تمحور اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ووزير تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي حول دور الوكالة الفنية للسلامة المعلوماتية والوكالة الفنية للاتصالات في علاقة بما وصفه بلاغ رئاسة الجمهورية بـ"توظيف شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار الزائفة وبث الإشاعات وهتك الأعراض" بالإضافة الى القذف والثلب الذي قال البلاغ إنهما "صارا يطالان عددا من المسؤولين داخل أجهزة الدولة" واعتبرت الرئاسة أن الهدف من ذلك هو الإرباك وإدخال الريبة والشك في أي جهة رسمية أو مسؤول .
ولئن لم يكن هذا الموقف من شبكات التواصل الاجتماعية، جديدا، حيث عبّر رئيس الجمهورية عن استنكاره مما ينشر على مواقع التواصل ولكن الرئيس يرى اليوم أن هذه المنصات قد تحولت إلى أدوات قال أن دوائر معروفة في الداخل والخارج تلجأ إليها لضرب الأمن القومي لتونس، وأن هناك أفعالا مجرّمة بالقانون ترتكب على هذه المواقع منها هتك الأعراض والتهديد بالقتل والتوعّد بالانتقام وأن ذلك لا علاقة لها بحرية التعبير ..
وانطلاقا من هذا التقييم الرسمي لما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي كان التلميح صريحا الى إمكانية تدخل الأجهزة المعنية لحجب بعض الصفحات أو لملاحقة أصحاب بعض الحسابات الافتراضية التي ترى السلطة أنهم يتطاولون على مسؤولين في الدولة.. ومن أجل ذلك أثار بلاغ الرئاسة الكثير من ردود الأفعال المستهجنة وهناك من اعتبر أن ذلك تمهيدا لعودة آلية حجب ومراقبة مواقع الكترونية سواء مواقع التواصل الاجتماعي أو المدونات الخاصة كما كان الأمر زمن بن علي وهي التقنية التي كانت معروفة بـ عمار 404 !
اتفاقية بودابست ..
وقد شدّد رئيس الجمهورية في لقائه بوزير تكنولوجيات الاتصال أيضا على أن الدولة لا تدار بناء على الإشاعات والافتراءات كما أنها لا تدار عبر ما ينشر في هذه شبكات التواصل الاجتماعي ،مشيرا إلى اتفاقية بودابست المتعلقة بالجريمة الإلكترونية التي ورد في ديباجتها اقتناع الدول الأطراف بالحاجة إلى إتباع سياسة جنائية مشتركة كمسألة ذات أولوية بهدف حماية المجتمع من الجريمة الالكترونية من خلال تشريع ملائم ودعم التعاون الدولي.
وكانت 30 دولة في 2001 قد قامت في بودابست بالتوقيع على الاتفاقية الدولية الأولى لمكافحة الإجرام المعروفة بـ«اتفاقية بودابست لمحاربة الجريمة الإلكترونية « وجاءت هذه الاتفاقية بعد هجمات 11 سبتمبر وكانت في جزء منها تتوجّه الى مقاومة الإرهاب عبر الشبكات الالكترونية التي سهلت في وقت ما القيام بعدة عمليات إرهابية دموية.. وقد طالب وقتها مجلس أوروبا بضمانات لاحترام حقوق الإنسان لا سيما احترام حرية المراسلة وحرية التعبير. وكان التوجّه الى إقرار اتفاقية دولية نتيجة كون أن الجرائم المعلوماتية، أو الجرائم المرتكبة باستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة، أو الإنترنت هي بطبيعتها جرائم عابرة للدولة وللقارات، ولا تعترف بالحدود الجغرافية للدول ولا بمبررات الاختصاصات القضائية أو الأمنية ولهذه الغاية أتت اتفاقية بودابست لتعطي حلولا لمجموعة من الإشكاليات التي لطالما طرحتها الدول الأعضاء بخصوص الجرائم المعلوماتية. وذلك من خلال توحيد السياسة الجنائية للدول الأعضاء في مجال الجريمة المعلوماتية، وتسهيل التنسيق بين مختلف السلطات الوطنية في مجال مكافحة الإجرام المعلوماتي والحد منه بالإضافة إلى إرساء قواعد إجرائية للتعاون الدولي تتميز بالسرعة والفاعلية و الدقة..
وحديث الرئيس قيس سعيد عن اتفاقية بودابست لم يأت من فراغ، حيث أنه ورغم وجود المرسوم 54 المتهم بمعاداة حرية التعبير رغم أنه أتى لتسهيل نفاذ تونس لاتفاقية بودابست إلا أن هذا المرسوم ورغم تفعيله والقضايا المرفوعة على ضوئه على عدد من الصحافيين والنشطاء والسياسيين، يبدو غير كاف لمراقبة ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة وان أصحاب صفحات كبرى ومدونين هم موجودون بالخارج وبالتالي تنسحب عليهم اتفاقية بودابست أكثر من المرسوم خاصّة وأن رئيس الجمهورية ذكّر في سياق حديثه مع وزير تكنولوجيات الاتصال بموقف الاتحاد الأوروبي الذي أعلن بصفة رسمية مؤخرا بأنه سيتم منع أي منشور الكتروني يدعو إلى الكراهية أو العصيان أو العنف، كما سيتم حجب شبكة التواصل الاجتماعي مع تحميل الجهة المعنية المساءلة القانونية.
ولئن شدد رئيس الجمهورية أن تونس حريصة على حرية الفكر والتعبير مع التذكير أنها حريصة أيضا على أمنها القومي وعلى إنفاذ القانون على الجميع وأن من ترويج للإشاعات الكاذبة، وفق تعبيره، يمسّ بالسير العادي لمؤسسات الدولة ويمسّ أيضا بالسلم الأهلية.. إلا أن جزءا هام من الرأي العام يرى أن التصدّي للجرائم الالكترونية والمجرّمة بعدة قوانين ليس إلا تعلّة لمزيد التضييق على الحريات وفرض رقابة على المراسلات الخاصة وهو ما أثار موجة من الاستنكار الواسعة .
وفي انتظار ما سينتهي إليه الأمر بعد بلاغ الرئاسة فإن حرية التعبير تبقى من أهم مكاسب الثورة وأن العودة الى مربع الحجب، سيضرّ بصورة تونس ويصوّرها كبلد يقمع الحقوق والحريات .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
تمحور اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ووزير تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي حول دور الوكالة الفنية للسلامة المعلوماتية والوكالة الفنية للاتصالات في علاقة بما وصفه بلاغ رئاسة الجمهورية بـ"توظيف شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار الزائفة وبث الإشاعات وهتك الأعراض" بالإضافة الى القذف والثلب الذي قال البلاغ إنهما "صارا يطالان عددا من المسؤولين داخل أجهزة الدولة" واعتبرت الرئاسة أن الهدف من ذلك هو الإرباك وإدخال الريبة والشك في أي جهة رسمية أو مسؤول .
ولئن لم يكن هذا الموقف من شبكات التواصل الاجتماعية، جديدا، حيث عبّر رئيس الجمهورية عن استنكاره مما ينشر على مواقع التواصل ولكن الرئيس يرى اليوم أن هذه المنصات قد تحولت إلى أدوات قال أن دوائر معروفة في الداخل والخارج تلجأ إليها لضرب الأمن القومي لتونس، وأن هناك أفعالا مجرّمة بالقانون ترتكب على هذه المواقع منها هتك الأعراض والتهديد بالقتل والتوعّد بالانتقام وأن ذلك لا علاقة لها بحرية التعبير ..
وانطلاقا من هذا التقييم الرسمي لما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي كان التلميح صريحا الى إمكانية تدخل الأجهزة المعنية لحجب بعض الصفحات أو لملاحقة أصحاب بعض الحسابات الافتراضية التي ترى السلطة أنهم يتطاولون على مسؤولين في الدولة.. ومن أجل ذلك أثار بلاغ الرئاسة الكثير من ردود الأفعال المستهجنة وهناك من اعتبر أن ذلك تمهيدا لعودة آلية حجب ومراقبة مواقع الكترونية سواء مواقع التواصل الاجتماعي أو المدونات الخاصة كما كان الأمر زمن بن علي وهي التقنية التي كانت معروفة بـ عمار 404 !
اتفاقية بودابست ..
وقد شدّد رئيس الجمهورية في لقائه بوزير تكنولوجيات الاتصال أيضا على أن الدولة لا تدار بناء على الإشاعات والافتراءات كما أنها لا تدار عبر ما ينشر في هذه شبكات التواصل الاجتماعي ،مشيرا إلى اتفاقية بودابست المتعلقة بالجريمة الإلكترونية التي ورد في ديباجتها اقتناع الدول الأطراف بالحاجة إلى إتباع سياسة جنائية مشتركة كمسألة ذات أولوية بهدف حماية المجتمع من الجريمة الالكترونية من خلال تشريع ملائم ودعم التعاون الدولي.
وكانت 30 دولة في 2001 قد قامت في بودابست بالتوقيع على الاتفاقية الدولية الأولى لمكافحة الإجرام المعروفة بـ«اتفاقية بودابست لمحاربة الجريمة الإلكترونية « وجاءت هذه الاتفاقية بعد هجمات 11 سبتمبر وكانت في جزء منها تتوجّه الى مقاومة الإرهاب عبر الشبكات الالكترونية التي سهلت في وقت ما القيام بعدة عمليات إرهابية دموية.. وقد طالب وقتها مجلس أوروبا بضمانات لاحترام حقوق الإنسان لا سيما احترام حرية المراسلة وحرية التعبير. وكان التوجّه الى إقرار اتفاقية دولية نتيجة كون أن الجرائم المعلوماتية، أو الجرائم المرتكبة باستعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة، أو الإنترنت هي بطبيعتها جرائم عابرة للدولة وللقارات، ولا تعترف بالحدود الجغرافية للدول ولا بمبررات الاختصاصات القضائية أو الأمنية ولهذه الغاية أتت اتفاقية بودابست لتعطي حلولا لمجموعة من الإشكاليات التي لطالما طرحتها الدول الأعضاء بخصوص الجرائم المعلوماتية. وذلك من خلال توحيد السياسة الجنائية للدول الأعضاء في مجال الجريمة المعلوماتية، وتسهيل التنسيق بين مختلف السلطات الوطنية في مجال مكافحة الإجرام المعلوماتي والحد منه بالإضافة إلى إرساء قواعد إجرائية للتعاون الدولي تتميز بالسرعة والفاعلية و الدقة..
وحديث الرئيس قيس سعيد عن اتفاقية بودابست لم يأت من فراغ، حيث أنه ورغم وجود المرسوم 54 المتهم بمعاداة حرية التعبير رغم أنه أتى لتسهيل نفاذ تونس لاتفاقية بودابست إلا أن هذا المرسوم ورغم تفعيله والقضايا المرفوعة على ضوئه على عدد من الصحافيين والنشطاء والسياسيين، يبدو غير كاف لمراقبة ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة وان أصحاب صفحات كبرى ومدونين هم موجودون بالخارج وبالتالي تنسحب عليهم اتفاقية بودابست أكثر من المرسوم خاصّة وأن رئيس الجمهورية ذكّر في سياق حديثه مع وزير تكنولوجيات الاتصال بموقف الاتحاد الأوروبي الذي أعلن بصفة رسمية مؤخرا بأنه سيتم منع أي منشور الكتروني يدعو إلى الكراهية أو العصيان أو العنف، كما سيتم حجب شبكة التواصل الاجتماعي مع تحميل الجهة المعنية المساءلة القانونية.
ولئن شدد رئيس الجمهورية أن تونس حريصة على حرية الفكر والتعبير مع التذكير أنها حريصة أيضا على أمنها القومي وعلى إنفاذ القانون على الجميع وأن من ترويج للإشاعات الكاذبة، وفق تعبيره، يمسّ بالسير العادي لمؤسسات الدولة ويمسّ أيضا بالسلم الأهلية.. إلا أن جزءا هام من الرأي العام يرى أن التصدّي للجرائم الالكترونية والمجرّمة بعدة قوانين ليس إلا تعلّة لمزيد التضييق على الحريات وفرض رقابة على المراسلات الخاصة وهو ما أثار موجة من الاستنكار الواسعة .
وفي انتظار ما سينتهي إليه الأمر بعد بلاغ الرئاسة فإن حرية التعبير تبقى من أهم مكاسب الثورة وأن العودة الى مربع الحجب، سيضرّ بصورة تونس ويصوّرها كبلد يقمع الحقوق والحريات .