إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الدكتور عبد الجليل بوقرة في المجلس الثقافي بربيع القيروان: هذه عوائق النهضة العربية اليوم

 

 حرية المعتقد هي عنوان المعنى الحقيقي للإيمان

التوظيف السياسي للدين مشكل أساسي للحريات الفردية

تونس- الصباح 

 مثًل المجلس الثقافي ضمن فعاليات الدورة 25 لمهرجان ربيع الفنون الدولي بالقيروان حدثا ثقافيا وفكريا استثنائيا على اعتبار أهمية الطرح الفكري الذي تمت مناقشته في هذا الظرف الذي تعيش على وقعه الدول العربية بدرجة أولى فالدورة 25 لمهرجان ربيع الفنون الدولي بالقيروان التي انتظمت في الفترة من 21 الى 25 جوان اختارت الوقوف بعين التحليل والتمحيص والشرح والتوضيح عند عوائق النهضة العربية اليوم انطلاقا من سؤال حارق " لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم. " اللقاء الفكري احتضنه فضاء بيت الشعر بالمدينة العتيقة بالقيروان وحضره جمع غفير من اهل الفكر والثقافة وكانت انطلاقة هذا المجلس الثقافي بمداخلة للباحث محمد المي الذي عاد بالذاكرة الى ابرز المحطات التي عرفتها النهضة العربية على امتداد العصور المنقضية وتوقف عند تجارب ومبادرات العديد من اهل الفكر الإصلاحي في الوطن العربي على غرار المصلح خير الدين التونسي ليخلص الى اننا اليوم امام الكثير من التحديات التي لابد من كسبها ان كنا نريد المزيد من التطور والتحرر الفكري المسؤول نحن والحريات الفردية وقدم الدكتور عبدالجليل بوقرة مداخلة شدت الانتباه وقد انطلق فيها من حدث تاريخي راى انه كان فاصلا بين عهدين والمتمثل في غزو نابليون بونابرت لمصر،  حدث استفاق فيه المسلمين على حقيقة مفزعة.

" .لقد خلخلت مدافع نابليون " والكلام للدكتور عبد الجليل بوقرة " قناعات ظلّت ثابتة ومستقرّة في عقول العرب والمسلمين ووجدانهم منذ أكثر من ألف سنة، ودفعتهم، لأوّل مرّة في تاريخ العقل العربي المسلم، إلى إلقاء سؤال معرفيّ ووجودي على أنفسهم: "لماذا تخلّف المسلمون وتقدّم غيرهم؟". ولئن تعدّدت الأجوبة وازداد الاهتمام بالغرب، مؤسّسات ومجمعات، وتعدّدت البعثات الطلاّبية إلى العواصم الغربية ورحلات النخب الفكرية والسّياسيّة، فإنّ الأمر استقرّ على اعتبار الدّساتير مخلّصة من التخلّف وضامنة للنهضة الحديثة، فكان أن سنّت بعض الدّول الاسلامية، منذ اواخر القرن التاسع عشر إلى اليوم، دساتير تشبه دساتير الغرب شكلا وتختلف عنها جوهريّا في المضامين، وخاصّة فيما يتعلّق بالحرّيات الفردية وحدودها.

تعود مشكلة الحرّيات الفردية أساسا إلى معضلة نشأة الدّولة الوطنية في بلاد المسلمين، إذ لم تكن الأسس التي بُنِيت عليها من التربة المحلّية واعتُبِرت أسسا أجنبية مستوردة ممّا جعل من الصّعب على المجتمعات الاسلامية هضم ثمرات الحداثة ثمّ مواجهة معضلة أساسية وهي عدم الاعتراف بالفرد، في حين يتمثّل أساس الحرّيات الفردية في الاعتراف بالفرد كإنسان خلاّق وكصاحب مبادرة وككائن قادر على التّفكير وعلى القيام بتدبير مجاله، وأن يختار نمط حياته بحرّية. فالمنظومة الاسلامية لا تعترف سوى بــ"الجماعة"، إذ يعتبر المسلمون أنفسهم "جماعة دينيّة منسجمة"، وكلّ من يكون خارج الجماعة مهما كانت ديانته، يكون دائما مهمّشا وبحقوق دنيا وبمواطنة من درجة ثانية،. غير ان هذه القناعة بمفهوم الجماعة كما بين ذلك الدكتور عبد الجليل بوقرة جعلت المسلمين، سنّة وشيعة، عاجزين عن تدبير وضعية الفرد في إطار الدّولة الحديثة التي تستوجب أن يكون هناك مجتمع من "الأفراد" يخضعون للقانون ويتساوون أمامه، لكنّ ذلك غير ممكن في إطار مفهوم "الجماعة"، إذ تعتبر الجماعة أنّ الرّباط الدّيني هو فقط ما يربط بين أعضائها، ولا يخضعون سوى إلى سلطة الحاكم الذي يقيم الدّين، بما يعني أنّ غير المنتمين إلى دين الحاكم لا يمكنهم التمتّع بنفس حقوق معتنقي دين الحاكم.

لقد كان مفهوم الجماعة سببا رئيسيّا في عدم الاعتراف بالحقوق الفردية ومنها الحرّيات الفردية المتمثلة في حقّ الفرد في اختيار نمط حياته من أكل وشرب ولباس وإبداع فنّي وأدبي وتصرّف في جسده.

وتبقى "أم الحرّيات الفردية" دون منازع: حرّية المعتقد.

تعطي حرّية المعتقد معنى حقيقي للإيمان، في حين لدى المسلمين اليوم خلل في معنى الإيمان، وعدم استيعاب اختلاف معنى الإيمان اليوم عن معناه بالأمس. كان إيمان الأمس في إطار الجماعة التي تخضع لها، أي أنّه كان إيمانا مصيريّا فإمّا أن تؤمن لتضمن حقّك في الحياة أو ترفض فتُقتَل، أمّا إيمان اليوم فهو فردي حرّ واختياري وقابل للتغيير في كلّ وقت.

 وبين الدكتور عبدالجليل بوقرة إنّ العبث بالدّين والاستمرار في توظيفه توظيفا سياسيّا سلطويا للهيمنة على المجتمع وضبطه هو المشكل الأساسي للحرّيات الفردية في العالم الإسلامي وكشف ان من أكبر الأكاذيب المنتشرة في دساتيرنا هي الإقرار بحرّية المعتقد، في حين يفنّد واقعنا وقوانيننا ذلك الإدعاء ولا تختلف في ذلك تونس بمشروعها التحديثي المبكّر منذ إعلان دستور 1959 عن الدّول الاسلامية الرّافضة أصلا لسنّ دستور وضعي.

وتوقف الدكتور عبدالجليل بوقرة في هذا المجال عند حالة المناضل الوطني التونسي الرّاحل جورج عدّة (1916-2008) الذي قدّم الكثير إلى وطنه أثناء معركة التحرّر الوطني والاجتماعي مّا كلّفه الاعتقال في مناسبتين والإبعاد إلى الصّحراء، لكن نضاله لم يشفع له بعد تحرّر وطنه من أن يكون له الحقّ في الترشّح إلى الانتخابات الرّئاسية، فقط الحق في الترشّح رغم انعدام حظوظه في النّجاح، لأنّه ينتمي إلى أقلّية يهودية.

وانتهى  المتحدث الى القول "عندما تضمن دساتيرنا وقوانيننا الحرّيات الفردية وعلى رأسها حرّية المعتقد، أي عندما يسمحون للتونسي اليهودي أو التونسي المسيحي بالترشّح إلى الانتخابات الرئاسية وعندما لا يحاكمون مفطرا في رمضان بتهمة "القيام بفعل فاحش"، ساعتها حدّثونا عن الدّيمقراطية وعن الدّستور الجديد والجمهورية الجديدة وعن الثّورة غير المسبوقة في التاريخ البشري.

محسن بن احمد

الدكتور عبد الجليل بوقرة في المجلس الثقافي بربيع  القيروان:   هذه عوائق النهضة العربية اليوم

 

 حرية المعتقد هي عنوان المعنى الحقيقي للإيمان

التوظيف السياسي للدين مشكل أساسي للحريات الفردية

تونس- الصباح 

 مثًل المجلس الثقافي ضمن فعاليات الدورة 25 لمهرجان ربيع الفنون الدولي بالقيروان حدثا ثقافيا وفكريا استثنائيا على اعتبار أهمية الطرح الفكري الذي تمت مناقشته في هذا الظرف الذي تعيش على وقعه الدول العربية بدرجة أولى فالدورة 25 لمهرجان ربيع الفنون الدولي بالقيروان التي انتظمت في الفترة من 21 الى 25 جوان اختارت الوقوف بعين التحليل والتمحيص والشرح والتوضيح عند عوائق النهضة العربية اليوم انطلاقا من سؤال حارق " لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم. " اللقاء الفكري احتضنه فضاء بيت الشعر بالمدينة العتيقة بالقيروان وحضره جمع غفير من اهل الفكر والثقافة وكانت انطلاقة هذا المجلس الثقافي بمداخلة للباحث محمد المي الذي عاد بالذاكرة الى ابرز المحطات التي عرفتها النهضة العربية على امتداد العصور المنقضية وتوقف عند تجارب ومبادرات العديد من اهل الفكر الإصلاحي في الوطن العربي على غرار المصلح خير الدين التونسي ليخلص الى اننا اليوم امام الكثير من التحديات التي لابد من كسبها ان كنا نريد المزيد من التطور والتحرر الفكري المسؤول نحن والحريات الفردية وقدم الدكتور عبدالجليل بوقرة مداخلة شدت الانتباه وقد انطلق فيها من حدث تاريخي راى انه كان فاصلا بين عهدين والمتمثل في غزو نابليون بونابرت لمصر،  حدث استفاق فيه المسلمين على حقيقة مفزعة.

" .لقد خلخلت مدافع نابليون " والكلام للدكتور عبد الجليل بوقرة " قناعات ظلّت ثابتة ومستقرّة في عقول العرب والمسلمين ووجدانهم منذ أكثر من ألف سنة، ودفعتهم، لأوّل مرّة في تاريخ العقل العربي المسلم، إلى إلقاء سؤال معرفيّ ووجودي على أنفسهم: "لماذا تخلّف المسلمون وتقدّم غيرهم؟". ولئن تعدّدت الأجوبة وازداد الاهتمام بالغرب، مؤسّسات ومجمعات، وتعدّدت البعثات الطلاّبية إلى العواصم الغربية ورحلات النخب الفكرية والسّياسيّة، فإنّ الأمر استقرّ على اعتبار الدّساتير مخلّصة من التخلّف وضامنة للنهضة الحديثة، فكان أن سنّت بعض الدّول الاسلامية، منذ اواخر القرن التاسع عشر إلى اليوم، دساتير تشبه دساتير الغرب شكلا وتختلف عنها جوهريّا في المضامين، وخاصّة فيما يتعلّق بالحرّيات الفردية وحدودها.

تعود مشكلة الحرّيات الفردية أساسا إلى معضلة نشأة الدّولة الوطنية في بلاد المسلمين، إذ لم تكن الأسس التي بُنِيت عليها من التربة المحلّية واعتُبِرت أسسا أجنبية مستوردة ممّا جعل من الصّعب على المجتمعات الاسلامية هضم ثمرات الحداثة ثمّ مواجهة معضلة أساسية وهي عدم الاعتراف بالفرد، في حين يتمثّل أساس الحرّيات الفردية في الاعتراف بالفرد كإنسان خلاّق وكصاحب مبادرة وككائن قادر على التّفكير وعلى القيام بتدبير مجاله، وأن يختار نمط حياته بحرّية. فالمنظومة الاسلامية لا تعترف سوى بــ"الجماعة"، إذ يعتبر المسلمون أنفسهم "جماعة دينيّة منسجمة"، وكلّ من يكون خارج الجماعة مهما كانت ديانته، يكون دائما مهمّشا وبحقوق دنيا وبمواطنة من درجة ثانية،. غير ان هذه القناعة بمفهوم الجماعة كما بين ذلك الدكتور عبد الجليل بوقرة جعلت المسلمين، سنّة وشيعة، عاجزين عن تدبير وضعية الفرد في إطار الدّولة الحديثة التي تستوجب أن يكون هناك مجتمع من "الأفراد" يخضعون للقانون ويتساوون أمامه، لكنّ ذلك غير ممكن في إطار مفهوم "الجماعة"، إذ تعتبر الجماعة أنّ الرّباط الدّيني هو فقط ما يربط بين أعضائها، ولا يخضعون سوى إلى سلطة الحاكم الذي يقيم الدّين، بما يعني أنّ غير المنتمين إلى دين الحاكم لا يمكنهم التمتّع بنفس حقوق معتنقي دين الحاكم.

لقد كان مفهوم الجماعة سببا رئيسيّا في عدم الاعتراف بالحقوق الفردية ومنها الحرّيات الفردية المتمثلة في حقّ الفرد في اختيار نمط حياته من أكل وشرب ولباس وإبداع فنّي وأدبي وتصرّف في جسده.

وتبقى "أم الحرّيات الفردية" دون منازع: حرّية المعتقد.

تعطي حرّية المعتقد معنى حقيقي للإيمان، في حين لدى المسلمين اليوم خلل في معنى الإيمان، وعدم استيعاب اختلاف معنى الإيمان اليوم عن معناه بالأمس. كان إيمان الأمس في إطار الجماعة التي تخضع لها، أي أنّه كان إيمانا مصيريّا فإمّا أن تؤمن لتضمن حقّك في الحياة أو ترفض فتُقتَل، أمّا إيمان اليوم فهو فردي حرّ واختياري وقابل للتغيير في كلّ وقت.

 وبين الدكتور عبدالجليل بوقرة إنّ العبث بالدّين والاستمرار في توظيفه توظيفا سياسيّا سلطويا للهيمنة على المجتمع وضبطه هو المشكل الأساسي للحرّيات الفردية في العالم الإسلامي وكشف ان من أكبر الأكاذيب المنتشرة في دساتيرنا هي الإقرار بحرّية المعتقد، في حين يفنّد واقعنا وقوانيننا ذلك الإدعاء ولا تختلف في ذلك تونس بمشروعها التحديثي المبكّر منذ إعلان دستور 1959 عن الدّول الاسلامية الرّافضة أصلا لسنّ دستور وضعي.

وتوقف الدكتور عبدالجليل بوقرة في هذا المجال عند حالة المناضل الوطني التونسي الرّاحل جورج عدّة (1916-2008) الذي قدّم الكثير إلى وطنه أثناء معركة التحرّر الوطني والاجتماعي مّا كلّفه الاعتقال في مناسبتين والإبعاد إلى الصّحراء، لكن نضاله لم يشفع له بعد تحرّر وطنه من أن يكون له الحقّ في الترشّح إلى الانتخابات الرّئاسية، فقط الحق في الترشّح رغم انعدام حظوظه في النّجاح، لأنّه ينتمي إلى أقلّية يهودية.

وانتهى  المتحدث الى القول "عندما تضمن دساتيرنا وقوانيننا الحرّيات الفردية وعلى رأسها حرّية المعتقد، أي عندما يسمحون للتونسي اليهودي أو التونسي المسيحي بالترشّح إلى الانتخابات الرئاسية وعندما لا يحاكمون مفطرا في رمضان بتهمة "القيام بفعل فاحش"، ساعتها حدّثونا عن الدّيمقراطية وعن الدّستور الجديد والجمهورية الجديدة وعن الثّورة غير المسبوقة في التاريخ البشري.

محسن بن احمد