إذا صح فهمنا لأهداف القمة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي ماكرون تحت شعار "من أجل ميثاق مالي دولي جديد"، والتي تختتم أشغالها اليوم في العاصمة الفرنسية باريس فالأكيد أننا سنكون إزاء معركة للقيم الكونية في مواجهة لعبة المصالح المالية الدولية وهي معركة تضع الدول الكبرى أمام دول العالم الثالث الأضعف التي تبحث لها عن موقع في الخارطة الدولية الجديدة.. ولعله من المهم الإشارة إلى أن قمة باريس قد لا تختلف كثيرا عن مختلف القمم الأممية التي ارتبطت بأهداف التنمية والقضاء على الفقر وإنقاذ الأجيال من مخاطر التقلبات المناخية والاحتباس الحراري وكل الآفات العالقة ولكن يبقى السؤال المطروح ما الذي يمكن لقمة باريس تغييره وهل أن ما ستخرج به من توصيات سيكون قابلا للتنفيذ والاستجابة لتطلعات الدول المعنية التي تنتظر تخليصها من ديونها المتفاقمة ومساعدتها على الاستثمار في طاقاتها وإمكانياتها البشرية والطبيعية.. سيكون من السابق لأوانه الحديث عن انجازات يمكن بمقتضاها الحد من الأزمات في العالم.. فالواقعية تفترض التأمل في حالة الاستقطاب الحاصل وما فرضته جائحة كوفيد ومن بعدها الحرب الروسية في أوكرانيا.. وإذا كانت الصين ممثلة برئيس وزرائها في هذه القمة فإن روسيا تبقى غائبة عن هذا الموعد الذي يشارك فيه نحو خمسين من رؤساء ورؤساء الحكومات في العالم وقد جاء كل حاملا مقاربة خاصة وحلما بعالم أقل ظلما وأكثر عدلا في التعاطي مع الشعوب ...
الواضح وعلى وقع كلمة الرئيس المضيف للقمة إيمانويل ماكرون أن هناك قناعة بضرورة تجديد الهيكل المالي الدولي المنبثق عن اتفاقات بريتون وودز منذ 1944 مع إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهو ما يعني صراحة أن في ذلك اعترافا بفشل المنظومة أو باهترائها وتجاوز الأحداث للأسباب والدوافع التي كانت وراء إعلان قيامها قبل نحو ستة عقود بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ..
الأكيد أيضا أنه لا يمكن للرئيس الفرنسي أن ينفرد بالملكية الفكرية لهذه القمة التي فقد سبق وطالبت أطراف كثيرة في دول الجنوب التي تعيش على هامش العالم الحر والتي تغرق في دائرة الاقتراض والتداين بالقطع مع السياسات المالية التي فاقمت الهوة بين الشمال والجنوب وبضرورة استحداث فلسفة جديدة في العلاقات بين الأمم والشعوب لمواجهة التحديات الراهنة بدءا بالتحولات المناخية مرورا بالديون المتفاقمة وصولا الى قضايا الفقر والجوع والهجرة..
ولعله من المهم الإشارة الى أن فكرة القمة خلال مؤتمر الأطراف للمناخ كوب27 في مصر، عقب الخطة التي قدمتها رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي, ليلتقط ماكرون الفكرة ويعمل عليها ويستثمر فيها ويجمع من حوله نحو أربعين من الرؤساء ورؤساء الحكومات ورؤساء المنظمات الدولية التي تتحكم في المؤسسات المالية الدولية..
من الواضح أيضا أن القوى الكبرى باتت مقتنعة بأن الآلة التي اعتمدت حتى الآن لم يعد بالإمكان أن تستمر وأن هناك حاجة لتغيير المنظومة السائدة مع ظهور موجة رفض وتمرد لدى عدد من دول العالم الثالث التي بدأت تستشعر تداعيات المعاناة المضاعفة وتقول لا للقيود التي تفرضها عليها المنظمات المالية الدولية وشروطها المجحفة التي دفعت دولا كثيرة للبحث عن طريق ثالث وتحالفات باعتماد شراكات تتجه نحو الصين وروسيا ودول البريكس كبديل محتمل للمؤسسات المالية الكلاسيكية.. وهي ولئن كانت بدائل قيد التشكل ولم تتضح صلابتها ونجاعتها بعد، فإنها باتت تغري الدول التي تبحث عن متنفس لأزماتها الاقتصادية الخانقة ..
وحتى لا ننسى فإن قمة باريس التي تسعى لوضع حجر الأساس لنظام عالمي جديد من أجل ميثاق مالي دولي مختلف عما هو سائد تأتي بعد يوم فقط على قمة لندن للدول المانحة والتي تعهدت بأكثر من خمسين مليار لفائدة أوكرانيا والتزمت بمواصلة تقديم كل المساعدات المالية والعسكرية حتى توفر كل الضمانات لأوكرانيا ولكن في المقابل تبقى المساعدات المعلنة في قمة باريس هزيلة ولا تلبي التطلعات أو على الأقل الاستجابة للمخاطر العالقة وهي كثيرة ومتعددة بين الأمن الغذائي والصحي والمناخ والسلام وغير ذلك ..
اختيار الرئاسة الفرنسية قصر برونيارت في قلب باريس، والمقر السابق للبورصة الفرنسية، وفي مثل هذا التوقيت ليس من فراغ أو من دون حسابات جيوستراتيجية تتعلق خاصة بعلاقات فرنسا مع محيطها الأوروبي والمتوسطي أيضا مع دخول الحرب الروسية التي أنهكت الجميع شهرها السادس عشر وبالتزامن مع تواتر الدعوات لبحث الأزمات العالقة المرتبطة بقضايا الهجرة والأمن وسبل التصدي لها.
وهو ما يجعل دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل "ميثاق مالي عالمي جديد" إلى "صدمة تمويل عام" مسألة قيد الاختبار لما ستؤول إليه النوايا الطيبة عندما يحين موعد تفعيلها على ارض الواقع ...
الرئيس الفرنسي ماكرون قال خلال افتتاح القمة إن الدول "لا ينبغي أن توضع أمام خيار محاربة الفقر أو مكافحة تغير المناخ".. والواقع أن الدول الفقيرة أمام معادلة صعبة تجعلها تتعاطى مع قضايا المناخ على أنها ترف غير مقدور عليه أمام كم القضايا المستعصية..
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اعتبر أن "الهيكلية المالية الدولية فشلت"، وأن القواعد التي تخصص بموجبها الأموال من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي "أصبحت غير أخلاقية للغاية" وفي ذلك ما يعزز القناعة بأننا إزاء معركة للقيم الكونية ولعبة المصالح الشرسة التي لا تقبل بشراكة قوامها الند للند ...ولعل هذا ما قصده الرئيس قيس سعيد في كلمته عندما قال "نحن لسنا صغارا"..
آسيا العتروس
إذا صح فهمنا لأهداف القمة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي ماكرون تحت شعار "من أجل ميثاق مالي دولي جديد"، والتي تختتم أشغالها اليوم في العاصمة الفرنسية باريس فالأكيد أننا سنكون إزاء معركة للقيم الكونية في مواجهة لعبة المصالح المالية الدولية وهي معركة تضع الدول الكبرى أمام دول العالم الثالث الأضعف التي تبحث لها عن موقع في الخارطة الدولية الجديدة.. ولعله من المهم الإشارة إلى أن قمة باريس قد لا تختلف كثيرا عن مختلف القمم الأممية التي ارتبطت بأهداف التنمية والقضاء على الفقر وإنقاذ الأجيال من مخاطر التقلبات المناخية والاحتباس الحراري وكل الآفات العالقة ولكن يبقى السؤال المطروح ما الذي يمكن لقمة باريس تغييره وهل أن ما ستخرج به من توصيات سيكون قابلا للتنفيذ والاستجابة لتطلعات الدول المعنية التي تنتظر تخليصها من ديونها المتفاقمة ومساعدتها على الاستثمار في طاقاتها وإمكانياتها البشرية والطبيعية.. سيكون من السابق لأوانه الحديث عن انجازات يمكن بمقتضاها الحد من الأزمات في العالم.. فالواقعية تفترض التأمل في حالة الاستقطاب الحاصل وما فرضته جائحة كوفيد ومن بعدها الحرب الروسية في أوكرانيا.. وإذا كانت الصين ممثلة برئيس وزرائها في هذه القمة فإن روسيا تبقى غائبة عن هذا الموعد الذي يشارك فيه نحو خمسين من رؤساء ورؤساء الحكومات في العالم وقد جاء كل حاملا مقاربة خاصة وحلما بعالم أقل ظلما وأكثر عدلا في التعاطي مع الشعوب ...
الواضح وعلى وقع كلمة الرئيس المضيف للقمة إيمانويل ماكرون أن هناك قناعة بضرورة تجديد الهيكل المالي الدولي المنبثق عن اتفاقات بريتون وودز منذ 1944 مع إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهو ما يعني صراحة أن في ذلك اعترافا بفشل المنظومة أو باهترائها وتجاوز الأحداث للأسباب والدوافع التي كانت وراء إعلان قيامها قبل نحو ستة عقود بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ..
الأكيد أيضا أنه لا يمكن للرئيس الفرنسي أن ينفرد بالملكية الفكرية لهذه القمة التي فقد سبق وطالبت أطراف كثيرة في دول الجنوب التي تعيش على هامش العالم الحر والتي تغرق في دائرة الاقتراض والتداين بالقطع مع السياسات المالية التي فاقمت الهوة بين الشمال والجنوب وبضرورة استحداث فلسفة جديدة في العلاقات بين الأمم والشعوب لمواجهة التحديات الراهنة بدءا بالتحولات المناخية مرورا بالديون المتفاقمة وصولا الى قضايا الفقر والجوع والهجرة..
ولعله من المهم الإشارة الى أن فكرة القمة خلال مؤتمر الأطراف للمناخ كوب27 في مصر، عقب الخطة التي قدمتها رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي, ليلتقط ماكرون الفكرة ويعمل عليها ويستثمر فيها ويجمع من حوله نحو أربعين من الرؤساء ورؤساء الحكومات ورؤساء المنظمات الدولية التي تتحكم في المؤسسات المالية الدولية..
من الواضح أيضا أن القوى الكبرى باتت مقتنعة بأن الآلة التي اعتمدت حتى الآن لم يعد بالإمكان أن تستمر وأن هناك حاجة لتغيير المنظومة السائدة مع ظهور موجة رفض وتمرد لدى عدد من دول العالم الثالث التي بدأت تستشعر تداعيات المعاناة المضاعفة وتقول لا للقيود التي تفرضها عليها المنظمات المالية الدولية وشروطها المجحفة التي دفعت دولا كثيرة للبحث عن طريق ثالث وتحالفات باعتماد شراكات تتجه نحو الصين وروسيا ودول البريكس كبديل محتمل للمؤسسات المالية الكلاسيكية.. وهي ولئن كانت بدائل قيد التشكل ولم تتضح صلابتها ونجاعتها بعد، فإنها باتت تغري الدول التي تبحث عن متنفس لأزماتها الاقتصادية الخانقة ..
وحتى لا ننسى فإن قمة باريس التي تسعى لوضع حجر الأساس لنظام عالمي جديد من أجل ميثاق مالي دولي مختلف عما هو سائد تأتي بعد يوم فقط على قمة لندن للدول المانحة والتي تعهدت بأكثر من خمسين مليار لفائدة أوكرانيا والتزمت بمواصلة تقديم كل المساعدات المالية والعسكرية حتى توفر كل الضمانات لأوكرانيا ولكن في المقابل تبقى المساعدات المعلنة في قمة باريس هزيلة ولا تلبي التطلعات أو على الأقل الاستجابة للمخاطر العالقة وهي كثيرة ومتعددة بين الأمن الغذائي والصحي والمناخ والسلام وغير ذلك ..
اختيار الرئاسة الفرنسية قصر برونيارت في قلب باريس، والمقر السابق للبورصة الفرنسية، وفي مثل هذا التوقيت ليس من فراغ أو من دون حسابات جيوستراتيجية تتعلق خاصة بعلاقات فرنسا مع محيطها الأوروبي والمتوسطي أيضا مع دخول الحرب الروسية التي أنهكت الجميع شهرها السادس عشر وبالتزامن مع تواتر الدعوات لبحث الأزمات العالقة المرتبطة بقضايا الهجرة والأمن وسبل التصدي لها.
وهو ما يجعل دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل "ميثاق مالي عالمي جديد" إلى "صدمة تمويل عام" مسألة قيد الاختبار لما ستؤول إليه النوايا الطيبة عندما يحين موعد تفعيلها على ارض الواقع ...
الرئيس الفرنسي ماكرون قال خلال افتتاح القمة إن الدول "لا ينبغي أن توضع أمام خيار محاربة الفقر أو مكافحة تغير المناخ".. والواقع أن الدول الفقيرة أمام معادلة صعبة تجعلها تتعاطى مع قضايا المناخ على أنها ترف غير مقدور عليه أمام كم القضايا المستعصية..
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اعتبر أن "الهيكلية المالية الدولية فشلت"، وأن القواعد التي تخصص بموجبها الأموال من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي "أصبحت غير أخلاقية للغاية" وفي ذلك ما يعزز القناعة بأننا إزاء معركة للقيم الكونية ولعبة المصالح الشرسة التي لا تقبل بشراكة قوامها الند للند ...ولعل هذا ما قصده الرئيس قيس سعيد في كلمته عندما قال "نحن لسنا صغارا"..