طرحت بقوة اثر عرض افتتاح مهرجان قرطاج الدولي (سهرة الجمعة) مسألة دعم الاعمال الفنية وكثير من المعلقين الذين تفاعلوا بشكل فوري مع عرض " محفل" للفنان الفاضل الجزيري لمحوا إلى أن العرض لا يستحق الدعم الذي حصل عليه، وهناك من استنكر اختيار الفاضل الجزيري لتأمين عرض افتتاح الدورة السابعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي بدعم من الدولة، وقالوا انه اكتفى بجمع اغان من مدونة الغناء البدوي التونسي دون رؤية فنية واضحة والتقى اغلب الملا حظين حول أن الدولة ممثلة في وزارة الثقافة لا توجه الدعم لمن يستحقه وأنها لا تعتمد على مقاييس موضوعية في توجيه الدعم وإنما مازالت تعتمد على نفس الاساليب التي يغلب فيها الذاتي على الموضوعي.
والحقيقة ما دامت تونس لم تجد حلا لقضية الدعم، فإن المسألة ستظل موضوع جدل باستمرار ومن هذا المنطلق نعتقد أن نوعية التعاليق حول عرض افتتاح مهرجان قرطاج الدولي والتي ركزت على مسألة الدعم المالي الذي استفاد منه الجزيري لم تكن موجهة في جوهرها لصاحب العرض بقدر ما كانت تؤكد أن موضوع الدعم يشكل هاجسا في البلاد.
ولنا أن نعترف بأن منظومة الدعم المعتمدة منذ عقود في تونس وان ساعدت على انتاج كم من الاعمال الفنية خاصة في مجالات السينما والمسرح والموسيقى، ومكنت من تنشيط الساحة الثقافية إلى حد ما، إلا أنها خلقت اشكالات عديدة ومن ابرزها أن الانتاج الفني في بلادنا صار مرتبطا بما تمنحه الدولة من مساعدات مباشرة للفاعلين مما جعل الدولة تكاد تكون هي المنتج الوحيد للثقافة في تونس.
وقد ساهمت هذه السياسة في خلق عقلية "اتكالية" على حساب المبادرة. ليس هذا فحسب وإنما وجدنا انفسنا امام اشكاليات اخرى ومن بينها وجود حالة من التنافس ليس من أجل الخلق والابداع وانما منافسة من يظفر بدعم أكبر وما هي القطاعات التي تحظى بدعم أكبر ومن هي الاسماء التي تحظى بالدعم ومن هم المحرومين من الدعم؟؟
وقد لا نبالغ عندما نقول أن اغلب النقاشات في الساحة الثقافية تتمحور اليوم حول مسألة دعم الدولة وليس حول المضامين الثقافية. وقد تم تكريس هذه العقلية حتى تكلست الساحة الثقافية وصارت الحياة الثقافية نمطية على غرار نمطية المهرجانات التي تكاد تكون نسخ متكررة. واذا ما تركنا جانبا مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين، الذي تشرف وزارة الشؤون الثقافية مباشرة على تنظيمهما، فإن كل المهرجانات الدولية والوطنية والجهوية الأخرى يشكو اصحابها من قلة دعم الدولة واغلبها برر هذا العام تراجع مستوى البرمجة بقلة الدعم وبتقلص منحة الوزارة وهو ما يؤكد أن قضية الدعم هي قضية ازلية وأنه تصعب مقاومة ما ترسب ما ترسب في الاذهان، على امتداد عقود من الزمن من ان الثقافة هي فعل الدولة بامتياز.
صحيح على الدولة أن توفر وسائل العمل وصحيح، ان الثقافة حق منصوص عليه في الدستور، لكن ذلك لا يعني أن الدولة ينبغي أن تظل المنتج الاساسي للثقافي وربما المنتج الوحيد باستثناء بعض المحاولات القليلة من الفنانين المستقلين الذي لا ينسون بدورهم التذكير بان عملهم تم دون دعم من الدولة، وباستثناء بعض الاعمال التي تقوم بها جمعيات ومؤسسات اجنبية وذلك موضوع أخر.
ولنا أن نشير إلى أن وزارة الشؤون الثقافية تسعى منذ سنوات إلى ما تسميه ب"مراجعة منظومة الدعم" وقد تم تنظيم عدة ندوات في هذا الغرض كما اجريت درسات علمية بعضها بطلب من وزارة الثقافة حول تطوير السياسات الثقافية، لكن لا شيء تقريبا تغير.
حياة السايب
طرحت بقوة اثر عرض افتتاح مهرجان قرطاج الدولي (سهرة الجمعة) مسألة دعم الاعمال الفنية وكثير من المعلقين الذين تفاعلوا بشكل فوري مع عرض " محفل" للفنان الفاضل الجزيري لمحوا إلى أن العرض لا يستحق الدعم الذي حصل عليه، وهناك من استنكر اختيار الفاضل الجزيري لتأمين عرض افتتاح الدورة السابعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي بدعم من الدولة، وقالوا انه اكتفى بجمع اغان من مدونة الغناء البدوي التونسي دون رؤية فنية واضحة والتقى اغلب الملا حظين حول أن الدولة ممثلة في وزارة الثقافة لا توجه الدعم لمن يستحقه وأنها لا تعتمد على مقاييس موضوعية في توجيه الدعم وإنما مازالت تعتمد على نفس الاساليب التي يغلب فيها الذاتي على الموضوعي.
والحقيقة ما دامت تونس لم تجد حلا لقضية الدعم، فإن المسألة ستظل موضوع جدل باستمرار ومن هذا المنطلق نعتقد أن نوعية التعاليق حول عرض افتتاح مهرجان قرطاج الدولي والتي ركزت على مسألة الدعم المالي الذي استفاد منه الجزيري لم تكن موجهة في جوهرها لصاحب العرض بقدر ما كانت تؤكد أن موضوع الدعم يشكل هاجسا في البلاد.
ولنا أن نعترف بأن منظومة الدعم المعتمدة منذ عقود في تونس وان ساعدت على انتاج كم من الاعمال الفنية خاصة في مجالات السينما والمسرح والموسيقى، ومكنت من تنشيط الساحة الثقافية إلى حد ما، إلا أنها خلقت اشكالات عديدة ومن ابرزها أن الانتاج الفني في بلادنا صار مرتبطا بما تمنحه الدولة من مساعدات مباشرة للفاعلين مما جعل الدولة تكاد تكون هي المنتج الوحيد للثقافة في تونس.
وقد ساهمت هذه السياسة في خلق عقلية "اتكالية" على حساب المبادرة. ليس هذا فحسب وإنما وجدنا انفسنا امام اشكاليات اخرى ومن بينها وجود حالة من التنافس ليس من أجل الخلق والابداع وانما منافسة من يظفر بدعم أكبر وما هي القطاعات التي تحظى بدعم أكبر ومن هي الاسماء التي تحظى بالدعم ومن هم المحرومين من الدعم؟؟
وقد لا نبالغ عندما نقول أن اغلب النقاشات في الساحة الثقافية تتمحور اليوم حول مسألة دعم الدولة وليس حول المضامين الثقافية. وقد تم تكريس هذه العقلية حتى تكلست الساحة الثقافية وصارت الحياة الثقافية نمطية على غرار نمطية المهرجانات التي تكاد تكون نسخ متكررة. واذا ما تركنا جانبا مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين، الذي تشرف وزارة الشؤون الثقافية مباشرة على تنظيمهما، فإن كل المهرجانات الدولية والوطنية والجهوية الأخرى يشكو اصحابها من قلة دعم الدولة واغلبها برر هذا العام تراجع مستوى البرمجة بقلة الدعم وبتقلص منحة الوزارة وهو ما يؤكد أن قضية الدعم هي قضية ازلية وأنه تصعب مقاومة ما ترسب ما ترسب في الاذهان، على امتداد عقود من الزمن من ان الثقافة هي فعل الدولة بامتياز.
صحيح على الدولة أن توفر وسائل العمل وصحيح، ان الثقافة حق منصوص عليه في الدستور، لكن ذلك لا يعني أن الدولة ينبغي أن تظل المنتج الاساسي للثقافي وربما المنتج الوحيد باستثناء بعض المحاولات القليلة من الفنانين المستقلين الذي لا ينسون بدورهم التذكير بان عملهم تم دون دعم من الدولة، وباستثناء بعض الاعمال التي تقوم بها جمعيات ومؤسسات اجنبية وذلك موضوع أخر.
ولنا أن نشير إلى أن وزارة الشؤون الثقافية تسعى منذ سنوات إلى ما تسميه ب"مراجعة منظومة الدعم" وقد تم تنظيم عدة ندوات في هذا الغرض كما اجريت درسات علمية بعضها بطلب من وزارة الثقافة حول تطوير السياسات الثقافية، لكن لا شيء تقريبا تغير.