لابد من الاعتراف أن السياحة التونسية فقدت الكثير من بريقها منذ العام 2011 وتعرّضت لنكسة كبرى خلال سنتي 2020 و 2021 بسبب جائحة الكورونا.
فهذا القطاع الذي يشغّل أكثر من مليون شخص بين قار وعرضي والمصدر الأول للعملة الصعبة لم يعد كذلك بل أصبح عاملا معطّلا للاقتصاد رغم عودة الانتعاشة له ورغم الدعم الكبير الذي يلقاه من الدولة ومن البنوك ومن الشركة التونسية الكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال المياه والصناديق الاجتماعية فهو القطاع المدلّل بامتياز ولكن السؤال الذي يظل قائما هو أين أموال السياحة من العملة الأجنبية وأين الأموال الكثيرة التي "تنهب" من جيوب التونسيين بطرق ملتوية.
أموال متبخّرة
النزل في تونس تستقبل ما يناهز الأربعين في المائة من السياح الأجانب والبقية من التونسيين. وقد حل ببلادنا في سنة 2022 ووفق إحصائيات رسمية 6 ملايين و437 ألف سائح من مختلف الجنسيات بعائدات تناهز نحو 4.279 مليارات دينار (1.384 مليار دولار) بحسب ما مصرّح به وهو رقم لا يتناسب مع عدد السياح ما يعني أن الكثير من هذه العائدات من العملة الصعبة لا تحوّل الى تونس وهي نقطة محيّرة. وقد عّبر عنها محافظ البنك المركزي السابق الشاذلي العياري خلال جلسة عامة بمجلس نواب الشعب في 16 ماي 2017، حينما تساءل عن مصير عائدات قطاع السياحة رغم المؤشرات الإيجابية المسجلة حينها . وأطلق صرخته الشهيرة "وينهم فلوس السياحة وين مشاو؟".
ورغم أن القانون التونسي يمنح الحق لشركات السياحية الإبقاء على 20 بالمائة من العائدات السياحية بالخارج. الا ان النسبة التي يتمّ الإبقاء عليها تبدو أكبر بكثير. ومن بين التفسيرات هو مضاربة هذه الشركات بالتوافق مع النزل وانتظار تراجع الدينار أكثر فأكثر لتحقيق أكبر الارباح.فضلا عن أنّ ذلك يعتبر وجها من أوجه غسيل الأموال.
من هنا نفهم اعتماد النزل في تغطية مصاريفها وتحقيق الجزء الأكبر من مرابيحها من السوق الداخلية بكثير من الابتزاز و بأسعار السياح الأجانب.
ابتزاز كبير وجحود أكبر
الحريف التونسي أنقذ عددا كبيرا من النزل من الإفلاس والاغلاق خلال الحجر العالمي بسبب جائحة كورونا وكان مبجلا .لكن المعاملة تغيّرت بعد رفع الحجر وبدأ يعامل التونسي بكثير من الجحود وبكثير من الغلاء.
ووكالات الاسفار والنزل تمارس الكثير من التحيّل على السائح التونسي وهم يعاملونه على سبيل المنّ وبكثير من الجحود والتهميش غير المفهوم خاصة وأن السياح التونسيين يدفعون مثل الأجانب وأكثر لكنهم يلقون اهتماما أقل.فعلى سبيل المثال فانّ عائلة متكونة من 4 أفراد يدفعون ما بين 600 و 800 د في نزل من فئة 3 أو 4 نجوم. ويكون الرقم أكبر حين الحديث عن نزل من فئة خمس نجوم. كما أن أغلب النزل ترفض أن تستقبل السياح التونسيين لأقل من 4 ليال .و بالتالي يكون متوسط المبلغ في حدود 2500د فضلا عن مصاريف التنقل وغيرها.
أمّا المشاكل الأخرى التي يواجهها التونسيون فهو عدم احترام أغلب النزل للتصنيف فنزل أربع نجوم مثلا يقدمّ خدمات نزل ثلاث نجوم وكذلك الشأن لبقية التصنيفات وهو نوع من التحيّل لابدّ من التصدّي له ومراقبته جيدا من طرف وزارة السياحة التي يبدو أنها تركت الحريف التونسي فريسة لهؤلاء .
حيث أنّ المعايير الجديدة لتصنيف النزل السياحية التونسية والتي أعلنت عنها وزارة السياحة يوم 26 فيفري 2021 في اطار مراجعة نظام تصنيف النزل السياحية لم يتمّ التعامل معها بصفة جدية من طرف أغلب النزل .والحريف حقيقة لا يحسّ فروقا كبيرة بين الإقامة في نزل من مختلف التصنيفات فالخدمات تكاد تكون ذاتها ولا فرق سوى في السعر .
وكثيرا ما يحتج الحرفاء على الخدمات المقدّمة وعدم تلائمها مع المبالغ التي يدفعونها
غياب الرقابة
كما قلنا بات من الواضح أن سلطة الاشراف على القطاع وتحديدا وزارة السياحة والديوان الوطني للسياحة قد تركا السائح التونسي فريسة لأباطرة النزل ووكالات الأسفار حيث أن أغلب برامجهما موجّهة لكيفية جلب السائح الأجنبي والعناية به رغم أنّه يدفع أقل من السائح التونسي ولا يساهم في الحركة التجارية للمدن التي يقصدها عكس التونسيين وما يلاحظ هو اقتصار أغلب السياح الأجانب على الإقامة في النزل لأنهم من الطبقة الوسطى والفقيرة وكل ما يملكه الواحد منهم يدفعه قبل حلوله بتونس لوكالة الأسفار.
وهذا الخطأ لابدّ أن يتمّ تلافيه من قبل السلط المشرفة على النزل اذ يجب أن تنقلب المعادلة ويكون السائح التونسي في صدارة الاهتمام .
فمهام الديوان الوطني للسياحة المحدث في 1970 تبدو منقوصة كما وردت في تعريفه وهي تنمية القطاع السياحي وتنظيم ومراقبة النشاط السياحي والترويج والنهوض بالمنتوج. ولا نجد ما يدلّ على اهتمام بالسائح التونسي والدفاع عن مقدرته المالية ومنحه تفاضلية في نزل بلاده .
وهذا ما جعل التونسي يحسّ نفسه غريبا في هذه النزل ويدفع أكثر من السائح الأجنبي ويعامل معاملة أقلّ منه .
هجرة سياحية
بسبب كل ما ذكرنا وغيره من الأسباب التي لم نذكر بدأت ظاهرة في البروز وهي اختيار العائلات التونسية لقضاء عطلتها خارج الحدود في دول مجاورة لنا بأسعار أقلّ وخدمات أرقى .هذابالإضافة الى أن عددا كبيرا من العائلات التونسية المقيمة بالخارج لم تعد تحبّذ قضاء العطلة في وطنها ونزلها والكثير منها بدأت تفضل الوجهة الاسبانية والمغربية واليونانية لذات السبب الذي ذكرنا إضافة الى الغلاء الكبير في تذاكر السفر اذ بعملية بسيطة نجد أن أسرة متكونة من 4 أفراد لكي تعود الى تونس و تقضي 4 أيام في نزل فان ذلك يكلفها ما بين 15و 20 ألف دينار (تذاكر سفر و إقامة) وهو مبلغ يمكنها من قضاء ما بين 7 و 10أيام في دول سياحية نتشابه معها وتتشابه معنا .
تغيير المنوال
لابد من الاعتراف أن السياحة التونسية التقليدية انتهت ولم تعد تجلب السياح الأجانب كما لابد من الاعتراف بصعوبة تسويق نزلنا بحالتها هذه في الخارج . وبالتالي لابد من توجيه الاهتمام الكلي بالسائح التونسي بدرجة أولى وسياحة الجوار بدرجة ثانية وكذلك وضع برامج تحفيزية لاستعادة جاليتنا بالخارج واستعادة ثقتهم بالنزل التونسية وبالوجهة الوطنية لقضاء العطل. وهذا يجب أن يتم عبر تنسيق بين وزارة السياحة ووزارة النقل من أجل الضغط على أسعار التذاكر وأسعار الإقامة بالنزل. ومع وزارة الثقافة التي يجب ان يكون لها دور في تنشيط الحركة السياحية.
فمع الأسف السياحة لن تكون القاطرة التي تجر الاقتصاد الوطني لكنها قادرة على انعاش السوق التونسية وخلق حركية اقتصادية على امتداد العام فضلا على المحافظة على عشرات الالاف من الوظائف فيها.
بقلم: ريم بالخذيري
لابد من الاعتراف أن السياحة التونسية فقدت الكثير من بريقها منذ العام 2011 وتعرّضت لنكسة كبرى خلال سنتي 2020 و 2021 بسبب جائحة الكورونا.
فهذا القطاع الذي يشغّل أكثر من مليون شخص بين قار وعرضي والمصدر الأول للعملة الصعبة لم يعد كذلك بل أصبح عاملا معطّلا للاقتصاد رغم عودة الانتعاشة له ورغم الدعم الكبير الذي يلقاه من الدولة ومن البنوك ومن الشركة التونسية الكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال المياه والصناديق الاجتماعية فهو القطاع المدلّل بامتياز ولكن السؤال الذي يظل قائما هو أين أموال السياحة من العملة الأجنبية وأين الأموال الكثيرة التي "تنهب" من جيوب التونسيين بطرق ملتوية.
أموال متبخّرة
النزل في تونس تستقبل ما يناهز الأربعين في المائة من السياح الأجانب والبقية من التونسيين. وقد حل ببلادنا في سنة 2022 ووفق إحصائيات رسمية 6 ملايين و437 ألف سائح من مختلف الجنسيات بعائدات تناهز نحو 4.279 مليارات دينار (1.384 مليار دولار) بحسب ما مصرّح به وهو رقم لا يتناسب مع عدد السياح ما يعني أن الكثير من هذه العائدات من العملة الصعبة لا تحوّل الى تونس وهي نقطة محيّرة. وقد عّبر عنها محافظ البنك المركزي السابق الشاذلي العياري خلال جلسة عامة بمجلس نواب الشعب في 16 ماي 2017، حينما تساءل عن مصير عائدات قطاع السياحة رغم المؤشرات الإيجابية المسجلة حينها . وأطلق صرخته الشهيرة "وينهم فلوس السياحة وين مشاو؟".
ورغم أن القانون التونسي يمنح الحق لشركات السياحية الإبقاء على 20 بالمائة من العائدات السياحية بالخارج. الا ان النسبة التي يتمّ الإبقاء عليها تبدو أكبر بكثير. ومن بين التفسيرات هو مضاربة هذه الشركات بالتوافق مع النزل وانتظار تراجع الدينار أكثر فأكثر لتحقيق أكبر الارباح.فضلا عن أنّ ذلك يعتبر وجها من أوجه غسيل الأموال.
من هنا نفهم اعتماد النزل في تغطية مصاريفها وتحقيق الجزء الأكبر من مرابيحها من السوق الداخلية بكثير من الابتزاز و بأسعار السياح الأجانب.
ابتزاز كبير وجحود أكبر
الحريف التونسي أنقذ عددا كبيرا من النزل من الإفلاس والاغلاق خلال الحجر العالمي بسبب جائحة كورونا وكان مبجلا .لكن المعاملة تغيّرت بعد رفع الحجر وبدأ يعامل التونسي بكثير من الجحود وبكثير من الغلاء.
ووكالات الاسفار والنزل تمارس الكثير من التحيّل على السائح التونسي وهم يعاملونه على سبيل المنّ وبكثير من الجحود والتهميش غير المفهوم خاصة وأن السياح التونسيين يدفعون مثل الأجانب وأكثر لكنهم يلقون اهتماما أقل.فعلى سبيل المثال فانّ عائلة متكونة من 4 أفراد يدفعون ما بين 600 و 800 د في نزل من فئة 3 أو 4 نجوم. ويكون الرقم أكبر حين الحديث عن نزل من فئة خمس نجوم. كما أن أغلب النزل ترفض أن تستقبل السياح التونسيين لأقل من 4 ليال .و بالتالي يكون متوسط المبلغ في حدود 2500د فضلا عن مصاريف التنقل وغيرها.
أمّا المشاكل الأخرى التي يواجهها التونسيون فهو عدم احترام أغلب النزل للتصنيف فنزل أربع نجوم مثلا يقدمّ خدمات نزل ثلاث نجوم وكذلك الشأن لبقية التصنيفات وهو نوع من التحيّل لابدّ من التصدّي له ومراقبته جيدا من طرف وزارة السياحة التي يبدو أنها تركت الحريف التونسي فريسة لهؤلاء .
حيث أنّ المعايير الجديدة لتصنيف النزل السياحية التونسية والتي أعلنت عنها وزارة السياحة يوم 26 فيفري 2021 في اطار مراجعة نظام تصنيف النزل السياحية لم يتمّ التعامل معها بصفة جدية من طرف أغلب النزل .والحريف حقيقة لا يحسّ فروقا كبيرة بين الإقامة في نزل من مختلف التصنيفات فالخدمات تكاد تكون ذاتها ولا فرق سوى في السعر .
وكثيرا ما يحتج الحرفاء على الخدمات المقدّمة وعدم تلائمها مع المبالغ التي يدفعونها
غياب الرقابة
كما قلنا بات من الواضح أن سلطة الاشراف على القطاع وتحديدا وزارة السياحة والديوان الوطني للسياحة قد تركا السائح التونسي فريسة لأباطرة النزل ووكالات الأسفار حيث أن أغلب برامجهما موجّهة لكيفية جلب السائح الأجنبي والعناية به رغم أنّه يدفع أقل من السائح التونسي ولا يساهم في الحركة التجارية للمدن التي يقصدها عكس التونسيين وما يلاحظ هو اقتصار أغلب السياح الأجانب على الإقامة في النزل لأنهم من الطبقة الوسطى والفقيرة وكل ما يملكه الواحد منهم يدفعه قبل حلوله بتونس لوكالة الأسفار.
وهذا الخطأ لابدّ أن يتمّ تلافيه من قبل السلط المشرفة على النزل اذ يجب أن تنقلب المعادلة ويكون السائح التونسي في صدارة الاهتمام .
فمهام الديوان الوطني للسياحة المحدث في 1970 تبدو منقوصة كما وردت في تعريفه وهي تنمية القطاع السياحي وتنظيم ومراقبة النشاط السياحي والترويج والنهوض بالمنتوج. ولا نجد ما يدلّ على اهتمام بالسائح التونسي والدفاع عن مقدرته المالية ومنحه تفاضلية في نزل بلاده .
وهذا ما جعل التونسي يحسّ نفسه غريبا في هذه النزل ويدفع أكثر من السائح الأجنبي ويعامل معاملة أقلّ منه .
هجرة سياحية
بسبب كل ما ذكرنا وغيره من الأسباب التي لم نذكر بدأت ظاهرة في البروز وهي اختيار العائلات التونسية لقضاء عطلتها خارج الحدود في دول مجاورة لنا بأسعار أقلّ وخدمات أرقى .هذابالإضافة الى أن عددا كبيرا من العائلات التونسية المقيمة بالخارج لم تعد تحبّذ قضاء العطلة في وطنها ونزلها والكثير منها بدأت تفضل الوجهة الاسبانية والمغربية واليونانية لذات السبب الذي ذكرنا إضافة الى الغلاء الكبير في تذاكر السفر اذ بعملية بسيطة نجد أن أسرة متكونة من 4 أفراد لكي تعود الى تونس و تقضي 4 أيام في نزل فان ذلك يكلفها ما بين 15و 20 ألف دينار (تذاكر سفر و إقامة) وهو مبلغ يمكنها من قضاء ما بين 7 و 10أيام في دول سياحية نتشابه معها وتتشابه معنا .
تغيير المنوال
لابد من الاعتراف أن السياحة التونسية التقليدية انتهت ولم تعد تجلب السياح الأجانب كما لابد من الاعتراف بصعوبة تسويق نزلنا بحالتها هذه في الخارج . وبالتالي لابد من توجيه الاهتمام الكلي بالسائح التونسي بدرجة أولى وسياحة الجوار بدرجة ثانية وكذلك وضع برامج تحفيزية لاستعادة جاليتنا بالخارج واستعادة ثقتهم بالنزل التونسية وبالوجهة الوطنية لقضاء العطل. وهذا يجب أن يتم عبر تنسيق بين وزارة السياحة ووزارة النقل من أجل الضغط على أسعار التذاكر وأسعار الإقامة بالنزل. ومع وزارة الثقافة التي يجب ان يكون لها دور في تنشيط الحركة السياحية.
فمع الأسف السياحة لن تكون القاطرة التي تجر الاقتصاد الوطني لكنها قادرة على انعاش السوق التونسية وخلق حركية اقتصادية على امتداد العام فضلا على المحافظة على عشرات الالاف من الوظائف فيها.