*إن خيار إقامة مخيمات للمهاجرين يعتبر حلا مرحليا للتصرف في العدد الهائل منهم شريطة أن يكون تحت سقف زمني يخلص إلى القطع مع هذا الشكل من التعامل مع المهاجرين
تتواتر المشاهد المصورة الصادمة والمخجلة لاعتداءات وحشية ومعاملات مهينة صادرة عن مواطنين تونسيين على مهاجرين لاجئين من دول جنوب الصحراء، وما يزيد الأمر فظاعة أن بعض الممارسات تتم بحضور الأمن وتحت أنظاره وفي صمت مريب من القضاء ومن أعلى هرم السلطة.
لا يمكن التعامل مع مهاجرين فارين من جحيم الأوضاع في بلدانهم بمثل هذه الرعونة والعنف، ولا يمكن أن يوضع التونسيون بين مطرقة جحافل المهاجرين الوافدين وسندان العنف والكراهية والانحطاط القيمي.
صمت السلطة عما يجري من أحداث عنف سيغذي الكراهية والشعور بالإفلات من العقاب، بل سيكسر كل الحواجز القانونية والأخلاقية، ولكن حذار فالضغط والضيم سيولد حتما الانفجار، حذار من الانسياق وراء أوهام المغامرين الذين يشيطنون المهاجرين ويأخذون بالتصرفات الشاذة لبعضهم ليتخذوها ذريعة لدعوة الناس لمهاجمتهم والتنكيل بهم. حذار ممن يسعى إلى تعفين الأوضاع للظهور لاحقا في صورة الحقوقي الوطني القومي الأممي الذي يقدم حل إقامة المخيمات للمهاجرين بهدف تلميع صورة بالية في الخارج وشحذ أبواق مزمرة في الداخل.
لقد بلغ الوضع في تونس أرذله، وأمسى جمهور المواطنين قطيعا توجهه زمرة فاشلة واهمة ومكابرة هدفها فقط التمكن من السلطة بل إن أقصى طموحها الاستمرار في الحكم.
وقد يتذرع أبواق السلطة وتياستها بمعارضة وعرقلة من هم خارج السلطة لكل حل بما في ذلك إقامة المخيمات ورمي معارضيهم بالسعي إلى تأجيج الأوضاع للتنكيل بالشعب.
غير أن الحقيقة غير ذلك، فالسلطة الحاكمة قد مضت منفردة في إبرام اتفاقية أحادية الجانب مع إيطاليا والاتحاد الأوروبي لمقاومة الهجرة مقابل منافع مادية محدودة ستغنمها السلطة لإنعاش ميزانيتها الخاوية وتوفير النزر القليل من حاجات المواطن الأساسية.
لقد نجح الاتحاد الأوروبي بمقتضى هذه الاتفاقية في نقل مخيمات المهاجرين خارج الفضاء الأوروبي كما نجح في فرض آلية التعامل الإداري عن بعد وبأريحية مع ملفات طلب الهجرة إذ يصبح المهاجر في المخيم في حالة انتظار لقرار الرفض أو القبول كما نجح الاتحاد الأوروبي في إيجاد آلية للتخلص من المهاجرين التونسيين والأفارقة المقيمين بصفة غير شرعية وذلك من خلال ترحيلهم إلى تونس ودعوتهم إلى تقديم طلبات هجرة وانتظار رد دول الاتحاد الأوروبي الذي نجح كذلك بمقتضى هذه الاتفاقية في إرساء صلاحية انتقاء نوعية المهاجرين حتى يضمن سد شغور اليد العاملة الأوروبية بعمالة مختصة رخيصة قادرة على الاندماج وقليلة التكلفة من جهة والحد من الأضرار والعبء المالي والاجتماعي للمهاجرين غير الشرعيين من جهة أخرى.
وحتى نكون عمليين في الحد من انزلاقات الوضع، وحتى لا نرمى بعرقلة كل تصور للحل وبهدف المساهمة الفعالة في إصلاح الشأن العام من منطلق ما نحمله من حب واحترام لهذا الوطن العزيز الذي لن نكون خارجه مهاجرين ولا مهجرين فمن ترابه نحيا وفوقه نموت وقوفا كالنخل الباسق خلفنا زرع طيب ومتجذر.
فإننا نرى أن إقامة مخيمات للمهاجرين في تونس لم يعد خيارا للسلط التونسية فقد نجحت المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي من خلال الضغط والتوجيه على امتداد السنوات الأخيرة في فرضه باقتناص الفرصة المناسبة والمواتية، ولكن هذا الخيار لا يمكن للسلطة في تونس أن تمضي فيه (وقد فعلت) دون أن تتخذ جملة من الإجراءات السيادية والتكتيكية والإستراتيجية بما يدعم مصالحها القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى من ذلك:
*اتخاذ ما يتعين من إجراءات قانونية وأمنية عاجلة لوقف انزلاقات العنف والكراهية.
*إبرام الاتفاقيات اللازمة مع الجزائر وليبيا لتثبيت ثلاثة خطوات أساسية، الأولى: منع توافد المهاجرين عبر البلدين نحو تونس، ثانيا: إعادة المهاجرين الوافدين عبر مسالك توافدهم، ثالثا: اتخاذ وسائل الضغط العالية والكافية لضمان التزام الدول بفحوى الاتفاق.
*إبرام اتفاقيات مع دول الانطلاق من دول جنوب الصحراء لضبط إجراءات ترحيل المهاجرين نحو أوطانهم.
*السماح للمهاجرين العالقين بالتحول بحرا نحو إيطاليا، ويعد هذا الإجراء خطوة رئيسية وسيادية، إما أن تتم باتفاق مع الاتحاد الأوروبي أو بإجراء تونسي أحادي الجانب لضمان حسن إدارة والتصرف في الأعداد المتبقية من المهاجرين.
*الدعوة إلى عقد قمة عاجلة بمشاركة الاتحاد الأوروبي ومنظمات الأمم المتحدة لوضع سقف زمني لضبط آجال وإجراءات ترحيل اللاجئين،آجال وإجراءات ترحيل المهاجرين سواء نحو بلدانهم أو نحو بلدان الاتحاد الأوروبي، مع ضبط آليات الدعم والتكفل اللوجستي الكامل بالمهاجرين داخل المخيمات بما في ذلك آلية النقل والترحيل وبما يكفل حقوقهم الأساسية والإنسانية داخل المخيم.
إن خيار إقامة مخيمات للمهاجرين يعتبر حلا مرحليا للتصرف في العدد الهائل منهم شريطة أن يكون تحت سقف زمني يخلص إلى القطع مع هذا الشكل من التعامل مع المهاجرين من إفريقيا نحو أوروبا وينتهي إلى تركيز أقطاب ومؤسسات تكوينية كبرى في تونس بتمويل من الاتحاد الأوروبي لتحويل المهاجرين من فارين مهمشين إلى يد عاملة مختصة في مختلف المجالات التقنية والخدماتية وعقول قادرة على الإنتاج في مجالات الطب والهندسة تسد حاجة الدول الأوروبية من اليد العاملة وتصلح تهرمها الديمغرافي كما تكون هذه الفئة قادرة على المشاركة في بناء اقتصاديات أوطانها.
نعم يمكن لتونس أن تتجاوز هذه الأزمة وأن تتعامل مع ملف الهجرة بصفة جذرية ووفق رؤى قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، فلا خيار أمامنا إلا بافتكاك المبادرة وجعل وطننا بوابة حقيقية للتكامل المتكافئ والعادل بين الشمال والجنوب.
• ناشط بالمجتمع المدني
بقلم: سامي بنعمر(*)
*إن خيار إقامة مخيمات للمهاجرين يعتبر حلا مرحليا للتصرف في العدد الهائل منهم شريطة أن يكون تحت سقف زمني يخلص إلى القطع مع هذا الشكل من التعامل مع المهاجرين
تتواتر المشاهد المصورة الصادمة والمخجلة لاعتداءات وحشية ومعاملات مهينة صادرة عن مواطنين تونسيين على مهاجرين لاجئين من دول جنوب الصحراء، وما يزيد الأمر فظاعة أن بعض الممارسات تتم بحضور الأمن وتحت أنظاره وفي صمت مريب من القضاء ومن أعلى هرم السلطة.
لا يمكن التعامل مع مهاجرين فارين من جحيم الأوضاع في بلدانهم بمثل هذه الرعونة والعنف، ولا يمكن أن يوضع التونسيون بين مطرقة جحافل المهاجرين الوافدين وسندان العنف والكراهية والانحطاط القيمي.
صمت السلطة عما يجري من أحداث عنف سيغذي الكراهية والشعور بالإفلات من العقاب، بل سيكسر كل الحواجز القانونية والأخلاقية، ولكن حذار فالضغط والضيم سيولد حتما الانفجار، حذار من الانسياق وراء أوهام المغامرين الذين يشيطنون المهاجرين ويأخذون بالتصرفات الشاذة لبعضهم ليتخذوها ذريعة لدعوة الناس لمهاجمتهم والتنكيل بهم. حذار ممن يسعى إلى تعفين الأوضاع للظهور لاحقا في صورة الحقوقي الوطني القومي الأممي الذي يقدم حل إقامة المخيمات للمهاجرين بهدف تلميع صورة بالية في الخارج وشحذ أبواق مزمرة في الداخل.
لقد بلغ الوضع في تونس أرذله، وأمسى جمهور المواطنين قطيعا توجهه زمرة فاشلة واهمة ومكابرة هدفها فقط التمكن من السلطة بل إن أقصى طموحها الاستمرار في الحكم.
وقد يتذرع أبواق السلطة وتياستها بمعارضة وعرقلة من هم خارج السلطة لكل حل بما في ذلك إقامة المخيمات ورمي معارضيهم بالسعي إلى تأجيج الأوضاع للتنكيل بالشعب.
غير أن الحقيقة غير ذلك، فالسلطة الحاكمة قد مضت منفردة في إبرام اتفاقية أحادية الجانب مع إيطاليا والاتحاد الأوروبي لمقاومة الهجرة مقابل منافع مادية محدودة ستغنمها السلطة لإنعاش ميزانيتها الخاوية وتوفير النزر القليل من حاجات المواطن الأساسية.
لقد نجح الاتحاد الأوروبي بمقتضى هذه الاتفاقية في نقل مخيمات المهاجرين خارج الفضاء الأوروبي كما نجح في فرض آلية التعامل الإداري عن بعد وبأريحية مع ملفات طلب الهجرة إذ يصبح المهاجر في المخيم في حالة انتظار لقرار الرفض أو القبول كما نجح الاتحاد الأوروبي في إيجاد آلية للتخلص من المهاجرين التونسيين والأفارقة المقيمين بصفة غير شرعية وذلك من خلال ترحيلهم إلى تونس ودعوتهم إلى تقديم طلبات هجرة وانتظار رد دول الاتحاد الأوروبي الذي نجح كذلك بمقتضى هذه الاتفاقية في إرساء صلاحية انتقاء نوعية المهاجرين حتى يضمن سد شغور اليد العاملة الأوروبية بعمالة مختصة رخيصة قادرة على الاندماج وقليلة التكلفة من جهة والحد من الأضرار والعبء المالي والاجتماعي للمهاجرين غير الشرعيين من جهة أخرى.
وحتى نكون عمليين في الحد من انزلاقات الوضع، وحتى لا نرمى بعرقلة كل تصور للحل وبهدف المساهمة الفعالة في إصلاح الشأن العام من منطلق ما نحمله من حب واحترام لهذا الوطن العزيز الذي لن نكون خارجه مهاجرين ولا مهجرين فمن ترابه نحيا وفوقه نموت وقوفا كالنخل الباسق خلفنا زرع طيب ومتجذر.
فإننا نرى أن إقامة مخيمات للمهاجرين في تونس لم يعد خيارا للسلط التونسية فقد نجحت المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي من خلال الضغط والتوجيه على امتداد السنوات الأخيرة في فرضه باقتناص الفرصة المناسبة والمواتية، ولكن هذا الخيار لا يمكن للسلطة في تونس أن تمضي فيه (وقد فعلت) دون أن تتخذ جملة من الإجراءات السيادية والتكتيكية والإستراتيجية بما يدعم مصالحها القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى من ذلك:
*اتخاذ ما يتعين من إجراءات قانونية وأمنية عاجلة لوقف انزلاقات العنف والكراهية.
*إبرام الاتفاقيات اللازمة مع الجزائر وليبيا لتثبيت ثلاثة خطوات أساسية، الأولى: منع توافد المهاجرين عبر البلدين نحو تونس، ثانيا: إعادة المهاجرين الوافدين عبر مسالك توافدهم، ثالثا: اتخاذ وسائل الضغط العالية والكافية لضمان التزام الدول بفحوى الاتفاق.
*إبرام اتفاقيات مع دول الانطلاق من دول جنوب الصحراء لضبط إجراءات ترحيل المهاجرين نحو أوطانهم.
*السماح للمهاجرين العالقين بالتحول بحرا نحو إيطاليا، ويعد هذا الإجراء خطوة رئيسية وسيادية، إما أن تتم باتفاق مع الاتحاد الأوروبي أو بإجراء تونسي أحادي الجانب لضمان حسن إدارة والتصرف في الأعداد المتبقية من المهاجرين.
*الدعوة إلى عقد قمة عاجلة بمشاركة الاتحاد الأوروبي ومنظمات الأمم المتحدة لوضع سقف زمني لضبط آجال وإجراءات ترحيل اللاجئين،آجال وإجراءات ترحيل المهاجرين سواء نحو بلدانهم أو نحو بلدان الاتحاد الأوروبي، مع ضبط آليات الدعم والتكفل اللوجستي الكامل بالمهاجرين داخل المخيمات بما في ذلك آلية النقل والترحيل وبما يكفل حقوقهم الأساسية والإنسانية داخل المخيم.
إن خيار إقامة مخيمات للمهاجرين يعتبر حلا مرحليا للتصرف في العدد الهائل منهم شريطة أن يكون تحت سقف زمني يخلص إلى القطع مع هذا الشكل من التعامل مع المهاجرين من إفريقيا نحو أوروبا وينتهي إلى تركيز أقطاب ومؤسسات تكوينية كبرى في تونس بتمويل من الاتحاد الأوروبي لتحويل المهاجرين من فارين مهمشين إلى يد عاملة مختصة في مختلف المجالات التقنية والخدماتية وعقول قادرة على الإنتاج في مجالات الطب والهندسة تسد حاجة الدول الأوروبية من اليد العاملة وتصلح تهرمها الديمغرافي كما تكون هذه الفئة قادرة على المشاركة في بناء اقتصاديات أوطانها.
نعم يمكن لتونس أن تتجاوز هذه الأزمة وأن تتعامل مع ملف الهجرة بصفة جذرية ووفق رؤى قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، فلا خيار أمامنا إلا بافتكاك المبادرة وجعل وطننا بوابة حقيقية للتكامل المتكافئ والعادل بين الشمال والجنوب.