عاد الجدل من جديد حول دور مؤسسات سبر الآراء في تونس ومدى تحكمها وتوجيهها للمشهد السياسي بشكل عام وتحكمها بشكل أو بآخر في الدوائر الضيقة فيه لعبة عبر منح "تأشيرة" الوجود تحت الأضواء من عدمها. ومدعاة طرح هذه المسألة هو عودة هذه المؤسسات والعملية من جديد بعد غياب لأشهر لكن بنفس الأدوات والآليات والتوجه في اختيار الأسماء. فبعد إعلان "إمرود كونسيلتينغ" منذ أيام عن نتائج آخر عملية نظمتها في الغرض خلال العشرية الأولى للشهر الجاري حول نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية التي شملت عينة من المستجوبين من كامل ولايات الجمهورية، بعد أن كانت آخر عملية انتظمت في الغرض منذ شهر فيفري الماضي. وتزامن ذلك مع عودة الحديث والجدل والحوار في بعض الأوساط السياسية عن الانتخابات الرئاسية وانطلاق التحضيرات لهذا الموعد المنتظر تنظيمه في النصف الثاني من السنة المقبلة.
لتعيد بذلك هذه العملية الخوض من جديد في مسألة الترشحات للرئاسية قبل عام تقريبا من الموعد المقرر للانتخابات الرئاسية، باعتبار أن رئيس الجمهورية قيس سعيد كان قد أكد أنه سيتم احترام الموعد المحدد لهذا الاستحقاق الانتخابي المقرر تنظيمه سنة 2024 وذلك في رده على ما ذهب له البعض من معارضي سياسته سواء من المطالبين بضرورة تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة بعد تغيير دستور 2014 وتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها إثر حل البرلمان المنبثق عن انتخابات 2019 وما أسفرت عنه القرارات التي اتخذها بعد 25 جويلية 2021 من قوانين اللعبة السياسية أو المشككين في مدى التزامه باحترام الآجال والمدة القانونية المعتمدة في الانتخابات الرئاسية، خاصة أن عدة مسائل دستورية وإجرائية وقانونية ذات علاقة بهذه العملية لم يتم الحسم فيها بعد.
ولعل ما يدفع للاستفهام حول عملية سبر الآراء الأخيرة ومدى جدواها في هذه المرحلة تحديدا التي تتجه فيها الأنظار إلى امتحانات نهاية السنة الدراسية والجامعية والاستعداد لفصل الصيف وما يمثله من موسم العطل والأفراح والترفيه. الأمر الذي يفتح المجال للتأويلات والقراءات المختلفة. فهي من خلال الأسماء التي تضمنتها تعود للتحريك في "المياه الراكدة" على نحو يعيد بعض الأسماء التي دخلت طي النسيان أو لم تعد الظروف والسياقات موائمة لتكون في السباق على الرئاسية، ليضعها في واجهة التداول في المشهد السياسي من جديد لأن بعضها في السجون أو تلاحقه قضايا أو فارا خارج حدود الوطن أو غادر الحياة الحزبية.
وهو ما يعزز الآراء التي تذهب إلى أن مثل هذه العملية تفقد المصداقية، فباستثناء قيس سعيد الذي يباشر مهامه رئيسا للجمهورية والذي حل في المركز الأول حسب نوايا التصويت في سبر الآراء المذكور أعلاه بنسبة 68.7% وعبير موسي رئيسة حزب الدستوري الحر الذي وردت في المركز الثاني بفارق كبير بنسبة 8% باعتبار تواصل النشاط والتحرك في حزبها إضافة إلى فاضل عبد الكافي رئيس حزب آفاق تونس، فإن بقية الأسماء -وفق عديد الملاحظين - تم الزج بها عنوة في هذه العملية، لم يعد لها مكان بارز في الساحة السياسية تقريبا على نحو ما كان عليه الأمر قبل 25 جويلية 2021.
فراشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة، الذي ورد في المركز السادس بـ1.6% من نسب التصويت، لا يزال يقبع في السجن وتلاحقه عدة قضايا إضافة إلى منصف المرزوقي المتواجد خارج تونس وهو بدوره ملاحقا قضائيا فيما استقال محمد عبو من حزبه التيار الديمقراطي وقد ورد في المركز الأخير في سبر الآراء بـ1.1% من نوايا التصويت في الرئاسية القادمة. وساهمت قرارات رئيس الجمهورية خلال السنتين الأخيرتين بشكل أو بآخر في بعثرة أوراق اللعبة في الساحة السياسية على نحو أدى إلى سحب البساط من تحت أقدام أغلب الفاعلين والناشطين في المجال من أحزاب وأسماء كلاسيكية أو أخرى ناشئة تمخضت عن المناخ السياسي لتونس ما بعد 2011.
فالصافي سعيد أو لطفي المرايحي، الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري من الأسماء التي تضمنتها نفس العملية ولم تحقق في نوايا التصويت المذكورة سوى نسب متدنية مقارنة بما سجل لفائدة قيس سعيد، باعتبار أن الأول حظي بـ7.6% والثاني 1.4%.
لذلك تطرح هذه العملية عدة استفاهامات حول شروط ومقاييس الاختيار، لاسيما في ظل حالة شبه الركود السياسي الذي تعيشه بلادنا في هذه المرحلة الانتقالية على جميع المستويات، لتكون بذلك العملية في ظاهرها أشبه بمحرار لمقياس موقع بعض الأسماء التي كانت ناشطة وبارزة ومتحكمة في المشهد السياسي ومنظومة الحكم في الفترة السابقة والحالية قياسا إلى القائمة التي تضمنتها، وفي أبعادها هي محاولة لفتح المجال للخوض في الانتخابات الرئاسية خاصة أن عدة جهات سياسية ومدنية بدأت الاستعداد لطرح المسائل المتعلقة بهذا الاستحقاق.
لتطرح هذه المسألة بدورها ضرورة تقنين هذا المجال الذي لا يزال غير منظم قانونيا ورسميا، رغم الدعوات الواسعة لضرورة تقنينه وتنظيمه، خاصة أنه سبق أن تم عرض مشاريع قوانين في الغرض على البرلمانات السابقة في سنوات 2016 و2017 و2020 ولكن لم يتم الحسم في هذه المسألة. إذ يطالب البعض بضرورة إحداث هيئة عمومية مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي تسمى هيئة سبر الآراء في مجالات تكلف بمراقبة نسب مشاهدة وسائل الإعلام واستهلاك البضائع والخدمات بقطع النظر عن شروط تكوينها وعن قانون تنظيمها ومهامها المحددة بما يخدم المشهد العام ويجعل من عمليات سبر الآراء آلية علمية ناجعة في مختلف المجالات والقطاعات وليس في ما هو سياسي فقط.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
عاد الجدل من جديد حول دور مؤسسات سبر الآراء في تونس ومدى تحكمها وتوجيهها للمشهد السياسي بشكل عام وتحكمها بشكل أو بآخر في الدوائر الضيقة فيه لعبة عبر منح "تأشيرة" الوجود تحت الأضواء من عدمها. ومدعاة طرح هذه المسألة هو عودة هذه المؤسسات والعملية من جديد بعد غياب لأشهر لكن بنفس الأدوات والآليات والتوجه في اختيار الأسماء. فبعد إعلان "إمرود كونسيلتينغ" منذ أيام عن نتائج آخر عملية نظمتها في الغرض خلال العشرية الأولى للشهر الجاري حول نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية التي شملت عينة من المستجوبين من كامل ولايات الجمهورية، بعد أن كانت آخر عملية انتظمت في الغرض منذ شهر فيفري الماضي. وتزامن ذلك مع عودة الحديث والجدل والحوار في بعض الأوساط السياسية عن الانتخابات الرئاسية وانطلاق التحضيرات لهذا الموعد المنتظر تنظيمه في النصف الثاني من السنة المقبلة.
لتعيد بذلك هذه العملية الخوض من جديد في مسألة الترشحات للرئاسية قبل عام تقريبا من الموعد المقرر للانتخابات الرئاسية، باعتبار أن رئيس الجمهورية قيس سعيد كان قد أكد أنه سيتم احترام الموعد المحدد لهذا الاستحقاق الانتخابي المقرر تنظيمه سنة 2024 وذلك في رده على ما ذهب له البعض من معارضي سياسته سواء من المطالبين بضرورة تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة بعد تغيير دستور 2014 وتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها إثر حل البرلمان المنبثق عن انتخابات 2019 وما أسفرت عنه القرارات التي اتخذها بعد 25 جويلية 2021 من قوانين اللعبة السياسية أو المشككين في مدى التزامه باحترام الآجال والمدة القانونية المعتمدة في الانتخابات الرئاسية، خاصة أن عدة مسائل دستورية وإجرائية وقانونية ذات علاقة بهذه العملية لم يتم الحسم فيها بعد.
ولعل ما يدفع للاستفهام حول عملية سبر الآراء الأخيرة ومدى جدواها في هذه المرحلة تحديدا التي تتجه فيها الأنظار إلى امتحانات نهاية السنة الدراسية والجامعية والاستعداد لفصل الصيف وما يمثله من موسم العطل والأفراح والترفيه. الأمر الذي يفتح المجال للتأويلات والقراءات المختلفة. فهي من خلال الأسماء التي تضمنتها تعود للتحريك في "المياه الراكدة" على نحو يعيد بعض الأسماء التي دخلت طي النسيان أو لم تعد الظروف والسياقات موائمة لتكون في السباق على الرئاسية، ليضعها في واجهة التداول في المشهد السياسي من جديد لأن بعضها في السجون أو تلاحقه قضايا أو فارا خارج حدود الوطن أو غادر الحياة الحزبية.
وهو ما يعزز الآراء التي تذهب إلى أن مثل هذه العملية تفقد المصداقية، فباستثناء قيس سعيد الذي يباشر مهامه رئيسا للجمهورية والذي حل في المركز الأول حسب نوايا التصويت في سبر الآراء المذكور أعلاه بنسبة 68.7% وعبير موسي رئيسة حزب الدستوري الحر الذي وردت في المركز الثاني بفارق كبير بنسبة 8% باعتبار تواصل النشاط والتحرك في حزبها إضافة إلى فاضل عبد الكافي رئيس حزب آفاق تونس، فإن بقية الأسماء -وفق عديد الملاحظين - تم الزج بها عنوة في هذه العملية، لم يعد لها مكان بارز في الساحة السياسية تقريبا على نحو ما كان عليه الأمر قبل 25 جويلية 2021.
فراشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة، الذي ورد في المركز السادس بـ1.6% من نسب التصويت، لا يزال يقبع في السجن وتلاحقه عدة قضايا إضافة إلى منصف المرزوقي المتواجد خارج تونس وهو بدوره ملاحقا قضائيا فيما استقال محمد عبو من حزبه التيار الديمقراطي وقد ورد في المركز الأخير في سبر الآراء بـ1.1% من نوايا التصويت في الرئاسية القادمة. وساهمت قرارات رئيس الجمهورية خلال السنتين الأخيرتين بشكل أو بآخر في بعثرة أوراق اللعبة في الساحة السياسية على نحو أدى إلى سحب البساط من تحت أقدام أغلب الفاعلين والناشطين في المجال من أحزاب وأسماء كلاسيكية أو أخرى ناشئة تمخضت عن المناخ السياسي لتونس ما بعد 2011.
فالصافي سعيد أو لطفي المرايحي، الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري من الأسماء التي تضمنتها نفس العملية ولم تحقق في نوايا التصويت المذكورة سوى نسب متدنية مقارنة بما سجل لفائدة قيس سعيد، باعتبار أن الأول حظي بـ7.6% والثاني 1.4%.
لذلك تطرح هذه العملية عدة استفاهامات حول شروط ومقاييس الاختيار، لاسيما في ظل حالة شبه الركود السياسي الذي تعيشه بلادنا في هذه المرحلة الانتقالية على جميع المستويات، لتكون بذلك العملية في ظاهرها أشبه بمحرار لمقياس موقع بعض الأسماء التي كانت ناشطة وبارزة ومتحكمة في المشهد السياسي ومنظومة الحكم في الفترة السابقة والحالية قياسا إلى القائمة التي تضمنتها، وفي أبعادها هي محاولة لفتح المجال للخوض في الانتخابات الرئاسية خاصة أن عدة جهات سياسية ومدنية بدأت الاستعداد لطرح المسائل المتعلقة بهذا الاستحقاق.
لتطرح هذه المسألة بدورها ضرورة تقنين هذا المجال الذي لا يزال غير منظم قانونيا ورسميا، رغم الدعوات الواسعة لضرورة تقنينه وتنظيمه، خاصة أنه سبق أن تم عرض مشاريع قوانين في الغرض على البرلمانات السابقة في سنوات 2016 و2017 و2020 ولكن لم يتم الحسم في هذه المسألة. إذ يطالب البعض بضرورة إحداث هيئة عمومية مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي تسمى هيئة سبر الآراء في مجالات تكلف بمراقبة نسب مشاهدة وسائل الإعلام واستهلاك البضائع والخدمات بقطع النظر عن شروط تكوينها وعن قانون تنظيمها ومهامها المحددة بما يخدم المشهد العام ويجعل من عمليات سبر الآراء آلية علمية ناجعة في مختلف المجالات والقطاعات وليس في ما هو سياسي فقط.