إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بنية مهترئة.. لا برامج ولا ميزانيات .. واقع "كارثي" لدور الثقافة

تونس- الصباح

حادت اغلب دور الثقافة منذ ما قبل الثورة إلى اليوم عن القيام بدورها في ترسيخ قيم الثقافة والانفتاح على الآخر وتطوير المجتمع عبر صقل مواهب الناشئة.. فهي الرافعة والمحركة والموجهة والمنظمة لإنتاج وإعادة إنتاج الحياة المادية والفكرية في المجتمع عبر تنمية الفكرة والفكر والإبداع، وأيضا تنمية المجتمع ودفعه نحو خلق واقع أفضل ما يعني حياة أفضل.

ونحن مقبلون اليوم على الموسم الثقافي، مع حلول فصل الصيف ودخول التلاميذ والطلبة في عطلة مطولة ، من المفروض أن تضطلع دور الثقافة بدور محوري وهو احتضان هؤلاء وتأطيرهم من أجل خلق فكر مستنير للناشئين والشباب وزعزعة الفعل الثقافي داخلهم، الا ان هذه المؤسسات، بل فلنقل اغلبها حتى لا نعمم، غائبة لعدة أسباب وهو ما كشفت عنه الشهادات والزيارات الميدانية لمراسلي "الصباح" بعدد من الجهات وهي القيروان ومدنين وسيدي بوزيد وبنزرت، أهمها ضعف الميزانيات، وغياب الكفاءات، تآكل البنية التحتية وعدم توفر التجهيزات ، وخاصة افتقارها للبرامج التي من شأنها جلب الرواد، ومن الواجب هنا أن نشير إلى أن مركزة القرار والتسيير والتمويل وأيضا الأنشطة قد عادت بالوبال على واقع هذه المؤسسات الحيوية ببلادنا.

وضع دور الثقافة محور ملف "الصباح" وفيما يلي أهم الاستنتاجات.

حنان قيراط

القيروان.. برامج خارج السياق ..وافتقار للكفاءات

 

تعاني دور الثقافة في مختلف معتمديات ولاية القيروان من ضعف الإقبال عليها من قبل الشباب الذي يرتاد اليوم المقاهي في كل الأوقات أين يلعب الألعاب الإلكترونية وألعاب الورق.

بيروقراطية و مركزية التسيير في البرمجة الثقافية

وللوقوف على وضع مؤسسات دور الشباب أبرز الناشط بالمجتمع المدني رضوان الفطناسي لـ"الصباح" بالقول أنه من المفروض ان تلعب دور الثقافة دورا بالغ الأهمية من ناحية نشر الوعي الثقافي وفي تكوين شخصية الشباب خاصة الطبقات الهشة والمفقرة ، وهو دور إضطلعت به في فترات معينة بعد الاستقلال خاصة في الأوساط المحلية والبعيدة عن مراكز المدن التي تتطلب حركية ثقافية توعوية استثنائية، الا أنه استدرك قائلا " في السنوات الأخيرة اتسم دور مؤسسات دور الثقافة بنوع من التصحر الثقافي بالرغم من انتشارها على كامل المناطق وفي مراكز المعتمديات ولكنها عجزت عن استقطاب الفئات المعنية وخاصة الشبابية النشيطة مقارنة بالهياكل التنظيمية الثقافية الوقتية مثل المهرجانات والأيام الثقافية، حيث انجذبت الفئات الاجتماعية حتى للوحدات الثقافية المتنقلة ولمسرح الشوارع وللحفلات غير المبرمجة أكثر من دور الثقافة القارة ببرامجها ومنشطيها والتي عجزت عن تقديم الحلول خاصة في مرحلة التجاذب الايديولوجي والديني وانتشار الفكر السلفي العنيف في فترة ما يسمى ثورة الحرية والكرامة التي انعدمت فيها تماما الأنشطة والحوارات الثقافية العميقة بالتوازي مع الحركية الاجتماعية.

وطالب المتحدث بحتمية البحث عن تشخيص دقيق لمعضلة العزوف عن ارتياد دور الثقافة من أجل رسم برنامج إصلاحي، خاصة و أن القطيعة بين دور الثقافة وأفراد المجتمع هي نتيجة البيروقراطية ومركزية التسيير والبرمجة الثقافية التي أفرزت برامج ثقافية وتنشيطية بعيدة كل البعد عن الواقع وغير مرغوب فيها.

غياب الكفاءات

واضاف المهتم بالشأن الثقافي رضوان الفطناسي بأن دور الثقافة في معتمديات ولاية القيروان تفتقر الى كفاءات تنشيطية متخصصة وقادرة على التأثير الإيجابي وجذب كل الفئات خاصة التلاميذ والطلبة، لذلك أكد المتحدث على ضرورة تعزيز هذه المؤسسات بكوادر محترفة قادرة على التنشيط المتميز، مشددا على وجود ارتجالية مفرطة في تركيز النوادي الثقافية الاختيارية والقارة في دور الثقافة التي يمكن ان تنشط بصفة متواصلة حتى خارج المناسبات والمواسم الثقافية والصيفية. كما أكد الفطناسي ان هذه الهياكل الثقافية الثابتة التابعة هيكليا لوزارة الثقافية تعمل بصفة منعزلة ومنغلقة بعيدا عن التشبيك والشراكة والتوأمة المفيدة مع بقية المؤسسات المتقاطعة معها مثل النوادي الثقافية التابعة للمؤسسات التربوية في وزارة التربية ودور الشباب التابعة لوزارة الشباب والرياضة والنوادي الثقافية لذوي الاحتياجات الخاصة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والهياكل السياحية التنشيطية التابعة لوزارة السياحة،علاوة على ذلك تنقصها فرص الشراكة والانفتاح على الجمعيات ومكونات المجتمع المدني المهتم بالشؤون الثقافية.

وأختتم الفطناسي حديثه لـ"الصباح" قائلا :" يبقى- في حقيقة الأمر-  الجانب المالي والتمويلي لوزارة الثقافة وللميزانية المخصصة من أجل التنشيط في دور الثقافة أكبر معرقل لأداء الواجب والاضطلاع بالمسؤولية الكاملة من ناحية الانتدابات ووضع البرامج وتنظيم التظاهرات والقيام بكل الأدوار التنشيطية والترفيهية والتوعوية المؤثرة والمجدية"

بنية ثقافية مهترئة.. وغياب مسرح في الهواء الطلق للعروض

 وفي نفس الموضوع يرى المواطن عثمان البرجيني وهو في العقد الرابع من عمره وأب لطفلين أن القطاع الثقافي في ولاية القيروان يتعرض إلى الكثير من الصعوبات والإهمال والتهميش الذي لا يوصف وخاصة بالمعتمديات على غرار الوسلاتية والحاجب والشراردة و بوحجلة ، مبرزا ان من أهم المصاعب التي يواجهها القطاع في الولاية هو غياب البنية التحتية والتي تعتبر أهم حافز يشجع المستثمرين ومتعهدي الحفلات وغيرهم علي تنظيم عروض كبرى وذات قيمة وخير دليل على ذلك ،أن ولاية القيروان والتي تعد 650 ألف ساكن وتضم 13 معتمدية تفتقر لمسرح هواء طلق حيث يوجد في دار الثقافة أسد بن الفرات في مدينة القيروان فضاء في الهواء الطلق به كراس حجرية لا تتجاوز 750 كرسي !!، وحمل البرجيني المسؤولية للمشرفين المتعاقبين على واقع القطاع الثقافي المتردي في ولاية القيروان باعتبار انهم يفتقدون لتصور واضح وتخطيط و بيان ذلك انهم في المناسبات الكبرى مثل ذكرى المولد النبي الشريف ومهرجان ربيع الفنون وغيرها من المناسبات يحيلون الأمر الى الجمعيات.

وبخصوص أموال الدعم في القطاع الثقافي ذكر البرجيني بأن الدعم يوجه لفائدة الذين لا يستحقونه بل هو حكر على أناس بعينها في المشهد مما أدى لعزوف الشباب عن النشاط في دور الثقافة وهذا نتيجة حتمية لسياسة ممنهجة خلال العشرية الأخيرة.

مروان الدعلول

 بنزرت.. نقص فادح في دور الثقافة..ووضعية هشة للمنشطين

تنص المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انه لكل شخص الحق في المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية والاستمتاع بالفنون مما يفرض على الدولة التونسية التي صادقت على الإعلان يوم 23 سبتمبر 1988 ان تركز العدد الكافي من المؤسسات القادرة على تقديم منتوج ثقافي متنوع يحظى بالمقبولية ويصل الى كل الفئات لكن الأمر لا يبدو مثاليا في بنزرت اين اختار فنان تشكيلي عرض لوحاته يوم 30 أكتوبر 2016 في مقبرة احتجاجا على حال الثقافة في الجهة .

متى يشاع الحق في الإبداع؟

 تضم جهة بنزرت مركبا ثقافيا ضخما و 10 دور ثقافة بأحجام مختلفة وأنشطة متنوعة في مدن غار الملح، رأس الجبل، العالية ، الختمين، منزل عبد الرحمان،منزل بورقيبة، ماطر ،بازينة جومين ،سجنان واخر العنقود دار الثقافة بغزالة التي تم تدشينها يوم 26 جويلية 2022 وفي المقابل لا يشاع الحق في الإبداع في تينجة التي تنتظر تحويل كنيستها الى دار ثقافة وجرزونة اين تم إخلاء عقار دون بناء الدار والمصيدة ببنزرت الجنوبية اين تجمد رغم زيارة الوزير يوم 19 مارس 2021 مشروع بناء دار الثقافة عند مرحلة طلب العروض.

وفي انتظار بناء مركب ثقافي من الجيل الجديد بكلفة 4 مليون دينار بنهج الجزائر ببنزرت فان غياب الفضاءات الثقافية في بقية معتمديات بنزرت الكبرى قد ولد ضغطا هائلا على المركب الثقافي الشيخ ادريس الذي ينتظر منذ سنوات صيانة سقفه من تسرب الأمطار وتعهد الشاشات والركح الكواليس وتجهيزات الصوت. اما في منزل بورقيبة فتسير بنسق ضعيف أشغال تهيئة دار الثقافة بيرم التونسي ، في حين تنتظر دار الثقافة غزالة تركيز تجهيزات عازلة للصوت مثلها مثل دار الثقافة بماطر التي تنقصها أيضا الكراسي الثابتة في قاعة العروض في انتظار تحويل خربة كنيسة " النحالية " الى منارة ثقافية مثل كنيسة مدينة باجة المجاورة التي أذنت وزيرة الثقافة يوم 8 أفريل الماضي بترميمها.

الاستثمار في الثقافة

وفي انتظار استكمال الأشغال القائمة وتنفيذ المشاريع المبرمجة منذ سنوات فان الحفاظ على وظيفية دور الثقافة في بنزرت يتطلب ضخ الميزانيات المحترمة وتسوية وضعية 24 منشطا مباشرا والقطع مع وضعيات العمل الهش مع صرف المستحقات العالقة بعنوان مشاريع نوادي الإبداع وانتداب إطارات التنشيط والتسيير التي تستطيع من خلال مشاريع تراعي خصوصيات مناطق الجهة من استقطاب المبدعين وتضمن الحق في الوصول الى الثقافة لبقية المتساكنين ..

وحسب بشير القمودي مدير المركب الثقافي الشيخ ادريس ببنزرت والكاتب العام لنقابة أعوان مؤسسات العمل الثقافي بالولاية في تصريح لـ"الصباح" فإن عديد الأمثلة الملموسة تؤكد ان توفير التجهيزات والموارد البشرية اللازمة في المؤسسات الثقافية العمومية يساهم بشكل فعال في التنمية الاقتصادية مثلما كان الحال بعد الملتقى الوطني الأول للصور الفوتوغرافية ببنزرت نهاية نوفمبر 2021 حين لقيت التظاهرة التي اثثها تونسيون وأجانب اهتماما واسعا من متابعي الصفحات الاجتماعية الذين ابدوا رغبتهم في زيارة المناطق الجميلة التي رسمتها أنامل المبدعين بحرفية والتي سوقت لبنزرت كوجهة سياحية متميزة كما تابع المئات من أبناء المدن الأندلسية دورة "دينوري القفصي شيوخ المألوف للموسيقى الأندلسية" التي نظمها المركب الثقافي ببنزرت في أكتوبر 2022 مما خلق حركية اقتصادية كبيرة في المدينة والأمر سيان بمناسبة تنظيم دورات مسرح الشارع التي تجذب أنواعا مختلفة من المتابعين للشأن الثقافي.

وأضاف القمودي انه رغم محاولات العرقلة التي تبلغ أحيانا حد الهرسلة وتواضع الوسائل العمل وضعف الموارد فان العمل متواصلا في كل الفضاءات وخارجها لدعم ثقافة القرب وضمان حق الأطفال في التنشئة الثقافية مع منح الفرصة للشباب لإدارة جلسات هامة مثلما حدث في دورة البشير المشرقي من ملتقى جماعة فوق السور في ماي 2022 او الحصول على تكوين عال تحت إشراف قامات فنية وطنية على غرار الأستاذة فاطمة الفالحي والأستاذ لسعد بن عبد الله والسعي لاستقطاب المبدعين والمتابعين مباشرة او بالتنسيق مع المجتمع المدني كجمعية رابطة الكتاب الأحرار والمؤسسات المدرسية والجامعية لتقديم انتاج راق يثمن الخصوصية الثقافية لمناطق بنزرت مما يعزز روح الانتماء فضلا عن تقديم العروض " النخبوية " التي تستدعي جمهورا خاصا له الحق أيضا في الاستمتاع بالفنون.

ساسي الطرابلسي

 

سيدي بوزيد.. دور منعزلة ونقص في التجهيزات والاعتمادات

 تغطي دور الثقافة بولاية سيدي بوزيد، تقريبا جميع معتمديات الولاية الا أن خدماتها لا تلبي طموحات الفئات المعنية وحتى وان وجدت فإنها لا تصل لكل الشباب والأطفال في مختلف مناطق الولاية، إذ أكد المتابعون للشأن الثقافي في الولاية أن هذه المساحات الثقافية تفتقر إلى استراتيجيات عمل واضحة وبرامج خاصة ذات أهداف مدروسة، كما أنها لم تعُد تستقطب سوى عدد محدود من الشباب.

مؤسسات لا تواكب التحولات

تلعب دُور الثقافة بولاية سيدي بوزيد دورا تقليديا، لاسيما وأنها لم تواكب التحوّلات التي شهدها المجتمع، بالتالي باتت معزولة عن مشاغل شباب الجهة.

في هذا السياق قال سيف الدين الحسناوي، وهو أستاذ تنشيط ثقافي لمراسل "الصباح " أن "المؤسسات الثقافية بالجهة تشكو نقائص كبيرة على مستويات عدّة، وهو ما دفع بالشباب للعزوف عن المشاركة في التظاهرات الثقافية التي تقوم المؤسسات المعنية بتنظيمها بشكل دوري.

كما أكدت نوال بوعلي، لمراسل "الصباح" ،وهي أستاذة تنشيط كذلك، أن مشاكل المؤسسات الثقافية، تعود أساسا إلى عدم توفر السيولة المالية الكافية وعدم استقلالية التصرّف، ذلك أن التصرّف المالي ليس بيد المؤسسة، وإنما بيد السلطات المعنية على المستوى الجهوي، وهو ما يعطل توفير الاحتياجات الضرورية لهذه المؤسسات في الوقت المناسب، وفق تأكيدها.

وأضافت أن هناك مشاكل أخرى، تتمثّل أساسا في قلّة الإطار المختص، وهذا مردّه أساسا مشاكل التأهيل والتكوين الأكاديمي، كما أن البنية الأساسية للمؤسسات الثقافية بالجهة وتحديدا التجهيزات لا تواكب العصر بحيث لا يجد الشاب ما يلبي تطلعاته.

هذا وتوجد أيضا مؤسسات ثقافية خارج نطاق النشاط بسب تردي بنيتها التحتية ما أدى إلى إغلاقها بشكل نهائي إلى حين إعادة تهيئتها من جديد على غرار المركب الثقافي ابو بكر القمودي بسيدي بوزيد المدينة ما اضطر القائمين عليه لاستغلال فضاء آخر الى حين.

محمد الشنيني إطار متقاعد من أحدى دور الثقافة بولاية سيدي بوزيد، تحدث لـ"الصباح" عن النقائص الموجودة بدور الثقافة بالجهة، والتي من بينها البنية التحتية المهترئة لهذه الفضاءات وفي هذا الإطار تم وضع الخطة الوطنية لتأهيل دور الثقافة والمكتبات العمومية وقد تم إطلاق هذه الخطّة الوطنية للمرفق العمومي الا أنها توقفت والى الآن لم تستكمل.

دور هجرها روادها!

  وفي السنوات الأخيرة عاشت دور الثقافة بولاية سيدي بوزيد،على وقع عزوف الشباب عن المشاركة في الأنشطة الثقافية بشكل محير ، ما يطرح مسألة مدى مواكبة الأنشطة لاهتمامات الشباب في ظل ما تلعبه التكنولوجيات الحديثة من تأثيرات عل بعد ان استأثرت باهتمام الشباب والأطفال والمراهقين الذين يهدرون فيها أغلب أوقاتهم مقابل تقهقر مكانة الكتب والأنشطة الثقافية.

وفي هذا الخصوص شرح "محمد سعيد غانمي" وهو طالب أصيل ولاية سيدي بوزيد أسباب عزوف الشباب عن الذهاب لدور الثقافة بالجهة اذ أكد انها تعود أساسا لعدم تشريكهم فعليا في وضع تصورات عملية تشجعهم على المشاركة في الفعل الثقافي والتظاهرات والأنشطة الثقافة بالجهة التي عادة ما تكون برامج مسقطة لا تتماشى مع تطلعاتهم وميولاتهم .

إبراهيم سليمي

 

مدنين.. مركزة الأنشطة..وأشغال دار ثقافة محل جدل!؟

يوجد بولاية مدنين دور ثقافة في كل من ،بني خداش ،سيدي مخلوف ،جربة اجيم ،جربة حومة السوق ،جرجيس ،بن قردان وجربة ميدون وتسعى أسرة كل دار ان تكون في مستوى انتظارات روادها والمتابعين لمختلف الأنشطة على مدار أيام السنة ، مراسل "الصباح" رصد بعض الآراء حول وضعية هذه الدور والأنشطة والبرامج التي تقترحها والبداية كانت مع محمد شوشان عون صحة وشاعر الذي أفادنا أن دور الثقافة في ولاية تختلف مناطقها من جهة ترابية لأخرى، وتساءل عن فاعلية دور الثقافة في هذا الزمن الذي يشهد انفتاحا رقميا شاسعاً وسهولة الوصول لوسائل السوشيل ميديا ؟

ضغط بالمركب الثقافي بمدنين

وأردف محدثنا مبينا أن مركز ولاية مدنين يضّم تقريباً أهمّ مؤسسة ثقافية وهي المركب الثقافي بمدنين ، هذا المركب يحاول أن يكون نبض المدينة الثقافي ، محتضنا بذلك أهمّ التظاهرات الثقافية الكبرى بالجهة مثل عروض مهرجان "مسرح التجريب" العريق بالجهة وكل ندواته وأنشطته تقريبًا.

كذلك يحتض المركب أغلب الندوات والملتقيات بالمدينة حيث تتجه إليه كل الجمعيات الثقافية أو الشبه الثقافية بالجهة ويتجه إليه كل الفاعلين الثقافيين ، من مسرحين وموسقيين وكتّاب وشعراء .

اذ، وعلى سبيل الذكر، احتضن مؤخرا نسخة جديدة من تظاهرة "نسانا على الركح" التي تشرف عليها جمعية "موزاييك" .

كما ان المركب وبحكم امتلاكه لقاعة عروض مجهزة يحتضن بعض الأمسيات الشعرية، وأكد محدثنا على كلمة " البعض" لأن مثل هذه التظاهرات تغلب عليها الشخصنة والولاءات والعلاقات الخاصة، وفق رأيه، حيث أن المركب وإدارته غير منفتحة على الجميع في الجهة والعديد من التظاهرات تحدث دون أن ينتبه لها أحد لعدم الدعاية اولا وربما أيضاً لأسباب مادية و لوجستية.

وشدد شوشان على ان المركب الثقافي مؤسسة هامة في المدينة وجب عليها الانفتاح أكثر والتفاعل مع أبناء الجهة وفتح نواديه وأنشطته للراغبين في ذلك حتى لا ينصرف شباب الجهة الى انفلاتات أخرى .

وأشار في ذات السياق لإعادة تهيئة قاعة العروض بمدنين أو مسرح الحرية سابقا في حلة جديدة ومتطورة ومتعددة الإختصاصات، هذا المكسب أشرف عليه المجلس البلدي المنحلّ، والذي لابد من الإسراع باستغلاله حتى لا يعود ثانية مأوى للمتسكعين والمنحرفين كما كان قبل تهيئته .

 الدكتور رياض البشير باحث ورئيس جمعية اعتبر في تصريح لمراسل "الصباح" أن المؤسسات الثقافية ملاذ للمبدعين والمهتمين بالشأن الثقافي بمدنين، حيث انه ورغم نقص العنصر البشري والامكانيات يحاول المشرفون عليها التجاوب مع كل التظاهرات الثقافية في جهة تتميز بكثرة المبدعين في جميع المجالات. وأضاف أنه ومن خلال متابعته للأنشطة الثقافية المتعددة يشيد خاصة بدور المركب الثقافي بمدنين في إرساء إستراتيجية ثقافية شاملة ومتعددة تهدف الى الترفيه وأيضا تأطير الشباب وإبعاده على الظواهر السلبية الدخيلة عن مجتمعنا. كما أكد على ضرورة الانفتاح على أنشطة الأحياء خاصة الأحياء الشعبية البعيدة عن مؤسسات الدولة الثقافية مثل أحياء طريق تطاوين وطريق بني خداش مشيرا الى دور المجتمع المدني الهام وكذلك دور المؤسسات الثقافية الخاصة في التنشيط الثقافي بهذه الأحياء. كما اكد على ضرورة تحسين البنية التحتية الثقافية بالمدينة عبر التسريع بفتح قاعة للسينما، وإنشاء مسرح مصغر بحي الشرائحة أمام السوق البلدي، وكذلك التسريع في انجاز مسرح الهواء الطلق المبرمج في إطار مشروع التنمية المندمجة.

دار ثقافة مغلقة منذ سنوات..وأشغال دون سند قانوني

ومن مدينة جربة حومة السوق تحدث إسماعيل كونيالي لـ"الصباح " عن وضعية دار الثقافة فريد غازي المغلقة منذ سنوات بسبب أعمال التهيئة والصيانة الشاملة التي تخضع لها، وأبرز ان أعمال التهيئة والصيانة أثارت موضوع ملكية قطعة الأرض التي بنيت عليها دار الثقافة وفي هذا أفادت وزارة الثقافة بان دار الثقافة فريد غادي هي ملك بلدية جربة حومة السوق وهي مستغلة من قبل وزارة الشؤون الثقافية منذ السبعينات دون مشاغبة ودون ما يفيد وضعها على الذمة، وفق قوله.

وأضاف أنه و في نفس الإطار رفضت بلدية جربة حومة السوق الكشف عن مؤيدات ملكيتها للأرض. وكشف انه وبالبحث عن الحقيقة تم اكتشاف أن أشغال البناء المقامة حاليا تنجز دون رخصة بناء، في حين أن وزارة الثقافة أكدت في هذا الخصوص بأن رخصة بناء مشروع تهيئة وصيانة دار الثقافة فريد غازي يقع استصدارها من بلدية المكان وذلك بالتنسيق مع الإدارة الجهوية للتجهيز بمدنين كصاحبة مشروع مفوض والمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بمدنين وبالتالي ، استنتج محدثنا بان كل هياكل السلطة المحلية والجهوية المسؤولة عن تطبيق مجلة التهيئة العمرانية ومجلة الجماعات المحلية متواطئة في السماح بتواصل أشغال التهيئة والصيانة المخالفة للقانون. وبحسب المعلومات المتوفرة لديه لا يمكن حل معضلة ملكية قطعة الأرض الا بتطبيق القانون المتعلّق بالانتزاع من أجل المصلحة العمومية وعلى ما يبدو فان السلطة ترفض تطبيق القانون بوقف أشغال البناء المخالفة واتخاذ الإجراءات اللازمة لدفع التعويضات لمستحقيها وهنا يحق لنا التساؤل، هل يحق لوزارة ان تغتصب حقوق الغير بصورة مباشرة او غير مباشرة ؟؟!

نقص في التجهيزات والتمويلات والأنشطة

طلال عدالة ناشط بالمجتمع المدني أكد بدوره لـ"الصباح " أن وضعية دور الثقافة بالجهة اليوم غير مشجعة للشباب لكي ينشط فيها وذلك بسبب النقص الفادح في التجهيزات الضرورية مع نقص كبير في الإطارات المختصة للتاطير والمرافقة ووضع برامج تتماشى مع حاجيات الشباب المحلي ، مؤكدا ان برامج الوزارة مسقطة ولا يتماشى مع خصوصية المناطق ، هذا مع ضعف الموارد المالية لوضع أنشطة هادفة تستقطب الشباب ، هذا مع غياب الصيانة لكل المكونات، على حد تعبيره .

ميمون التونسي

بنية مهترئة.. لا برامج ولا ميزانيات  .. واقع "كارثي" لدور الثقافة

تونس- الصباح

حادت اغلب دور الثقافة منذ ما قبل الثورة إلى اليوم عن القيام بدورها في ترسيخ قيم الثقافة والانفتاح على الآخر وتطوير المجتمع عبر صقل مواهب الناشئة.. فهي الرافعة والمحركة والموجهة والمنظمة لإنتاج وإعادة إنتاج الحياة المادية والفكرية في المجتمع عبر تنمية الفكرة والفكر والإبداع، وأيضا تنمية المجتمع ودفعه نحو خلق واقع أفضل ما يعني حياة أفضل.

ونحن مقبلون اليوم على الموسم الثقافي، مع حلول فصل الصيف ودخول التلاميذ والطلبة في عطلة مطولة ، من المفروض أن تضطلع دور الثقافة بدور محوري وهو احتضان هؤلاء وتأطيرهم من أجل خلق فكر مستنير للناشئين والشباب وزعزعة الفعل الثقافي داخلهم، الا ان هذه المؤسسات، بل فلنقل اغلبها حتى لا نعمم، غائبة لعدة أسباب وهو ما كشفت عنه الشهادات والزيارات الميدانية لمراسلي "الصباح" بعدد من الجهات وهي القيروان ومدنين وسيدي بوزيد وبنزرت، أهمها ضعف الميزانيات، وغياب الكفاءات، تآكل البنية التحتية وعدم توفر التجهيزات ، وخاصة افتقارها للبرامج التي من شأنها جلب الرواد، ومن الواجب هنا أن نشير إلى أن مركزة القرار والتسيير والتمويل وأيضا الأنشطة قد عادت بالوبال على واقع هذه المؤسسات الحيوية ببلادنا.

وضع دور الثقافة محور ملف "الصباح" وفيما يلي أهم الاستنتاجات.

حنان قيراط

القيروان.. برامج خارج السياق ..وافتقار للكفاءات

 

تعاني دور الثقافة في مختلف معتمديات ولاية القيروان من ضعف الإقبال عليها من قبل الشباب الذي يرتاد اليوم المقاهي في كل الأوقات أين يلعب الألعاب الإلكترونية وألعاب الورق.

بيروقراطية و مركزية التسيير في البرمجة الثقافية

وللوقوف على وضع مؤسسات دور الشباب أبرز الناشط بالمجتمع المدني رضوان الفطناسي لـ"الصباح" بالقول أنه من المفروض ان تلعب دور الثقافة دورا بالغ الأهمية من ناحية نشر الوعي الثقافي وفي تكوين شخصية الشباب خاصة الطبقات الهشة والمفقرة ، وهو دور إضطلعت به في فترات معينة بعد الاستقلال خاصة في الأوساط المحلية والبعيدة عن مراكز المدن التي تتطلب حركية ثقافية توعوية استثنائية، الا أنه استدرك قائلا " في السنوات الأخيرة اتسم دور مؤسسات دور الثقافة بنوع من التصحر الثقافي بالرغم من انتشارها على كامل المناطق وفي مراكز المعتمديات ولكنها عجزت عن استقطاب الفئات المعنية وخاصة الشبابية النشيطة مقارنة بالهياكل التنظيمية الثقافية الوقتية مثل المهرجانات والأيام الثقافية، حيث انجذبت الفئات الاجتماعية حتى للوحدات الثقافية المتنقلة ولمسرح الشوارع وللحفلات غير المبرمجة أكثر من دور الثقافة القارة ببرامجها ومنشطيها والتي عجزت عن تقديم الحلول خاصة في مرحلة التجاذب الايديولوجي والديني وانتشار الفكر السلفي العنيف في فترة ما يسمى ثورة الحرية والكرامة التي انعدمت فيها تماما الأنشطة والحوارات الثقافية العميقة بالتوازي مع الحركية الاجتماعية.

وطالب المتحدث بحتمية البحث عن تشخيص دقيق لمعضلة العزوف عن ارتياد دور الثقافة من أجل رسم برنامج إصلاحي، خاصة و أن القطيعة بين دور الثقافة وأفراد المجتمع هي نتيجة البيروقراطية ومركزية التسيير والبرمجة الثقافية التي أفرزت برامج ثقافية وتنشيطية بعيدة كل البعد عن الواقع وغير مرغوب فيها.

غياب الكفاءات

واضاف المهتم بالشأن الثقافي رضوان الفطناسي بأن دور الثقافة في معتمديات ولاية القيروان تفتقر الى كفاءات تنشيطية متخصصة وقادرة على التأثير الإيجابي وجذب كل الفئات خاصة التلاميذ والطلبة، لذلك أكد المتحدث على ضرورة تعزيز هذه المؤسسات بكوادر محترفة قادرة على التنشيط المتميز، مشددا على وجود ارتجالية مفرطة في تركيز النوادي الثقافية الاختيارية والقارة في دور الثقافة التي يمكن ان تنشط بصفة متواصلة حتى خارج المناسبات والمواسم الثقافية والصيفية. كما أكد الفطناسي ان هذه الهياكل الثقافية الثابتة التابعة هيكليا لوزارة الثقافية تعمل بصفة منعزلة ومنغلقة بعيدا عن التشبيك والشراكة والتوأمة المفيدة مع بقية المؤسسات المتقاطعة معها مثل النوادي الثقافية التابعة للمؤسسات التربوية في وزارة التربية ودور الشباب التابعة لوزارة الشباب والرياضة والنوادي الثقافية لذوي الاحتياجات الخاصة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والهياكل السياحية التنشيطية التابعة لوزارة السياحة،علاوة على ذلك تنقصها فرص الشراكة والانفتاح على الجمعيات ومكونات المجتمع المدني المهتم بالشؤون الثقافية.

وأختتم الفطناسي حديثه لـ"الصباح" قائلا :" يبقى- في حقيقة الأمر-  الجانب المالي والتمويلي لوزارة الثقافة وللميزانية المخصصة من أجل التنشيط في دور الثقافة أكبر معرقل لأداء الواجب والاضطلاع بالمسؤولية الكاملة من ناحية الانتدابات ووضع البرامج وتنظيم التظاهرات والقيام بكل الأدوار التنشيطية والترفيهية والتوعوية المؤثرة والمجدية"

بنية ثقافية مهترئة.. وغياب مسرح في الهواء الطلق للعروض

 وفي نفس الموضوع يرى المواطن عثمان البرجيني وهو في العقد الرابع من عمره وأب لطفلين أن القطاع الثقافي في ولاية القيروان يتعرض إلى الكثير من الصعوبات والإهمال والتهميش الذي لا يوصف وخاصة بالمعتمديات على غرار الوسلاتية والحاجب والشراردة و بوحجلة ، مبرزا ان من أهم المصاعب التي يواجهها القطاع في الولاية هو غياب البنية التحتية والتي تعتبر أهم حافز يشجع المستثمرين ومتعهدي الحفلات وغيرهم علي تنظيم عروض كبرى وذات قيمة وخير دليل على ذلك ،أن ولاية القيروان والتي تعد 650 ألف ساكن وتضم 13 معتمدية تفتقر لمسرح هواء طلق حيث يوجد في دار الثقافة أسد بن الفرات في مدينة القيروان فضاء في الهواء الطلق به كراس حجرية لا تتجاوز 750 كرسي !!، وحمل البرجيني المسؤولية للمشرفين المتعاقبين على واقع القطاع الثقافي المتردي في ولاية القيروان باعتبار انهم يفتقدون لتصور واضح وتخطيط و بيان ذلك انهم في المناسبات الكبرى مثل ذكرى المولد النبي الشريف ومهرجان ربيع الفنون وغيرها من المناسبات يحيلون الأمر الى الجمعيات.

وبخصوص أموال الدعم في القطاع الثقافي ذكر البرجيني بأن الدعم يوجه لفائدة الذين لا يستحقونه بل هو حكر على أناس بعينها في المشهد مما أدى لعزوف الشباب عن النشاط في دور الثقافة وهذا نتيجة حتمية لسياسة ممنهجة خلال العشرية الأخيرة.

مروان الدعلول

 بنزرت.. نقص فادح في دور الثقافة..ووضعية هشة للمنشطين

تنص المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انه لكل شخص الحق في المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية والاستمتاع بالفنون مما يفرض على الدولة التونسية التي صادقت على الإعلان يوم 23 سبتمبر 1988 ان تركز العدد الكافي من المؤسسات القادرة على تقديم منتوج ثقافي متنوع يحظى بالمقبولية ويصل الى كل الفئات لكن الأمر لا يبدو مثاليا في بنزرت اين اختار فنان تشكيلي عرض لوحاته يوم 30 أكتوبر 2016 في مقبرة احتجاجا على حال الثقافة في الجهة .

متى يشاع الحق في الإبداع؟

 تضم جهة بنزرت مركبا ثقافيا ضخما و 10 دور ثقافة بأحجام مختلفة وأنشطة متنوعة في مدن غار الملح، رأس الجبل، العالية ، الختمين، منزل عبد الرحمان،منزل بورقيبة، ماطر ،بازينة جومين ،سجنان واخر العنقود دار الثقافة بغزالة التي تم تدشينها يوم 26 جويلية 2022 وفي المقابل لا يشاع الحق في الإبداع في تينجة التي تنتظر تحويل كنيستها الى دار ثقافة وجرزونة اين تم إخلاء عقار دون بناء الدار والمصيدة ببنزرت الجنوبية اين تجمد رغم زيارة الوزير يوم 19 مارس 2021 مشروع بناء دار الثقافة عند مرحلة طلب العروض.

وفي انتظار بناء مركب ثقافي من الجيل الجديد بكلفة 4 مليون دينار بنهج الجزائر ببنزرت فان غياب الفضاءات الثقافية في بقية معتمديات بنزرت الكبرى قد ولد ضغطا هائلا على المركب الثقافي الشيخ ادريس الذي ينتظر منذ سنوات صيانة سقفه من تسرب الأمطار وتعهد الشاشات والركح الكواليس وتجهيزات الصوت. اما في منزل بورقيبة فتسير بنسق ضعيف أشغال تهيئة دار الثقافة بيرم التونسي ، في حين تنتظر دار الثقافة غزالة تركيز تجهيزات عازلة للصوت مثلها مثل دار الثقافة بماطر التي تنقصها أيضا الكراسي الثابتة في قاعة العروض في انتظار تحويل خربة كنيسة " النحالية " الى منارة ثقافية مثل كنيسة مدينة باجة المجاورة التي أذنت وزيرة الثقافة يوم 8 أفريل الماضي بترميمها.

الاستثمار في الثقافة

وفي انتظار استكمال الأشغال القائمة وتنفيذ المشاريع المبرمجة منذ سنوات فان الحفاظ على وظيفية دور الثقافة في بنزرت يتطلب ضخ الميزانيات المحترمة وتسوية وضعية 24 منشطا مباشرا والقطع مع وضعيات العمل الهش مع صرف المستحقات العالقة بعنوان مشاريع نوادي الإبداع وانتداب إطارات التنشيط والتسيير التي تستطيع من خلال مشاريع تراعي خصوصيات مناطق الجهة من استقطاب المبدعين وتضمن الحق في الوصول الى الثقافة لبقية المتساكنين ..

وحسب بشير القمودي مدير المركب الثقافي الشيخ ادريس ببنزرت والكاتب العام لنقابة أعوان مؤسسات العمل الثقافي بالولاية في تصريح لـ"الصباح" فإن عديد الأمثلة الملموسة تؤكد ان توفير التجهيزات والموارد البشرية اللازمة في المؤسسات الثقافية العمومية يساهم بشكل فعال في التنمية الاقتصادية مثلما كان الحال بعد الملتقى الوطني الأول للصور الفوتوغرافية ببنزرت نهاية نوفمبر 2021 حين لقيت التظاهرة التي اثثها تونسيون وأجانب اهتماما واسعا من متابعي الصفحات الاجتماعية الذين ابدوا رغبتهم في زيارة المناطق الجميلة التي رسمتها أنامل المبدعين بحرفية والتي سوقت لبنزرت كوجهة سياحية متميزة كما تابع المئات من أبناء المدن الأندلسية دورة "دينوري القفصي شيوخ المألوف للموسيقى الأندلسية" التي نظمها المركب الثقافي ببنزرت في أكتوبر 2022 مما خلق حركية اقتصادية كبيرة في المدينة والأمر سيان بمناسبة تنظيم دورات مسرح الشارع التي تجذب أنواعا مختلفة من المتابعين للشأن الثقافي.

وأضاف القمودي انه رغم محاولات العرقلة التي تبلغ أحيانا حد الهرسلة وتواضع الوسائل العمل وضعف الموارد فان العمل متواصلا في كل الفضاءات وخارجها لدعم ثقافة القرب وضمان حق الأطفال في التنشئة الثقافية مع منح الفرصة للشباب لإدارة جلسات هامة مثلما حدث في دورة البشير المشرقي من ملتقى جماعة فوق السور في ماي 2022 او الحصول على تكوين عال تحت إشراف قامات فنية وطنية على غرار الأستاذة فاطمة الفالحي والأستاذ لسعد بن عبد الله والسعي لاستقطاب المبدعين والمتابعين مباشرة او بالتنسيق مع المجتمع المدني كجمعية رابطة الكتاب الأحرار والمؤسسات المدرسية والجامعية لتقديم انتاج راق يثمن الخصوصية الثقافية لمناطق بنزرت مما يعزز روح الانتماء فضلا عن تقديم العروض " النخبوية " التي تستدعي جمهورا خاصا له الحق أيضا في الاستمتاع بالفنون.

ساسي الطرابلسي

 

سيدي بوزيد.. دور منعزلة ونقص في التجهيزات والاعتمادات

 تغطي دور الثقافة بولاية سيدي بوزيد، تقريبا جميع معتمديات الولاية الا أن خدماتها لا تلبي طموحات الفئات المعنية وحتى وان وجدت فإنها لا تصل لكل الشباب والأطفال في مختلف مناطق الولاية، إذ أكد المتابعون للشأن الثقافي في الولاية أن هذه المساحات الثقافية تفتقر إلى استراتيجيات عمل واضحة وبرامج خاصة ذات أهداف مدروسة، كما أنها لم تعُد تستقطب سوى عدد محدود من الشباب.

مؤسسات لا تواكب التحولات

تلعب دُور الثقافة بولاية سيدي بوزيد دورا تقليديا، لاسيما وأنها لم تواكب التحوّلات التي شهدها المجتمع، بالتالي باتت معزولة عن مشاغل شباب الجهة.

في هذا السياق قال سيف الدين الحسناوي، وهو أستاذ تنشيط ثقافي لمراسل "الصباح " أن "المؤسسات الثقافية بالجهة تشكو نقائص كبيرة على مستويات عدّة، وهو ما دفع بالشباب للعزوف عن المشاركة في التظاهرات الثقافية التي تقوم المؤسسات المعنية بتنظيمها بشكل دوري.

كما أكدت نوال بوعلي، لمراسل "الصباح" ،وهي أستاذة تنشيط كذلك، أن مشاكل المؤسسات الثقافية، تعود أساسا إلى عدم توفر السيولة المالية الكافية وعدم استقلالية التصرّف، ذلك أن التصرّف المالي ليس بيد المؤسسة، وإنما بيد السلطات المعنية على المستوى الجهوي، وهو ما يعطل توفير الاحتياجات الضرورية لهذه المؤسسات في الوقت المناسب، وفق تأكيدها.

وأضافت أن هناك مشاكل أخرى، تتمثّل أساسا في قلّة الإطار المختص، وهذا مردّه أساسا مشاكل التأهيل والتكوين الأكاديمي، كما أن البنية الأساسية للمؤسسات الثقافية بالجهة وتحديدا التجهيزات لا تواكب العصر بحيث لا يجد الشاب ما يلبي تطلعاته.

هذا وتوجد أيضا مؤسسات ثقافية خارج نطاق النشاط بسب تردي بنيتها التحتية ما أدى إلى إغلاقها بشكل نهائي إلى حين إعادة تهيئتها من جديد على غرار المركب الثقافي ابو بكر القمودي بسيدي بوزيد المدينة ما اضطر القائمين عليه لاستغلال فضاء آخر الى حين.

محمد الشنيني إطار متقاعد من أحدى دور الثقافة بولاية سيدي بوزيد، تحدث لـ"الصباح" عن النقائص الموجودة بدور الثقافة بالجهة، والتي من بينها البنية التحتية المهترئة لهذه الفضاءات وفي هذا الإطار تم وضع الخطة الوطنية لتأهيل دور الثقافة والمكتبات العمومية وقد تم إطلاق هذه الخطّة الوطنية للمرفق العمومي الا أنها توقفت والى الآن لم تستكمل.

دور هجرها روادها!

  وفي السنوات الأخيرة عاشت دور الثقافة بولاية سيدي بوزيد،على وقع عزوف الشباب عن المشاركة في الأنشطة الثقافية بشكل محير ، ما يطرح مسألة مدى مواكبة الأنشطة لاهتمامات الشباب في ظل ما تلعبه التكنولوجيات الحديثة من تأثيرات عل بعد ان استأثرت باهتمام الشباب والأطفال والمراهقين الذين يهدرون فيها أغلب أوقاتهم مقابل تقهقر مكانة الكتب والأنشطة الثقافية.

وفي هذا الخصوص شرح "محمد سعيد غانمي" وهو طالب أصيل ولاية سيدي بوزيد أسباب عزوف الشباب عن الذهاب لدور الثقافة بالجهة اذ أكد انها تعود أساسا لعدم تشريكهم فعليا في وضع تصورات عملية تشجعهم على المشاركة في الفعل الثقافي والتظاهرات والأنشطة الثقافة بالجهة التي عادة ما تكون برامج مسقطة لا تتماشى مع تطلعاتهم وميولاتهم .

إبراهيم سليمي

 

مدنين.. مركزة الأنشطة..وأشغال دار ثقافة محل جدل!؟

يوجد بولاية مدنين دور ثقافة في كل من ،بني خداش ،سيدي مخلوف ،جربة اجيم ،جربة حومة السوق ،جرجيس ،بن قردان وجربة ميدون وتسعى أسرة كل دار ان تكون في مستوى انتظارات روادها والمتابعين لمختلف الأنشطة على مدار أيام السنة ، مراسل "الصباح" رصد بعض الآراء حول وضعية هذه الدور والأنشطة والبرامج التي تقترحها والبداية كانت مع محمد شوشان عون صحة وشاعر الذي أفادنا أن دور الثقافة في ولاية تختلف مناطقها من جهة ترابية لأخرى، وتساءل عن فاعلية دور الثقافة في هذا الزمن الذي يشهد انفتاحا رقميا شاسعاً وسهولة الوصول لوسائل السوشيل ميديا ؟

ضغط بالمركب الثقافي بمدنين

وأردف محدثنا مبينا أن مركز ولاية مدنين يضّم تقريباً أهمّ مؤسسة ثقافية وهي المركب الثقافي بمدنين ، هذا المركب يحاول أن يكون نبض المدينة الثقافي ، محتضنا بذلك أهمّ التظاهرات الثقافية الكبرى بالجهة مثل عروض مهرجان "مسرح التجريب" العريق بالجهة وكل ندواته وأنشطته تقريبًا.

كذلك يحتض المركب أغلب الندوات والملتقيات بالمدينة حيث تتجه إليه كل الجمعيات الثقافية أو الشبه الثقافية بالجهة ويتجه إليه كل الفاعلين الثقافيين ، من مسرحين وموسقيين وكتّاب وشعراء .

اذ، وعلى سبيل الذكر، احتضن مؤخرا نسخة جديدة من تظاهرة "نسانا على الركح" التي تشرف عليها جمعية "موزاييك" .

كما ان المركب وبحكم امتلاكه لقاعة عروض مجهزة يحتضن بعض الأمسيات الشعرية، وأكد محدثنا على كلمة " البعض" لأن مثل هذه التظاهرات تغلب عليها الشخصنة والولاءات والعلاقات الخاصة، وفق رأيه، حيث أن المركب وإدارته غير منفتحة على الجميع في الجهة والعديد من التظاهرات تحدث دون أن ينتبه لها أحد لعدم الدعاية اولا وربما أيضاً لأسباب مادية و لوجستية.

وشدد شوشان على ان المركب الثقافي مؤسسة هامة في المدينة وجب عليها الانفتاح أكثر والتفاعل مع أبناء الجهة وفتح نواديه وأنشطته للراغبين في ذلك حتى لا ينصرف شباب الجهة الى انفلاتات أخرى .

وأشار في ذات السياق لإعادة تهيئة قاعة العروض بمدنين أو مسرح الحرية سابقا في حلة جديدة ومتطورة ومتعددة الإختصاصات، هذا المكسب أشرف عليه المجلس البلدي المنحلّ، والذي لابد من الإسراع باستغلاله حتى لا يعود ثانية مأوى للمتسكعين والمنحرفين كما كان قبل تهيئته .

 الدكتور رياض البشير باحث ورئيس جمعية اعتبر في تصريح لمراسل "الصباح" أن المؤسسات الثقافية ملاذ للمبدعين والمهتمين بالشأن الثقافي بمدنين، حيث انه ورغم نقص العنصر البشري والامكانيات يحاول المشرفون عليها التجاوب مع كل التظاهرات الثقافية في جهة تتميز بكثرة المبدعين في جميع المجالات. وأضاف أنه ومن خلال متابعته للأنشطة الثقافية المتعددة يشيد خاصة بدور المركب الثقافي بمدنين في إرساء إستراتيجية ثقافية شاملة ومتعددة تهدف الى الترفيه وأيضا تأطير الشباب وإبعاده على الظواهر السلبية الدخيلة عن مجتمعنا. كما أكد على ضرورة الانفتاح على أنشطة الأحياء خاصة الأحياء الشعبية البعيدة عن مؤسسات الدولة الثقافية مثل أحياء طريق تطاوين وطريق بني خداش مشيرا الى دور المجتمع المدني الهام وكذلك دور المؤسسات الثقافية الخاصة في التنشيط الثقافي بهذه الأحياء. كما اكد على ضرورة تحسين البنية التحتية الثقافية بالمدينة عبر التسريع بفتح قاعة للسينما، وإنشاء مسرح مصغر بحي الشرائحة أمام السوق البلدي، وكذلك التسريع في انجاز مسرح الهواء الطلق المبرمج في إطار مشروع التنمية المندمجة.

دار ثقافة مغلقة منذ سنوات..وأشغال دون سند قانوني

ومن مدينة جربة حومة السوق تحدث إسماعيل كونيالي لـ"الصباح " عن وضعية دار الثقافة فريد غازي المغلقة منذ سنوات بسبب أعمال التهيئة والصيانة الشاملة التي تخضع لها، وأبرز ان أعمال التهيئة والصيانة أثارت موضوع ملكية قطعة الأرض التي بنيت عليها دار الثقافة وفي هذا أفادت وزارة الثقافة بان دار الثقافة فريد غادي هي ملك بلدية جربة حومة السوق وهي مستغلة من قبل وزارة الشؤون الثقافية منذ السبعينات دون مشاغبة ودون ما يفيد وضعها على الذمة، وفق قوله.

وأضاف أنه و في نفس الإطار رفضت بلدية جربة حومة السوق الكشف عن مؤيدات ملكيتها للأرض. وكشف انه وبالبحث عن الحقيقة تم اكتشاف أن أشغال البناء المقامة حاليا تنجز دون رخصة بناء، في حين أن وزارة الثقافة أكدت في هذا الخصوص بأن رخصة بناء مشروع تهيئة وصيانة دار الثقافة فريد غازي يقع استصدارها من بلدية المكان وذلك بالتنسيق مع الإدارة الجهوية للتجهيز بمدنين كصاحبة مشروع مفوض والمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بمدنين وبالتالي ، استنتج محدثنا بان كل هياكل السلطة المحلية والجهوية المسؤولة عن تطبيق مجلة التهيئة العمرانية ومجلة الجماعات المحلية متواطئة في السماح بتواصل أشغال التهيئة والصيانة المخالفة للقانون. وبحسب المعلومات المتوفرة لديه لا يمكن حل معضلة ملكية قطعة الأرض الا بتطبيق القانون المتعلّق بالانتزاع من أجل المصلحة العمومية وعلى ما يبدو فان السلطة ترفض تطبيق القانون بوقف أشغال البناء المخالفة واتخاذ الإجراءات اللازمة لدفع التعويضات لمستحقيها وهنا يحق لنا التساؤل، هل يحق لوزارة ان تغتصب حقوق الغير بصورة مباشرة او غير مباشرة ؟؟!

نقص في التجهيزات والتمويلات والأنشطة

طلال عدالة ناشط بالمجتمع المدني أكد بدوره لـ"الصباح " أن وضعية دور الثقافة بالجهة اليوم غير مشجعة للشباب لكي ينشط فيها وذلك بسبب النقص الفادح في التجهيزات الضرورية مع نقص كبير في الإطارات المختصة للتاطير والمرافقة ووضع برامج تتماشى مع حاجيات الشباب المحلي ، مؤكدا ان برامج الوزارة مسقطة ولا يتماشى مع خصوصية المناطق ، هذا مع ضعف الموارد المالية لوضع أنشطة هادفة تستقطب الشباب ، هذا مع غياب الصيانة لكل المكونات، على حد تعبيره .

ميمون التونسي