إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

غياب أبسط المرافق الحياتية تعمق عسر الحياة: أولاد خليفة –سبيطلة.. عنوان للعزلة والعطش

 

القصرين- الصباح

العزلة وغياب المرافق الأساسية لحياة كريمة وعسر سبل العيش على أرض الخيرات والمياه العذبة هي مفارقة ومعادلة تعيش على وقعها عدة مناطق جبلية وأرياف بولاية القصرين على غرار منطقة أولاد خليفة الجبليّة من عمادة المزارة التابعة لمعتمدية سبيطلة والتي تختزل صورة حياة المواطن والمناطق" الهامش" بهذه البلاد والتي لا تزال على بعد أميال من السنوات من الحقوق التي تكفلها دساتير العالم والكون في الحق في حياة كريمة معنونة في الماء الصالح للشرب وتوفير مرافق حياتية تهون على المتساكنين ضنك العيش ومره والتي تنتظر الارادة والتدخل الجذري من هياكل الدولة بالجهة لبعث الأمل في النفوس بمستقبل ربما يكسر وحشة سنين الضيم .

الماء الصالح للشرب حلم طال انتظاره

الصورة بمنطقة أولاد خليفة تعكس تماما حجم معاناة المواطنين بتتالي الأجيال دون أن يطرأ أي تغير في الصورة منذ سنوات خلت لما يناهز 1400 نسمة ، فغياب أغلب المرافق الأساسية لحياة كريمة عمقت معاناة المتساكنين الذين لازالوا متشبثين بالأرض والبقاء رغم كل الصعوبات ورغم عديد التحركات ومناجاة السلط الجهوية، إلا أن الحال يبقى كما هو لتبقى المنطقة في عزلة دون طريق ولا وسائل نقل ولا مستوصف لتقريب الخدمات الصحية اليهم والمطلب الاهم هو الحق في الماء الصالح للشرب الحلم الذي يصارعون من أجله .

ويتحدث المواطن والناشط بالمجتمع المدني أصيل المنطقة توفيق الخليفي لـ"الصباح" بمرارة عمّا فعلته بهم سنين الضمأ والضيم ، إذ أكد أن أهالي منطقة أولاد خليفة يلتجئون الى "ماجل " بالمنطقة ممتلئ بمياه الأمطار والأودية للحصول على مياه الشرب وغيرها من الاستعمالات اليومية، أو يعتمدون على مواجل صغيرة تمتلئ ان شاءت رحمة الله وانهمر ماء السماء . وان انقطعت حلول السماء يضطرون الى التزود بالماء عن طريق شراء صهاريج وملئ مواجلهم بأثمان باهظة مقارنة بمقدرتهم الشرائية وأوضاعهم الاجتماعية حيث يصل ثمن صهريج الماء الى 40 دينارا وهو ما أثقل كاهلهم بمصاريف لا طاقة لاغلبهم عليها، وفق قوله . مضيفا أن من لا يملك هذا الثمن يضطر الى شراء صهريج ماء بـ20 دينارا من منطقة "القرعة" المتاخمة لمعتمدية "السبالة" من ولاية سيدي بوزيد والتي تبعد حوالي 20 كيلومترا عن منطقة المزارة والتي تتميز بملوحة عالية أثرت على صحة المواطنين وتسببت لهم في عدة أمراض مزمنة على غرار قصور في الكلى واللجوء الى التصفية وارتفاع ضغط الدم والسّكري ، في المقابل تعتبر معتمدية سبيطلة عاصمة المياه العذبة والتي تتزود منها ولايات أخرى من الجمهورية فيما تموت عدد من مناطقها وأريافها عطشا .

محدثنا أشار كذلك الى أن السلطات الجهوية قد وعدت بحفر بئر عميقة في منطقتهم بتكلفة الحفرة والكهربة قدرت بـ282 الف دينار ، ليتفاجأوا بحفر هذه البئر بمنطقة الغرادق المحاذية لهم منذ سنة 2021 والتي تبعد 15 كلم عن منطقتهم ولكن دون أن تتم تهيئتها وتجهيزها بالضغط العالي واستغلالها الى غاية اليوم ، متسائلا عن جدية السلط الجهوية في تفعيل المشروع ومدى الصدق في وعود تزويد هذه المناطق بالماء الصالح للشرب وترك سكانها يتخبّطون في العطش الذي أصاب الزراعات والمواشي التي تعتبر مورد رزقهم الوحيد، وفق تعبيره .

كما تساءل عن أسباب عدم المضي نحو استكمال هذه البئر رغم مرور كل هذه المدة الزمنية على حفرها ورغم توفر الموارد المرصودة لها وتفاعل شركة السيرغاز في التكفل بالجزء الاكبر من تكلفة هذا المشروع بما يفتح المجال لشكوك عديدة باهدار المال العام، وفق قوله . كما تحدث الخليفي عن ما نحتته سنون القحط والجفاف وصعوبة التزود بمياه الشرب أو الري على النفوس وعلى خصوبة الاراضي واتلاف مساحات هامة من الأشجار والزياتين ما أجبر الكثير من الأهالي على هجرة المنطقة قسرا والهروب من جحيم عيشة ضنكة والنزوح الى المدن او المناطق الساحلية للبحث عن عمل وفرص حياة افضل لهم ولأبنائهم .

كما تحدث عن مقترح تقدم به الأهالي الى السلط الجهوية بإنشاء بحيرة جبلية في منطقة أولاد خليفة ذات مد جغرافي شاسع ومترامية الاطراف ليستفيد منها أهاليهم في مجال فلاحتهم واستغلال أراضيهم القادرة على انتاج مختلف المنتوجات الفلاحية وتخفف الأعباء عليهم خاصة أن جل اراضيهم الشاسعة تتسم بالخصوبة وذات جودة عالية وبالتالي العيش من اراضيهم والحد من نزيف هجرة المتساكنين وتجنب اهدار ثروة مائية بالمنطقة واستغلال مقدرات أراضيهم وحفظ كرامة الأهالي، وفق تعبيره .

منطقة معزولة .. وانقطاعات عن الدراسة

"القدر والجغرافيا ساهما في عزلة منطقتنا وظلمها" يقول توفيق الخليفي فبسبب طبيعتها الجبلية وتضاريسها الوعرة وحالة الطريق المتردية (مسلك فلاحي) الى جانب عدم توفير نقل للمواطنين أو النقل التلمذي لأطفال منطقة "أولاد خليفة"، انقطع عدد كبير من التلاميذ عن الدراسة خاصة الذين يزاولون تعليمهم بالمدارس الابتدائية ولا يزال نزيف التسرب المدرسي متواصل الى اليوم ، مفيدا أن المنطقة أصبحت نموذجا للانقطاع المدرسي في سن مبكرة خاصة أن أقرب مدرسة من أطفالهم توجد بمنطقة المزارة التي تبعد عنهم مسافة 8 كيلومترات، وينتقل اليها التلاميذ بأجسام هشة متعبة من قطع هذه المسافات بشكل يومي بشقّ الأنفس ووسط مخاطر محدقة بهم من سيول الاودية والانجرافات والحيوانات المفترسة وسيارات التهريب، الى جانب بعد المؤسسات التربوية الاعدادية والثانوية عن المنطقة لمسافات تتراوح بين 15 الى 25 كلم بعمادة المزارة أو سبيطلة المدينة .

وهذا الحال والى جانب ما نتج عن سياسات التهميش من فوارق اجتماعية ووضعيات هشة لاغلب الدواوير والعائلات والتضاريس الوعرة والتعب البدني والنفسي المسلط على أجسام اطفالهم الصغار دفع العديد من التلاميذ الى الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة ومواجهة مستقبل مظلم مفتوح على ظواهر ومخاطر محدقة بهم من كل صوب في رقعة جغرافية ممنوعة من الحلم وفق توصيفه .

متحدثا عن قيامهم بمنع أطفالهم في بعض المواسم الدراسية من الالتحاق بمقاعد الدراسة كخطوة احتجاجية على عدم توفير النقل المدرسي فتعرض شخصه الى شكاية من نائب بمجلس نواب الشعب عن جهة القصرين الى القضاء، ورغم ذلك تم توفير حافلة لنقل التلاميذ لمدة موسم دراسي واحد (2019_2020) لتقرر بعدها الشركة الجهوية للنقل بالقصرين ايقاف عملية نقل التلاميذ بتعلّة عدم توفر العدد اللازم من التلاميذ الذي يمكّن من تسخير حافلة لنقلهم.

ساردا مآسي العائلات والاولياء والصراع من أجل تدريس أطفالهم حيث يضطر الأولياء الى استئجار سيارة خاصة لنقل أبنائهم الى المؤسسات التربوية الابتدائية أو الإعدادية على حسابهم الخاص وسط ظروف نقل مهينة لا تليق بالطفولة ولا تحترم أدنى مظاهر حقوق الإنسان وفق قوله .

ويوجد بمنطقة أولاد خليفة أكثر من 500 تلميذ بمختلف المستويات ما دفع الأولياء الى المطالبة ببناء مدرسة ابتدائية بالجهة تكون قريبة من المنطقة وتوفر عليهم وعلى أطفالهم مشقة التّنقل الى المؤسسات البعيدة عنهم للدراسة وتحفظ لهم الحق في التعليم.

المرأة ملح الأرض وأساس الحياة رغم عمق المعاناة

في منطقة أولاد خليفة ذات التضاريس الوعرة والأرض القاحلة والحياة الصعبة الا أنها المرأة تأبى إلا أن تكون الرمز في العطاء والتضحية والصراع من أجل البقاء وان كلت سواعد الرجال تبقى الأيادي المخضبة بالدماء وسنون الشقاء صامدة مهما عبست الحياة . فالنساء يعملن دون كلل أو ملل ومهما تغيرت الفصول ومتى توفرت الفرص سواء بالمناطق المجاورة بالجهة أو المناطق المتاخمة لولايات مجاورة بالحقول والمزارع او اقتلاع الحلفاء وتحت غياب أي حقوق أو حمايتهن وبأجور زهيدة من أجل اعالة أزوجهن وعائلاتهن .

وبكف مخضب بجراح الشقاء والكد والصبر تقول المواطنة فجرة الخليفي لـ" الصباح" أن حياتهن صعبة جداً والظروف الاجتماعية لأغلب العائلات هشة تدفع أغلب نسوة المنطقة الى العمل في المجال الفلاحي والمزارع أو اقتلاع الحلفاء سواء في المناطق المحاذية لهم أو على اعتاب ابواب ولايات أخرى قريبة من منطقتهم على غرار سيدي بوزيد ، حيث يذهبن منذ السادسة صباحا في فصل الشتاء أو منذ الثالثة والنصف صباحا في مواسم الصيف للحاق باكرا بالعمل مقابل بضع دنانير لا تتجاوز سقف 13 د يوميا ولكن أفضل من أن يبقين دون تحريك ساكن أمام أوضاع عائلاتهن الصعبة ولتوفير قوت أطفالهن ومقارعة الخصاصة والتجويع دون أن يكون لهن نصيب من الراحة والهناء وفق قولها، مبينة كذلك صعوبة التزود بالمياه الذي يكون في غالب الاحيان من سيول الامطار خاصة مع توقف حلم حفر البئر وتناسيه من قبل السلط الجهوية وتركهم يقارعون لوحدهم حر الصيف وبرد الشتاء وضمأ الصيام منذ ان وطئت أقدامهم هذه الأرض دون رحمة أو شفقة من مسؤولي البلاد.

وطالب المتساكنون بتوفير دعم لنساء منطقتهم اللاتي تدفعهن ظروف عائلاتهن القاهرة الى العمل بأبخس الاثمان بولايات مجاورة والتعرض للاستغلال الاقتصادي ودعوة المندوبية الجهوية للمرأة والاسرة والطفولة بالجهة الى الاحاطة بهن وتطبيق برنامج دعم المرأة الريفية وتمكينهن من مشاريع صغرى توفر لهن موارد رزق وتضمن لهن كرامتهن بين عائلاتهن.

غياب المرافق الحياتية الأساسية ونداء الى منظمة حقوق الإنسان لزيارة المنطقة

وقد توجه متساكنو منطقة اولاد خليفة بنداء الى السلطات الوطنية والجهوية ونوّاب الجهة ومنظمة حقوق الانسان من أجل لفتة جدية الى المنطقة واتخاذ اجراءات عاجلة لمعالجة ماتعانيه المنطقة من غياب لأغلب المرافق الحياتية على غرار الاسراع بايجاد حل جذري للبئر المزمع حفرها لتزويد المنطقة بمياه الشرب لتجاوز المشاكل الناتجة عن استعمال مياه غير نظيفة أو ذات ملوحة والامراض الناجمة عنها الى جانب ضرورة احداث مؤسسات عمومية بالمنطقة على غرار تركيز مستوصف يقرّب الخدمات الصحية للمواطن اذ أن أقرب نقطة صحية يتنقلون اليها لتقلي ابسط الخدمات مركز الصحة الاساسية بالمزارة الذي يبعد عنهم 8 كلم لكن لا تتوفر لديهم وسائل للنقل فيضطرون في الحالات العاجلة الى كراء سيارات بأجرة 20 د للذهاب إلى المستشفى المحلي بسبيطلة أو 50 د أن كانت الوجهة المستشفى الجهوي بالقصرين خاصة عند فصل الصيف حيث تكثر المخاطر بشكل خاص معاناتهم مع الزواحف السامة . كما نادوا بضرورة احداث مدرسة ابتدائية للحد من انقطاعات التلاميذ عن الدراسة في مراحلهم الابتدائية وحرمانهم من أحلام كتب لها ان تقبر منذ ولادة أي طفل قدره العيش في منطقة أولاد خليفة، أو على الاقل عودة النقل التلمذي للعمل اضافة الى تسليم رخص نقل ريفي لعدد من شباب المنطقة لتمكين الأهالي من التنقل الى مدينة سبيطلة أو القصرين المدينة في إطار قانوني لقضاء شؤونهم اليومية عوض تعريض حياتهم للخطر بتنقلهم أفواجا عبر "سيارات الموت" التي لا تتوفر فيها أبسط شروط السلامة .

بالاضافة الى دعوة هياكل الدولة الى الاحاطة بنسوة المنطقة وتوفير برامج التمكين الاقتصادي وغيره من البرامج الموجهة الى المرأة الريفية لدعمها بمشاريع صغرى لخلق موارد رزق تقيهن قدر الشقاء والتعب المتوارث لأجيال متعاقبة وتحريرهن من الاستغلال الاقتصادي المسلط عليهن في العمل في الحقول والمزارع داخل الولاية أو خارجها وحفظ كرامتهن .

                                                    صفوة قرمازي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غياب أبسط المرافق الحياتية تعمق عسر الحياة:   أولاد خليفة –سبيطلة.. عنوان للعزلة والعطش

 

القصرين- الصباح

العزلة وغياب المرافق الأساسية لحياة كريمة وعسر سبل العيش على أرض الخيرات والمياه العذبة هي مفارقة ومعادلة تعيش على وقعها عدة مناطق جبلية وأرياف بولاية القصرين على غرار منطقة أولاد خليفة الجبليّة من عمادة المزارة التابعة لمعتمدية سبيطلة والتي تختزل صورة حياة المواطن والمناطق" الهامش" بهذه البلاد والتي لا تزال على بعد أميال من السنوات من الحقوق التي تكفلها دساتير العالم والكون في الحق في حياة كريمة معنونة في الماء الصالح للشرب وتوفير مرافق حياتية تهون على المتساكنين ضنك العيش ومره والتي تنتظر الارادة والتدخل الجذري من هياكل الدولة بالجهة لبعث الأمل في النفوس بمستقبل ربما يكسر وحشة سنين الضيم .

الماء الصالح للشرب حلم طال انتظاره

الصورة بمنطقة أولاد خليفة تعكس تماما حجم معاناة المواطنين بتتالي الأجيال دون أن يطرأ أي تغير في الصورة منذ سنوات خلت لما يناهز 1400 نسمة ، فغياب أغلب المرافق الأساسية لحياة كريمة عمقت معاناة المتساكنين الذين لازالوا متشبثين بالأرض والبقاء رغم كل الصعوبات ورغم عديد التحركات ومناجاة السلط الجهوية، إلا أن الحال يبقى كما هو لتبقى المنطقة في عزلة دون طريق ولا وسائل نقل ولا مستوصف لتقريب الخدمات الصحية اليهم والمطلب الاهم هو الحق في الماء الصالح للشرب الحلم الذي يصارعون من أجله .

ويتحدث المواطن والناشط بالمجتمع المدني أصيل المنطقة توفيق الخليفي لـ"الصباح" بمرارة عمّا فعلته بهم سنين الضمأ والضيم ، إذ أكد أن أهالي منطقة أولاد خليفة يلتجئون الى "ماجل " بالمنطقة ممتلئ بمياه الأمطار والأودية للحصول على مياه الشرب وغيرها من الاستعمالات اليومية، أو يعتمدون على مواجل صغيرة تمتلئ ان شاءت رحمة الله وانهمر ماء السماء . وان انقطعت حلول السماء يضطرون الى التزود بالماء عن طريق شراء صهاريج وملئ مواجلهم بأثمان باهظة مقارنة بمقدرتهم الشرائية وأوضاعهم الاجتماعية حيث يصل ثمن صهريج الماء الى 40 دينارا وهو ما أثقل كاهلهم بمصاريف لا طاقة لاغلبهم عليها، وفق قوله . مضيفا أن من لا يملك هذا الثمن يضطر الى شراء صهريج ماء بـ20 دينارا من منطقة "القرعة" المتاخمة لمعتمدية "السبالة" من ولاية سيدي بوزيد والتي تبعد حوالي 20 كيلومترا عن منطقة المزارة والتي تتميز بملوحة عالية أثرت على صحة المواطنين وتسببت لهم في عدة أمراض مزمنة على غرار قصور في الكلى واللجوء الى التصفية وارتفاع ضغط الدم والسّكري ، في المقابل تعتبر معتمدية سبيطلة عاصمة المياه العذبة والتي تتزود منها ولايات أخرى من الجمهورية فيما تموت عدد من مناطقها وأريافها عطشا .

محدثنا أشار كذلك الى أن السلطات الجهوية قد وعدت بحفر بئر عميقة في منطقتهم بتكلفة الحفرة والكهربة قدرت بـ282 الف دينار ، ليتفاجأوا بحفر هذه البئر بمنطقة الغرادق المحاذية لهم منذ سنة 2021 والتي تبعد 15 كلم عن منطقتهم ولكن دون أن تتم تهيئتها وتجهيزها بالضغط العالي واستغلالها الى غاية اليوم ، متسائلا عن جدية السلط الجهوية في تفعيل المشروع ومدى الصدق في وعود تزويد هذه المناطق بالماء الصالح للشرب وترك سكانها يتخبّطون في العطش الذي أصاب الزراعات والمواشي التي تعتبر مورد رزقهم الوحيد، وفق تعبيره .

كما تساءل عن أسباب عدم المضي نحو استكمال هذه البئر رغم مرور كل هذه المدة الزمنية على حفرها ورغم توفر الموارد المرصودة لها وتفاعل شركة السيرغاز في التكفل بالجزء الاكبر من تكلفة هذا المشروع بما يفتح المجال لشكوك عديدة باهدار المال العام، وفق قوله . كما تحدث الخليفي عن ما نحتته سنون القحط والجفاف وصعوبة التزود بمياه الشرب أو الري على النفوس وعلى خصوبة الاراضي واتلاف مساحات هامة من الأشجار والزياتين ما أجبر الكثير من الأهالي على هجرة المنطقة قسرا والهروب من جحيم عيشة ضنكة والنزوح الى المدن او المناطق الساحلية للبحث عن عمل وفرص حياة افضل لهم ولأبنائهم .

كما تحدث عن مقترح تقدم به الأهالي الى السلط الجهوية بإنشاء بحيرة جبلية في منطقة أولاد خليفة ذات مد جغرافي شاسع ومترامية الاطراف ليستفيد منها أهاليهم في مجال فلاحتهم واستغلال أراضيهم القادرة على انتاج مختلف المنتوجات الفلاحية وتخفف الأعباء عليهم خاصة أن جل اراضيهم الشاسعة تتسم بالخصوبة وذات جودة عالية وبالتالي العيش من اراضيهم والحد من نزيف هجرة المتساكنين وتجنب اهدار ثروة مائية بالمنطقة واستغلال مقدرات أراضيهم وحفظ كرامة الأهالي، وفق تعبيره .

منطقة معزولة .. وانقطاعات عن الدراسة

"القدر والجغرافيا ساهما في عزلة منطقتنا وظلمها" يقول توفيق الخليفي فبسبب طبيعتها الجبلية وتضاريسها الوعرة وحالة الطريق المتردية (مسلك فلاحي) الى جانب عدم توفير نقل للمواطنين أو النقل التلمذي لأطفال منطقة "أولاد خليفة"، انقطع عدد كبير من التلاميذ عن الدراسة خاصة الذين يزاولون تعليمهم بالمدارس الابتدائية ولا يزال نزيف التسرب المدرسي متواصل الى اليوم ، مفيدا أن المنطقة أصبحت نموذجا للانقطاع المدرسي في سن مبكرة خاصة أن أقرب مدرسة من أطفالهم توجد بمنطقة المزارة التي تبعد عنهم مسافة 8 كيلومترات، وينتقل اليها التلاميذ بأجسام هشة متعبة من قطع هذه المسافات بشكل يومي بشقّ الأنفس ووسط مخاطر محدقة بهم من سيول الاودية والانجرافات والحيوانات المفترسة وسيارات التهريب، الى جانب بعد المؤسسات التربوية الاعدادية والثانوية عن المنطقة لمسافات تتراوح بين 15 الى 25 كلم بعمادة المزارة أو سبيطلة المدينة .

وهذا الحال والى جانب ما نتج عن سياسات التهميش من فوارق اجتماعية ووضعيات هشة لاغلب الدواوير والعائلات والتضاريس الوعرة والتعب البدني والنفسي المسلط على أجسام اطفالهم الصغار دفع العديد من التلاميذ الى الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة ومواجهة مستقبل مظلم مفتوح على ظواهر ومخاطر محدقة بهم من كل صوب في رقعة جغرافية ممنوعة من الحلم وفق توصيفه .

متحدثا عن قيامهم بمنع أطفالهم في بعض المواسم الدراسية من الالتحاق بمقاعد الدراسة كخطوة احتجاجية على عدم توفير النقل المدرسي فتعرض شخصه الى شكاية من نائب بمجلس نواب الشعب عن جهة القصرين الى القضاء، ورغم ذلك تم توفير حافلة لنقل التلاميذ لمدة موسم دراسي واحد (2019_2020) لتقرر بعدها الشركة الجهوية للنقل بالقصرين ايقاف عملية نقل التلاميذ بتعلّة عدم توفر العدد اللازم من التلاميذ الذي يمكّن من تسخير حافلة لنقلهم.

ساردا مآسي العائلات والاولياء والصراع من أجل تدريس أطفالهم حيث يضطر الأولياء الى استئجار سيارة خاصة لنقل أبنائهم الى المؤسسات التربوية الابتدائية أو الإعدادية على حسابهم الخاص وسط ظروف نقل مهينة لا تليق بالطفولة ولا تحترم أدنى مظاهر حقوق الإنسان وفق قوله .

ويوجد بمنطقة أولاد خليفة أكثر من 500 تلميذ بمختلف المستويات ما دفع الأولياء الى المطالبة ببناء مدرسة ابتدائية بالجهة تكون قريبة من المنطقة وتوفر عليهم وعلى أطفالهم مشقة التّنقل الى المؤسسات البعيدة عنهم للدراسة وتحفظ لهم الحق في التعليم.

المرأة ملح الأرض وأساس الحياة رغم عمق المعاناة

في منطقة أولاد خليفة ذات التضاريس الوعرة والأرض القاحلة والحياة الصعبة الا أنها المرأة تأبى إلا أن تكون الرمز في العطاء والتضحية والصراع من أجل البقاء وان كلت سواعد الرجال تبقى الأيادي المخضبة بالدماء وسنون الشقاء صامدة مهما عبست الحياة . فالنساء يعملن دون كلل أو ملل ومهما تغيرت الفصول ومتى توفرت الفرص سواء بالمناطق المجاورة بالجهة أو المناطق المتاخمة لولايات مجاورة بالحقول والمزارع او اقتلاع الحلفاء وتحت غياب أي حقوق أو حمايتهن وبأجور زهيدة من أجل اعالة أزوجهن وعائلاتهن .

وبكف مخضب بجراح الشقاء والكد والصبر تقول المواطنة فجرة الخليفي لـ" الصباح" أن حياتهن صعبة جداً والظروف الاجتماعية لأغلب العائلات هشة تدفع أغلب نسوة المنطقة الى العمل في المجال الفلاحي والمزارع أو اقتلاع الحلفاء سواء في المناطق المحاذية لهم أو على اعتاب ابواب ولايات أخرى قريبة من منطقتهم على غرار سيدي بوزيد ، حيث يذهبن منذ السادسة صباحا في فصل الشتاء أو منذ الثالثة والنصف صباحا في مواسم الصيف للحاق باكرا بالعمل مقابل بضع دنانير لا تتجاوز سقف 13 د يوميا ولكن أفضل من أن يبقين دون تحريك ساكن أمام أوضاع عائلاتهن الصعبة ولتوفير قوت أطفالهن ومقارعة الخصاصة والتجويع دون أن يكون لهن نصيب من الراحة والهناء وفق قولها، مبينة كذلك صعوبة التزود بالمياه الذي يكون في غالب الاحيان من سيول الامطار خاصة مع توقف حلم حفر البئر وتناسيه من قبل السلط الجهوية وتركهم يقارعون لوحدهم حر الصيف وبرد الشتاء وضمأ الصيام منذ ان وطئت أقدامهم هذه الأرض دون رحمة أو شفقة من مسؤولي البلاد.

وطالب المتساكنون بتوفير دعم لنساء منطقتهم اللاتي تدفعهن ظروف عائلاتهن القاهرة الى العمل بأبخس الاثمان بولايات مجاورة والتعرض للاستغلال الاقتصادي ودعوة المندوبية الجهوية للمرأة والاسرة والطفولة بالجهة الى الاحاطة بهن وتطبيق برنامج دعم المرأة الريفية وتمكينهن من مشاريع صغرى توفر لهن موارد رزق وتضمن لهن كرامتهن بين عائلاتهن.

غياب المرافق الحياتية الأساسية ونداء الى منظمة حقوق الإنسان لزيارة المنطقة

وقد توجه متساكنو منطقة اولاد خليفة بنداء الى السلطات الوطنية والجهوية ونوّاب الجهة ومنظمة حقوق الانسان من أجل لفتة جدية الى المنطقة واتخاذ اجراءات عاجلة لمعالجة ماتعانيه المنطقة من غياب لأغلب المرافق الحياتية على غرار الاسراع بايجاد حل جذري للبئر المزمع حفرها لتزويد المنطقة بمياه الشرب لتجاوز المشاكل الناتجة عن استعمال مياه غير نظيفة أو ذات ملوحة والامراض الناجمة عنها الى جانب ضرورة احداث مؤسسات عمومية بالمنطقة على غرار تركيز مستوصف يقرّب الخدمات الصحية للمواطن اذ أن أقرب نقطة صحية يتنقلون اليها لتقلي ابسط الخدمات مركز الصحة الاساسية بالمزارة الذي يبعد عنهم 8 كلم لكن لا تتوفر لديهم وسائل للنقل فيضطرون في الحالات العاجلة الى كراء سيارات بأجرة 20 د للذهاب إلى المستشفى المحلي بسبيطلة أو 50 د أن كانت الوجهة المستشفى الجهوي بالقصرين خاصة عند فصل الصيف حيث تكثر المخاطر بشكل خاص معاناتهم مع الزواحف السامة . كما نادوا بضرورة احداث مدرسة ابتدائية للحد من انقطاعات التلاميذ عن الدراسة في مراحلهم الابتدائية وحرمانهم من أحلام كتب لها ان تقبر منذ ولادة أي طفل قدره العيش في منطقة أولاد خليفة، أو على الاقل عودة النقل التلمذي للعمل اضافة الى تسليم رخص نقل ريفي لعدد من شباب المنطقة لتمكين الأهالي من التنقل الى مدينة سبيطلة أو القصرين المدينة في إطار قانوني لقضاء شؤونهم اليومية عوض تعريض حياتهم للخطر بتنقلهم أفواجا عبر "سيارات الموت" التي لا تتوفر فيها أبسط شروط السلامة .

بالاضافة الى دعوة هياكل الدولة الى الاحاطة بنسوة المنطقة وتوفير برامج التمكين الاقتصادي وغيره من البرامج الموجهة الى المرأة الريفية لدعمها بمشاريع صغرى لخلق موارد رزق تقيهن قدر الشقاء والتعب المتوارث لأجيال متعاقبة وتحريرهن من الاستغلال الاقتصادي المسلط عليهن في العمل في الحقول والمزارع داخل الولاية أو خارجها وحفظ كرامتهن .

                                                    صفوة قرمازي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews