إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حكاياتهم .. حمودة بن سلامة ..

 

يرويها: أبوبكر الصغير

الحكمة السياسية هي إدراج العقل السياسي في عملية التحليل .

ما يجب، هو تضمين التحليل السياسي، وليس التحليل العقائدي أو الحزبي.

ما ينتج غالبا، بخلاف نقاط الضعف الواضحة في التحليل، هو أن الفاعلين السياسيين يعوضون بشكل مفرط مع الاعتبارات الحزبية والسياسية المتسرعة التي تفتقر إلى دراسة منهجية صارمة، مما يؤدي في النهاية إلى سوء  التخطيط  وضعف التصميم والتنفيذ، وبالتالي فشل الانجاز   .

يمكن للفاعل السياسي تقديم تحليل ومشورة أفضل إذا قام بتضمين العوامل في هذا التحليل، وبالتالي تزويد صانعي القرار بمجموعة أكثر دقة من الخيارات.

من الواضح أن الفطنة السياسية مهارة تستحق التطوير. سيساعدنا هذا بالتأكيد على تحقيق أهدافنا وغاياتنا، وبناء علاقة أكثر فعالية بين السياسيين أنفسهم وجعل آلية الحوكمة في الشأن العام تعمل بشكل أفضل. لكنها مهمة أيضا كآلية للبقاء، لأنه يبدو أن العثرات يكون لها تأثير أكبر في عصر "سياسة مغلقة مسدودة"  أمام عالم وسائل الإعلام وفضاءات التواصل الاجتماعية سريعة التغير والتي لا ترحم .

بعد كل شيء، إذا أردنا "قول الحقيقة للحاكم"، فمن الأفضل أن نفكر جيّدا فيما سنقوله، ومن الأفضل أن نقول ذلك ونعلنه .

كثيرًا ما كان يستخدم أفلاطون الفن الطبي للتفكير بشكل تناظري في بناء العلوم السياسية والتعاطي مع صعوباتها.

هذا هو المبدأ السليم، لكن مع كلّ الأسف لم نلمس نتائجه في واقعنا الرّاهن التونسي، فللأطباء حضور قوي في الشأن السياسي الوطني العام، تابعنا تعثرات وخيبات العديد منهم، نكتفي بمثال واحد أن اثنين من الثالوث "الترويكا" اللّذين كان بيدهما مصير تونس في ربيع خرابها هما طبيبان: منصف المرزوقي تولى رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت ومصطفى بن جعفر مهندس أحسن دستور في العالم !!

حتى اليوم عندما انسدّت أبواب الحكم أمام حركة "النهضة" وتمّ الزجّ  برئيسها راشد الغنوشي وعدد من أبرز قيادييها في السجن لم تجد من "منقذ" ليقود التنظيم في هذه المرحلة إلاّ طبيبا وهو منذر الونيسي .

أحذر  شخصيا من "الطبيب الذي يمارس السياسة" يكفي ما عشته طوال حياتي من تجارب مع هذه الفئة، لكن رغم ذلك أبقيت على شعور بالتقدير والاحترام الكبير لأحد ممن اعتبرهم من خيرة رجالات تونس وسياسييها، أنظفهم وأصدقهم وطنية وحبا لهذه البلاد وخدمة لشعبها،  وهو الدكتور حمودة بن سلامة الذي مع كلّ الأسف لم يجد حظّه في أن يكون له دور أكبر في المساعدة في حلّ مشاكلنا، لأنه لم ينخرط في أجواء الخبث والدسيسة والنفاق التي طبعت العملية السياسية عندنا وأصابت المشهد السياسي في مقتل  .

هذا الطبيب السياسي، هو في جانب من تاريخه أحد أبرز بناة الديمقراطية الحديثة بتونس، كانت له مسيرة نضالية مهمة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وهو حقوقي وليبرالي في تفكيره، كما أنّه يعدّ صندوق أسرار تونس من ذلك ما كشفه قبل سنوات من تجنيب البلاد مخاطر العنف لاستمالة الاتجاه الإسلامي قام بدور وساطة بل كشف أن الرئيس الراحل زين العابدين  بن علي كان سيلتقي براشد الغنوشي في السجن للتوقيع على الاتفاقية والتعهدات لكن وزير الداخلية الحبيب عمار اقنع بن علي بالتراجع عن زيارة الغنوشي والتقارب مع الإسلاميين .

كما لعب دورا كبيرا في بناء معارضة مدنية ديمقراطية وهندس أول حوار وطني مفتوح بين الحكم وقوى المعارضة مع الوزير الأول الأسبق محمد مزالي، إضافة إلى أدوار هامة أخرى على المستوى العربي ووساطات في قضايا إقليمية وقومية خاصة عندما باشر مسؤولية الأمانة العامة لاتحاد الأطباء العرب (1978 – 1986).

إن الاستقامة في السياسة هي المواقف الفضلى .

السياسي الناجح، من يعمل على أن يحبّه الناس عندما يغادر منصبه، كما يحبونه عندما يتسلمها.

فنحن ندنو من العظمة عندما نكون عظماء في تواضعنا.. ذلك هو الدكتور حمودة بن سلامة .

حكاياتهم  .. حمودة بن سلامة ..

 

يرويها: أبوبكر الصغير

الحكمة السياسية هي إدراج العقل السياسي في عملية التحليل .

ما يجب، هو تضمين التحليل السياسي، وليس التحليل العقائدي أو الحزبي.

ما ينتج غالبا، بخلاف نقاط الضعف الواضحة في التحليل، هو أن الفاعلين السياسيين يعوضون بشكل مفرط مع الاعتبارات الحزبية والسياسية المتسرعة التي تفتقر إلى دراسة منهجية صارمة، مما يؤدي في النهاية إلى سوء  التخطيط  وضعف التصميم والتنفيذ، وبالتالي فشل الانجاز   .

يمكن للفاعل السياسي تقديم تحليل ومشورة أفضل إذا قام بتضمين العوامل في هذا التحليل، وبالتالي تزويد صانعي القرار بمجموعة أكثر دقة من الخيارات.

من الواضح أن الفطنة السياسية مهارة تستحق التطوير. سيساعدنا هذا بالتأكيد على تحقيق أهدافنا وغاياتنا، وبناء علاقة أكثر فعالية بين السياسيين أنفسهم وجعل آلية الحوكمة في الشأن العام تعمل بشكل أفضل. لكنها مهمة أيضا كآلية للبقاء، لأنه يبدو أن العثرات يكون لها تأثير أكبر في عصر "سياسة مغلقة مسدودة"  أمام عالم وسائل الإعلام وفضاءات التواصل الاجتماعية سريعة التغير والتي لا ترحم .

بعد كل شيء، إذا أردنا "قول الحقيقة للحاكم"، فمن الأفضل أن نفكر جيّدا فيما سنقوله، ومن الأفضل أن نقول ذلك ونعلنه .

كثيرًا ما كان يستخدم أفلاطون الفن الطبي للتفكير بشكل تناظري في بناء العلوم السياسية والتعاطي مع صعوباتها.

هذا هو المبدأ السليم، لكن مع كلّ الأسف لم نلمس نتائجه في واقعنا الرّاهن التونسي، فللأطباء حضور قوي في الشأن السياسي الوطني العام، تابعنا تعثرات وخيبات العديد منهم، نكتفي بمثال واحد أن اثنين من الثالوث "الترويكا" اللّذين كان بيدهما مصير تونس في ربيع خرابها هما طبيبان: منصف المرزوقي تولى رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت ومصطفى بن جعفر مهندس أحسن دستور في العالم !!

حتى اليوم عندما انسدّت أبواب الحكم أمام حركة "النهضة" وتمّ الزجّ  برئيسها راشد الغنوشي وعدد من أبرز قيادييها في السجن لم تجد من "منقذ" ليقود التنظيم في هذه المرحلة إلاّ طبيبا وهو منذر الونيسي .

أحذر  شخصيا من "الطبيب الذي يمارس السياسة" يكفي ما عشته طوال حياتي من تجارب مع هذه الفئة، لكن رغم ذلك أبقيت على شعور بالتقدير والاحترام الكبير لأحد ممن اعتبرهم من خيرة رجالات تونس وسياسييها، أنظفهم وأصدقهم وطنية وحبا لهذه البلاد وخدمة لشعبها،  وهو الدكتور حمودة بن سلامة الذي مع كلّ الأسف لم يجد حظّه في أن يكون له دور أكبر في المساعدة في حلّ مشاكلنا، لأنه لم ينخرط في أجواء الخبث والدسيسة والنفاق التي طبعت العملية السياسية عندنا وأصابت المشهد السياسي في مقتل  .

هذا الطبيب السياسي، هو في جانب من تاريخه أحد أبرز بناة الديمقراطية الحديثة بتونس، كانت له مسيرة نضالية مهمة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وهو حقوقي وليبرالي في تفكيره، كما أنّه يعدّ صندوق أسرار تونس من ذلك ما كشفه قبل سنوات من تجنيب البلاد مخاطر العنف لاستمالة الاتجاه الإسلامي قام بدور وساطة بل كشف أن الرئيس الراحل زين العابدين  بن علي كان سيلتقي براشد الغنوشي في السجن للتوقيع على الاتفاقية والتعهدات لكن وزير الداخلية الحبيب عمار اقنع بن علي بالتراجع عن زيارة الغنوشي والتقارب مع الإسلاميين .

كما لعب دورا كبيرا في بناء معارضة مدنية ديمقراطية وهندس أول حوار وطني مفتوح بين الحكم وقوى المعارضة مع الوزير الأول الأسبق محمد مزالي، إضافة إلى أدوار هامة أخرى على المستوى العربي ووساطات في قضايا إقليمية وقومية خاصة عندما باشر مسؤولية الأمانة العامة لاتحاد الأطباء العرب (1978 – 1986).

إن الاستقامة في السياسة هي المواقف الفضلى .

السياسي الناجح، من يعمل على أن يحبّه الناس عندما يغادر منصبه، كما يحبونه عندما يتسلمها.

فنحن ندنو من العظمة عندما نكون عظماء في تواضعنا.. ذلك هو الدكتور حمودة بن سلامة .