بحضور سهام البوغديري وزيرة المالية ناقش نواب الشعب خلال الجلسة العامة لمجلسهم المنعقدة أمس بقصر باردو برئاسة إبراهيم بودربالة تقرير لجنة المالية والميزانية حول مشروع القانون المتعلق بالموافقة على اتفاقية التمويل المبرمة بتاريخ 16 ماي 2023 بين الجمهورية التونسية ومجموعة من البنوك المحلية بمبلغ قدره على التوالي 114 مليون أورو و7 مليون دولار أمريكي لتمويل ميزانية الدولة. وقبل المرور للتصويت على المشروع، طالب العديد منهم الحكومة بوضع حد لسياسة الاقتراض، وعبروا عن مخاوفهم من التداعيات الخطيرة للمديونية على الاقتصاد الوطني، وهناك منهم من دعا الوزيرة إلى وضع خطة واضحة لمعالجة هذا المشكل بصفة جذرية كأن يقع تنفيذ هذه الخطة على مدى 20 سنة، ويتم خلال هذه الفترة خلاص جميع الديون القديمة رويدا رويدا والتخلي بصفة تدريجية من سنة مالية إلى أخرى عن الاقتراض الخارجي والاقتراض الداخلي لتمويل ميزانية الدولة وبهذه الكيفية تتمكن تونس سنة 2043 من القطع نهائيا مع سياسة التداين.
وجاء في تقرير اللجنة المعروض على أنظار الجلسة العامة أن مشروع القانون ورد فيه طلب استعجال نظر، ونصت وثيقة شرح أسبابه على أن هذا القرض يندرج في إطار تنويع مصادر تمويل ميزانية الدولة وذلك بالاستفادة من موارد الايداعات بالعملة لغير المقيمين الموجودة لدى البنوك المحلية، وهو يمكن من المساهمة في استقرار احتياطي العملة باعتبار المحافظة على مدخرات الشركات غير المقيمة بتونس وعدم تحويلها للخارج والتخفيف على السوق المالية الداخلية بالدينار التي تعرف شحا في السيولة..
ويخضع التمويل المذكور لجملة من الشروط المالية منها أن التسديد يكون دفعة واحدة سنة 2027 وبنسبة فائدة قارة قدرها خمسة بالمائة بالنسبة للتمويل بالأورو وخمسة فاصل 75 بالمائة بالنسبة للتمويل بالدولار، وهي شروط تفاضلية حسب ما ورد في وثيقة شرح أسباب مشروع القانون وذلك مقارنة بفرص التمويل المعروضة حاليا على الدولة التونسية باستثناء التمويلات التقليدية والمشروطة بإبرام برنامج مع صندوق النقد الدولي ووضع مصفوفة إصلاحات كشرط لسحب مبالغ دعم الميزانية، وبعدم إمكانية إصدار تونس لقرض رقاعي بالسوق المالية العالمية باعتبار تراجع ترقيمها السيادي وبالتالي ارتفاع كلفة الإصدار بهذه السوق.
رئيس لجنة المالية والميزانية عصام شوشان أوضح أن هذا القرض ليس جديدا بل هو مدرج في ميزانية الدولة لسنة 2023 وفسر أن هذه الميزانية يتم تمويلها من الموارد الجبائية وكذلك من الموارد المتأتية من القروض الخارجية وكذلك من القروض الداخلية. وطالب شوشان وزارة المالية مستقبلا بعدم إكساء الصبغة الاستعجالية للنظر في مشاريع القوانين المتعلقة بالموافقة على القروض والتعهدات المالية للدولة وذلك لتمكين اللجنة من الحيز الزمني الضروري للتعمق في دراستها.
وفسر مقرر اللجنة عصام البحري الجابري أن قانون المالية لسنة 2023 تضمن تعبئة مبلغ قدره 24392 مليون دينار بعنوان موارد اقتراض منها 14859 مليون دينار اقتراض خارجي و9533 مليون دينار اقتراض داخلي.
وفي مداخلاتهم لاحظ جل النواب أن اللجوء إلى الاقتراض لتوفير موارد لتمويل ميزانية الدولة ضرورة اقضتها الضغوطات المسلطة على المالية العمومية ولكنهم طالبوا في المقابل بإيجاد بدائل لسياسة الاقتراض، وتحدثوا عن العجز الذي تشهده الميزانية وهناك من وصفه بالمفزع، واستفسروا عن حجم المدّخرات بالعملة الصعبة وعن قيمة الإستخلاصات الجبائية التي تم تحقيقها إلى غاية اليوم. أما رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودبالة فبين أن الوظيفة التشريعية والوظيفة الرقابية للمجلس تقتضي من النواب قول كلمتهم بصراحة ومساندة عمل الحكومة عندما يرون أنها تسير نحو الاتجاه الصحيح.
ضغط جبائي
وبين نزار الصديق النائب عن كتلة صوت الجمهورية أن المجلس صادق في جلسته العامة الأولى على قرض تبلغ قيمته خمس مائة مليار وذكر أن كتلته ستصادق على القرض الثاني ادراكا منها للصعوبات التي تمر بها المالية العمومية وتساءل عن موقف وزارة المالية من مقترح تنقيح قانون الشيكات دون رصيد هذا المشكل الذي تعاني منه المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتحدث النائب على الضغط الجبائي وبين أن ارتفاع الجباية هو الذي يشجع على التوجه للاقتصاد الموازي. وذكر أن البنوك المحلية ترتكب خروقات في حق المواطن وهو يتطلب اصلاحا شاملا وتساءل متى سيقع تفعيل المجلس الوطني للجباية.
في حين قال ثابت العابد النائب عن الكتلة الوطنية المستقلة إن وزارة المالية ذكرت في وثيقة شرح أسباب مشروع القرض على أن هذا القرض سيمكن من المحافظة على مخزون العملة وهذا فيه مغالطة لأنه لا يوجد ما يمنع الشركات المقيمة من سحب مدخراتها وهو ما سيؤثر على السيولة الموجودة في البنوك المقرضة، وذكر أن البنوك العمومية متضررة من هذا القرض وأضاف أنه لا يخفى على أحد أن البلاد تعيش أزمة وأن البنوك تمول الدولة بقرابة ستة بالمائة وهو ما سينعكس على الاستثمار بسبب شح السيولة في العملة ولكن لا يوجد بديل عن هذا القرض لأنه تم التخفيض في تصنيف تونس وهو تصنيف غير جدي حسب وصفه والمراد منه غلق فرص الاقتراض امام تونس من صندوق النقد الدولي ومن الجهات المانحة الأخرى فهذا التصنيف حسب رأيه يندرج في اطار الضغط السياسي على تونس في علاقة بملف الهجرة. وقال إن موقف تونس ورغم تلك الضغوطات كان موقفها مشرفا وهي لن تركع وذكر أن النظام سياسي في تونس يحظى بشعبية ومن المفروض أن من يتمتع بهذه الشعبية يستغل ذلك ويقوم بإصلاحات ولاحظ ان الخروج من الازمة يتطلب إصلاحات كبرى ومشاريع لتحسين البنية التحتية.
مراجعة خطايا التأخير
وقال خالد حكيم مبروكي النائب عن كتلة الأمانة والعمل إنه يثمن جهود الحكومة في تعبئة موارد لميزانية الدولة ولكنه بالنظر إلى ما يعانيه الفلاح وصغار التجار فهو يدعو إلى الترفيع في المبلغ المحمول عند تعاطي الأنشطة التجارية من خمسة آلاف دينار الى خمسة عشر ألف دينار والتخفيف من الأداءات الديوانية للحد من التهريب وتعبئة موارد الدولة والعفو الجبائي عن فوائض التأخير وخلاص اصل الدين نظرا لأن الشركات تمر بصعوبات ولكن الخطايا أكبر من أصل الدين. كما طالب النائب بمراجعة خطايا التأخير لأن نسبها مشطة وتثقل كاهل الشركات وتجعلها غير قادرة على الإضافة، وإنشاء فروع جهوية لإدارة المؤسسات الكبرى الموجودة في العاصمة فقط ودعا إلى مراجعة آجال الإجراءات والامتيازات الجبائية وإلى تحويل النظام التقديري إلى نظام حقيقي بالنسبة بعض الأنشطة.
وتحدث يوسف التومي النائب عن كتلة الأحرار عن الطوابير الطويلة أمام المخابز ودعا إلى الاخذ بعين الاعتبار حاجيات جهة الساحل وخاصة ولاية سوسة المستقطبة للسياح. وذكر أن سبعين بالمائة من موارد ميزانية الدولية متأتية من الجباية ولكن رغم الجهود التي يبذلها عدول الخزينة لتوفير موارد لإنعاش خزينة الدولة فإنهم يتنقلون بوسائلهم الخاصة ولا توجد عدالة بينهم وبين بقية الأعوان وطالب النائب وزيرة المالية بمنح هذا القطاع أولوية قصوى، كما تحدث عن تمويل الجمعيات والتعطيلات التي تواجهها الجمعيات خاصة الجمعيات الرياضية ودعا إلى منحها الأولوية وقال إنه يجب تسهيل طرق خلاص الأداءات البلدية.
إصلاح بنكي
علي زغدود النائب عن كتلة لينتصر الشعب عبر بدوره عن انشغال كتلته بوضعية المالية العمومية وما بلغته من تدهور وتحدث عن إكراهات الاستثمار بسبب شح الموارد الذاتية للتمويل أو لسوء التصرف والفساد وذكر أن الدولة خاصة في السنوات الأخيرة أصبحت تلجأ للاقتراض ولكن كل القروض كانت للاستجابة لحاجيات انية لا للقيام بإصلاحات هيكلية وهي عمليات ترقيعية لا يرجى منها نفعا الأمر الذي ولد أزمة اقتصادية خانقة جعلت من الاقتصاد الوطني اقتصادا هشا لا يصمد أمام الأزمات. وبين النائب أن مظاهر الأزمة تجلى في انخفاض نسبة النمو، والعجز عن خلق الثروة، والارتفاع المشط في نسبة البطالة، وانخفاض مؤشر الاستثمار وارتفاع نسبة التداين الخارجي والداخلي ووصول نسبة المديونية إلى نحو مائة بالمائة وهي نسبة مفجعة، وتدهور الترقيم السيادي وتفاقم نسبة العجز وعدم استقرار الوضع الاجتماعي. وأضاف أن كلفة القرض المعروض على الجلسة العامة عالية ونسبة فائدته مشطة وتساءل أما آن الأوان لإعادة النظر في قانون البنك المركزي وذكر أنه يجب أن يكون هذا القرض آخر قرض يتم عرضه على المجلس ويجب القطع مع عشرية الخراب حسب وصفه والقيام بخطة تنتصر لإرادة الشعب وبناء علاقات اقتصادية دولية جديدة بعيدا عن الابتزاز الذي تمارسه بعض الجهات والتخلص من هيمنة الشركات العالمية والقيام بإصلاح بنكي عميق ينهي شبكات المصالح الذاتية المهيمنة على مقدرات الشعب وإنهاء نفوذ العائلات المستكرشة حسب وصفه والمنتفعة من شبكة علاقاتها بالبنوك وأضاف أن كتلته تترحم على شهيد الأمة والوطن الحاج محمد البراهمي الذي كان مدافعا عن السيادة الوطنية وطالب النواب والمواطنين بالمشاركة في فعليات إحياء ذكراه المجيدة.
أما مسعود قريرة النائب عن الخط الوطني السيادي فبين أنه لا يرغب في أن يناقش ضرورات القرض أو نسبة الفائدة أو الأسباب التي أوصلت تونس الى تمويل 33 بالمائة من ميزانية الدولة من خلال التداين الداخلي والخارجي أو المبالغ التي عليها دفعها لسداد قروض قديمة، بل يريد أن يقول إنه يجد نفسه وهو يمضي بالموافقة على مشروع القرض يمضيه بيد مرتعشة ويشعر أنه في حالة غير عادية وذكر أنه يدرك أن وزيرة المالية والحكومة الحالية ليست مسؤولة عن الوضع الصعب الذي تعيشه تونس إذ أن البلاد مرت بعشرية فساد ولأن هناك أسباب أخرى مرتبطة بالخارج وبتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية لكنه يرى أن الحكومة مطالبة بوضع رؤية مستقبلية واضحة للحيلولة دون تواصل نفس الوضعية. وقال النائب إنه يطالب الحكومة بوضع خطة مالية سياسة تؤدي إلى التخفيض في التداين الداخلي والخارجي على مدى عشرين سنة وذكر أنه يخشى أن تأتي الحكومة سنة 2024 بميزانية تقوم على نسبة تداين أعلى مما كانت علية سنة 2023. وأضاف أنه لا بد من تشبيك العمل بين مختلف الوزارات وأن تقوم كل وزارة بدورها في توفير موارد لميزانية الدولة وقال إنه منذ العهد الحسيني وتونس تتعامل مع أوروبا ولكن رغم أهمية الشريك الأوروبي فهناك اليوم عالم جديد يمكن الاستفادة منه ويوجد اتفاق طريق الحرير ودعا إلى التوجه نحو افريقيا وتنمية العلاقات من دولها وأكد النائب على ضرورة دراسة تأثيرات كل اداء على المجتمع وطالبها بالتصدي للتهريب من خلال التخفيض في الأسعار.
حلقة مفرغة
هشام حسني النائب غير المنتمي إلى كتل عبر عن أسفه لأن مجلس النواب يعقد جلسة عامة أخرى للمصادقة على قرض لتمويل ميزانية الدولة وتساءل عن مجموع المداخيل الجبائية التي تم تحصيلها خلال الثلاثي الأول والثلاثي الثاني من السنة الجارية، وذكر أن الميزانية تعتمد على الجباية لكن الضغط الجبائي مسلط خاصة على الأجراء وهذا الضغط يقضي على المقدرة الشرائية ومنه يقضي على الاستهلاك وذكر حسني أن تونس تقترض لخلاص الديون وبالتالي فهي تدور في حلقة مفرغة وبين أنه كان ينتظر من الحكومة تقديم مشاريع قوانين تمكن من الاصلاح مثل مراجعة قانون الصرف ومجلة الاستثمار وأضاف أنه يتوقع ان نسبة العجز ستفوق التقديرات كثيرا، وقال إن هناك شركات كبيرة تعاني من صعوبات وموظفين ومزودين لم يقع خلاصهم، وخلص النائب إلى أنه عوضا على التوجه الى الاقتراض يمكن بحث حلول أخرى. وذكر أن إنشاء قباضات جديدة من شأنه أن يحسن نسبة استخلاص الموارد الجبائية.
وبين النائب غير المنتمي إلى كتل صالح الصيادي أنه من الضروري ايجاد بدائل لسياسة الاقتراض ودعا إلى القيام بإصلاحات جبائية كبرى ووضع سياسات مالية ناجعة ترتكز على مبادرات متطورة لدفع الاستثمار وتحقيق النمو الاقتصادي، وأضاف انه بصدد انتظار الإصلاحات الجبائية والإصلاحات في المجال الديواني وإدماج الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية، واقترح على وزيرة المالية مراجعة بعض القوانين والأوامر لأن المواطن التونسي عندما يقصد بن قردان أو الجم أو مساكن أو بنان لاقتناء حاجيته من تاجر تونسي يقع ايقافه من قبل أعوان الديوانة وتخطئته مع إمكانية حجز مشترياته، وطالب الصيادي بالمرور من نظام تقديري اختياري إلى نظام حقيقي بالنسبة للمقاهي صنف واحد وصغار التجار وصغار الصناعيين، ودعا إلى مراجعة خطايا التأخير وتوسيع مجال ترشيد العملة نقدا بالنسبة للتجار والفلاحين والبائعين واقترح الترفيع في قيمتها من 5 آلاف دينار الى 20 ألف دينار وشدد على ضرورة العناية بمقرات القباضات ومكاتب المراقبة وتطوير المنظومة الإعلامية بها وبين النائب أن العديد من الجهات لا توجد فيها قباضات مالية وقباضات بلدية ومكاتب مراقبة الأداءات، وطالب وزيرة المالية بتضمين قانون المالية للسنة المقبلة تشريعات تسمح بتجاوز أزمة المالية العمومية.
سعيدة بوهلال
تونس: الصباح
بحضور سهام البوغديري وزيرة المالية ناقش نواب الشعب خلال الجلسة العامة لمجلسهم المنعقدة أمس بقصر باردو برئاسة إبراهيم بودربالة تقرير لجنة المالية والميزانية حول مشروع القانون المتعلق بالموافقة على اتفاقية التمويل المبرمة بتاريخ 16 ماي 2023 بين الجمهورية التونسية ومجموعة من البنوك المحلية بمبلغ قدره على التوالي 114 مليون أورو و7 مليون دولار أمريكي لتمويل ميزانية الدولة. وقبل المرور للتصويت على المشروع، طالب العديد منهم الحكومة بوضع حد لسياسة الاقتراض، وعبروا عن مخاوفهم من التداعيات الخطيرة للمديونية على الاقتصاد الوطني، وهناك منهم من دعا الوزيرة إلى وضع خطة واضحة لمعالجة هذا المشكل بصفة جذرية كأن يقع تنفيذ هذه الخطة على مدى 20 سنة، ويتم خلال هذه الفترة خلاص جميع الديون القديمة رويدا رويدا والتخلي بصفة تدريجية من سنة مالية إلى أخرى عن الاقتراض الخارجي والاقتراض الداخلي لتمويل ميزانية الدولة وبهذه الكيفية تتمكن تونس سنة 2043 من القطع نهائيا مع سياسة التداين.
وجاء في تقرير اللجنة المعروض على أنظار الجلسة العامة أن مشروع القانون ورد فيه طلب استعجال نظر، ونصت وثيقة شرح أسبابه على أن هذا القرض يندرج في إطار تنويع مصادر تمويل ميزانية الدولة وذلك بالاستفادة من موارد الايداعات بالعملة لغير المقيمين الموجودة لدى البنوك المحلية، وهو يمكن من المساهمة في استقرار احتياطي العملة باعتبار المحافظة على مدخرات الشركات غير المقيمة بتونس وعدم تحويلها للخارج والتخفيف على السوق المالية الداخلية بالدينار التي تعرف شحا في السيولة..
ويخضع التمويل المذكور لجملة من الشروط المالية منها أن التسديد يكون دفعة واحدة سنة 2027 وبنسبة فائدة قارة قدرها خمسة بالمائة بالنسبة للتمويل بالأورو وخمسة فاصل 75 بالمائة بالنسبة للتمويل بالدولار، وهي شروط تفاضلية حسب ما ورد في وثيقة شرح أسباب مشروع القانون وذلك مقارنة بفرص التمويل المعروضة حاليا على الدولة التونسية باستثناء التمويلات التقليدية والمشروطة بإبرام برنامج مع صندوق النقد الدولي ووضع مصفوفة إصلاحات كشرط لسحب مبالغ دعم الميزانية، وبعدم إمكانية إصدار تونس لقرض رقاعي بالسوق المالية العالمية باعتبار تراجع ترقيمها السيادي وبالتالي ارتفاع كلفة الإصدار بهذه السوق.
رئيس لجنة المالية والميزانية عصام شوشان أوضح أن هذا القرض ليس جديدا بل هو مدرج في ميزانية الدولة لسنة 2023 وفسر أن هذه الميزانية يتم تمويلها من الموارد الجبائية وكذلك من الموارد المتأتية من القروض الخارجية وكذلك من القروض الداخلية. وطالب شوشان وزارة المالية مستقبلا بعدم إكساء الصبغة الاستعجالية للنظر في مشاريع القوانين المتعلقة بالموافقة على القروض والتعهدات المالية للدولة وذلك لتمكين اللجنة من الحيز الزمني الضروري للتعمق في دراستها.
وفسر مقرر اللجنة عصام البحري الجابري أن قانون المالية لسنة 2023 تضمن تعبئة مبلغ قدره 24392 مليون دينار بعنوان موارد اقتراض منها 14859 مليون دينار اقتراض خارجي و9533 مليون دينار اقتراض داخلي.
وفي مداخلاتهم لاحظ جل النواب أن اللجوء إلى الاقتراض لتوفير موارد لتمويل ميزانية الدولة ضرورة اقضتها الضغوطات المسلطة على المالية العمومية ولكنهم طالبوا في المقابل بإيجاد بدائل لسياسة الاقتراض، وتحدثوا عن العجز الذي تشهده الميزانية وهناك من وصفه بالمفزع، واستفسروا عن حجم المدّخرات بالعملة الصعبة وعن قيمة الإستخلاصات الجبائية التي تم تحقيقها إلى غاية اليوم. أما رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودبالة فبين أن الوظيفة التشريعية والوظيفة الرقابية للمجلس تقتضي من النواب قول كلمتهم بصراحة ومساندة عمل الحكومة عندما يرون أنها تسير نحو الاتجاه الصحيح.
ضغط جبائي
وبين نزار الصديق النائب عن كتلة صوت الجمهورية أن المجلس صادق في جلسته العامة الأولى على قرض تبلغ قيمته خمس مائة مليار وذكر أن كتلته ستصادق على القرض الثاني ادراكا منها للصعوبات التي تمر بها المالية العمومية وتساءل عن موقف وزارة المالية من مقترح تنقيح قانون الشيكات دون رصيد هذا المشكل الذي تعاني منه المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتحدث النائب على الضغط الجبائي وبين أن ارتفاع الجباية هو الذي يشجع على التوجه للاقتصاد الموازي. وذكر أن البنوك المحلية ترتكب خروقات في حق المواطن وهو يتطلب اصلاحا شاملا وتساءل متى سيقع تفعيل المجلس الوطني للجباية.
في حين قال ثابت العابد النائب عن الكتلة الوطنية المستقلة إن وزارة المالية ذكرت في وثيقة شرح أسباب مشروع القرض على أن هذا القرض سيمكن من المحافظة على مخزون العملة وهذا فيه مغالطة لأنه لا يوجد ما يمنع الشركات المقيمة من سحب مدخراتها وهو ما سيؤثر على السيولة الموجودة في البنوك المقرضة، وذكر أن البنوك العمومية متضررة من هذا القرض وأضاف أنه لا يخفى على أحد أن البلاد تعيش أزمة وأن البنوك تمول الدولة بقرابة ستة بالمائة وهو ما سينعكس على الاستثمار بسبب شح السيولة في العملة ولكن لا يوجد بديل عن هذا القرض لأنه تم التخفيض في تصنيف تونس وهو تصنيف غير جدي حسب وصفه والمراد منه غلق فرص الاقتراض امام تونس من صندوق النقد الدولي ومن الجهات المانحة الأخرى فهذا التصنيف حسب رأيه يندرج في اطار الضغط السياسي على تونس في علاقة بملف الهجرة. وقال إن موقف تونس ورغم تلك الضغوطات كان موقفها مشرفا وهي لن تركع وذكر أن النظام سياسي في تونس يحظى بشعبية ومن المفروض أن من يتمتع بهذه الشعبية يستغل ذلك ويقوم بإصلاحات ولاحظ ان الخروج من الازمة يتطلب إصلاحات كبرى ومشاريع لتحسين البنية التحتية.
مراجعة خطايا التأخير
وقال خالد حكيم مبروكي النائب عن كتلة الأمانة والعمل إنه يثمن جهود الحكومة في تعبئة موارد لميزانية الدولة ولكنه بالنظر إلى ما يعانيه الفلاح وصغار التجار فهو يدعو إلى الترفيع في المبلغ المحمول عند تعاطي الأنشطة التجارية من خمسة آلاف دينار الى خمسة عشر ألف دينار والتخفيف من الأداءات الديوانية للحد من التهريب وتعبئة موارد الدولة والعفو الجبائي عن فوائض التأخير وخلاص اصل الدين نظرا لأن الشركات تمر بصعوبات ولكن الخطايا أكبر من أصل الدين. كما طالب النائب بمراجعة خطايا التأخير لأن نسبها مشطة وتثقل كاهل الشركات وتجعلها غير قادرة على الإضافة، وإنشاء فروع جهوية لإدارة المؤسسات الكبرى الموجودة في العاصمة فقط ودعا إلى مراجعة آجال الإجراءات والامتيازات الجبائية وإلى تحويل النظام التقديري إلى نظام حقيقي بالنسبة بعض الأنشطة.
وتحدث يوسف التومي النائب عن كتلة الأحرار عن الطوابير الطويلة أمام المخابز ودعا إلى الاخذ بعين الاعتبار حاجيات جهة الساحل وخاصة ولاية سوسة المستقطبة للسياح. وذكر أن سبعين بالمائة من موارد ميزانية الدولية متأتية من الجباية ولكن رغم الجهود التي يبذلها عدول الخزينة لتوفير موارد لإنعاش خزينة الدولة فإنهم يتنقلون بوسائلهم الخاصة ولا توجد عدالة بينهم وبين بقية الأعوان وطالب النائب وزيرة المالية بمنح هذا القطاع أولوية قصوى، كما تحدث عن تمويل الجمعيات والتعطيلات التي تواجهها الجمعيات خاصة الجمعيات الرياضية ودعا إلى منحها الأولوية وقال إنه يجب تسهيل طرق خلاص الأداءات البلدية.
إصلاح بنكي
علي زغدود النائب عن كتلة لينتصر الشعب عبر بدوره عن انشغال كتلته بوضعية المالية العمومية وما بلغته من تدهور وتحدث عن إكراهات الاستثمار بسبب شح الموارد الذاتية للتمويل أو لسوء التصرف والفساد وذكر أن الدولة خاصة في السنوات الأخيرة أصبحت تلجأ للاقتراض ولكن كل القروض كانت للاستجابة لحاجيات انية لا للقيام بإصلاحات هيكلية وهي عمليات ترقيعية لا يرجى منها نفعا الأمر الذي ولد أزمة اقتصادية خانقة جعلت من الاقتصاد الوطني اقتصادا هشا لا يصمد أمام الأزمات. وبين النائب أن مظاهر الأزمة تجلى في انخفاض نسبة النمو، والعجز عن خلق الثروة، والارتفاع المشط في نسبة البطالة، وانخفاض مؤشر الاستثمار وارتفاع نسبة التداين الخارجي والداخلي ووصول نسبة المديونية إلى نحو مائة بالمائة وهي نسبة مفجعة، وتدهور الترقيم السيادي وتفاقم نسبة العجز وعدم استقرار الوضع الاجتماعي. وأضاف أن كلفة القرض المعروض على الجلسة العامة عالية ونسبة فائدته مشطة وتساءل أما آن الأوان لإعادة النظر في قانون البنك المركزي وذكر أنه يجب أن يكون هذا القرض آخر قرض يتم عرضه على المجلس ويجب القطع مع عشرية الخراب حسب وصفه والقيام بخطة تنتصر لإرادة الشعب وبناء علاقات اقتصادية دولية جديدة بعيدا عن الابتزاز الذي تمارسه بعض الجهات والتخلص من هيمنة الشركات العالمية والقيام بإصلاح بنكي عميق ينهي شبكات المصالح الذاتية المهيمنة على مقدرات الشعب وإنهاء نفوذ العائلات المستكرشة حسب وصفه والمنتفعة من شبكة علاقاتها بالبنوك وأضاف أن كتلته تترحم على شهيد الأمة والوطن الحاج محمد البراهمي الذي كان مدافعا عن السيادة الوطنية وطالب النواب والمواطنين بالمشاركة في فعليات إحياء ذكراه المجيدة.
أما مسعود قريرة النائب عن الخط الوطني السيادي فبين أنه لا يرغب في أن يناقش ضرورات القرض أو نسبة الفائدة أو الأسباب التي أوصلت تونس الى تمويل 33 بالمائة من ميزانية الدولة من خلال التداين الداخلي والخارجي أو المبالغ التي عليها دفعها لسداد قروض قديمة، بل يريد أن يقول إنه يجد نفسه وهو يمضي بالموافقة على مشروع القرض يمضيه بيد مرتعشة ويشعر أنه في حالة غير عادية وذكر أنه يدرك أن وزيرة المالية والحكومة الحالية ليست مسؤولة عن الوضع الصعب الذي تعيشه تونس إذ أن البلاد مرت بعشرية فساد ولأن هناك أسباب أخرى مرتبطة بالخارج وبتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية لكنه يرى أن الحكومة مطالبة بوضع رؤية مستقبلية واضحة للحيلولة دون تواصل نفس الوضعية. وقال النائب إنه يطالب الحكومة بوضع خطة مالية سياسة تؤدي إلى التخفيض في التداين الداخلي والخارجي على مدى عشرين سنة وذكر أنه يخشى أن تأتي الحكومة سنة 2024 بميزانية تقوم على نسبة تداين أعلى مما كانت علية سنة 2023. وأضاف أنه لا بد من تشبيك العمل بين مختلف الوزارات وأن تقوم كل وزارة بدورها في توفير موارد لميزانية الدولة وقال إنه منذ العهد الحسيني وتونس تتعامل مع أوروبا ولكن رغم أهمية الشريك الأوروبي فهناك اليوم عالم جديد يمكن الاستفادة منه ويوجد اتفاق طريق الحرير ودعا إلى التوجه نحو افريقيا وتنمية العلاقات من دولها وأكد النائب على ضرورة دراسة تأثيرات كل اداء على المجتمع وطالبها بالتصدي للتهريب من خلال التخفيض في الأسعار.
حلقة مفرغة
هشام حسني النائب غير المنتمي إلى كتل عبر عن أسفه لأن مجلس النواب يعقد جلسة عامة أخرى للمصادقة على قرض لتمويل ميزانية الدولة وتساءل عن مجموع المداخيل الجبائية التي تم تحصيلها خلال الثلاثي الأول والثلاثي الثاني من السنة الجارية، وذكر أن الميزانية تعتمد على الجباية لكن الضغط الجبائي مسلط خاصة على الأجراء وهذا الضغط يقضي على المقدرة الشرائية ومنه يقضي على الاستهلاك وذكر حسني أن تونس تقترض لخلاص الديون وبالتالي فهي تدور في حلقة مفرغة وبين أنه كان ينتظر من الحكومة تقديم مشاريع قوانين تمكن من الاصلاح مثل مراجعة قانون الصرف ومجلة الاستثمار وأضاف أنه يتوقع ان نسبة العجز ستفوق التقديرات كثيرا، وقال إن هناك شركات كبيرة تعاني من صعوبات وموظفين ومزودين لم يقع خلاصهم، وخلص النائب إلى أنه عوضا على التوجه الى الاقتراض يمكن بحث حلول أخرى. وذكر أن إنشاء قباضات جديدة من شأنه أن يحسن نسبة استخلاص الموارد الجبائية.
وبين النائب غير المنتمي إلى كتل صالح الصيادي أنه من الضروري ايجاد بدائل لسياسة الاقتراض ودعا إلى القيام بإصلاحات جبائية كبرى ووضع سياسات مالية ناجعة ترتكز على مبادرات متطورة لدفع الاستثمار وتحقيق النمو الاقتصادي، وأضاف انه بصدد انتظار الإصلاحات الجبائية والإصلاحات في المجال الديواني وإدماج الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية، واقترح على وزيرة المالية مراجعة بعض القوانين والأوامر لأن المواطن التونسي عندما يقصد بن قردان أو الجم أو مساكن أو بنان لاقتناء حاجيته من تاجر تونسي يقع ايقافه من قبل أعوان الديوانة وتخطئته مع إمكانية حجز مشترياته، وطالب الصيادي بالمرور من نظام تقديري اختياري إلى نظام حقيقي بالنسبة للمقاهي صنف واحد وصغار التجار وصغار الصناعيين، ودعا إلى مراجعة خطايا التأخير وتوسيع مجال ترشيد العملة نقدا بالنسبة للتجار والفلاحين والبائعين واقترح الترفيع في قيمتها من 5 آلاف دينار الى 20 ألف دينار وشدد على ضرورة العناية بمقرات القباضات ومكاتب المراقبة وتطوير المنظومة الإعلامية بها وبين النائب أن العديد من الجهات لا توجد فيها قباضات مالية وقباضات بلدية ومكاتب مراقبة الأداءات، وطالب وزيرة المالية بتضمين قانون المالية للسنة المقبلة تشريعات تسمح بتجاوز أزمة المالية العمومية.