إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تتربص بالإنسان والحيوان والبيئة.. المبيدات الزراعية.. "سموم" أم منشطات نمو طبيعي للنباتات؟

توريد المبيدات بنسبة 100 %  في تونس

تونس – الصباح

تعد المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي الواسعة ومنشطات النمو الطبيعي للنباتات وغيرها، إحدى أهم حلقات الأمن الغذائي المثيرة للاستفهام والجدل في بلادنا، نظرا لمدى حساسية وخصوصية هذه المواد وشروط استعمالها وأهميتها وخطورتها في نفس الآن مقابل غياب التداول في شأنها بسبب تداخل عدة هياكل ومصالح وجهات وعدم الحسم في بعض الجوانب من القوانين المنظمة للعملية خاصة منها القانون الخاص بالأسمدة الذي عالقا إلى اليوم، وشكل مدخلا للفساد، بعد تقنين وتنظيم مجال المبيدات. فهي "سموم" بمزايا حميدة أصبحت ضرورية لفورة الإنتاج وجودته، في أوساط فلاحية واسعة، لاسيما في هذه المرحلة نظرا للارتفاع المشط لأسعار هذه المواد، باعتبار أن بلادنا لا تتولى تصنيع أو تركيب مثل هذه المبيدات وإنما هو مجال يعتمد على التوريد بنسبة 100 %، إضافة إلى التغيرات التي ما انفكت تطرأ على قائمة المبيدات المستعملة عالميا من قبل منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للتغذية والزراعة في الغرض قياسا للتغيرات المناخية وتطور البحوث العلمية الخاصة بهذا المجال. فهل تستجيب المبيدات والمواد الكيميائية والأسمدة ذات الاستعمالات الفلاحية لشروط الصحة والسلامة الغذائية بما يحمي الحيوانات وبقية الكائنات الحية من نباتات وثروة بحرية من الإتلاف؟ وهل أن آليات الرقابة المعتمدة قادرة على غلق منافذ "الفساد" والتلاعب بقواعد وشروط العيش السليم والحياة بشكل عام، لاسيما في ظل الإمكانيات المحدودة للجهات الرسمية وشبه غياب كلي للمجتمع المدني في هذا المجال؟ وأي تأثير للمبيدات الحشرية والزراعية وغيرها على بقية الحيوانات والطيور؟

 هذه الأسئلة وغيرها حاولت "الصباح" إيجاد أجوبة لها في هذا "الملف"، رغم شح المعطيات الحافة به وتهرب البعض من الخوض فيه على اعتبار أنه، وعلى خطورته يعد "منطقة سوداء" يكتنفها الغموض وعدم الوضوح وتخضع لقانون "السوق" في ظل نقص وعي الفلاحين بمتطلباته وخطورته من ناحية وعدم تعميم مخابر البحث العلمي وفتح المجال للكفاءات المختصة في المجالات الفلاحية في بلادنا لتدلي بدلوها في المجال بما يجعل هذه المبيدات عوامل ثروة حقيقية في ظل المحافظة على الشروط الصحية والبيئية والبيولوجية. 

فقد ضبط القانون 92/72 الأحكام العامة المتعلقة بحماية النباتات وبتنظيم قطاع المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي والنصوص الصادرة لتطبيقه والمحدد للأحكام الجزائية والعقوبات المسلطة على المخالفين لأحكامه.

 وتنقسم المبيدات إلى عدة أنواع منها المبيدات الحشرية التي تستخدم للقضاء على الحشرات التي تصيب المحاصيل الزراعية وتلحق بها أضرارا كما تمتد استخداماتها داخل المنازل للقضاء على الصراصير والبعوض والذباب والنمل وغيرها من الحشرات التي تقلق راحة المواطنين في مساكنهم. إضافة إلى مبيدات الأعشاب ومبيدات القوارض ومبيدات الفطريات ومبيدات الآفات الزراعية وغيرها. 

 وتتفاوت درجات تأثير المبيدات بمعرفة مدى سمية بعضها ومدى المخاطر التي يتعرض لها الإنسان من خلال الترسبات المتراكمة للمبيدات بتكرار تناوله الأطعمة المتواجدة فيها أو بتكرار استخدامه لها للقضاء على الحشرات في البيئة من حوله والتي تخزّن في أنسجة الجسم مسببة الأمراض له خاصة أنها تتسبب في تلوث المياه الجوفية بتسرب المبيدات من الأراضي الزراعية. إذ تحدد البحوث العلمية أن بعض المبيدات تتحلل سريعا ويتوقف مفعولها بعد التحلل وهناك مبيدات أخرى يظل تأثيرها مدة طويلة مما يشكل خطر على صحة الإنسان والحيوان وخلل في التوازن الطبيعي للكائنات الحية. وتؤكد عديد الجهات أن عدم التزام بعض الفلاحين بمدة الأمان المحددة لكل مبيد لحصاد أو جني المحاصيل الزراعية وسرعة تحله وكمية الرواسب المتبقية سبب جهله بخطورة ذلك أو عدم التزام البعض بتلك الشروط من العوامل التي تجعل استعمال هذه المنتجات والمحاصيل أشبه بقنابل موقوتة من شأنها أن تؤثر سلبا على صحة الإنسان بالأساس وغيره من الكائنات الأخرى خاصة أمام توسع استعمال مثل هذه المبيدات والمنشطات النمو الطبيعي للنبات والحيوان على حد السواء ليقين الجميع بأهمية استعمال مثل هذه المواد في جودة المحاصيل الزراعية ووفرة المنتوج والتحكم في شكله ومن ثمة الكميات وحمايته من الكوارث.

وأكد بعض الفلاحين أن غياب آليات أرشاد وتوعية حول طرق وكيفية استعمال المبيدات وارتفاع أسعارها فتح المجال للفوضى واستسهال البعض للأمر دون مراعاة خطورة ذلك على صحة المستهلك والمحيط والبيئة سواء تعلق الأمر بالثروة الطبيعية والزراعية أو الفلاحية. باعتبار أن عملية جرف المياه لترسبات تلك المبيدات عبر الأودية والأنهار إلى البحيرات والسدود ومنها أدى إلى الفتك بعدة أنواع من الأسماك والطيور والحيوانت البرية والنباتات.

التهريب ينخر القطاع

لم يكن مجال المبيدات بمنأى عن "غول التهريب" بعد تسجيل الجهات الرسمية في عديد المناسبات لوجود بعض الأنواع من المبيدات غير المسجلة أو المرسمة في سجل المبيدات المعتمدة في بلادنا تتداول في السوق يتم إدخالها إلى بلادنا بطرق غير مقننة أي مهربة.  وفسر البعض الإقبال على استعمال مثل هذه المبيدات المهربة والتي تصنف ممنوعة وتشكل خطرا كبيرا على صحة الإنسان والنبات والحيوان، بعدم دراية الفلاح التونسي بخفايا وقواعد مثل هذه الأنواع من المبيدات من ناحية ولارتفاع أسعار المواد المتداولة مقابل تردني أسعار مثل هذه المواد المهربة التي يتم الترويج لها خارج أطار نقاط البيع المرخص لها أو حتى داخلها في بعض الأحيان.

عدم تقنين الأسمدة "مدخل إلى لفساد"

أجمع عدد كبير ممن لهم علاقة بقطاع الفلاحة بشكل أو بآخر على أن عدم الحسم في وضع قانون منظم للأسمدة في بلادنا شكل مدخلا للفساد وذلك عبر إدخال أنواع من المبيدات الممنوعة من قبل المنظمة العالمية للصحة والزراعة والمنظمة العالمية للصحة وغيرها من الاتفاقيات الدولية إلى السوق التونسية وذلك بتقديمها كأسمدة. ويذكر أنه منذ سنة 2003 إلى حد الآن لم يتم الحسم في القانون الخاص بالأسمدة ومخصبات التربة في تونس، وبعد أن تم التوصل إلى اتفاق حول مشروع قانون موحد في الغرض سنة 2017 نظرا لتداخل عدة جهات وهياكل في المجال، وأسفر سنة 2019 عن تكوين لجنة في صلب الهيئة الوطنية لسلامة الصحة والغذاء تابعة لوزارة الصحة ولكن إلى حد الآن ظل هذا قانون تنظيم الأسمدة في تونس معلقا.

سيف ذو حدين

لئن شكلت المبيدات عاملا لضمان وفرة الإنتاج وجودته بما يضمن صحة المستهلك وسلامة المحيط ويسهل عملية التصدير والتوريد للمنتوجات الفلاحية التي تراعي شروط استعمال هذه المواد، فإن المبيدات شكلت أيضا عاملا سلبيا بالنسبة لبعض المنتوجات الفلاحية التونسية بعد أن رفضت بعض الأسواق العالمية منتوجات فلاحية تونسية تم استعمال بعض الأنواع من المبيدات المحظورة في مجالها على غرار حادثة رفض البرتقال التونسي من الأسواق الفرنسية في العام الماضي. وما أثارته هذه الحادثة من قضايا حول مواصلة بلادنا استعمال بعض الأنواع من المبيدات الممنوعة في أوروبا. وقد فسرت الجهات الرسمية أن سبب منع بعض بلدان الاتحاد الأوروبي لتلك الأنواع من المبيدات غير واضح من ناحية ولثقة الجهات الرسمية في نتائج البحوث والتحاليل المخبرية في بلادنا من ناحية أخرى فضلا عن طرح العشرات من الأنواع من المبيدات على طاولة اللجان المعني لتدارسها واتخاذ قرار منع استعمالها من عدمه. وشكل نفس العامل سببا لرفض عدة جهات تونسية عملية توريد أنواع من الخضر والغلال من بلدان أخرى في السنة الماضية أيضا.

مهندس رئيس كاهية مدير المدخلات الفلاحية لـ"الصباح":  40 شركة مختصة في توريد 
المبيدات

 

أفاد شعبان موسى، مهندس رئيس وكاهية مدير المدخلات الفلاحية والمصادقة على المبيدات بوزارة الفلاحة في حديثه عن الموضوع أنه يتم اعتماد أنواع من المبيدات أو منشطات نمو النباتات والأسمدة حسب نوعية وطبيعة الاستعمال الفلاحي على غرار المبيدات لمكافحة ومقاومة الحشرات أو المبيدات الفطرية الخاصة بمكافحة الأمراض النباتية أو المبيدات العشبية المعدة لمكافحة الأعشاب الطفيلية الضارة وغيرها من أنواع المبيدات المختلفة. مؤكدا أن بلادنا تعتمد في هذا المجال على التوريد بنسبة 100 % مشددا على أن توريدها يتم بعد الحصول على مصادقة من الجهات الرسمية. وأضاف كاهية مدير المدخلات الفلاحية والمصادقة على المبيدات، أن هناك حوالي 40 شركة مختصة في توريد المبيدات في حين أن بين 25 و30 منها تعد الأكثر نشاطا في الغرض، باعتبار أن هذه الشركات لا تحصل على تراخيص التوريد إلا بعد الاستجابة لمقتضيات كراس الشروط المعتمدة في الغرض والمنظمة للعملية. مشددا على أن هناك 11 شرطا تحدد المواصفات الفنية والشروط المتبعة في عملية التوريد بما تتطلبه من ملف فني وتحاليل مخبرية علمية والتزام بشروط فنية وصحية شروط وخصائص بيئية ورواسب كيمائية للمبيدات باعتماد آليات تراعي الشفافية والمصداقية في العملية. إضافة إلى إجراء تجارب لتلك المبيدات مراعاة للخصائص المناخية في بلادنا.

كما أكد محدثنا أن عملية المصادقة تتم من قبل لجنة فنية موسعة تضم ممثلين عن وزارات وهياكل ومنظمات معنية بالمسألة على غرار وزارات الفلاحة والصيد البحري والصحة والتجارية والبيئة واتحاد الفلاحين والاتحاد التونسي لصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمجتمع المدني. اعتبر المهندس رئيس شعبان موسى أنه يتم مراعاة توجيهات الاتفاقيات العالمية المبرمة في الغرض والتي صادقت عليها بلادنا إضافة إلى توجيهات منظمة الأغذية والزراعة العالمية ومنظمة الصحة العالمية.

أما فيما يتعلق بمدى خضوع هذه المبيدات للتغيرات المناخية واختلاف استعمالاتها من دولة إلى أخرى أفاد وكاهية مدير المدخلات الفلاحية والمصادقة على المبيدات بوزارة الفلاحة والصيد البحري، الخصوصية المناخية لبلادنا التي تتميز بطول فترة الجفاف تجعلها مختلفة عن البلدان التي تسجل أكثر كميات وفترة تساقطات الأمطار والثلوج، لأن عامل الرطوبة له تأثير في علية استعمال هذه المبيدات في الزراعات الكبرى مثلا لتصل الترسبات إلى المياد الجوفية بما يؤثر على الحياة لتعدد استعمال تلك المياه لكنه يعتبر الأمر مختلفا بالنسبة لبلادنا.

في جانب آخر شدد المهندس رئيس شعبان موسى، على التزام بلادنا بالخضوع للتشريع الوطني الخاص بالمبيدات ووقاية النباتات، الذي يعتبره متطورا. مؤكدا أن كل أنواع المبيدات التي يتم منعها من التداول والاستعمال في العالم تلتزم بلادنا بدورها بتطبيق منع استعمالها طبقا للاتفاقيات العالمية على غرار اتفاقياتي روتردام وستوكهولم في ملحق الأخيرة الخاصة بالمبيدات العضوية الثابتة.

وفي رده عما يروجه له البعض من وجود مبيدات يتم استعمالها في بلادنا رغم منعها مثلا في الاتحاد الأوروبي أوضح قائلا: "صحيح هناك بعض أنواع المبيدات التي تم منع استعمالها في بعض البلدان الأوروبية دون نشر أسباب هذا المنع، في حين يتواصل استعمالها في بلدان أخرى متقدمة في مجال الفلاحة على غرار كندا والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا في حين في تونس نحن بصدد دراسة ما بين 30 و40 نوع من المبيدات من أجل اتخاذ قرار إما بمواصلة استعمالها أو منعها. فمؤسسة البحث العلمي في بلادنا موجودة وتواكب كل التطورات والمستجدات على مستويين وطني وعالمي".

وفي مستوى الرقابة أكد المهندس رئيس وكاهية مدير المدخلات الفلاحية والمصادقة على المبيدات، أن عملية الإدارة العامة للصحة النباتية والمدخلات الفلاحية تفرض مراقبة صارمة على نطاق مركزي أثناء عمليات التوريد وذلك عبر رفع عينات للتحاليل بمخبر التحاليل الكيميائية في كل عملية توريد ولكل المواد وذلك للقيام بالتحاليل الفيزيوكيميائية، فيما تتولى المصالح الجهوية في مستوى المندوبيات الجهوية للفلاحة بكل ولاية القيام بمراقبة نقاط البيع بالتقسيط مرخص لها حسب كراس شروط منظمة للعملية، وذلك في سياق مهام وكالة الإرشاد والتكوين الفلاحي في كامل جهات الجمهورية.

وبين أن سلطة الإشراف تتخذ كل الإجراءات القانونية اللازمة في حال تسجيل تجاوزات أو مخالفات في الغرض سواء تعلق الأمر بحجز مبيدات يتم إدخالها إلى بلادنا عن طريق التهريب وليست مرسمة بقائمة المبيدات المعتمدة أو بالنسبة للتجاوزات المسجلة في نقاط البيع بالتفصيل.

فيما يعتبر عدم وجود قانون منظم لاستعمال الأسمدة في تونس سببا آخر يجعل الخوض في متعلقاته مسألة غير ممكن.

خبير دولي في المبيدات الزراعية لـ"الصباح": وجود مخاطر من استعمال بعض المبيدات

 اعتبر عزالدين العليمي، مهندس ومستشار فلاحي وخبير دولي في المبيدات الزراعية، في حديثه لـ"الصباح"، أن معضلة بلادنا في هذا الجانب أن مثل أغلب البلدان العربية لا تصنع ولا تركب المبيدات ومنشطات النمو الطبيعي للنباتات باستثناء مصر والأردن، وهو ما جعل بلادنا، وفق تقديره، تضع قوانين منظمة للعملية. ويعتبر أن القوانين المعتمدة في الغرض في تونس شبيهة بالقوانين المعتمدة في فرنسا بل تعد أكثر تطورا من فرنسا وأوروبا، حسب تأكيده وأضاف قائلا: "مخابر التحاليل الكيميائية في تونس تعمل بمقاييس عالمية ومشهود بدقة نتائجها وتميزها عالميا ولكن لا ينكر أحد أن الفساد قد تسرب إلى هذا المجال وأن هناك 1% من المواد الممنوعة يتم تقديمها كسماد نظرا لأن السماد غير مقنن في بلادنا إلى حد الآن".

وهو يؤكد أنه ليس هناك مبيدات تباع في تونس دون أن تكون مرخص لها باستثناء بعض الحالات التي يضعها في خانة السرقة ويتم إدخالها إلى بلادنا ومن ثمة إلى مجالات الاستعمال الفلاحي كسماد. موضحا أن هناك حوالي 4 ملايين وصنف من المبيدات المستعملة.

ولا ينكر المهندس الفلاحي والخبير الدولي في المجال أن للمبيدات تأثيرات سلبية ملثما لها تأثيرات إيجابية واستشهد في ذلك بمنع استعمال مبيد "الكلور" الذي يتم اعتماده للبرتقال مثلا بعد اكتشاف مدى خطورته أي أنه مسرطن وله تأثير على الجنين أيضا. كما يرجع سبب وجود مخاطر من استعمال بعض المبيدات على حياة الإنسان والكائنات الحية والنباتات ككل إلى إقبال بعض الجهات على تقليد عدة أنواع من الأدوية والمواد الكيميائية والقارات دون التزام بالشروط الصحية الأمر الذي يلاقي رواجا في سوق المبيدات في العالم. وهو ما تسبب في أزمة البرتقال الذي تم إرجاعه إلى تونس بعد سحبه من الأسواق الفرنسية المصدرة لها في العام الماضي.

وفيما يتعلق بتخوف المستهلك مما يروج له البعض حول استعمال بعض المواد التي تشكل خطورة على صحة الإنسان للتحكم في حجم بعض أنواع الخضر والغلال وتأثير ذلك على سوق الاستهلاك في بلادنا أضاف محدثنا موضحا: "المبيدات الزراعية في بلادنا مراقبة بنسبة 100 % على خلاف بعض البلدان التي تجل حالات تسمم وتجاوزات كثيرة في هذا الجانب، في حين في أسبانيا مثلا هناك 28 % من نسب التجاوز في التحاليل الخاصة بالأسمدة، ولا خوف من التسمم من المبيدات المعتمدة في بلادنا ولكن المواد التي يتم اعتمادها لتكبير حجم بعض المنتجات الزراعية من الغلال والخضر لا تشكل خطورة لأنه يتم اعتماد "البوتاس potasse".

في جانب آخر أفاد عزالدين العليمي أن هناك بعض الأنواع من المبيدات التي تواصل استعمالها في بلادنا في حين تم منعها في أوروبا لأنه يقضي على عدة أنواع من النباتات والحشرات النافعة والضارة، على غرار "ديميتواط" الذي يعتمد في الخوخ والبرتقال وغيرها من الغلال الأخرى.

وندد المهندس الفلاحي والخبير الفلاحي الدولي بغياب الوعي في أوساط الفلاحين بكل متعلقات المبيدات وطرق تحضيرها واستعمالها وحمل في ذلك المسؤولية إلى الجهات المعنية في وضع آليات مراقبة واسعة وشاملة، على اعتبار أن الفلاح اليوم في حاجة إلى مزيد الترشيد والتوعية ليكون ملما ومتابعا لكل التطورات العلمية في الغرض فضلا عن حسن تعاطيه مع الأواني والأدوات التي يتم استعمالها في الغرض حتى لا تشكل بؤرة خطر أخرى على المزارع والحيوانات بمرور الوقت، خاصة أن عدم خضوع الأسمدة بعد إلى قوانين منظمة لها من شأنه أن يكون مدخلا للفساد وإلحاق أضرار ومخاطر تشمل الإنسان والحيوان والنباتات على حد السواء. 

 طبيب بيطري وفلاح لـ"الصباح": ضرورة القيام بالتحاليل الجرثومية اللازمة

لم يخف كريم داود، طبيب بيطري وفلاح، مدى خطورة المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي على الحيوانات ومن ثمة على حياة وصحة الإنسان خاصة فيما يتعلق بالحيوانات التي لها علاقة استهلاك الإنسان وغذائه كالأبقار والأغنام والأرانب والدجاج وغيرها أو تلك التي تعيش في محيطه كالقطط والكلاب. وأوضح ذلك قائلا: "عدم التزام البعض بفترة الأمان المحددة بعد استعمال الحيوانات للأدوية والتلاقيح لذبحها أو بيع الحليب والبيض واللحوم يشكل أكبر خطر على صحة وحياة الإنسان، لأن ترسبات تلك المبيدات تمر إلى الجسم عبر استهلاك الحليب واللحوم بسهولة. كما هو الشأن بالنسبة لاستهلاك الحيوانات للأعشاب عن طريق الرعي أو غيره بعد مداواته دن الالتزام فترة الأمان كلها عوامل على غاية من الخطورة، ومن موقعي المهني كطبيب بيطري أعتبر هذا العامل من بين أكثر الأخطار الشائعة في الأوساط الفلاحية نظرا لخطورة هذه المبيدات بجميع أنواعها رغم تفاوت درجات السمية من ناحية وتأثير ترسباتها المتراكمة بمرور الوقت".

كما يشدد كريم داود على ضرورة القيام بالتحاليل الجرثومية اللازمة في مراكز تجميع الحليب للوقوف على مدى خطورة استعمال المبيدات على صحة المستهلك بالأساس. لأن قانون الصحة البطيرية لا يختلف عن قانون الصحة البشرية في تعاطيه مع مثل هذه المسائل، وفق تقديره.  ويرى داود أن حضور البيطري في القطاع الفلاحي بشكل عام وتشريكه في عملية التوعية والتحسيس في مختلف المجالات الفلاحية لاسيما ما يتعلق منها باستعمال المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي، تعد مسألة على غاية من الأهمية اليوم لربح الكثير من الجهد وحماية الثروة الحيوانية والبيئية وصحة الإنسان بشكل خاص. لأنه يعتبر غياب الوعي الشامل للفلاح حول هذه المبيدات بجميع أنواعها يشكل معضلة كبرى في القطاع الفلاحي اليوم وساهم في ارتفاع أسعار وكلفة النشاط في القطاع في تأزيم الوضع فيها.

ولا ينكر البيطري والفلاح، أيضا ظاهرة الاستعمال الفوضوي للأدوية والمبيدات وعدم الرجوع إلى استشارة المعنيين بالأمر لتحديد مدى خطورة ورواسب كل نوع خاص بمجال زراعي معين ليتم استعماله في زراعات أخرى في ظل غياب آليات رقابة واسعة. وهو يعتبر المرحلة مناسبة لمراجعة المنظومة المنظمة للعملية ومراجعة أيضا آليات الرقابة والإرشاد والتوعية لضمان أرضية فلاحية كفيلة بالتشجيع على الإنتاج النوعي والصحي.

 رئيسة جمعية أصدقاء الطيور لـ"الصباح": استعمال مبيدات محظورة يؤدي إلى انقراض الطيور والحيوان والنبات

وأطلقت جمعية "أصدقاء الطيور" في تونس صيحة فزع، مثلما أكدته رئيستها كلاوديا  فيلتراب  لـ"الصباح"، مفادها التداعيات الكارثية لاستعمال الأدوية أو المواد الكميائية والمبيدات الحشرية وغيرها على الحيوان والطيور إلى حد أن بعضها أصبح مهددا بالانقراض، واعتبرت أن المبيدات المحظورة في أوروبا والتي يتواصل استعمالها في تونس اليوم تشكل خطرا حقيقيا على وجود عدة أنواع من الطيور في بلادنا. وأضافت قائلة: "سبخة سيدي حسين السيجومي في العاصمة تسجل سنويا إقبال آلاف من الطيور المهاجرة ولكن الاستعمال المفرط وأحيانا العشوائي لبعض المبيدات الحشرية أدى إلى القضاء على أعداد كبيرة من هذه الطيور، ورغم مناشدة الجهات الرسمية للبحث عن حلول أخرى تجنب تسمم آلاف من الطيور لكن دون إجابة". 

ويذكر أن جمعية أصدقاء الطور ما انفكت في السنوات الأخيرة تصدر بيانات تندد فيها باستعمال مبيدات حشرية محظورة في أوروبا، تشكل خطرا كبيرا يهدد الصحة والتنوع البيولوجي وتسببها في انقراض عدة أنواع من النباتات والحيوانات.

وبينت أن شركات توريد المبيدات تروج ما يقارب 215 نوعا من المبيدات في أسواقنا تحت 493 علامة تجارية دون تحديد مخاطرها، من بينها مبيدات حشرية ذات استعمالات فلاحية يحظر استعمالها في الاتحاد الأوروبي منها مبيد "السياناميد" الخطير للغاية على صحة الإنسان والمحيط. وتعبر أن الكمية المستعملة في تونس من هذه المواد الكيميائية هي 3 أضعاف الكمية التي يسمح باستعمالها في أوروبا.

كما أفادت محدثتنا أن الجمعية التي ترأسها تقدمت بمشروع اشتغلت عليه بالشراكة مع جهات فرنسية يتمثل في اعتماد مبيدات أو أدوية أو مبيدات ليست ذات تأثير سلبي على المحيط أو صحة الإنسان والحيوان معتبرة أهمية هذا المشروع ولكنها تعتبر تعميمه على كامل جهات الجمهورية يتطلب ميزانية ضخمة.

 رئيس نقابة الفلاحين لـ"الصباح": ضرورة الرقابة الصارمة وفتح مخابر البحث وتعميمها على الجهات

اعتبر الضاوي الميداني، رئيس النقابة الفلاحين، أن  نسبة كبيرة من الفلاحين في تونس اليوم ليس لهم دراية واسعة أو شاملة بانعكاسات استعمال المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي على الصحة والبيئة  والحيوان. مؤكدا أن غياب الوعي أيضا شكل أحد العوامل التي حولت تلك المبيدات واستعمالها الخاطئ، مصدر خطر ليس على مستعملها فقط بل تتعداه لتؤثر على المحاصيل الفلاحية وأرجع ذلك إلى غياب الوعي وعدم وجود حلقة ترشيد وتوعية لازمة. وفسر ذلك بقوله: "بلادنا يفترض أن تكون فلاحية بالأساس وهذا يتطلب منظومة متكاملة وآليات عمل وإدارة وتكوين وتوعية ورقابة وإحاطة واسعة حسب الاختصاصات الفلاحية الواسعة التي تميز بلادنا من شمالها إلى جنوبها ومن جهة لأخرى لكن للأسف الوضع مختلفا. فباستثناء بعض المبادرات الفردية أغلب الفلاحين يتخبطون في "العشوائية". وطالب رئيس نقابة الفلاحين الجهات الرسمية بضرورة تفعيل مخابر البحث العلمي وفتح المجال للكفاءات التونسية المختصة في مختلف الاختصاصات العلمية الفلاحية للمساهمة في تطوير حلقات العمل والإنتاج بما يوسع من دائرة التصدير ويساهم في تعديل الأسعار والقضاء على ظاهرة الارتفاع المشط في الأسعار.

 تتربص بالإنسان والحيوان والبيئة..   المبيدات الزراعية.. "سموم" أم منشطات نمو طبيعي للنباتات؟

توريد المبيدات بنسبة 100 %  في تونس

تونس – الصباح

تعد المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي الواسعة ومنشطات النمو الطبيعي للنباتات وغيرها، إحدى أهم حلقات الأمن الغذائي المثيرة للاستفهام والجدل في بلادنا، نظرا لمدى حساسية وخصوصية هذه المواد وشروط استعمالها وأهميتها وخطورتها في نفس الآن مقابل غياب التداول في شأنها بسبب تداخل عدة هياكل ومصالح وجهات وعدم الحسم في بعض الجوانب من القوانين المنظمة للعملية خاصة منها القانون الخاص بالأسمدة الذي عالقا إلى اليوم، وشكل مدخلا للفساد، بعد تقنين وتنظيم مجال المبيدات. فهي "سموم" بمزايا حميدة أصبحت ضرورية لفورة الإنتاج وجودته، في أوساط فلاحية واسعة، لاسيما في هذه المرحلة نظرا للارتفاع المشط لأسعار هذه المواد، باعتبار أن بلادنا لا تتولى تصنيع أو تركيب مثل هذه المبيدات وإنما هو مجال يعتمد على التوريد بنسبة 100 %، إضافة إلى التغيرات التي ما انفكت تطرأ على قائمة المبيدات المستعملة عالميا من قبل منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للتغذية والزراعة في الغرض قياسا للتغيرات المناخية وتطور البحوث العلمية الخاصة بهذا المجال. فهل تستجيب المبيدات والمواد الكيميائية والأسمدة ذات الاستعمالات الفلاحية لشروط الصحة والسلامة الغذائية بما يحمي الحيوانات وبقية الكائنات الحية من نباتات وثروة بحرية من الإتلاف؟ وهل أن آليات الرقابة المعتمدة قادرة على غلق منافذ "الفساد" والتلاعب بقواعد وشروط العيش السليم والحياة بشكل عام، لاسيما في ظل الإمكانيات المحدودة للجهات الرسمية وشبه غياب كلي للمجتمع المدني في هذا المجال؟ وأي تأثير للمبيدات الحشرية والزراعية وغيرها على بقية الحيوانات والطيور؟

 هذه الأسئلة وغيرها حاولت "الصباح" إيجاد أجوبة لها في هذا "الملف"، رغم شح المعطيات الحافة به وتهرب البعض من الخوض فيه على اعتبار أنه، وعلى خطورته يعد "منطقة سوداء" يكتنفها الغموض وعدم الوضوح وتخضع لقانون "السوق" في ظل نقص وعي الفلاحين بمتطلباته وخطورته من ناحية وعدم تعميم مخابر البحث العلمي وفتح المجال للكفاءات المختصة في المجالات الفلاحية في بلادنا لتدلي بدلوها في المجال بما يجعل هذه المبيدات عوامل ثروة حقيقية في ظل المحافظة على الشروط الصحية والبيئية والبيولوجية. 

فقد ضبط القانون 92/72 الأحكام العامة المتعلقة بحماية النباتات وبتنظيم قطاع المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي والنصوص الصادرة لتطبيقه والمحدد للأحكام الجزائية والعقوبات المسلطة على المخالفين لأحكامه.

 وتنقسم المبيدات إلى عدة أنواع منها المبيدات الحشرية التي تستخدم للقضاء على الحشرات التي تصيب المحاصيل الزراعية وتلحق بها أضرارا كما تمتد استخداماتها داخل المنازل للقضاء على الصراصير والبعوض والذباب والنمل وغيرها من الحشرات التي تقلق راحة المواطنين في مساكنهم. إضافة إلى مبيدات الأعشاب ومبيدات القوارض ومبيدات الفطريات ومبيدات الآفات الزراعية وغيرها. 

 وتتفاوت درجات تأثير المبيدات بمعرفة مدى سمية بعضها ومدى المخاطر التي يتعرض لها الإنسان من خلال الترسبات المتراكمة للمبيدات بتكرار تناوله الأطعمة المتواجدة فيها أو بتكرار استخدامه لها للقضاء على الحشرات في البيئة من حوله والتي تخزّن في أنسجة الجسم مسببة الأمراض له خاصة أنها تتسبب في تلوث المياه الجوفية بتسرب المبيدات من الأراضي الزراعية. إذ تحدد البحوث العلمية أن بعض المبيدات تتحلل سريعا ويتوقف مفعولها بعد التحلل وهناك مبيدات أخرى يظل تأثيرها مدة طويلة مما يشكل خطر على صحة الإنسان والحيوان وخلل في التوازن الطبيعي للكائنات الحية. وتؤكد عديد الجهات أن عدم التزام بعض الفلاحين بمدة الأمان المحددة لكل مبيد لحصاد أو جني المحاصيل الزراعية وسرعة تحله وكمية الرواسب المتبقية سبب جهله بخطورة ذلك أو عدم التزام البعض بتلك الشروط من العوامل التي تجعل استعمال هذه المنتجات والمحاصيل أشبه بقنابل موقوتة من شأنها أن تؤثر سلبا على صحة الإنسان بالأساس وغيره من الكائنات الأخرى خاصة أمام توسع استعمال مثل هذه المبيدات والمنشطات النمو الطبيعي للنبات والحيوان على حد السواء ليقين الجميع بأهمية استعمال مثل هذه المواد في جودة المحاصيل الزراعية ووفرة المنتوج والتحكم في شكله ومن ثمة الكميات وحمايته من الكوارث.

وأكد بعض الفلاحين أن غياب آليات أرشاد وتوعية حول طرق وكيفية استعمال المبيدات وارتفاع أسعارها فتح المجال للفوضى واستسهال البعض للأمر دون مراعاة خطورة ذلك على صحة المستهلك والمحيط والبيئة سواء تعلق الأمر بالثروة الطبيعية والزراعية أو الفلاحية. باعتبار أن عملية جرف المياه لترسبات تلك المبيدات عبر الأودية والأنهار إلى البحيرات والسدود ومنها أدى إلى الفتك بعدة أنواع من الأسماك والطيور والحيوانت البرية والنباتات.

التهريب ينخر القطاع

لم يكن مجال المبيدات بمنأى عن "غول التهريب" بعد تسجيل الجهات الرسمية في عديد المناسبات لوجود بعض الأنواع من المبيدات غير المسجلة أو المرسمة في سجل المبيدات المعتمدة في بلادنا تتداول في السوق يتم إدخالها إلى بلادنا بطرق غير مقننة أي مهربة.  وفسر البعض الإقبال على استعمال مثل هذه المبيدات المهربة والتي تصنف ممنوعة وتشكل خطرا كبيرا على صحة الإنسان والنبات والحيوان، بعدم دراية الفلاح التونسي بخفايا وقواعد مثل هذه الأنواع من المبيدات من ناحية ولارتفاع أسعار المواد المتداولة مقابل تردني أسعار مثل هذه المواد المهربة التي يتم الترويج لها خارج أطار نقاط البيع المرخص لها أو حتى داخلها في بعض الأحيان.

عدم تقنين الأسمدة "مدخل إلى لفساد"

أجمع عدد كبير ممن لهم علاقة بقطاع الفلاحة بشكل أو بآخر على أن عدم الحسم في وضع قانون منظم للأسمدة في بلادنا شكل مدخلا للفساد وذلك عبر إدخال أنواع من المبيدات الممنوعة من قبل المنظمة العالمية للصحة والزراعة والمنظمة العالمية للصحة وغيرها من الاتفاقيات الدولية إلى السوق التونسية وذلك بتقديمها كأسمدة. ويذكر أنه منذ سنة 2003 إلى حد الآن لم يتم الحسم في القانون الخاص بالأسمدة ومخصبات التربة في تونس، وبعد أن تم التوصل إلى اتفاق حول مشروع قانون موحد في الغرض سنة 2017 نظرا لتداخل عدة جهات وهياكل في المجال، وأسفر سنة 2019 عن تكوين لجنة في صلب الهيئة الوطنية لسلامة الصحة والغذاء تابعة لوزارة الصحة ولكن إلى حد الآن ظل هذا قانون تنظيم الأسمدة في تونس معلقا.

سيف ذو حدين

لئن شكلت المبيدات عاملا لضمان وفرة الإنتاج وجودته بما يضمن صحة المستهلك وسلامة المحيط ويسهل عملية التصدير والتوريد للمنتوجات الفلاحية التي تراعي شروط استعمال هذه المواد، فإن المبيدات شكلت أيضا عاملا سلبيا بالنسبة لبعض المنتوجات الفلاحية التونسية بعد أن رفضت بعض الأسواق العالمية منتوجات فلاحية تونسية تم استعمال بعض الأنواع من المبيدات المحظورة في مجالها على غرار حادثة رفض البرتقال التونسي من الأسواق الفرنسية في العام الماضي. وما أثارته هذه الحادثة من قضايا حول مواصلة بلادنا استعمال بعض الأنواع من المبيدات الممنوعة في أوروبا. وقد فسرت الجهات الرسمية أن سبب منع بعض بلدان الاتحاد الأوروبي لتلك الأنواع من المبيدات غير واضح من ناحية ولثقة الجهات الرسمية في نتائج البحوث والتحاليل المخبرية في بلادنا من ناحية أخرى فضلا عن طرح العشرات من الأنواع من المبيدات على طاولة اللجان المعني لتدارسها واتخاذ قرار منع استعمالها من عدمه. وشكل نفس العامل سببا لرفض عدة جهات تونسية عملية توريد أنواع من الخضر والغلال من بلدان أخرى في السنة الماضية أيضا.

مهندس رئيس كاهية مدير المدخلات الفلاحية لـ"الصباح":  40 شركة مختصة في توريد 
المبيدات

 

أفاد شعبان موسى، مهندس رئيس وكاهية مدير المدخلات الفلاحية والمصادقة على المبيدات بوزارة الفلاحة في حديثه عن الموضوع أنه يتم اعتماد أنواع من المبيدات أو منشطات نمو النباتات والأسمدة حسب نوعية وطبيعة الاستعمال الفلاحي على غرار المبيدات لمكافحة ومقاومة الحشرات أو المبيدات الفطرية الخاصة بمكافحة الأمراض النباتية أو المبيدات العشبية المعدة لمكافحة الأعشاب الطفيلية الضارة وغيرها من أنواع المبيدات المختلفة. مؤكدا أن بلادنا تعتمد في هذا المجال على التوريد بنسبة 100 % مشددا على أن توريدها يتم بعد الحصول على مصادقة من الجهات الرسمية. وأضاف كاهية مدير المدخلات الفلاحية والمصادقة على المبيدات، أن هناك حوالي 40 شركة مختصة في توريد المبيدات في حين أن بين 25 و30 منها تعد الأكثر نشاطا في الغرض، باعتبار أن هذه الشركات لا تحصل على تراخيص التوريد إلا بعد الاستجابة لمقتضيات كراس الشروط المعتمدة في الغرض والمنظمة للعملية. مشددا على أن هناك 11 شرطا تحدد المواصفات الفنية والشروط المتبعة في عملية التوريد بما تتطلبه من ملف فني وتحاليل مخبرية علمية والتزام بشروط فنية وصحية شروط وخصائص بيئية ورواسب كيمائية للمبيدات باعتماد آليات تراعي الشفافية والمصداقية في العملية. إضافة إلى إجراء تجارب لتلك المبيدات مراعاة للخصائص المناخية في بلادنا.

كما أكد محدثنا أن عملية المصادقة تتم من قبل لجنة فنية موسعة تضم ممثلين عن وزارات وهياكل ومنظمات معنية بالمسألة على غرار وزارات الفلاحة والصيد البحري والصحة والتجارية والبيئة واتحاد الفلاحين والاتحاد التونسي لصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمجتمع المدني. اعتبر المهندس رئيس شعبان موسى أنه يتم مراعاة توجيهات الاتفاقيات العالمية المبرمة في الغرض والتي صادقت عليها بلادنا إضافة إلى توجيهات منظمة الأغذية والزراعة العالمية ومنظمة الصحة العالمية.

أما فيما يتعلق بمدى خضوع هذه المبيدات للتغيرات المناخية واختلاف استعمالاتها من دولة إلى أخرى أفاد وكاهية مدير المدخلات الفلاحية والمصادقة على المبيدات بوزارة الفلاحة والصيد البحري، الخصوصية المناخية لبلادنا التي تتميز بطول فترة الجفاف تجعلها مختلفة عن البلدان التي تسجل أكثر كميات وفترة تساقطات الأمطار والثلوج، لأن عامل الرطوبة له تأثير في علية استعمال هذه المبيدات في الزراعات الكبرى مثلا لتصل الترسبات إلى المياد الجوفية بما يؤثر على الحياة لتعدد استعمال تلك المياه لكنه يعتبر الأمر مختلفا بالنسبة لبلادنا.

في جانب آخر شدد المهندس رئيس شعبان موسى، على التزام بلادنا بالخضوع للتشريع الوطني الخاص بالمبيدات ووقاية النباتات، الذي يعتبره متطورا. مؤكدا أن كل أنواع المبيدات التي يتم منعها من التداول والاستعمال في العالم تلتزم بلادنا بدورها بتطبيق منع استعمالها طبقا للاتفاقيات العالمية على غرار اتفاقياتي روتردام وستوكهولم في ملحق الأخيرة الخاصة بالمبيدات العضوية الثابتة.

وفي رده عما يروجه له البعض من وجود مبيدات يتم استعمالها في بلادنا رغم منعها مثلا في الاتحاد الأوروبي أوضح قائلا: "صحيح هناك بعض أنواع المبيدات التي تم منع استعمالها في بعض البلدان الأوروبية دون نشر أسباب هذا المنع، في حين يتواصل استعمالها في بلدان أخرى متقدمة في مجال الفلاحة على غرار كندا والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا في حين في تونس نحن بصدد دراسة ما بين 30 و40 نوع من المبيدات من أجل اتخاذ قرار إما بمواصلة استعمالها أو منعها. فمؤسسة البحث العلمي في بلادنا موجودة وتواكب كل التطورات والمستجدات على مستويين وطني وعالمي".

وفي مستوى الرقابة أكد المهندس رئيس وكاهية مدير المدخلات الفلاحية والمصادقة على المبيدات، أن عملية الإدارة العامة للصحة النباتية والمدخلات الفلاحية تفرض مراقبة صارمة على نطاق مركزي أثناء عمليات التوريد وذلك عبر رفع عينات للتحاليل بمخبر التحاليل الكيميائية في كل عملية توريد ولكل المواد وذلك للقيام بالتحاليل الفيزيوكيميائية، فيما تتولى المصالح الجهوية في مستوى المندوبيات الجهوية للفلاحة بكل ولاية القيام بمراقبة نقاط البيع بالتقسيط مرخص لها حسب كراس شروط منظمة للعملية، وذلك في سياق مهام وكالة الإرشاد والتكوين الفلاحي في كامل جهات الجمهورية.

وبين أن سلطة الإشراف تتخذ كل الإجراءات القانونية اللازمة في حال تسجيل تجاوزات أو مخالفات في الغرض سواء تعلق الأمر بحجز مبيدات يتم إدخالها إلى بلادنا عن طريق التهريب وليست مرسمة بقائمة المبيدات المعتمدة أو بالنسبة للتجاوزات المسجلة في نقاط البيع بالتفصيل.

فيما يعتبر عدم وجود قانون منظم لاستعمال الأسمدة في تونس سببا آخر يجعل الخوض في متعلقاته مسألة غير ممكن.

خبير دولي في المبيدات الزراعية لـ"الصباح": وجود مخاطر من استعمال بعض المبيدات

 اعتبر عزالدين العليمي، مهندس ومستشار فلاحي وخبير دولي في المبيدات الزراعية، في حديثه لـ"الصباح"، أن معضلة بلادنا في هذا الجانب أن مثل أغلب البلدان العربية لا تصنع ولا تركب المبيدات ومنشطات النمو الطبيعي للنباتات باستثناء مصر والأردن، وهو ما جعل بلادنا، وفق تقديره، تضع قوانين منظمة للعملية. ويعتبر أن القوانين المعتمدة في الغرض في تونس شبيهة بالقوانين المعتمدة في فرنسا بل تعد أكثر تطورا من فرنسا وأوروبا، حسب تأكيده وأضاف قائلا: "مخابر التحاليل الكيميائية في تونس تعمل بمقاييس عالمية ومشهود بدقة نتائجها وتميزها عالميا ولكن لا ينكر أحد أن الفساد قد تسرب إلى هذا المجال وأن هناك 1% من المواد الممنوعة يتم تقديمها كسماد نظرا لأن السماد غير مقنن في بلادنا إلى حد الآن".

وهو يؤكد أنه ليس هناك مبيدات تباع في تونس دون أن تكون مرخص لها باستثناء بعض الحالات التي يضعها في خانة السرقة ويتم إدخالها إلى بلادنا ومن ثمة إلى مجالات الاستعمال الفلاحي كسماد. موضحا أن هناك حوالي 4 ملايين وصنف من المبيدات المستعملة.

ولا ينكر المهندس الفلاحي والخبير الدولي في المجال أن للمبيدات تأثيرات سلبية ملثما لها تأثيرات إيجابية واستشهد في ذلك بمنع استعمال مبيد "الكلور" الذي يتم اعتماده للبرتقال مثلا بعد اكتشاف مدى خطورته أي أنه مسرطن وله تأثير على الجنين أيضا. كما يرجع سبب وجود مخاطر من استعمال بعض المبيدات على حياة الإنسان والكائنات الحية والنباتات ككل إلى إقبال بعض الجهات على تقليد عدة أنواع من الأدوية والمواد الكيميائية والقارات دون التزام بالشروط الصحية الأمر الذي يلاقي رواجا في سوق المبيدات في العالم. وهو ما تسبب في أزمة البرتقال الذي تم إرجاعه إلى تونس بعد سحبه من الأسواق الفرنسية المصدرة لها في العام الماضي.

وفيما يتعلق بتخوف المستهلك مما يروج له البعض حول استعمال بعض المواد التي تشكل خطورة على صحة الإنسان للتحكم في حجم بعض أنواع الخضر والغلال وتأثير ذلك على سوق الاستهلاك في بلادنا أضاف محدثنا موضحا: "المبيدات الزراعية في بلادنا مراقبة بنسبة 100 % على خلاف بعض البلدان التي تجل حالات تسمم وتجاوزات كثيرة في هذا الجانب، في حين في أسبانيا مثلا هناك 28 % من نسب التجاوز في التحاليل الخاصة بالأسمدة، ولا خوف من التسمم من المبيدات المعتمدة في بلادنا ولكن المواد التي يتم اعتمادها لتكبير حجم بعض المنتجات الزراعية من الغلال والخضر لا تشكل خطورة لأنه يتم اعتماد "البوتاس potasse".

في جانب آخر أفاد عزالدين العليمي أن هناك بعض الأنواع من المبيدات التي تواصل استعمالها في بلادنا في حين تم منعها في أوروبا لأنه يقضي على عدة أنواع من النباتات والحشرات النافعة والضارة، على غرار "ديميتواط" الذي يعتمد في الخوخ والبرتقال وغيرها من الغلال الأخرى.

وندد المهندس الفلاحي والخبير الفلاحي الدولي بغياب الوعي في أوساط الفلاحين بكل متعلقات المبيدات وطرق تحضيرها واستعمالها وحمل في ذلك المسؤولية إلى الجهات المعنية في وضع آليات مراقبة واسعة وشاملة، على اعتبار أن الفلاح اليوم في حاجة إلى مزيد الترشيد والتوعية ليكون ملما ومتابعا لكل التطورات العلمية في الغرض فضلا عن حسن تعاطيه مع الأواني والأدوات التي يتم استعمالها في الغرض حتى لا تشكل بؤرة خطر أخرى على المزارع والحيوانات بمرور الوقت، خاصة أن عدم خضوع الأسمدة بعد إلى قوانين منظمة لها من شأنه أن يكون مدخلا للفساد وإلحاق أضرار ومخاطر تشمل الإنسان والحيوان والنباتات على حد السواء. 

 طبيب بيطري وفلاح لـ"الصباح": ضرورة القيام بالتحاليل الجرثومية اللازمة

لم يخف كريم داود، طبيب بيطري وفلاح، مدى خطورة المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي على الحيوانات ومن ثمة على حياة وصحة الإنسان خاصة فيما يتعلق بالحيوانات التي لها علاقة استهلاك الإنسان وغذائه كالأبقار والأغنام والأرانب والدجاج وغيرها أو تلك التي تعيش في محيطه كالقطط والكلاب. وأوضح ذلك قائلا: "عدم التزام البعض بفترة الأمان المحددة بعد استعمال الحيوانات للأدوية والتلاقيح لذبحها أو بيع الحليب والبيض واللحوم يشكل أكبر خطر على صحة وحياة الإنسان، لأن ترسبات تلك المبيدات تمر إلى الجسم عبر استهلاك الحليب واللحوم بسهولة. كما هو الشأن بالنسبة لاستهلاك الحيوانات للأعشاب عن طريق الرعي أو غيره بعد مداواته دن الالتزام فترة الأمان كلها عوامل على غاية من الخطورة، ومن موقعي المهني كطبيب بيطري أعتبر هذا العامل من بين أكثر الأخطار الشائعة في الأوساط الفلاحية نظرا لخطورة هذه المبيدات بجميع أنواعها رغم تفاوت درجات السمية من ناحية وتأثير ترسباتها المتراكمة بمرور الوقت".

كما يشدد كريم داود على ضرورة القيام بالتحاليل الجرثومية اللازمة في مراكز تجميع الحليب للوقوف على مدى خطورة استعمال المبيدات على صحة المستهلك بالأساس. لأن قانون الصحة البطيرية لا يختلف عن قانون الصحة البشرية في تعاطيه مع مثل هذه المسائل، وفق تقديره.  ويرى داود أن حضور البيطري في القطاع الفلاحي بشكل عام وتشريكه في عملية التوعية والتحسيس في مختلف المجالات الفلاحية لاسيما ما يتعلق منها باستعمال المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي، تعد مسألة على غاية من الأهمية اليوم لربح الكثير من الجهد وحماية الثروة الحيوانية والبيئية وصحة الإنسان بشكل خاص. لأنه يعتبر غياب الوعي الشامل للفلاح حول هذه المبيدات بجميع أنواعها يشكل معضلة كبرى في القطاع الفلاحي اليوم وساهم في ارتفاع أسعار وكلفة النشاط في القطاع في تأزيم الوضع فيها.

ولا ينكر البيطري والفلاح، أيضا ظاهرة الاستعمال الفوضوي للأدوية والمبيدات وعدم الرجوع إلى استشارة المعنيين بالأمر لتحديد مدى خطورة ورواسب كل نوع خاص بمجال زراعي معين ليتم استعماله في زراعات أخرى في ظل غياب آليات رقابة واسعة. وهو يعتبر المرحلة مناسبة لمراجعة المنظومة المنظمة للعملية ومراجعة أيضا آليات الرقابة والإرشاد والتوعية لضمان أرضية فلاحية كفيلة بالتشجيع على الإنتاج النوعي والصحي.

 رئيسة جمعية أصدقاء الطيور لـ"الصباح": استعمال مبيدات محظورة يؤدي إلى انقراض الطيور والحيوان والنبات

وأطلقت جمعية "أصدقاء الطيور" في تونس صيحة فزع، مثلما أكدته رئيستها كلاوديا  فيلتراب  لـ"الصباح"، مفادها التداعيات الكارثية لاستعمال الأدوية أو المواد الكميائية والمبيدات الحشرية وغيرها على الحيوان والطيور إلى حد أن بعضها أصبح مهددا بالانقراض، واعتبرت أن المبيدات المحظورة في أوروبا والتي يتواصل استعمالها في تونس اليوم تشكل خطرا حقيقيا على وجود عدة أنواع من الطيور في بلادنا. وأضافت قائلة: "سبخة سيدي حسين السيجومي في العاصمة تسجل سنويا إقبال آلاف من الطيور المهاجرة ولكن الاستعمال المفرط وأحيانا العشوائي لبعض المبيدات الحشرية أدى إلى القضاء على أعداد كبيرة من هذه الطيور، ورغم مناشدة الجهات الرسمية للبحث عن حلول أخرى تجنب تسمم آلاف من الطيور لكن دون إجابة". 

ويذكر أن جمعية أصدقاء الطور ما انفكت في السنوات الأخيرة تصدر بيانات تندد فيها باستعمال مبيدات حشرية محظورة في أوروبا، تشكل خطرا كبيرا يهدد الصحة والتنوع البيولوجي وتسببها في انقراض عدة أنواع من النباتات والحيوانات.

وبينت أن شركات توريد المبيدات تروج ما يقارب 215 نوعا من المبيدات في أسواقنا تحت 493 علامة تجارية دون تحديد مخاطرها، من بينها مبيدات حشرية ذات استعمالات فلاحية يحظر استعمالها في الاتحاد الأوروبي منها مبيد "السياناميد" الخطير للغاية على صحة الإنسان والمحيط. وتعبر أن الكمية المستعملة في تونس من هذه المواد الكيميائية هي 3 أضعاف الكمية التي يسمح باستعمالها في أوروبا.

كما أفادت محدثتنا أن الجمعية التي ترأسها تقدمت بمشروع اشتغلت عليه بالشراكة مع جهات فرنسية يتمثل في اعتماد مبيدات أو أدوية أو مبيدات ليست ذات تأثير سلبي على المحيط أو صحة الإنسان والحيوان معتبرة أهمية هذا المشروع ولكنها تعتبر تعميمه على كامل جهات الجمهورية يتطلب ميزانية ضخمة.

 رئيس نقابة الفلاحين لـ"الصباح": ضرورة الرقابة الصارمة وفتح مخابر البحث وتعميمها على الجهات

اعتبر الضاوي الميداني، رئيس النقابة الفلاحين، أن  نسبة كبيرة من الفلاحين في تونس اليوم ليس لهم دراية واسعة أو شاملة بانعكاسات استعمال المبيدات ذات الاستعمال الفلاحي على الصحة والبيئة  والحيوان. مؤكدا أن غياب الوعي أيضا شكل أحد العوامل التي حولت تلك المبيدات واستعمالها الخاطئ، مصدر خطر ليس على مستعملها فقط بل تتعداه لتؤثر على المحاصيل الفلاحية وأرجع ذلك إلى غياب الوعي وعدم وجود حلقة ترشيد وتوعية لازمة. وفسر ذلك بقوله: "بلادنا يفترض أن تكون فلاحية بالأساس وهذا يتطلب منظومة متكاملة وآليات عمل وإدارة وتكوين وتوعية ورقابة وإحاطة واسعة حسب الاختصاصات الفلاحية الواسعة التي تميز بلادنا من شمالها إلى جنوبها ومن جهة لأخرى لكن للأسف الوضع مختلفا. فباستثناء بعض المبادرات الفردية أغلب الفلاحين يتخبطون في "العشوائية". وطالب رئيس نقابة الفلاحين الجهات الرسمية بضرورة تفعيل مخابر البحث العلمي وفتح المجال للكفاءات التونسية المختصة في مختلف الاختصاصات العلمية الفلاحية للمساهمة في تطوير حلقات العمل والإنتاج بما يوسع من دائرة التصدير ويساهم في تعديل الأسعار والقضاء على ظاهرة الارتفاع المشط في الأسعار.