إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أب يقتل ابنته.. وابن يجهز على والده.. جرائم عائلية بين مفترقي القبر والسجن

 

تونس-الصباح

جريمة صادمة حطت رحالها هذه المرة بمنطقة الذراع القرعة الحمراء بسبيطلة من ولاية القصرين، والقاتل والقتيلة من عائلة واحدة.. فالضحية فتاة في الثامنة عشرة من عمرها والقاتل والدها.. جريمة عائلية جديدة بكل ما فيها من فظاعة انضافت الى قائمة طويلة من الجرائم العائلية التي استهدفت آباء وأبناء وأمهات وزوجات وأخوات..قتلة تحولت لديهم الروابط الدموية الى روابط لا قيمة لها.

كما جدت جريمة ثانية منتصف الأسبوع الجاري تمثلت في اقدام شاب على قتل والده بطريقة وحشية..

جريمتان تعودان بنا للحديث عن الجرائم داخل الأسرة الواحدة والتي  تعصف في كل مرة بالروابط العائلية وتنتهي بها بين مفترقين هما القبر والسجن.

مفيدة القيزاني

التفاصيل..

تشير وقائع الجريمة الأولى الى أن زوجين على خلاف 

 منذ ما يزيد عن العامين وأن ابنتيهما البالغة من العمر  18 عاما وهي تلميذة كانت تزاول دراستها بالسنة الثالثة من التعليم الثانوي، كانت تعاني من مرض عضال وقد تعافت منه مؤخرا ويوم الواقعة جد خلاف بين الاب وعائلته فعمد الى اصابة ابنتيه بساطور ما أدى الى وفاة احداهما في حين تم اسعاف الثانية. 

وفي ذات السياق أقدم صباح  الأربعاء 12 جويلية الجاري، شاب أصيل إحدى قرى معتمدية سوق الأحد من ولاية قبلي، على قتل والده بواسطة ساطور بعد أن وجّه له عديد الضربات على مستوى الرأس مما أدى إلى وفاته على عين المكان.

 وبعد ارتكابه الجريمة عمد إلى سكب البنزين على جسده في محاولة منه للانتحار وقد تم إنقاذه ونقله إلى المستشفى الجهوي بقبلي.

وتشير المعطيات الأولية أن سبب اقدام الشاب على قتل والده تعود الى خلافات عائلية. 

جرائم مماثلة.. 

شهدت بلادنا في وقت سابق عدة جرائم مماثلة حيث جدت  بمعتمدية نفزة من ولاية باجة جريمة شنيعة ارتكبها شاب يبلغ من العمر 21 سنة في حق والديه ، اذ اقدم الابن على قتل والدته والاعتداء على والده الذي يعمل حارسا في حضيرة بناء ما استوجب نقله إلى قسم الانعاش بالمستشفى الجهوي بباجة.. هذا وتمّ إدراج الشاب بالتفتيش وتقوم الوحدات الأمنية بالبحث عنه.

عائلة بأكملها قضت نحبها أيضا في وقت سابق حيث عثر على الزوج والزوجة والابنة البالغة من العمر عشر سنوات..الابن هو من بلغ عن الجريمة ربما في محاولة منه لإبعاد الشبهات ولكن بعد سلسلة من التحريات تم حصر الشبهة في الابن وصديقه البالغين من العمر 23 و24 عاما بعد أن توفرت ما يكفي من الأدلة والقرائن لتوجيه أصابع الاتهام لهما.  

ووجهت لهما تهمة قتل نفس بشرية عمدا مع سابقية القصد والإضمار على معنى الفصلين 201 و202، من المجلة الجزائية.

كما أظهرت المعاينات الأولية بمسرح الجريمة أن عملية القتل تمت بواسطة سكين كبيرة الحجم والتي تم حجزها في مكان غير بعيد عن مكان الواقعة.

وفي ذات السياق تم القبض على شاب بجهة رواد عمد الى قتل والدته ومحاولة قتل والده بمقر سكناهما بجهة نفزة التابعة لولاية باجة.

والابن هو شاب في العشرينات من عمره عمد الى قتل والدته بواسطة الة حادة ثم دفن جثتها بحديقة المنزل ولما تفطن الاب بما اقترفه ابنه من جرم صادم سدد له هو الاخر عدة طعنات ثم فر الى العاصمة حيث حاول الاختباء بجهة رواد الى ان تم العثور عليه وايقافه. 

وبالرجوع بالزمن قليلا الى الوراء جدت يوم 27 جانفي المنقضي جريمة عائلية مروعة ذهبت ضحيتها امرأة من متساكني جهة سيدي حسين السيجومي على يد ابنها الذب اخفى الجثة في برميل بعد أن قطعها الى اجزاء ولكن احدى قريبات الهالكة تفطنت الى الجثة واعلمت السلط الامنية فوقع حصر الشبهة في ابن الضحية الذي تمّ إيقافه، واعترف بقتل والدته والتنكيل بجثّتها وإخفائها داخل برميل، ووضع كمية من الخرسانة فوقها حتى لا يتمّ التفطّن لها.

جرائم صادمة..

وشهدت منذ بداية العام الجاري ولاية سوسة جريمة فظيعة راحت ضحيتها امرأة تدعى  "صابرين" وهي أم لأربعة أطفال وحامل في شهرها الخامس على يد زوجها بعد أن دخلت في خلاف معه  فقام بخنقها حتى فارقت الحياة. 

والضحية تبلغ من العمر 30 سنة،  أم لأربعة أطفال قصّر  يبلغون من العمر  11 و 9 و 8 سنوات، يزاولون دراستهم بالمرحلة الابتدائيّة إضافة إلى طفل في سنّ الثالثة.

وقد  تعهّد القضاء بالقضيّة وتمّ ايقاف الزوج. 

كما شهدت  جهة نصر الله من ولاية القيروان جريمة فظيعة راحت ضحيتها امرأة على يد زوجها.

واهتزت  جهة العوينة بالعاصمة على وقع جريمة قتل راحت ضحيتها امرأة على يد ابنها الذي تم ايقافه والاحتفاظ به على ذمة الأبحاث.

وحول تفاصيل الجريمة ذكر فاكر بوزغاية رئيس مكتب الاعلام والاتصال بوزارة الداخلية في تصريح لـ" الصباح" بان  إفادة  وردت  على أعوان الأمن بالعوينة مفادها تعرض امرأة للاعتداء بالعنف بمنزلها الكائن بالعوينة بواسطة آلة حادة على مستوى رقبتها وبتوجه الاعوان على عين المكان تم الاتصال بوحدات الحماية المدنية وبحلولهم بالمكان اتضح بأن الهالكة وهي امرأة تبلغ من العمر حوالي 65 عاما قد فارقت الحياة.

وأضاف بوزغاية انه باعلام النيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية بتونس تم الاذن بفتح بحث تحقيقي موضوعه القتل العمد مع سابقية القصد كما تنقل ممثل النيابة العمومية بمعية قاضي  التحقيق وقاما بعملية المعاينة كما تم الأذن بنقل جثة الهالكة لعرضها على الطب الشرعي لتحديد الأسباب المباشرة للوفاة.

وأوضح  انه بانطلاق الأبحاث الاولية في القضية تم سماع زوج الهالكة الذي ذكر بأنه فوجئ عند دخول المطبخ بالمنزل بابنه وهو شاب عمره 22 عاما  بيده سكينا وهو بجانب والدته التي كانت ملقاة أرضا وتحمل جرحا على مستوى الرقبة واثار الدماء بالمكان مؤكدا بأن ابنه يعاني من اضطرابات نفسية  وقد تدهورت حالته مؤخرا وأصبح اكثر عنفا وعدائية وقد اقدم على قتل والدته بواسطة سكين. 

المشرع والجريمة العائلية..

خص المشرع التونسي جرائم القتل العائلية بعدة فصول تنص على عقوبات مشددة  203 من المجلة الجزائية الذي ينص على أن "قتل القريب يعاقب مرتكبه بالقتل..والمقصود بقتل القريب هو قتل الوالد أو الوالدة أو غيرهما ممن هو فوقهما من الوالدين" وبالفصل 210 من المجلة الجزائية الذي ينص على أنه يعاقب بالسجن بقية العمر الوالد الذي يتعمد قتل ولده.

والفصل 211 (نقح بالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989) "تعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام الأم القاتلة لمولودها بمجرد ولادته أو إثر ولادته" والفصل 212 (نقح بالقانون عدد 93 لسنة 1995 المؤرخ في 9 نوفمبر 1995) ..(يستوجب السجن مدة ثلاثة أعوام وخطية قدرها مائتا دينار من يعرض مباشرة أو بواسطة أو يترك مباشرة أو بواسطة بقصد الإهمال في مكان آهل بالناس طفلا لا طاقة له على حفظ نفسه أو عاجزا ويكون العقاب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائتا دينار إذا كان المجرم أحد الوالدين أو من له سلطة على الطفل أو العاجز أو مؤتمنا على حراسته ويضاعف العقاب في الصورتين السابقتين إذا حصل التعريض أو الترك في مكان غير آهل بالناس والمحـاولـة موجبة للعقاب).

الجريمة من منظور علم الاجتماع..

جرائم العنف الأسري سواء الاعتداء أو القتل إنما هي حالات فردية مرضية، يرتكبها أشخاص لهم ترسبات أدت لدفعها إلى العنف وفقدت السيطرة على تصرفاتها.

وتنبه إلى خطورة غياب القيم التي تؤدي إلى الاهتمام بالشكل على حساب المضمون وراء الجرائم، والتي أدت إلى خروج جيل جديد لا يعرف من القيم والعادات، إلا الاسم فقط إلى جانب الفراغ والبطالة من حولهم والتي جعلتهم لا يفكرون إلا في أنفسهم والبحث عن سعادتهم بطريقتهم سواء بالمخدرات التي تفتح الباب على مصراعيه أمام مصائب أخرى كثيرة وفق قراءة الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد. 

ويرى  بالحاج محمد أن فترة ما بعد الثورات والمراحل الانتقالية تمثلان عادة بيئة خصبة لظهور الاضطرابات السلوكية والنفسية وكأنها عبارة عن أعراض جانبية تخلفها كل ثورة وهذا أمر مفهوم من وجهة نظر علمية لسببين رئيسيين على الأقل: أولا أن كل ثورة اجتماعية لم تسبقها أو تواكبها ثورة ثقافية تتحول من فرصة للتحرر الاجتماعي إلى فرصة لانفلات الغرائز في أكثر جوانبها بدائية وعدوانية، وثانيا أن الثورات تهدم عادة البنى والمؤسسات الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة دون أن تعوضها بسرعة ببنى أخرى توفر الإجابات اللازمة للإنسان. مثلما رأينا التونسي في أبهى تجلياته  رأيناه أيضا في أكثر صوره ضعفا وقبحا. لاحت لنا بقوة ملامح التونسي المستقر والمضطرب والقلق الذي يرتفع عنده منسوب العنف والعدوانية مما أعطانا مشهدا للانفلات  الاجتماعي منقطع النظير، انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية.

 وبالتالي تتميز فترات التحول والانتقال في السياقات الثورية إلى نوع من المعاناة والاضطرابات السلوكية والنفسية وهذا ما يفسر ارتفاع منسوب العنف والعدوانية لدى التونسي وارتفاع نسب زيارة عيادات الطب النفسي وطغيان الانفلات على المشهد الاجتماعي انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية عدوانية تتراوح بين الاعتداءات الجسدية والمادية المختلفة إلى أن تصل إلى أكثر أشكال العنف بشاعة من قتل وتمثيل بالجثث... ثقافة الموت والتخريب والتنكيل تتسع يوما بعد يوم وتغذيها مشاهد الموت والتنكيل الوحشية التي تعج بها المواقع الاجتماعية ونشرات الأخبار. 

سلوك التونسي اليوم يغلب عليه الطابع الانفعالي والعدواني، وفيه الكثير من الاندفاع والاستعراض والتكلف وهو ناتج عن الخوف من الحاضر والمستقبل وغياب آفاق الحل والخلاص والرغبة في تفريغ شحنة كبيرة من الكبت والقهر المزمن ورغبة جماعية لإثبات الذات بموجب وبدون موجب.

 هذا السياق العدواني وهذه البيئة العدائية لم تقتصر على الفضاء العام بل وصلت حتى الفضاء الخاص ومست علاقة أفراد الأسرة الواحدة وخاصة علاقة الأولياء (نساء ورجالا) بأبنائهم. فحجم الضغط النفسي والاجتماعي المسلط على أفراد المجتمع من الشباب والكهول اخترق آخر وأهم حصن  للتنشئة الاجتماعية السليمة والمتوازنة وهو مؤسسة العائلة وأكبر ضحاياه هم الأطفال. هي عدوانية في سياق سياسي واجتماعي عدواني ويأخذ أشكالا ومضامين متعددة تعدد السياقات. تزداد الأمور تعقيدا مع تراجع سلطة الدولة وقدرتها على إنفاذ القانون مما يعطي رسالة للمجتمع بضعف الدولة ويفتح باب التجاوزات.

أجيال تبحث عن الغيبوبة والموت

جيل برمته يتكون اليوم من أطفال وشباب يجد نفسه ضحية ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية هشة وخارج منظومات الدراسة والحماية والاقتصاد،جيل يواجه وحيدا الحياة بصعوباتها وتعقيداتها ويواجه المجتمع بكل قسوته وأمراضه، فليس من الغريب إذن أن يجد نفسه إما ضحية أحد وضعيات التهديد أو أحد المتسببين فيها. ظواهر لا تكاد تخلو منها أي جهة من جهات البلاد، ظواهر يلفها الصمت والإنكار والنسيان واللامبالاة وكأنها تحدث في كوكب آخر في حين أنها تحدث أمامنا وتهدد جيلا برمته وهو جيل الأطفال والشباب، انها آفة الادمان وخاصة على المخدرات ذات المفعول القوي والمدمر. فنوعية المخدرات المستعملة اليوم، والغاية من استهلاكها حولها من مجرد آفة أو ظاهرة إلى مرض اجتماعي وإلى جزء من ثقافة جديدة ما فتئت تتوسع وتنتشر وهي ثقافة الموت والقتل، قتل الجسد وقتل الوعي وقتل النفس وقتل الآخر. فالمتأمل لنوعية المواد المخدرة المستهلكة اليوم والتي دخلت مؤخرا لائحة الاستهلاك وخاصة من حيث حدتها وقوتها  يستنتج بدون مجهود كبير أن الغاية من ورائها يتعدى مجرد البحث عن النشوة  والمتعة و"الشيخة" بل الغياب الكلي عن الوعي والحياة. مخدرات مرتبطة بشبكات جريمة من داخل الحدود وخارجها تخلف آثارا أشبه بالموت السريري أو الدخول في حالات حادة من الغيبوبة وفقدان الصلة بالحياة إلى درجة يتحول فيها المستهلك من جسد إلى جثة ومن انسان إلى وحش كاسر يمكن أن يرتكب أبشع الجرائم واشنعها. بهذا المنطق تحولت المواد المخدرة اليوم إلى خطر حقيقي يهدد الأمن الصحي والنفسي لمستهلكيها والأمن الاجتماعي لمجتمع برمته وربما هذا ما يفسر ارتفاع حجم الجرائم كيفا وكما واتخاذها لمنحى استعراضي يصل إلى حد التمثيل بالجثث.

لا يخلو أي مجتمع من الجرائم ولكن توجد فروق في تعاطي هذه المجتمعات مع مسألة الجريمة.فالمجتمعات المتحضرة تحاول مواجهتها والحد منها وتطويق آثارها النفسية والاجتماعية،على خلاف بعض المجتمعات الأخرى التي تنكر وجودها أو تصمت عنها أو حتى تبرر لها وهي بالتالي تمارس نوعا من التواطؤ والتقية بشكل يزيد في تعميق هذه الظواهر ويحد من إنصاف ضحاياها. يجب أن تصبح هذه الظواهر قضية دولة ومجتمع ورأي عام. فالدولة محمول عليها قانونا وأخلاقا حماية مواطنيها وخاصة الفئات الهشة والضعيفة منهم كالأطفال والنساء والشيوخ. وقد آن الأوان للتشديد في العقوبات بحيث تكون بحجم الجريمة وبشاعتها ردعا للمعتدين وحفاظا على السلم الاجتماعي والأهلي. كما يجب استثناء هؤلاء المجرمين  من ظروف التخفيف والسراح الشرطي بعد أن ثبت أن أغلبهم عادوا لنفس هذه الجرائم وبأكثر بشاعة بعد تسريحهم، وبالمقابل يجب تطوير آليات المرافقة والإحاطة النفسية والاجتماعية لضحايا هذه الاعتداءات لجبر ما أمكن جبره من أضرار.

أب يقتل ابنته.. وابن يجهز على والده..   جرائم عائلية بين مفترقي القبر  والسجن

 

تونس-الصباح

جريمة صادمة حطت رحالها هذه المرة بمنطقة الذراع القرعة الحمراء بسبيطلة من ولاية القصرين، والقاتل والقتيلة من عائلة واحدة.. فالضحية فتاة في الثامنة عشرة من عمرها والقاتل والدها.. جريمة عائلية جديدة بكل ما فيها من فظاعة انضافت الى قائمة طويلة من الجرائم العائلية التي استهدفت آباء وأبناء وأمهات وزوجات وأخوات..قتلة تحولت لديهم الروابط الدموية الى روابط لا قيمة لها.

كما جدت جريمة ثانية منتصف الأسبوع الجاري تمثلت في اقدام شاب على قتل والده بطريقة وحشية..

جريمتان تعودان بنا للحديث عن الجرائم داخل الأسرة الواحدة والتي  تعصف في كل مرة بالروابط العائلية وتنتهي بها بين مفترقين هما القبر والسجن.

مفيدة القيزاني

التفاصيل..

تشير وقائع الجريمة الأولى الى أن زوجين على خلاف 

 منذ ما يزيد عن العامين وأن ابنتيهما البالغة من العمر  18 عاما وهي تلميذة كانت تزاول دراستها بالسنة الثالثة من التعليم الثانوي، كانت تعاني من مرض عضال وقد تعافت منه مؤخرا ويوم الواقعة جد خلاف بين الاب وعائلته فعمد الى اصابة ابنتيه بساطور ما أدى الى وفاة احداهما في حين تم اسعاف الثانية. 

وفي ذات السياق أقدم صباح  الأربعاء 12 جويلية الجاري، شاب أصيل إحدى قرى معتمدية سوق الأحد من ولاية قبلي، على قتل والده بواسطة ساطور بعد أن وجّه له عديد الضربات على مستوى الرأس مما أدى إلى وفاته على عين المكان.

 وبعد ارتكابه الجريمة عمد إلى سكب البنزين على جسده في محاولة منه للانتحار وقد تم إنقاذه ونقله إلى المستشفى الجهوي بقبلي.

وتشير المعطيات الأولية أن سبب اقدام الشاب على قتل والده تعود الى خلافات عائلية. 

جرائم مماثلة.. 

شهدت بلادنا في وقت سابق عدة جرائم مماثلة حيث جدت  بمعتمدية نفزة من ولاية باجة جريمة شنيعة ارتكبها شاب يبلغ من العمر 21 سنة في حق والديه ، اذ اقدم الابن على قتل والدته والاعتداء على والده الذي يعمل حارسا في حضيرة بناء ما استوجب نقله إلى قسم الانعاش بالمستشفى الجهوي بباجة.. هذا وتمّ إدراج الشاب بالتفتيش وتقوم الوحدات الأمنية بالبحث عنه.

عائلة بأكملها قضت نحبها أيضا في وقت سابق حيث عثر على الزوج والزوجة والابنة البالغة من العمر عشر سنوات..الابن هو من بلغ عن الجريمة ربما في محاولة منه لإبعاد الشبهات ولكن بعد سلسلة من التحريات تم حصر الشبهة في الابن وصديقه البالغين من العمر 23 و24 عاما بعد أن توفرت ما يكفي من الأدلة والقرائن لتوجيه أصابع الاتهام لهما.  

ووجهت لهما تهمة قتل نفس بشرية عمدا مع سابقية القصد والإضمار على معنى الفصلين 201 و202، من المجلة الجزائية.

كما أظهرت المعاينات الأولية بمسرح الجريمة أن عملية القتل تمت بواسطة سكين كبيرة الحجم والتي تم حجزها في مكان غير بعيد عن مكان الواقعة.

وفي ذات السياق تم القبض على شاب بجهة رواد عمد الى قتل والدته ومحاولة قتل والده بمقر سكناهما بجهة نفزة التابعة لولاية باجة.

والابن هو شاب في العشرينات من عمره عمد الى قتل والدته بواسطة الة حادة ثم دفن جثتها بحديقة المنزل ولما تفطن الاب بما اقترفه ابنه من جرم صادم سدد له هو الاخر عدة طعنات ثم فر الى العاصمة حيث حاول الاختباء بجهة رواد الى ان تم العثور عليه وايقافه. 

وبالرجوع بالزمن قليلا الى الوراء جدت يوم 27 جانفي المنقضي جريمة عائلية مروعة ذهبت ضحيتها امرأة من متساكني جهة سيدي حسين السيجومي على يد ابنها الذب اخفى الجثة في برميل بعد أن قطعها الى اجزاء ولكن احدى قريبات الهالكة تفطنت الى الجثة واعلمت السلط الامنية فوقع حصر الشبهة في ابن الضحية الذي تمّ إيقافه، واعترف بقتل والدته والتنكيل بجثّتها وإخفائها داخل برميل، ووضع كمية من الخرسانة فوقها حتى لا يتمّ التفطّن لها.

جرائم صادمة..

وشهدت منذ بداية العام الجاري ولاية سوسة جريمة فظيعة راحت ضحيتها امرأة تدعى  "صابرين" وهي أم لأربعة أطفال وحامل في شهرها الخامس على يد زوجها بعد أن دخلت في خلاف معه  فقام بخنقها حتى فارقت الحياة. 

والضحية تبلغ من العمر 30 سنة،  أم لأربعة أطفال قصّر  يبلغون من العمر  11 و 9 و 8 سنوات، يزاولون دراستهم بالمرحلة الابتدائيّة إضافة إلى طفل في سنّ الثالثة.

وقد  تعهّد القضاء بالقضيّة وتمّ ايقاف الزوج. 

كما شهدت  جهة نصر الله من ولاية القيروان جريمة فظيعة راحت ضحيتها امرأة على يد زوجها.

واهتزت  جهة العوينة بالعاصمة على وقع جريمة قتل راحت ضحيتها امرأة على يد ابنها الذي تم ايقافه والاحتفاظ به على ذمة الأبحاث.

وحول تفاصيل الجريمة ذكر فاكر بوزغاية رئيس مكتب الاعلام والاتصال بوزارة الداخلية في تصريح لـ" الصباح" بان  إفادة  وردت  على أعوان الأمن بالعوينة مفادها تعرض امرأة للاعتداء بالعنف بمنزلها الكائن بالعوينة بواسطة آلة حادة على مستوى رقبتها وبتوجه الاعوان على عين المكان تم الاتصال بوحدات الحماية المدنية وبحلولهم بالمكان اتضح بأن الهالكة وهي امرأة تبلغ من العمر حوالي 65 عاما قد فارقت الحياة.

وأضاف بوزغاية انه باعلام النيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية بتونس تم الاذن بفتح بحث تحقيقي موضوعه القتل العمد مع سابقية القصد كما تنقل ممثل النيابة العمومية بمعية قاضي  التحقيق وقاما بعملية المعاينة كما تم الأذن بنقل جثة الهالكة لعرضها على الطب الشرعي لتحديد الأسباب المباشرة للوفاة.

وأوضح  انه بانطلاق الأبحاث الاولية في القضية تم سماع زوج الهالكة الذي ذكر بأنه فوجئ عند دخول المطبخ بالمنزل بابنه وهو شاب عمره 22 عاما  بيده سكينا وهو بجانب والدته التي كانت ملقاة أرضا وتحمل جرحا على مستوى الرقبة واثار الدماء بالمكان مؤكدا بأن ابنه يعاني من اضطرابات نفسية  وقد تدهورت حالته مؤخرا وأصبح اكثر عنفا وعدائية وقد اقدم على قتل والدته بواسطة سكين. 

المشرع والجريمة العائلية..

خص المشرع التونسي جرائم القتل العائلية بعدة فصول تنص على عقوبات مشددة  203 من المجلة الجزائية الذي ينص على أن "قتل القريب يعاقب مرتكبه بالقتل..والمقصود بقتل القريب هو قتل الوالد أو الوالدة أو غيرهما ممن هو فوقهما من الوالدين" وبالفصل 210 من المجلة الجزائية الذي ينص على أنه يعاقب بالسجن بقية العمر الوالد الذي يتعمد قتل ولده.

والفصل 211 (نقح بالقانون عدد 23 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989) "تعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام الأم القاتلة لمولودها بمجرد ولادته أو إثر ولادته" والفصل 212 (نقح بالقانون عدد 93 لسنة 1995 المؤرخ في 9 نوفمبر 1995) ..(يستوجب السجن مدة ثلاثة أعوام وخطية قدرها مائتا دينار من يعرض مباشرة أو بواسطة أو يترك مباشرة أو بواسطة بقصد الإهمال في مكان آهل بالناس طفلا لا طاقة له على حفظ نفسه أو عاجزا ويكون العقاب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائتا دينار إذا كان المجرم أحد الوالدين أو من له سلطة على الطفل أو العاجز أو مؤتمنا على حراسته ويضاعف العقاب في الصورتين السابقتين إذا حصل التعريض أو الترك في مكان غير آهل بالناس والمحـاولـة موجبة للعقاب).

الجريمة من منظور علم الاجتماع..

جرائم العنف الأسري سواء الاعتداء أو القتل إنما هي حالات فردية مرضية، يرتكبها أشخاص لهم ترسبات أدت لدفعها إلى العنف وفقدت السيطرة على تصرفاتها.

وتنبه إلى خطورة غياب القيم التي تؤدي إلى الاهتمام بالشكل على حساب المضمون وراء الجرائم، والتي أدت إلى خروج جيل جديد لا يعرف من القيم والعادات، إلا الاسم فقط إلى جانب الفراغ والبطالة من حولهم والتي جعلتهم لا يفكرون إلا في أنفسهم والبحث عن سعادتهم بطريقتهم سواء بالمخدرات التي تفتح الباب على مصراعيه أمام مصائب أخرى كثيرة وفق قراءة الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد. 

ويرى  بالحاج محمد أن فترة ما بعد الثورات والمراحل الانتقالية تمثلان عادة بيئة خصبة لظهور الاضطرابات السلوكية والنفسية وكأنها عبارة عن أعراض جانبية تخلفها كل ثورة وهذا أمر مفهوم من وجهة نظر علمية لسببين رئيسيين على الأقل: أولا أن كل ثورة اجتماعية لم تسبقها أو تواكبها ثورة ثقافية تتحول من فرصة للتحرر الاجتماعي إلى فرصة لانفلات الغرائز في أكثر جوانبها بدائية وعدوانية، وثانيا أن الثورات تهدم عادة البنى والمؤسسات الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة دون أن تعوضها بسرعة ببنى أخرى توفر الإجابات اللازمة للإنسان. مثلما رأينا التونسي في أبهى تجلياته  رأيناه أيضا في أكثر صوره ضعفا وقبحا. لاحت لنا بقوة ملامح التونسي المستقر والمضطرب والقلق الذي يرتفع عنده منسوب العنف والعدوانية مما أعطانا مشهدا للانفلات  الاجتماعي منقطع النظير، انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية.

 وبالتالي تتميز فترات التحول والانتقال في السياقات الثورية إلى نوع من المعاناة والاضطرابات السلوكية والنفسية وهذا ما يفسر ارتفاع منسوب العنف والعدوانية لدى التونسي وارتفاع نسب زيارة عيادات الطب النفسي وطغيان الانفلات على المشهد الاجتماعي انطلاقا من الفضاء العام وصولا إلى الحياة العائلية عدوانية تتراوح بين الاعتداءات الجسدية والمادية المختلفة إلى أن تصل إلى أكثر أشكال العنف بشاعة من قتل وتمثيل بالجثث... ثقافة الموت والتخريب والتنكيل تتسع يوما بعد يوم وتغذيها مشاهد الموت والتنكيل الوحشية التي تعج بها المواقع الاجتماعية ونشرات الأخبار. 

سلوك التونسي اليوم يغلب عليه الطابع الانفعالي والعدواني، وفيه الكثير من الاندفاع والاستعراض والتكلف وهو ناتج عن الخوف من الحاضر والمستقبل وغياب آفاق الحل والخلاص والرغبة في تفريغ شحنة كبيرة من الكبت والقهر المزمن ورغبة جماعية لإثبات الذات بموجب وبدون موجب.

 هذا السياق العدواني وهذه البيئة العدائية لم تقتصر على الفضاء العام بل وصلت حتى الفضاء الخاص ومست علاقة أفراد الأسرة الواحدة وخاصة علاقة الأولياء (نساء ورجالا) بأبنائهم. فحجم الضغط النفسي والاجتماعي المسلط على أفراد المجتمع من الشباب والكهول اخترق آخر وأهم حصن  للتنشئة الاجتماعية السليمة والمتوازنة وهو مؤسسة العائلة وأكبر ضحاياه هم الأطفال. هي عدوانية في سياق سياسي واجتماعي عدواني ويأخذ أشكالا ومضامين متعددة تعدد السياقات. تزداد الأمور تعقيدا مع تراجع سلطة الدولة وقدرتها على إنفاذ القانون مما يعطي رسالة للمجتمع بضعف الدولة ويفتح باب التجاوزات.

أجيال تبحث عن الغيبوبة والموت

جيل برمته يتكون اليوم من أطفال وشباب يجد نفسه ضحية ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية هشة وخارج منظومات الدراسة والحماية والاقتصاد،جيل يواجه وحيدا الحياة بصعوباتها وتعقيداتها ويواجه المجتمع بكل قسوته وأمراضه، فليس من الغريب إذن أن يجد نفسه إما ضحية أحد وضعيات التهديد أو أحد المتسببين فيها. ظواهر لا تكاد تخلو منها أي جهة من جهات البلاد، ظواهر يلفها الصمت والإنكار والنسيان واللامبالاة وكأنها تحدث في كوكب آخر في حين أنها تحدث أمامنا وتهدد جيلا برمته وهو جيل الأطفال والشباب، انها آفة الادمان وخاصة على المخدرات ذات المفعول القوي والمدمر. فنوعية المخدرات المستعملة اليوم، والغاية من استهلاكها حولها من مجرد آفة أو ظاهرة إلى مرض اجتماعي وإلى جزء من ثقافة جديدة ما فتئت تتوسع وتنتشر وهي ثقافة الموت والقتل، قتل الجسد وقتل الوعي وقتل النفس وقتل الآخر. فالمتأمل لنوعية المواد المخدرة المستهلكة اليوم والتي دخلت مؤخرا لائحة الاستهلاك وخاصة من حيث حدتها وقوتها  يستنتج بدون مجهود كبير أن الغاية من ورائها يتعدى مجرد البحث عن النشوة  والمتعة و"الشيخة" بل الغياب الكلي عن الوعي والحياة. مخدرات مرتبطة بشبكات جريمة من داخل الحدود وخارجها تخلف آثارا أشبه بالموت السريري أو الدخول في حالات حادة من الغيبوبة وفقدان الصلة بالحياة إلى درجة يتحول فيها المستهلك من جسد إلى جثة ومن انسان إلى وحش كاسر يمكن أن يرتكب أبشع الجرائم واشنعها. بهذا المنطق تحولت المواد المخدرة اليوم إلى خطر حقيقي يهدد الأمن الصحي والنفسي لمستهلكيها والأمن الاجتماعي لمجتمع برمته وربما هذا ما يفسر ارتفاع حجم الجرائم كيفا وكما واتخاذها لمنحى استعراضي يصل إلى حد التمثيل بالجثث.

لا يخلو أي مجتمع من الجرائم ولكن توجد فروق في تعاطي هذه المجتمعات مع مسألة الجريمة.فالمجتمعات المتحضرة تحاول مواجهتها والحد منها وتطويق آثارها النفسية والاجتماعية،على خلاف بعض المجتمعات الأخرى التي تنكر وجودها أو تصمت عنها أو حتى تبرر لها وهي بالتالي تمارس نوعا من التواطؤ والتقية بشكل يزيد في تعميق هذه الظواهر ويحد من إنصاف ضحاياها. يجب أن تصبح هذه الظواهر قضية دولة ومجتمع ورأي عام. فالدولة محمول عليها قانونا وأخلاقا حماية مواطنيها وخاصة الفئات الهشة والضعيفة منهم كالأطفال والنساء والشيوخ. وقد آن الأوان للتشديد في العقوبات بحيث تكون بحجم الجريمة وبشاعتها ردعا للمعتدين وحفاظا على السلم الاجتماعي والأهلي. كما يجب استثناء هؤلاء المجرمين  من ظروف التخفيف والسراح الشرطي بعد أن ثبت أن أغلبهم عادوا لنفس هذه الجرائم وبأكثر بشاعة بعد تسريحهم، وبالمقابل يجب تطوير آليات المرافقة والإحاطة النفسية والاجتماعية لضحايا هذه الاعتداءات لجبر ما أمكن جبره من أضرار.