إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نائب رئيس لجنة التشريع العام: نحو إلغاء العقوبة السجنية من أحكام الشيك دون رصيد

 

"الأغلبية داخل اللجنة تريد إلغاء العقوبة السجنية لأن هذه العقوبة لا تحل المشكل"

تونس-الصباح

قال صالح المباركي نائب رئيس لجنة التشريع العام إن اللجنة ستواصل النظر في أحكام الشيك دون رصيد بالمجلة التجارية ولكن سيكون من الصعب تعديلها قبل العطلة البرلمانية التي ستنطلق مطلع شهر أوت القادم.  وأكد المباركي في تصريح لـ"الصباح" أنه في كل الأحوال توجد إرادة قوية داخل مجلس نواب الشعب لإنهاء النظر في هذه المسألة قبل موفى سنة 2023.

وذكر أن الأغلبية داخل اللجنة تريد إلغاء العقوبة السجنية، نظرا الى أن هذه العقوبة لا تحل المشكل من جهة ومن جهة أخرى لأن هناك من المساجين من هم في نفس الوقت مدينون ومدانون وبالتالي متضررون من الشيكات دون رصيد لأنه لم يقع خلاصهم لذلك لم يتمكنوا من خلاص ديونهم، وبين أنه إضافة إلى القابعين في السجون هناك من هم في حالة فرار خوفا من العقوبة السجنية.

وقال المباركي إن لجنة التشريع العام بصدد تجميع آراء مختلف الأطراف المعنية بأحكام الشيك دون رصد من المجلة التجارية وأوضح أن هناك من يتحدثون عن تنقيح الفصل 411 فقط من المجلة المذكورة ولكن في الحقيقية تنقيح الفصل 411 سينجر عنه تنقيح العديد من الفصول الأخرى المرتبطة به. وذكر أن اللجنة عقدت جلسات استماع إلى أغلب الجهات التي تهمها أحكام الشيك دون رصيد من ممثلين عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية و كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية والبنك المركزي التونسي ووزارة المالية ونقابة القضاة التونسيين وهيئة المحامين وكانت آخر جلسة مع ممثلين عن وزارة العدل، وتم توجيه دعوة لجميع هذه الأطراف لتقديم مقترحات مكتوبة للجنة، ومباشرة بعد ورود مختلف المقترحات ستعقد اللجنة جلسة أخرى للنظر فيها ونقاشها وستعمل على اختيار الرأي الأصوب، حسب تأكيده.

وإجابة عن استفسار يتعلق بالأرقام التي قدمتها وزارة العدل لنواب الجنة حول عدد المساجين بسبب شيكات دون رصيد والتي لم يقع نشرها في البلاغ الأخير الصادر عنها، أشار المباركي أن ممثلي وزارة العدل قالوا إنه يوجد 365 شخصا بين محكومين ومن هم في حالة إيقاف بسبب شيكات دون رصيد وهو رقم بعيد كل البعد عما يتم تداوله إعلاميا، ولكن هناك أيضا قضايا منشورة كما أن البنوك عندما ترسل ملفات تتعلق بشيكات دون رصيد تستغرق منها هذه العملية وقتا طويلا قبل أن يقع إيداع الشكاوى.

وجاء في البلاغ الصادر عن لجنة التشريع العام إثر الجلسة التي عقدتها أول أمس للاستماع إلى ممثلين عن وزارة العدل وذلك في إطار مواصلة التداول حول الفصل 411 من المجلة التجارية المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد، أن ممثلي الوزارة بينوا أن تعديل أحكام الشيك دون رصيد يندرج ضمن إستراتيجية أعدّتها الوزارة لتطوير المنظومة التشريعية خاصة في ما يتعلّق بالجوانب الاقتصادية والمالية ودفع الاستثمار، وهي مقاربة جديدة تكرّس دور العدالة في الاقتصاد الوطني تختلف عن سابقاتها من المقاربات التي كانت تقوم أساسا على حماية الحقوق والحريات. وأضافوا أن وزارة العدل شرعت في إعداد دراسة في الغرض ترتكز على ثلاث محاور كبرى تتمثل أولا في تشخيص للواقع الاقتصادي والاجتماعي في تونس ينبني على إحصائيات ومعطيات علمية يكون مصدرها الجهات المختصة ذات العلاقة، وثانيا في الإطلاع على الإجراءات المعتمدة على مستوى التشريع التونسي والتجارب المقارنة في طريقة تعاملها مع مسألة الشيك دون رصيد، وما أفضت إليه هذه التجارب من نتائج وتأثيرات تشريعية واقتصادية واجتماعية وثالثا في المقاربة المقترحة من قبل وزارة العدل.

وجاء في نفس البلاغ أن ممثلي وزارة العدل أشاروا إلى التطور التشريعي لمسألة الشيك دون رصيد وأهم تنقيحات المجلة التجارية التي أجريت في ما يتعلق بأحكام الشيك، وإلى ضرورة تحديد الهدف من التنقيح المزمع إجراؤه في ما يتعلق بالفصل 411 منها وأكّدوا على وعي الوزارة بأهمية تعديل أحكام الشيك دون رصيد وتداعياته على مستوى الاقتصاد الوطني، وعلى ضرورة أن تكون المقاربة التي ستعتمد في التعديل في إطار المواءمة بين التشريع الوطني والالتزامات الدولية المصادق عليها. كما استعرضوا جملة من المقاربات المقترحة التي يمكن اعتمادها في تعديل مقتضيات الفصل 411، تمحورت أساسا حول إلغاء التجريم، وإلغاء العقوبة السجنية والإبقاء على العقوبة المالية، وتعديل إجراءات التسوية، ورفع التجريم بصفة جزئية، وتسقيف الشيكات. أما أعضاء اللجنة فتساءلوا عن الإحصائيات الرسمية للقضايا المتعلقة بجرائم الشيك دون رصيد وعدد الموقوفين والمحكومين فيها وأكّدوا مسؤولية البنوك باعتبارها طرفا شريكا، ودعوا إلى ضرورة اخذ البعد الاجتماعي بعين الاعتبار لدى صياغة مشروع القانون واستفسروا عن مدى تقدم وزارة العدل في إعداد مشروع القانون المتعلق بتنقيح أحكام الشيك دون رصيد، مطالبين بالتسريع في إحالته على أنظار مجلس نواب الشعب.. وحسب ما جاء في بلاغ اللجنة فإن ممثلي وزارة العدل أكدوا أن الوزارة منكبة على إعداد مشروع القانون لإحالته في أقرب الآجال على أنظار اللجنة وأن رؤيتها ترتكز على ضرورة إيجاد التوازن بين مصلحة الدائن والمدين بما يضمن حقوق الطرفين.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت لجنة التشريع العام ستنتظر مشروع القانون الذي تعمل وزارة العدل حاليا على إعداده أم أنها ستواصل الاشتغال على مسألة الشيكات دون رصد أجاب صالح المباركي نائب رئيس اللجنة، أن اللجنة مبدئيا ترغب في أن يكون هناك مشروع قانون مقدم من الحكومة ولكن في صورة عدم تقديم هذا المشروع في أقرب الآجال فإنه يمكن للنواب أن يقترحوا مبادرة تشريعية في الغرض، وفسر أنه لا يوجد إشكال من هذه الناحية فالمهم بالنسبة إلى اللجنة ليس من هو صاحب المبادرة التشريعية وإنما أن يقع تنقيح أحكام الشيك دون رصيد من المجلة التجارية.

آراء ومقترحات

وللتذكير كان سمير ماجول رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية حل مؤخرا بمعية ممثلين عن الاتحاد بلجنة التشريع العام لإبداء الرأي حول الفصل 411 من المجلة التجارية المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد وأكد بالمناسبة أن المبدأ العام الذي يتبنّاه الاتحاد هو عدم فرض العقوبة السجنية وذلك تماشيا مع التزامات الدولة التونسية التي أمضت اتفاقيات ومعاهدات دولية تمنع العقوبة السالبة للحرية من أجل التزامات تعاقدية كما بيّن ممثلو الاتحاد أن الشيك تحوّل من وسيلة خلاص حينية إلى وسيلة تمويل في ظل الصعوبات الاقتصادية والمالية، وأضافوا أنه من الضروري إيجاد تدابير وقائية تضمن خلاص الشيك عوض فرض عقوبة سجنية في صورة عدم خلاصه، خاصة وأنها أثبتت عدم جدواها وتضاربها مع مبادئ وأعراف التجارة والمعاملات الاقتصادية ودعوا إلى ضرورة تزامن رفع العقوبة السجنية  مع إصلاحات وإجراءات قانونية واقتصادية تتعلّق بتعصير الإدارة وتطوير القضاء وتحصين المنظومة القانونية من خلال تنقيح عدد من النصوص القانونية ذات العلاقة بهدف ضمان حقوق كل الأطراف المتداخلة وقدم ممثلو منظمة الأعراف مقترحات تمحورت حول إيجاد آليات وقائية لخلاص الشيك كإخضاع الشيك الالكتروني للمصادقة وإيجاد آليات أوسع وأرحب للتسوية خاصة من ناحية الآجال. وطالبوا بتشريك كافة الأطراف المتداخلة وخاصة البنوك، وتحدوا عن إمكانية تسقيف الشيك، وإحداث صندوق ضمان في علاقة بالشيك دون رصيد.

في حين أكد طارق الشريف رئيس كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كوناكت" والوفد المرافق له خلال اللقاء الذي جمعهم بنواب لجنة التشريع العام أن الشيك يعدّ جزءا من المنظومة الاقتصادية ووسيلة تمويل بالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة في ظل غياب تمويل المؤسسات البنكية والمالية وبينوا أن إلغاء العقوبة السجنية في جرائم الشيك دون رصيد لا يجب أن يكون مسقطا خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وما تعرفه البلاد من ندرة لمصادر التمويل، ودعوا إلى عدم التسرّع في اتخاذ هذا الإجراء لما سينجرّ عنه من آثار سلبية قد تؤدي إلى شلل المعاملات الاقتصادية خاصة بالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة وصغار الحرفيين الذين يلجؤون في مجمل معاملاتهم إلى الشيك واعتماده خاصة كوسيلة تمويل أو ضمان. وحسب "كوناكت" يجب ألا تقتصر معالجة ظاهرة الشيك دون رصيد على تعديل الفصل 411 من المجلة التجارية، بل يجب أن تكون في إطار رؤية شاملة يتمّ فيها تحميل المسؤوليات إلى كافة الأطراف المتداخلة إضافة إلى تنقيح عدد من النصوص القانونية الأخرى ذات العلاقة.

وبخصوص رأي وزارة المالية في موضوع تعديل الفصل 411 سالف الذكر ففسر ممثلو الوزارة لنواب لجنة التشريع العام أن تونس اختارت تجريم عملية إصدار الشيك دون رصيد على اعتبار أنه جريمة اقتصادية تخل بالنظام العام الاقتصادي. وأكّدوا أنه بالإمكان مراجعة هذا الخيار في إطار مقاربة شاملة تنخرط فيها كافة الأطراف المتداخلة مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب الردعي للإبقاء على الشيك كورقة تجارية أساسية في المعاملات التجارية.

أما الرأي الذي أبداه ممثلو البنك المركزي التونسي أمام اللجنة فهو لا يختلف كثيرا عن رأي وزارة المالية إذ أكدوا بدورهم على ضرورة أن تكون مراجعة أحكام الشيك دون رصيد في إطار مقاربة علمية تنخرط فيها جميع الأطراف وتضمن التوازن بين الموقع الأساسي للشيك من ناحية، والمقاربة الاجتماعية من ناحية أخرى.

 كما أشاروا إلى أهمية التداول حول هذه المسألة لتعديل أحكام الشيك الذي يحتل مكانة هامّة على مستوى المعاملات المالية والتّجارية ويمثل حجر الزاوية في المعاملات الاقتصادية، وأوضحوا أن أحكام الشيك تمّ تنقيحها في عديد المناسبات في محاولة للتقليص من الطابع الزجري من خلال تمكين المدين مصدر الشيك دون رصيد من فرصة و آجال لتسوية وضعيته وتفادي العقوبات السالبة للحرية، والمطلوب حسب قولهم أن تكون المراجعة هيكلية وشاملة تواكب تطوّر المحيط المالي والتقني وتستجيب لدراسات معمقة للوضع العام الاقتصادي والقانوني والاجتماعي.

مقترح قانون

أشار ممثلو الهيئة الوطنية للمحامين إلى أنهم بصدد إعداد مقترح قانون يهدف إلى تنقيح أحكام الشيك دون رصيد وفسروا لنواب لجنة التشريع العام أن جريمة الشيك دون رصيد هي جريمة شكلية بالأساس وأن الاستعمال المتداول للشيك هو استعمال في غير موضعه باعتباره وسيلة خلاص وليست وسيلة ضمان ونبهوا إلى أن إلغاء العقوبة السجنية يتطلب توفير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والقانونية الملائمة وأن المراجعة يجب ألا تقتصر على الفصل 411 من المجلة التجارية، بل يجب أن يكون هناك تدخل تشريعي لتعديل عدد من النصوص القانونية الأخرى على أن يقع ذلك بصفة تدريجية مع الأخذ بعين الاعتبار التطور الرقمي والتكنولوجي الذي يوفر الضمانات اللازمة لحقوق جميع الأطراف.

في حين أشار ممثلو نقابة القضاة التونسيين إلى أن الشيك تحوّل من أداة للاستخلاص الحيني وتسهيل المعاملات المالية والتجارية إلى وسيلة ضمان واقتراض. وتسبب العدد الكبير من القضايا المتعلقة بجريمة إصدار الشيك دون رصيد حسب تأكيدهم إلى إنهاك المحاكم واكتظاظ السجون وإثقال كاهل الدولة بنفقات إضافية. وفسر ممثلو النقابة أن العقوبة الجزائية المتعلّقة بالشيك دون رصيد تتعارض مع المواثيق والمعاهدات الدولية التي أمضت عليها تونس والتي تمنع سلب الحرية بسبب دين مدني ودعوا لجنة التشريع العام إلى الاستئناس بالتجارب المقارنة وتقدموا بعدد من المقترحات من قبيل اعتماد الشيك الالكتروني وإثارة الدعوى المدنية لاستخلاص الدين.

وللتذكير كانت لجنة التشريع العام في البرلمان المنحل تداولت بدورها طويلا حول مقترح قانون يتعلق بتنقيح أحكام الشيك دون رصيد تم تقديمه من قبل نواب كتلة ائتلاف الكرامة وهو في الأصل من إعداد المنظمة التونسية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة منذ بدايات ظهور أزمة كورونا وكانت هناك نقاشات طويلة صلب اللجنة لكن في النهاية لم تقع المصادقة عليها وتبدد حلم أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة والعائلات المتضررة من العقوبات السجنية الواردة في أحكام الشيكات دون رصيد، وبعد حل البرلمان تعالت الأصوات من جديد لمطالبة رئيس الجمهورية بإصدار مرسوم يلغي الفصل 411 ولكن الرئيس أصدر المرسوم عدد 10 لسنة 2022 المؤرخ في 10 فيفري 2022 وهو يتعلق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك بدون رصيد، ولم يلب هذا المرسوم انتظارات الكثير كما تم لاحقا تنقيحه لتمديد أجال التسوية ولكن مطلب أغلب المؤسسات الصغرى والمتوسطة وبعض الأحزاب ومنها مسار 25 جويلية يتمثل في مراجعة شاملة لأحكام الشيك دون رصيد وخاصة منها إلغاء الفصل 411 من المجلة التجارية نهائيا، وتفاعلا مع هذا المطلب دعا رئيس الجمهورية وزيرة العدل ليلى جفال إلى إعداد مشروع قانون ينصف الدائن والمدين.

سعيدة بوهلال

نائب رئيس لجنة التشريع العام:  نحو إلغاء العقوبة السجنية من أحكام الشيك دون رصيد

 

"الأغلبية داخل اللجنة تريد إلغاء العقوبة السجنية لأن هذه العقوبة لا تحل المشكل"

تونس-الصباح

قال صالح المباركي نائب رئيس لجنة التشريع العام إن اللجنة ستواصل النظر في أحكام الشيك دون رصيد بالمجلة التجارية ولكن سيكون من الصعب تعديلها قبل العطلة البرلمانية التي ستنطلق مطلع شهر أوت القادم.  وأكد المباركي في تصريح لـ"الصباح" أنه في كل الأحوال توجد إرادة قوية داخل مجلس نواب الشعب لإنهاء النظر في هذه المسألة قبل موفى سنة 2023.

وذكر أن الأغلبية داخل اللجنة تريد إلغاء العقوبة السجنية، نظرا الى أن هذه العقوبة لا تحل المشكل من جهة ومن جهة أخرى لأن هناك من المساجين من هم في نفس الوقت مدينون ومدانون وبالتالي متضررون من الشيكات دون رصيد لأنه لم يقع خلاصهم لذلك لم يتمكنوا من خلاص ديونهم، وبين أنه إضافة إلى القابعين في السجون هناك من هم في حالة فرار خوفا من العقوبة السجنية.

وقال المباركي إن لجنة التشريع العام بصدد تجميع آراء مختلف الأطراف المعنية بأحكام الشيك دون رصد من المجلة التجارية وأوضح أن هناك من يتحدثون عن تنقيح الفصل 411 فقط من المجلة المذكورة ولكن في الحقيقية تنقيح الفصل 411 سينجر عنه تنقيح العديد من الفصول الأخرى المرتبطة به. وذكر أن اللجنة عقدت جلسات استماع إلى أغلب الجهات التي تهمها أحكام الشيك دون رصيد من ممثلين عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية و كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية والبنك المركزي التونسي ووزارة المالية ونقابة القضاة التونسيين وهيئة المحامين وكانت آخر جلسة مع ممثلين عن وزارة العدل، وتم توجيه دعوة لجميع هذه الأطراف لتقديم مقترحات مكتوبة للجنة، ومباشرة بعد ورود مختلف المقترحات ستعقد اللجنة جلسة أخرى للنظر فيها ونقاشها وستعمل على اختيار الرأي الأصوب، حسب تأكيده.

وإجابة عن استفسار يتعلق بالأرقام التي قدمتها وزارة العدل لنواب الجنة حول عدد المساجين بسبب شيكات دون رصيد والتي لم يقع نشرها في البلاغ الأخير الصادر عنها، أشار المباركي أن ممثلي وزارة العدل قالوا إنه يوجد 365 شخصا بين محكومين ومن هم في حالة إيقاف بسبب شيكات دون رصيد وهو رقم بعيد كل البعد عما يتم تداوله إعلاميا، ولكن هناك أيضا قضايا منشورة كما أن البنوك عندما ترسل ملفات تتعلق بشيكات دون رصيد تستغرق منها هذه العملية وقتا طويلا قبل أن يقع إيداع الشكاوى.

وجاء في البلاغ الصادر عن لجنة التشريع العام إثر الجلسة التي عقدتها أول أمس للاستماع إلى ممثلين عن وزارة العدل وذلك في إطار مواصلة التداول حول الفصل 411 من المجلة التجارية المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد، أن ممثلي الوزارة بينوا أن تعديل أحكام الشيك دون رصيد يندرج ضمن إستراتيجية أعدّتها الوزارة لتطوير المنظومة التشريعية خاصة في ما يتعلّق بالجوانب الاقتصادية والمالية ودفع الاستثمار، وهي مقاربة جديدة تكرّس دور العدالة في الاقتصاد الوطني تختلف عن سابقاتها من المقاربات التي كانت تقوم أساسا على حماية الحقوق والحريات. وأضافوا أن وزارة العدل شرعت في إعداد دراسة في الغرض ترتكز على ثلاث محاور كبرى تتمثل أولا في تشخيص للواقع الاقتصادي والاجتماعي في تونس ينبني على إحصائيات ومعطيات علمية يكون مصدرها الجهات المختصة ذات العلاقة، وثانيا في الإطلاع على الإجراءات المعتمدة على مستوى التشريع التونسي والتجارب المقارنة في طريقة تعاملها مع مسألة الشيك دون رصيد، وما أفضت إليه هذه التجارب من نتائج وتأثيرات تشريعية واقتصادية واجتماعية وثالثا في المقاربة المقترحة من قبل وزارة العدل.

وجاء في نفس البلاغ أن ممثلي وزارة العدل أشاروا إلى التطور التشريعي لمسألة الشيك دون رصيد وأهم تنقيحات المجلة التجارية التي أجريت في ما يتعلق بأحكام الشيك، وإلى ضرورة تحديد الهدف من التنقيح المزمع إجراؤه في ما يتعلق بالفصل 411 منها وأكّدوا على وعي الوزارة بأهمية تعديل أحكام الشيك دون رصيد وتداعياته على مستوى الاقتصاد الوطني، وعلى ضرورة أن تكون المقاربة التي ستعتمد في التعديل في إطار المواءمة بين التشريع الوطني والالتزامات الدولية المصادق عليها. كما استعرضوا جملة من المقاربات المقترحة التي يمكن اعتمادها في تعديل مقتضيات الفصل 411، تمحورت أساسا حول إلغاء التجريم، وإلغاء العقوبة السجنية والإبقاء على العقوبة المالية، وتعديل إجراءات التسوية، ورفع التجريم بصفة جزئية، وتسقيف الشيكات. أما أعضاء اللجنة فتساءلوا عن الإحصائيات الرسمية للقضايا المتعلقة بجرائم الشيك دون رصيد وعدد الموقوفين والمحكومين فيها وأكّدوا مسؤولية البنوك باعتبارها طرفا شريكا، ودعوا إلى ضرورة اخذ البعد الاجتماعي بعين الاعتبار لدى صياغة مشروع القانون واستفسروا عن مدى تقدم وزارة العدل في إعداد مشروع القانون المتعلق بتنقيح أحكام الشيك دون رصيد، مطالبين بالتسريع في إحالته على أنظار مجلس نواب الشعب.. وحسب ما جاء في بلاغ اللجنة فإن ممثلي وزارة العدل أكدوا أن الوزارة منكبة على إعداد مشروع القانون لإحالته في أقرب الآجال على أنظار اللجنة وأن رؤيتها ترتكز على ضرورة إيجاد التوازن بين مصلحة الدائن والمدين بما يضمن حقوق الطرفين.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت لجنة التشريع العام ستنتظر مشروع القانون الذي تعمل وزارة العدل حاليا على إعداده أم أنها ستواصل الاشتغال على مسألة الشيكات دون رصد أجاب صالح المباركي نائب رئيس اللجنة، أن اللجنة مبدئيا ترغب في أن يكون هناك مشروع قانون مقدم من الحكومة ولكن في صورة عدم تقديم هذا المشروع في أقرب الآجال فإنه يمكن للنواب أن يقترحوا مبادرة تشريعية في الغرض، وفسر أنه لا يوجد إشكال من هذه الناحية فالمهم بالنسبة إلى اللجنة ليس من هو صاحب المبادرة التشريعية وإنما أن يقع تنقيح أحكام الشيك دون رصيد من المجلة التجارية.

آراء ومقترحات

وللتذكير كان سمير ماجول رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية حل مؤخرا بمعية ممثلين عن الاتحاد بلجنة التشريع العام لإبداء الرأي حول الفصل 411 من المجلة التجارية المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد وأكد بالمناسبة أن المبدأ العام الذي يتبنّاه الاتحاد هو عدم فرض العقوبة السجنية وذلك تماشيا مع التزامات الدولة التونسية التي أمضت اتفاقيات ومعاهدات دولية تمنع العقوبة السالبة للحرية من أجل التزامات تعاقدية كما بيّن ممثلو الاتحاد أن الشيك تحوّل من وسيلة خلاص حينية إلى وسيلة تمويل في ظل الصعوبات الاقتصادية والمالية، وأضافوا أنه من الضروري إيجاد تدابير وقائية تضمن خلاص الشيك عوض فرض عقوبة سجنية في صورة عدم خلاصه، خاصة وأنها أثبتت عدم جدواها وتضاربها مع مبادئ وأعراف التجارة والمعاملات الاقتصادية ودعوا إلى ضرورة تزامن رفع العقوبة السجنية  مع إصلاحات وإجراءات قانونية واقتصادية تتعلّق بتعصير الإدارة وتطوير القضاء وتحصين المنظومة القانونية من خلال تنقيح عدد من النصوص القانونية ذات العلاقة بهدف ضمان حقوق كل الأطراف المتداخلة وقدم ممثلو منظمة الأعراف مقترحات تمحورت حول إيجاد آليات وقائية لخلاص الشيك كإخضاع الشيك الالكتروني للمصادقة وإيجاد آليات أوسع وأرحب للتسوية خاصة من ناحية الآجال. وطالبوا بتشريك كافة الأطراف المتداخلة وخاصة البنوك، وتحدوا عن إمكانية تسقيف الشيك، وإحداث صندوق ضمان في علاقة بالشيك دون رصيد.

في حين أكد طارق الشريف رئيس كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كوناكت" والوفد المرافق له خلال اللقاء الذي جمعهم بنواب لجنة التشريع العام أن الشيك يعدّ جزءا من المنظومة الاقتصادية ووسيلة تمويل بالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة في ظل غياب تمويل المؤسسات البنكية والمالية وبينوا أن إلغاء العقوبة السجنية في جرائم الشيك دون رصيد لا يجب أن يكون مسقطا خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وما تعرفه البلاد من ندرة لمصادر التمويل، ودعوا إلى عدم التسرّع في اتخاذ هذا الإجراء لما سينجرّ عنه من آثار سلبية قد تؤدي إلى شلل المعاملات الاقتصادية خاصة بالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة وصغار الحرفيين الذين يلجؤون في مجمل معاملاتهم إلى الشيك واعتماده خاصة كوسيلة تمويل أو ضمان. وحسب "كوناكت" يجب ألا تقتصر معالجة ظاهرة الشيك دون رصيد على تعديل الفصل 411 من المجلة التجارية، بل يجب أن تكون في إطار رؤية شاملة يتمّ فيها تحميل المسؤوليات إلى كافة الأطراف المتداخلة إضافة إلى تنقيح عدد من النصوص القانونية الأخرى ذات العلاقة.

وبخصوص رأي وزارة المالية في موضوع تعديل الفصل 411 سالف الذكر ففسر ممثلو الوزارة لنواب لجنة التشريع العام أن تونس اختارت تجريم عملية إصدار الشيك دون رصيد على اعتبار أنه جريمة اقتصادية تخل بالنظام العام الاقتصادي. وأكّدوا أنه بالإمكان مراجعة هذا الخيار في إطار مقاربة شاملة تنخرط فيها كافة الأطراف المتداخلة مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب الردعي للإبقاء على الشيك كورقة تجارية أساسية في المعاملات التجارية.

أما الرأي الذي أبداه ممثلو البنك المركزي التونسي أمام اللجنة فهو لا يختلف كثيرا عن رأي وزارة المالية إذ أكدوا بدورهم على ضرورة أن تكون مراجعة أحكام الشيك دون رصيد في إطار مقاربة علمية تنخرط فيها جميع الأطراف وتضمن التوازن بين الموقع الأساسي للشيك من ناحية، والمقاربة الاجتماعية من ناحية أخرى.

 كما أشاروا إلى أهمية التداول حول هذه المسألة لتعديل أحكام الشيك الذي يحتل مكانة هامّة على مستوى المعاملات المالية والتّجارية ويمثل حجر الزاوية في المعاملات الاقتصادية، وأوضحوا أن أحكام الشيك تمّ تنقيحها في عديد المناسبات في محاولة للتقليص من الطابع الزجري من خلال تمكين المدين مصدر الشيك دون رصيد من فرصة و آجال لتسوية وضعيته وتفادي العقوبات السالبة للحرية، والمطلوب حسب قولهم أن تكون المراجعة هيكلية وشاملة تواكب تطوّر المحيط المالي والتقني وتستجيب لدراسات معمقة للوضع العام الاقتصادي والقانوني والاجتماعي.

مقترح قانون

أشار ممثلو الهيئة الوطنية للمحامين إلى أنهم بصدد إعداد مقترح قانون يهدف إلى تنقيح أحكام الشيك دون رصيد وفسروا لنواب لجنة التشريع العام أن جريمة الشيك دون رصيد هي جريمة شكلية بالأساس وأن الاستعمال المتداول للشيك هو استعمال في غير موضعه باعتباره وسيلة خلاص وليست وسيلة ضمان ونبهوا إلى أن إلغاء العقوبة السجنية يتطلب توفير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والقانونية الملائمة وأن المراجعة يجب ألا تقتصر على الفصل 411 من المجلة التجارية، بل يجب أن يكون هناك تدخل تشريعي لتعديل عدد من النصوص القانونية الأخرى على أن يقع ذلك بصفة تدريجية مع الأخذ بعين الاعتبار التطور الرقمي والتكنولوجي الذي يوفر الضمانات اللازمة لحقوق جميع الأطراف.

في حين أشار ممثلو نقابة القضاة التونسيين إلى أن الشيك تحوّل من أداة للاستخلاص الحيني وتسهيل المعاملات المالية والتجارية إلى وسيلة ضمان واقتراض. وتسبب العدد الكبير من القضايا المتعلقة بجريمة إصدار الشيك دون رصيد حسب تأكيدهم إلى إنهاك المحاكم واكتظاظ السجون وإثقال كاهل الدولة بنفقات إضافية. وفسر ممثلو النقابة أن العقوبة الجزائية المتعلّقة بالشيك دون رصيد تتعارض مع المواثيق والمعاهدات الدولية التي أمضت عليها تونس والتي تمنع سلب الحرية بسبب دين مدني ودعوا لجنة التشريع العام إلى الاستئناس بالتجارب المقارنة وتقدموا بعدد من المقترحات من قبيل اعتماد الشيك الالكتروني وإثارة الدعوى المدنية لاستخلاص الدين.

وللتذكير كانت لجنة التشريع العام في البرلمان المنحل تداولت بدورها طويلا حول مقترح قانون يتعلق بتنقيح أحكام الشيك دون رصيد تم تقديمه من قبل نواب كتلة ائتلاف الكرامة وهو في الأصل من إعداد المنظمة التونسية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة منذ بدايات ظهور أزمة كورونا وكانت هناك نقاشات طويلة صلب اللجنة لكن في النهاية لم تقع المصادقة عليها وتبدد حلم أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة والعائلات المتضررة من العقوبات السجنية الواردة في أحكام الشيكات دون رصيد، وبعد حل البرلمان تعالت الأصوات من جديد لمطالبة رئيس الجمهورية بإصدار مرسوم يلغي الفصل 411 ولكن الرئيس أصدر المرسوم عدد 10 لسنة 2022 المؤرخ في 10 فيفري 2022 وهو يتعلق بالعفو العام في جريمة إصدار شيك بدون رصيد، ولم يلب هذا المرسوم انتظارات الكثير كما تم لاحقا تنقيحه لتمديد أجال التسوية ولكن مطلب أغلب المؤسسات الصغرى والمتوسطة وبعض الأحزاب ومنها مسار 25 جويلية يتمثل في مراجعة شاملة لأحكام الشيك دون رصيد وخاصة منها إلغاء الفصل 411 من المجلة التجارية نهائيا، وتفاعلا مع هذا المطلب دعا رئيس الجمهورية وزيرة العدل ليلى جفال إلى إعداد مشروع قانون ينصف الدائن والمدين.

سعيدة بوهلال