إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صباح الجمعة.. يريدون الزبدة وثمن الزبدة.. هذا كثير

 

يكتبها: محمد معمري

 

لم أجد في ذاكرتي من الأمثال الدالة على ما سأتحدث عنه إلا هذا التعبير الفرنسي "vouloir le beurre et l’argent du berre" وقد عربته بـ"يريدون الزبدة وثمن الزبدة" وأرجو أن أكون موفقا في هذا التعريب، أما عن سبب التعريب فيعود إلى مسألة قانونية متعارف عليها في عديد الدول، وتطرح هذه المسألة نموذجين من البشر.

الأول مواطن عادي مكتف بحياته الخاصة يعاني مشاكله الأسرية وشجاراته اليومية مع زوجته وجيرانه، ويذهب إلى البنك مستجديا سلفة حتى يتمكن من توفير القوت لأبنائه والإيفاء بالتزاماته مع دائنيه، أو مواطن عادي يعيش رفاهيته وسعادته الأسرية وعلاقاته الطيبة مع كل من يعرفهم بشكل طبيعي وعادي بعيدا عن الأضواء مكتفيا بما لديه وطامحا في المزيد بمجهوده أو غيره .

الثاني مواطن كان عاديا لكن طموحه السياسي أو المجتمعي جعله يتصدى للعمل العام من خلال مشاركته في جمعيات أو أحزاب ومشاركته في الانتخابات باعتباره مترشحا إلى إحدى المناصب القيادية في الدائرة البلدية التي يقطن فيها أو في برلمان بلده أو يترشح لتولي إحدى المناصب الكبرى وزيرا أو رئيسا للحكومة أو رئيسا للدولة، مما يجعل الأضواء مسلطة عليه باعتباره خرج من دائرة المواطن العادي إلى مواطن مشهور له محبين وأعداء في المجال  الذي ينشط فيه.

في جلّ بلدان العالم المواطن الأول يتمتع بكل الضمانات القانونية التي تجعل من حياته الشخصية أمرا مقدسا لا يمكن التدخل فيه أو المساس منه بأي شكل من الأشكال حتى وإن ارتكب جرما فيبقى جرما يستحق الملاحقة القانونية دون تشهير أو ذكر لهوية الشخص المتهم بالجريمة مهما كان نوعها وإن تمّ الحديث عنها فدون ذكر هويته الشخصية، وهذا الشخص لا يحق لأي كان نشر أي خبر عن حياته الشخصية دون إذن مسبق منه، ومن يفعل ذلك يتعرض للمساءلة القانونية.

أما الشخص الثاني والذي تصدر للعمل العام وبات ضيفا في المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية وتنشر أخباره في الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية باعتباره شخصية عامة مشهورة في المجال الذي تنشط فيه، فالحماية القانونية لحياته الشخصية تتضاءل مقارنة بالشخص الأول، نتيجة اختيار كل طرف منهما، وإذا ارتكب هذا الشخص الثاني جرما أو مخالفة قانونية حتى وإن كانت غاية في البساطة فيمكن التشهير به ونشر أخبار عما قام به حتى ينال العقاب الذي يستحقه والأمثلة عن ذلك كثيرة، ففي السويد اضطرت مونا سالين نائبة رئيس الحكومة السويدية إلى الاستقالة سنة 1995 بعد أن قامت باستخدام بطاقة بنكية حكومية لدفع ثمن مشتريات خاصة ومنها قطعة شكلاطه من نوع "توبيلرون" لتصبح القضية معروفة بـ "قضية توبيلرون"، علما وأن قيمة المشتريات لم تتجاوز الستين دولارا وهو مبلغ زهيد لكن القانون يطبق على الجميع. ومن الأمثلة الأخرى ما حصل لسويلا بريفرمان وزيرة الداخلية البريطانية سنة 2022 حيث أرسلت وثيقة حكومية رسمية من بريدها الخاص عوضا عن البريد الحكومي وهو ما اعتبر خطأ يمس من الأمن العام.

هذه النماذج وغيرها كثير ماذا تعني؟ تعني أن للتصدي للعمل والشهرة كلفته التي عليك دفعها حين تخطئ لأنك اخترت أن تكون كذلك فلا يحق لك التمتع بالضمانات التي يتمتع بها المواطن العادي، وهو ما على كبار المسؤولين والوزراء والحكام فهمه حينما ينشر صحفيا أو صحفية خبرا عما قاموا به بعد التأكد من صحته بالحجج والوثائق، ويدخل ذلك في خانتين الأولى هي خانة حرية الصحافة والتعبير والثانية هي خانة رفع الضمانات القانونية للشخصية العامة لأنها اختارت أن تكون كذلك وبالتالي لا يحق لها التمتع بالزبدة وثمن الزبدة فهذا كثير.      

صباح الجمعة.. يريدون الزبدة وثمن الزبدة.. هذا كثير

 

يكتبها: محمد معمري

 

لم أجد في ذاكرتي من الأمثال الدالة على ما سأتحدث عنه إلا هذا التعبير الفرنسي "vouloir le beurre et l’argent du berre" وقد عربته بـ"يريدون الزبدة وثمن الزبدة" وأرجو أن أكون موفقا في هذا التعريب، أما عن سبب التعريب فيعود إلى مسألة قانونية متعارف عليها في عديد الدول، وتطرح هذه المسألة نموذجين من البشر.

الأول مواطن عادي مكتف بحياته الخاصة يعاني مشاكله الأسرية وشجاراته اليومية مع زوجته وجيرانه، ويذهب إلى البنك مستجديا سلفة حتى يتمكن من توفير القوت لأبنائه والإيفاء بالتزاماته مع دائنيه، أو مواطن عادي يعيش رفاهيته وسعادته الأسرية وعلاقاته الطيبة مع كل من يعرفهم بشكل طبيعي وعادي بعيدا عن الأضواء مكتفيا بما لديه وطامحا في المزيد بمجهوده أو غيره .

الثاني مواطن كان عاديا لكن طموحه السياسي أو المجتمعي جعله يتصدى للعمل العام من خلال مشاركته في جمعيات أو أحزاب ومشاركته في الانتخابات باعتباره مترشحا إلى إحدى المناصب القيادية في الدائرة البلدية التي يقطن فيها أو في برلمان بلده أو يترشح لتولي إحدى المناصب الكبرى وزيرا أو رئيسا للحكومة أو رئيسا للدولة، مما يجعل الأضواء مسلطة عليه باعتباره خرج من دائرة المواطن العادي إلى مواطن مشهور له محبين وأعداء في المجال  الذي ينشط فيه.

في جلّ بلدان العالم المواطن الأول يتمتع بكل الضمانات القانونية التي تجعل من حياته الشخصية أمرا مقدسا لا يمكن التدخل فيه أو المساس منه بأي شكل من الأشكال حتى وإن ارتكب جرما فيبقى جرما يستحق الملاحقة القانونية دون تشهير أو ذكر لهوية الشخص المتهم بالجريمة مهما كان نوعها وإن تمّ الحديث عنها فدون ذكر هويته الشخصية، وهذا الشخص لا يحق لأي كان نشر أي خبر عن حياته الشخصية دون إذن مسبق منه، ومن يفعل ذلك يتعرض للمساءلة القانونية.

أما الشخص الثاني والذي تصدر للعمل العام وبات ضيفا في المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية وتنشر أخباره في الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية باعتباره شخصية عامة مشهورة في المجال الذي تنشط فيه، فالحماية القانونية لحياته الشخصية تتضاءل مقارنة بالشخص الأول، نتيجة اختيار كل طرف منهما، وإذا ارتكب هذا الشخص الثاني جرما أو مخالفة قانونية حتى وإن كانت غاية في البساطة فيمكن التشهير به ونشر أخبار عما قام به حتى ينال العقاب الذي يستحقه والأمثلة عن ذلك كثيرة، ففي السويد اضطرت مونا سالين نائبة رئيس الحكومة السويدية إلى الاستقالة سنة 1995 بعد أن قامت باستخدام بطاقة بنكية حكومية لدفع ثمن مشتريات خاصة ومنها قطعة شكلاطه من نوع "توبيلرون" لتصبح القضية معروفة بـ "قضية توبيلرون"، علما وأن قيمة المشتريات لم تتجاوز الستين دولارا وهو مبلغ زهيد لكن القانون يطبق على الجميع. ومن الأمثلة الأخرى ما حصل لسويلا بريفرمان وزيرة الداخلية البريطانية سنة 2022 حيث أرسلت وثيقة حكومية رسمية من بريدها الخاص عوضا عن البريد الحكومي وهو ما اعتبر خطأ يمس من الأمن العام.

هذه النماذج وغيرها كثير ماذا تعني؟ تعني أن للتصدي للعمل والشهرة كلفته التي عليك دفعها حين تخطئ لأنك اخترت أن تكون كذلك فلا يحق لك التمتع بالضمانات التي يتمتع بها المواطن العادي، وهو ما على كبار المسؤولين والوزراء والحكام فهمه حينما ينشر صحفيا أو صحفية خبرا عما قاموا به بعد التأكد من صحته بالحجج والوثائق، ويدخل ذلك في خانتين الأولى هي خانة حرية الصحافة والتعبير والثانية هي خانة رفع الضمانات القانونية للشخصية العامة لأنها اختارت أن تكون كذلك وبالتالي لا يحق لها التمتع بالزبدة وثمن الزبدة فهذا كثير.