرنسي فسقط عدد من القتلى منهم ثماني مناضلات من بينهن المناضلة الشهيدة حبيبة جبالية وكانت حاملا في الشهر الرابع والتي أبت إلا أن تكون في طليعة المظاهرة . اليوم الثالث للمعركة كان أخطر أيام المعركة حيث تلقت القيادة الفرنسية الإذن من باريس باكتساح المدينة ، وبالمقابل تلقت القوات التونسية الامر بأن تستميت في الدفاع عن بنزرت شبرا شبرا. ومنذ فجر الجمعة حمي وطيس المعارك في منزل عبد الرحمان ومنزل جميل و طريق سيدي أحمد والمصيدة. وفي اليوم الرابع لمعركة بنزرت السبت 22 جويلية بلغت حرب الشوارع أشدها وصمدت القوات الوطنية التونسية في دفاعها المستميت عن بنزرت وخاصة في المدينة العتيقة ووقف المواطنون وقفة رجل واحد إلى جانب المقاومة حيث تم إيواء المتطوعين في جميع الأحياء والمساكن ب"البلاد العربي " وحرص الأهالي على توفير الأكل والمشرب لكل المقاومين من جيش وحرس ومتطوعين.

لقد كانت المدينة العتيقة بمثابة الحصن الحصين للمقاومة التونسية ، ولم يتمكن جيش العدو من دخولها وأظهر الجنود البواسل والحرس الوطني مهارة كبيرة في مجال مقاومة جيوش المظلات والمدرعات والدبابات التي هدمت المباني وأبواب المحلات وتركت في جميع أنحاء المدينة جثث الضحايا من الأبرياء العزل لليوم الثالث على التوالي.

 وتوالت غارات سلاح الجو الفرنسي منطلقة من قاعدة سيدي أحمد أو من حاملة الطائرات وانهالت مئات بل آلاف القذائف والقنابل المحرقة على المنازل والمراكز التونسية والحواجز والسدود في عملية إبادة جماعية للاطفال والنساء ظنا منها أن ذلك سيفل من عزم مقاتلينا الذين واجهوها ببطولة نموذجية وتمكنوا من تدمير حوالي عشر دبابات للجيش الفرنسي . وفي خاتمة حديثه أكد بن قايد حسين أهمية استحضار هذه الذكرى لتمثل دورها الكبير في الجلاء عن بنزرت في 15 أكتوبر 1963.

 توظيف الذكرى لتعزيز الروح الوطنية

ومن جهته أكد المناضل محمد الصالح فليس في تصريحه لـ"الصباح" ضرورة تثبيت هذه الذكرى في الذاكرة الوطنية ومواصلة العمل على إيجاد صيغ لإثارتها والحديث عنها والتعمق في البحث فيها كحدث تاريخي تم تغييبه بمقتضى سياسي قاصر وفئوي ومزاجي ، رغم أهميته وضرورة توظيفه لبناء الروح الوطنية وروح الانتماء التي بدأت تتلاشى عند شبابنا.

منصور غرسلي

 

 

 

 

في ندوة فكرية..  نقل الوقائع من مكان الحدث عبر الأثير.. الاعلامي محمد المحرزي يستحضر أبرز احداث معركة بنزرت

 

 المشاركون يؤكدون على ضرورة تثبيت الذكرى في الذاكرة الوطنية

بنزرت- الصباح

 نظمت تنسيقية ذكرى معركة بنزرت، التي تضم عددا من الجمعيات الناشطة بالجهة منها صيانة المدينة والهلال الأخضر التونسي وبنزرت البحرية والارتقاء بحي الأندلس ، ندوة فكرية بالفضاء الأثري متحف سيدي الحني بالقصبة أثثها الإعلامي السابق الذي نقل عبر الأثير وقائع المعركة محمد المحرزي ،بحضور نخبة من المفكرين ، وقام بإدارة الحوار الكاتب والمناضل والمعتقل السياسي السابق محمد الصالح فليس وبين المحرزي أن موضوع الجلاء كان ثابتا في فكر الرئيس السابق الحبيب بورقيبة ، الذي كان يعبر في كل مناسبة عن رغبته في تجسيم السيادة والتخلص من الوجود الفرنسي من الشمال إلى الجنوب. وقد انتهز مرة عدم أداء جندي فرنسي له التحية أمام الثكنة العسكرية بالقصبة أثناء مروره أمامها من المرسى إلى قصر الحكومة ، ليطلب من الكاتب العام للحكومة خميس الحجري أن يصله هاتفيا بالمندوب السامي الفرنساوي، ليخاطبه بغضب : "احنا مستقلين والا موش مستقلين ؟ما معنى وأنا أمر كل يوم أمام ثكنتكم والعسكري متاعكم لا يؤدي لي التحية" ، ثم فرض على العسكريين الفرنسيين ألا يخرجوا من ثكناتهم ويدخلوا إليها إلا برخصة من السلط التونسية، وتم تعميم هذا الإجراء بكامل الولايات التي يوجد بها العسكر الفرنسي .

ودعمت أحداث سيدي يوسف فكرة الجلاء عنده، وخصوصا اعتماد فرنسا ما كانت تسمية حق المطاردة ، لتعقب المناضلين الجزائريين بتونس. وقد استغل فرصة إعلامه من قبل والي بنزرت محمد بالأمين بقيام فرنسا بتوسعة مهبط الطائرات بقاعدة سيدي أحمد الجوية، وهو ما يؤكد نيتها عدم الجلاء عن بنزرت، خصوصا وأنها كانت ترفض الدخول في مفاوضات سلمية لتحديد موعد للجلاء، وقرارها إرسال تعزيزات من جنود المضلات قادمة من الجزائر، لبدء الاستعداد للمعركة؛ إذ انطلقت بعد المظاهرات الشعبية بشوارع بنزرت أيام6 و9 وبتونس 14 جويلية ، واجتماع مجلس الأمة يوم 17 جويلية. لتنطلق معركة بنزرت يوم 19 جويلية وتمتد إلى مثل هذا اليوم السبت 22 جويلية 1961 .

وتحدث المحرزي عن طريقة نقله لوقائع المعركة عبر الأثير حيث خصص له البريد التونسي موقعا قرب ضريح الولي الصالح سيدي سالم ، ظاهره كوخ ، وداخله مؤثث بشكل مناسب للقيام بالمهمة، ونقل الاخبار 24 ساعة على 24 ساعة . وفيما يتعلق بعدد الضحايا أكد المحاضر أنهم بالمئات وفق معاينته الشخصية، وليس كما يتم تداوله من قبل البعض الذين يقدرون عددهم بالآلاف.

 وأكد كذلك أنه شاهد الشهيد الرائد محمد البجاوي وهو يوجه الجنود ويحثهم على القتال حتى بعد إصابته

 . التنازل عن بنزرت مقابل استقلال الجزائر

ومن المسائل التي مازال يستحضرها المحرزي اقتراح بورقيبة على فرنسا التنازل نهائيا لها عن بنزرت مقابل منحها الاستقلال للجزائر ، وهو ما رفضه شارل ديغول. وبين كذلك أنه كان شاهدا على تفتيش المظليين الفرنسيين سيارة الأمين العام للأمم المتحدة داغ هامرشولد الذي كان مرفوقا بالباجي قايد السبسي

ملخص المعركة

وفي ملخص له عن أيام المعركة بين الناشط المجتمعي محمد علي بن قايد حسين في تصريح له ل"الصباح" أن اليوم الأول في 19 جويلية شهد تحصن الجنود بخنادق قرب قاعدة سيدي أحمد ومحاصرتها ، وتم إسقاط طائرة استكشاف عمودية بمدفعية الجيش التونسي غرب القاعدة .

ويوم الخميس 20 جويلية نظم الاتحاد النسائي مظاهرة نسائية. وحاول الملازم الأول آنذاك حميدة الفرشيشي أن يوقف المسيرة على مستوى باب ماطر خوفا على سلامة المشاركات ، لكن عزمهن كان أكبر ، وواصلن المسيرة وهن يرددن "الجلاء السلاح" وعند الوصول الى المصيدة ، فتح المستعمر النار على المتظاهرين من شبابيك عمارات الجيش الفرنسي فسقط عدد من القتلى منهم ثماني مناضلات من بينهن المناضلة الشهيدة حبيبة جبالية وكانت حاملا في الشهر الرابع والتي أبت إلا أن تكون في طليعة المظاهرة . اليوم الثالث للمعركة كان أخطر أيام المعركة حيث تلقت القيادة الفرنسية الإذن من باريس باكتساح المدينة ، وبالمقابل تلقت القوات التونسية الامر بأن تستميت في الدفاع عن بنزرت شبرا شبرا. ومنذ فجر الجمعة حمي وطيس المعارك في منزل عبد الرحمان ومنزل جميل و طريق سيدي أحمد والمصيدة. وفي اليوم الرابع لمعركة بنزرت السبت 22 جويلية بلغت حرب الشوارع أشدها وصمدت القوات الوطنية التونسية في دفاعها المستميت عن بنزرت وخاصة في المدينة العتيقة ووقف المواطنون وقفة رجل واحد إلى جانب المقاومة حيث تم إيواء المتطوعين في جميع الأحياء والمساكن ب"البلاد العربي " وحرص الأهالي على توفير الأكل والمشرب لكل المقاومين من جيش وحرس ومتطوعين.

لقد كانت المدينة العتيقة بمثابة الحصن الحصين للمقاومة التونسية ، ولم يتمكن جيش العدو من دخولها وأظهر الجنود البواسل والحرس الوطني مهارة كبيرة في مجال مقاومة جيوش المظلات والمدرعات والدبابات التي هدمت المباني وأبواب المحلات وتركت في جميع أنحاء المدينة جثث الضحايا من الأبرياء العزل لليوم الثالث على التوالي.

 وتوالت غارات سلاح الجو الفرنسي منطلقة من قاعدة سيدي أحمد أو من حاملة الطائرات وانهالت مئات بل آلاف القذائف والقنابل المحرقة على المنازل والمراكز التونسية والحواجز والسدود في عملية إبادة جماعية للاطفال والنساء ظنا منها أن ذلك سيفل من عزم مقاتلينا الذين واجهوها ببطولة نموذجية وتمكنوا من تدمير حوالي عشر دبابات للجيش الفرنسي . وفي خاتمة حديثه أكد بن قايد حسين أهمية استحضار هذه الذكرى لتمثل دورها الكبير في الجلاء عن بنزرت في 15 أكتوبر 1963.

 توظيف الذكرى لتعزيز الروح الوطنية

ومن جهته أكد المناضل محمد الصالح فليس في تصريحه لـ"الصباح" ضرورة تثبيت هذه الذكرى في الذاكرة الوطنية ومواصلة العمل على إيجاد صيغ لإثارتها والحديث عنها والتعمق في البحث فيها كحدث تاريخي تم تغييبه بمقتضى سياسي قاصر وفئوي ومزاجي ، رغم أهميته وضرورة توظيفه لبناء الروح الوطنية وروح الانتماء التي بدأت تتلاشى عند شبابنا.

منصور غرسلي