كشفت "أزمة" المهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ببلادنا التي تفجرت منذ أكثر من أسبوع بصفاقس عن غياب مبادرات عملية شاملة للمجتمع المدني في التعاطي مع هذا الملف الشائك، تتجاوز التدخلات الإنسانية العاجلة عبر تقديم مساعدات عينية مادية تتمثل في توفير ما يحتاجون من إحاطة وإعاشة وإيواء في ظل الظروف الإنسانية الصعبة لمجملهم، لتتعداه إلى تقديم مبادرات شاملة كفيلة بدفع الجهات الرسمية الوطنية والدولية إلى الانخراط فيها بشكل أو بآخر. وذلك رغم تنديدات بعض الناشطين في المجتمع المدني إضافة إلى صيحات الفزع التي أطلقها متساكنو جهة صفاقس وغيرها من المناطق الأخرى بالجمهورية التي تسجل تجمع أعداد كبيرة من أبناء بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، باعتبارها منطقة عبور للمهاجرين غير النظاميين، ومطالبة جميع الجهات السلطات الرسمية بضرورة التدخل استباقيا والعمل على إيجاد مخارج عملية لهذا الوضع المتشابك قبل تفجره.
فباستثناء المبادرة التي أعلن عنها مؤخرا بسام الطريفي، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومفادها أن المعهد والرابطة ومنظمة تونس ''أرض لجوء''، سيطرحون قريبا مبادرة شاملة لحل أزمة الهجرة واللجوء في تونس يكون محورها حماية كرامة الإنسان من جهة والحفاظ على حقوق المواطنين التونسيين من جهة أخرى، لم تسجل مبادرات تهدف لمعالجة هذه القضية الشائكة في أبعادها الإقليمية والقارية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. ليساهم التوظيف السياسي لهذه الأزمة، بقطع النظر عن تداعياتها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية بالأساس، في تأزيم الوضع وتوسيع دائرة الهوة بين الجهات والأفراد المنخرطة في الاشتغال على هذا الملف بشكل أو بآخر من ناحية وبين الجهات الرسمية في بلادنا من ناحية أخرى. خاصة أن إثارة أو تفجر هذه القضية انطلاقا من صفاقس التي شكلت نقطة تجمع كبرى لأبناء بلدان إفريقيا جنوب الصحراء مجددا، جاء بعد شبه الاتفاق الحاصل حول ملف اللاجئين بين الجهات الرسمية في تونس والاتحاد الأوروبي، الذي أسفرت عنه الزيارات المتكررة لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين ورئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني وغيرهم من ممثلي الاتحاد والهياكل الأوروبية وحكومات البلدان الأوروبية وإدراك النقاشات والتباحث حول ملف الهجرة غير النظامية أشواطا متقدمة في الغرض بعد الاتفاق على تكوين لجنة تونسية أوروبية لمتابعة تنفيذ الاتفاقات التي تشمل أيضا برامج تعاون وشراكة ومساعدات لبلادنا من شانها أن تساهم في حلحلة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة التي تتخبط فيها الدولة.
ويرى البعض أن اختيار الجهات الرسمية في تونس التوجه إلى معالجة ملف الهجرة غير النظامية دون تشريك الهياكل والمنظمات وغيرها من الجهات المدنية المختصة في النشاط والاشتغال على مثل الملفات والقضايا، من العوامل التي ساهمت في تغييب وتهميش دور المجتمع المدني في هذه الأزمة التي تتداخل فيها عدة عوامل وجهات وطنية وإقليمية ودولية، خاصة أن عدة جهات حزبية وسياسية ومدنية قد نددت في بيانات أو تصريحات ومواقف رسمية صادرة عنها، بانتهاج سلطة الإشراف في بلادنا لسياسية أحادية الجانب في التعاطي مع ملف الهجرة غير النظامية الشائك وعدم الانفتاح على الفاعلين في هذا الملف، بعد أن اعتبرها البعض الورقة "الوازنة والرابحة" التي يمكن أن تراهن عليها تونس في مناقشتها لمشروع برنامج التعاون والشراكة مع الاتحاد الأوروبي إضافة إلى الغموض الذي اكتنف الاتفاقات المسجلة في الغرض. الأمر الذي فتح المجال للتأويلات والقراءات والتوظيفات المختلفة لهذه القضية من قبل جهات سياسية ومدنية وغيرها من معارضي ومنتقدي سياسة وخيارات رئيس الجمهورية قيس سعيد والرافضين للمسار.
ويذكر أن رئيس الجمهورية كان قد استقبل بقصر الرئاسة بقرطاج يوم السبت الماضي عبداللطيف شابو، رئيس منظمة الهلال الأحمر التونسي، وتناول اللقاء دور هذه المنظمة خاصة في الإحاطة بمن لازالوا عالقين على الحدود داخل التراب التونسي وستتم مواصلة الإحاطة بهم بالتنسيق مع كافة السلط المعنية.
لذلك لم يخرج المجتمع المدني في تفاعله مع هذه الأزمة عن التنديد والتوصيف والرفض والمساندة، دون المرور إلى مرحلة إعداد وتقديم المبادرات العملية الشاملة الكفيلة بتغيير واقع هذه أزمة المهاجرين غير النظاميين وتحويلها إلى مشروع إنساني واجتماعي واقتصادي بامتياز وذلك بعيدا عن منطق التوظيف والتخوين و"الشيطنة" الذي غلب على مجريات متابعة هذه القضية في محطاتها و"منعرجاتها" العديدة بدءا بحادثة تدخل الأمن لفض اعتصام مهاجرين غير نظاميين واعتدائهم على مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالعاصمة في أفريل الماضي مرورا بتكرر حوادث غرق مراكب الهجرة غير النظامية وصور ومشاهد جثث الضحايا المترامية على بعض الشواطئ التونسية إضافة إلى ما أثارته تصريحات قيس سعيد بعد ما أمر بوضع حد لتدفق مهاجرين إفريقيا جنوب الصحراء بشكل غير مسبوق، واعتبار البعض أن ما قاله يصنف في خانة "العنصرية" ويتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان وصولا إلى الحادثة الأخيرة بصفاقس وما أسفرت عنه من مستجدات وأحداث وقرارات.
في المقابل ظلت المنظمات والهياكل الدولية الخاصة بالهجرة واللاجئين شبه غائبة في هذه الأزمة.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
كشفت "أزمة" المهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ببلادنا التي تفجرت منذ أكثر من أسبوع بصفاقس عن غياب مبادرات عملية شاملة للمجتمع المدني في التعاطي مع هذا الملف الشائك، تتجاوز التدخلات الإنسانية العاجلة عبر تقديم مساعدات عينية مادية تتمثل في توفير ما يحتاجون من إحاطة وإعاشة وإيواء في ظل الظروف الإنسانية الصعبة لمجملهم، لتتعداه إلى تقديم مبادرات شاملة كفيلة بدفع الجهات الرسمية الوطنية والدولية إلى الانخراط فيها بشكل أو بآخر. وذلك رغم تنديدات بعض الناشطين في المجتمع المدني إضافة إلى صيحات الفزع التي أطلقها متساكنو جهة صفاقس وغيرها من المناطق الأخرى بالجمهورية التي تسجل تجمع أعداد كبيرة من أبناء بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، باعتبارها منطقة عبور للمهاجرين غير النظاميين، ومطالبة جميع الجهات السلطات الرسمية بضرورة التدخل استباقيا والعمل على إيجاد مخارج عملية لهذا الوضع المتشابك قبل تفجره.
فباستثناء المبادرة التي أعلن عنها مؤخرا بسام الطريفي، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومفادها أن المعهد والرابطة ومنظمة تونس ''أرض لجوء''، سيطرحون قريبا مبادرة شاملة لحل أزمة الهجرة واللجوء في تونس يكون محورها حماية كرامة الإنسان من جهة والحفاظ على حقوق المواطنين التونسيين من جهة أخرى، لم تسجل مبادرات تهدف لمعالجة هذه القضية الشائكة في أبعادها الإقليمية والقارية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. ليساهم التوظيف السياسي لهذه الأزمة، بقطع النظر عن تداعياتها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية بالأساس، في تأزيم الوضع وتوسيع دائرة الهوة بين الجهات والأفراد المنخرطة في الاشتغال على هذا الملف بشكل أو بآخر من ناحية وبين الجهات الرسمية في بلادنا من ناحية أخرى. خاصة أن إثارة أو تفجر هذه القضية انطلاقا من صفاقس التي شكلت نقطة تجمع كبرى لأبناء بلدان إفريقيا جنوب الصحراء مجددا، جاء بعد شبه الاتفاق الحاصل حول ملف اللاجئين بين الجهات الرسمية في تونس والاتحاد الأوروبي، الذي أسفرت عنه الزيارات المتكررة لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين ورئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني وغيرهم من ممثلي الاتحاد والهياكل الأوروبية وحكومات البلدان الأوروبية وإدراك النقاشات والتباحث حول ملف الهجرة غير النظامية أشواطا متقدمة في الغرض بعد الاتفاق على تكوين لجنة تونسية أوروبية لمتابعة تنفيذ الاتفاقات التي تشمل أيضا برامج تعاون وشراكة ومساعدات لبلادنا من شانها أن تساهم في حلحلة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة التي تتخبط فيها الدولة.
ويرى البعض أن اختيار الجهات الرسمية في تونس التوجه إلى معالجة ملف الهجرة غير النظامية دون تشريك الهياكل والمنظمات وغيرها من الجهات المدنية المختصة في النشاط والاشتغال على مثل الملفات والقضايا، من العوامل التي ساهمت في تغييب وتهميش دور المجتمع المدني في هذه الأزمة التي تتداخل فيها عدة عوامل وجهات وطنية وإقليمية ودولية، خاصة أن عدة جهات حزبية وسياسية ومدنية قد نددت في بيانات أو تصريحات ومواقف رسمية صادرة عنها، بانتهاج سلطة الإشراف في بلادنا لسياسية أحادية الجانب في التعاطي مع ملف الهجرة غير النظامية الشائك وعدم الانفتاح على الفاعلين في هذا الملف، بعد أن اعتبرها البعض الورقة "الوازنة والرابحة" التي يمكن أن تراهن عليها تونس في مناقشتها لمشروع برنامج التعاون والشراكة مع الاتحاد الأوروبي إضافة إلى الغموض الذي اكتنف الاتفاقات المسجلة في الغرض. الأمر الذي فتح المجال للتأويلات والقراءات والتوظيفات المختلفة لهذه القضية من قبل جهات سياسية ومدنية وغيرها من معارضي ومنتقدي سياسة وخيارات رئيس الجمهورية قيس سعيد والرافضين للمسار.
ويذكر أن رئيس الجمهورية كان قد استقبل بقصر الرئاسة بقرطاج يوم السبت الماضي عبداللطيف شابو، رئيس منظمة الهلال الأحمر التونسي، وتناول اللقاء دور هذه المنظمة خاصة في الإحاطة بمن لازالوا عالقين على الحدود داخل التراب التونسي وستتم مواصلة الإحاطة بهم بالتنسيق مع كافة السلط المعنية.
لذلك لم يخرج المجتمع المدني في تفاعله مع هذه الأزمة عن التنديد والتوصيف والرفض والمساندة، دون المرور إلى مرحلة إعداد وتقديم المبادرات العملية الشاملة الكفيلة بتغيير واقع هذه أزمة المهاجرين غير النظاميين وتحويلها إلى مشروع إنساني واجتماعي واقتصادي بامتياز وذلك بعيدا عن منطق التوظيف والتخوين و"الشيطنة" الذي غلب على مجريات متابعة هذه القضية في محطاتها و"منعرجاتها" العديدة بدءا بحادثة تدخل الأمن لفض اعتصام مهاجرين غير نظاميين واعتدائهم على مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالعاصمة في أفريل الماضي مرورا بتكرر حوادث غرق مراكب الهجرة غير النظامية وصور ومشاهد جثث الضحايا المترامية على بعض الشواطئ التونسية إضافة إلى ما أثارته تصريحات قيس سعيد بعد ما أمر بوضع حد لتدفق مهاجرين إفريقيا جنوب الصحراء بشكل غير مسبوق، واعتبار البعض أن ما قاله يصنف في خانة "العنصرية" ويتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان وصولا إلى الحادثة الأخيرة بصفاقس وما أسفرت عنه من مستجدات وأحداث وقرارات.
في المقابل ظلت المنظمات والهياكل الدولية الخاصة بالهجرة واللاجئين شبه غائبة في هذه الأزمة.