مع تواصل نفس العوامل المسببة لعجز توازنات المالية العمومية بالنسبة للسنة الماضية، (تداعيات وباء كورونا، تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، نسبة نمو ضعيفة، ارتفاع كلفة الدعم..) وتأخر حصول اتفاق القرض الممدّد مع صندوق النقد الدولي، وصعوبة توفير موارد مالية خارجية مرسمة بقانون المالية للسنة الجارية،.. بات من شبه المؤكد أن تلجأ الحكومة – مرة أخرى- إلى إعداد مشروع قانون مالية تعديلي لسنة 2023 يتم المصادقة عليه قبل موفى السنة..
وكانت وزيرة المالية سهام نمصية في جلسة عامة للبرلمان عقدت الخميس الماضي، قد أكدت أن ارتفاع مصاريف دعم المواد الأساسية التي فاقت 5 آلاف مليون دينار أثقلت كاهل ميزانية الدولة لسنة 2023، كما أشارت إلى تواصل مخلفات عوامل خارجية على الاقتصاد الوطني وميزانية الدولة مثل وباء كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فيفري 2022..
واعتبرت أن الحكومة باشرت أعمالها وسط وضع دقيق "نتيجة تراكم عديد الإشكاليات القديمة وسياسات اقتصادية واجتماعية أثرت على النمو والوضعية الاقتصادية والتوازنات المالية مما أدى إلى الوصول إلى وضعية صعبة".
وقالت: "هذا الوضع خلق عديد الضغوطات أثرت سلبا في توفير المواد الأساسية.. لأنه عندما اشتغلنا على قانون المالية لسنة 2022 بني على فرضية سعر برميل النفط ب75 دولارا لكنه تجاوز 140 دولارا مما أثر سلبا في ميزانية الدولة".
وأكدت أن الحرب في أوكرانيا كان لها تأثير كبير في مصاريف الدعم في تونس التي بلغت أكثر من 5 آلاف مليون دينار مما أثقل كاهل ميزانية الدولة لسنة 2023.
تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن ميزانية الدولة لسنة 2023 بنيت على أساس أربع فرضيات، وهي نسبة النمو بالأسعار الجارية في حدود 1.8 بالمائة، ومعدل سعر برميل النفط في حدود 89 دولارا للبرميل، والانطلاق في تفعيل عدة إصلاحات اقتصادية وجبائية ومالية، للحد من انزلاق المالية العمومية، والفرضية الرابعة تتمثل في إمضاء اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ورغم أن فرضية نسبة النمو لم تبتعد عن التوقعات المرسومة لها، ونفس الأمر بالنسبة لمعدلات أسعار برميل النفط في العالم التي تتأرجح بين 75 و95 دولارا، إلا أن تأخر تنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية، وتأخر التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي سيكون لهما تأثيرات سلبية على سلامة توازنات المالية العمومية، خاصة في الجانب المتعلق بتوفير موارد مالية خارجية التي يصعب الحصول عليها في ظل تصنيف ائتماني عالي المخاطر، وفي ظل ارتفاع نسبة المديونية وحلول أجل تسديد ديون خارجية ضخمة..
وتقدر ميزانية الدولة لسنة 2023 بـ69.6 مليار دينار بزيادة 14.5 بالمائة مقارنة بميزانية 2022، منها موارد خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار مقابل قروض داخلية بقيمة 9.5 مليارات دينار، كما قدرت المداخيل الجبائية التي ستتم تعبئتها من الضرائب بنحو 40.5 مليار دينار بزيادة 12.5 بالمائة عن المداخيل التي تم تحقيقها خلال العام الماضي.
وفي نفس الإطار، كانت وكالة "ستاندرد آند بورز"، قد رجحت في أحد تقاريرها المنشورة في شهر فيفري الماضي، أن يتعرض الاقتصاد التونسي إلى سيناريو "الضغوط الحادّة"، تكون فيه البلاد في وضع صعب تعجز فيه عن الإيفاء بالتزاماتها المالية إذا لم تتوصل إلى إبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والحصول على دعم آخر في إطار التعاون الثنائي، وتحديدا، من قبل دول الخليج ممّا قد يؤدّي إلى اختلال التوازن في ميزان الدفوعات والمالية العمومية..
وأقرّت وكالة التصنيف الأمريكية أنّ هذا الوضع قد يؤدي، أيضا، إلى تراجع "كبير" في قيمة الدينار التونسي و"ارتفاع حاد" في التضخم، وبالتالي تكبد البنوك "خسائر كبيرة" وزيادة حاجتها الى إعادة الرسملة.
وحذر خبراء في الاقتصاد من بينهم وزير التجارة الأسبق محسن حسن من استمرار الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد خاصة بسبب تداعيات كورونا، والضغوطات التضخمية التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية، وتباطؤ النمو، وتراجع الصادرات، وارتفاع أسعار المواد الفلاحية جراء الجفاف، وارتفاع أسعار المحروقات جراء العجز الطاقة، وتراجع الإنتاج، وارتفاع البطالة والفقر.
ويرى حسن أن المؤسسات المانحة - ومن بينها صندوق النقد- تمارس "إذلالا" للدول التي تواجه صعوبات مالية، وتعتمد على سياسة "الكيل بمكيالين"، وذلك بمنحها القروض بناء على الارتباطات السياسية، في إشارة إلى موافقة صندوق النقد على قرض بقيمة 15.6 مليار دولار لفائدة أوكرانيا.
لكنه توقع حصول اتفاق مع صندوق النقد الدولي في ظل وجود ضغوط تمارسها بعض الدول الأوروبية - مثل فرنسا وإيطاليا- لتجنب حدوث تدفق للمهاجرين، مؤكدا أيضا أن تونس قدمت لصندوق النقد ملفا استكمل الشروط الفنية المطلوبة من حيث برنامج الإصلاحات الاقتصادية.
لكنه حذّر في المقابل، من أن الوضع سيكون معقدا وصعبا للغاية إذا لم تحصل تونس على القرض من صندوق النقد، وضع ستجبر فيه الدولة على اللجوء لمزيد من الاقتراض الداخلي وخفض مشاريع التنمية، وستواجه فيه صعوبة لتمويل شراءاتها من المواد الأساسية والأدوية والمحروقات وضمان تسديد مستحقات ديونها الخارجية بالعملة..
يذكر أن الحكومة لجأت في نوفمبر من سنة 2022 إلى سن قانون مالية تكميلي لسنة 2022 وكان ارتفاع أسعار النفط والمحروقات المحدد الرئيسي لهذا التعديل، على اعتبار أن فرضية قانون المالية الأصلي بنيت على أساس معدل 75 دولار للبرميل، في حين أن الأسعار فاقت المائة دولار،
علما أنه تمت المصادقة على قانون المالية التعديلي بمقتضى مرسوم رئاسي في غياب البرلمان، الذي سيكون عليه هذه السنة، وبعد انطلاق عمله في مارس 2023، النظر في مشاريع قوانين الميزانية والمالية العمومية والمصادقة عليها لكن بصفة منفردة في غياب الغرفة التشريعية الثانية التي نص عليها دستور 25 جويلية 2022..
رفيق بن عبد الله
تونس- الصباح
مع تواصل نفس العوامل المسببة لعجز توازنات المالية العمومية بالنسبة للسنة الماضية، (تداعيات وباء كورونا، تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، نسبة نمو ضعيفة، ارتفاع كلفة الدعم..) وتأخر حصول اتفاق القرض الممدّد مع صندوق النقد الدولي، وصعوبة توفير موارد مالية خارجية مرسمة بقانون المالية للسنة الجارية،.. بات من شبه المؤكد أن تلجأ الحكومة – مرة أخرى- إلى إعداد مشروع قانون مالية تعديلي لسنة 2023 يتم المصادقة عليه قبل موفى السنة..
وكانت وزيرة المالية سهام نمصية في جلسة عامة للبرلمان عقدت الخميس الماضي، قد أكدت أن ارتفاع مصاريف دعم المواد الأساسية التي فاقت 5 آلاف مليون دينار أثقلت كاهل ميزانية الدولة لسنة 2023، كما أشارت إلى تواصل مخلفات عوامل خارجية على الاقتصاد الوطني وميزانية الدولة مثل وباء كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فيفري 2022..
واعتبرت أن الحكومة باشرت أعمالها وسط وضع دقيق "نتيجة تراكم عديد الإشكاليات القديمة وسياسات اقتصادية واجتماعية أثرت على النمو والوضعية الاقتصادية والتوازنات المالية مما أدى إلى الوصول إلى وضعية صعبة".
وقالت: "هذا الوضع خلق عديد الضغوطات أثرت سلبا في توفير المواد الأساسية.. لأنه عندما اشتغلنا على قانون المالية لسنة 2022 بني على فرضية سعر برميل النفط ب75 دولارا لكنه تجاوز 140 دولارا مما أثر سلبا في ميزانية الدولة".
وأكدت أن الحرب في أوكرانيا كان لها تأثير كبير في مصاريف الدعم في تونس التي بلغت أكثر من 5 آلاف مليون دينار مما أثقل كاهل ميزانية الدولة لسنة 2023.
تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن ميزانية الدولة لسنة 2023 بنيت على أساس أربع فرضيات، وهي نسبة النمو بالأسعار الجارية في حدود 1.8 بالمائة، ومعدل سعر برميل النفط في حدود 89 دولارا للبرميل، والانطلاق في تفعيل عدة إصلاحات اقتصادية وجبائية ومالية، للحد من انزلاق المالية العمومية، والفرضية الرابعة تتمثل في إمضاء اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ورغم أن فرضية نسبة النمو لم تبتعد عن التوقعات المرسومة لها، ونفس الأمر بالنسبة لمعدلات أسعار برميل النفط في العالم التي تتأرجح بين 75 و95 دولارا، إلا أن تأخر تنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية، وتأخر التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي سيكون لهما تأثيرات سلبية على سلامة توازنات المالية العمومية، خاصة في الجانب المتعلق بتوفير موارد مالية خارجية التي يصعب الحصول عليها في ظل تصنيف ائتماني عالي المخاطر، وفي ظل ارتفاع نسبة المديونية وحلول أجل تسديد ديون خارجية ضخمة..
وتقدر ميزانية الدولة لسنة 2023 بـ69.6 مليار دينار بزيادة 14.5 بالمائة مقارنة بميزانية 2022، منها موارد خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار مقابل قروض داخلية بقيمة 9.5 مليارات دينار، كما قدرت المداخيل الجبائية التي ستتم تعبئتها من الضرائب بنحو 40.5 مليار دينار بزيادة 12.5 بالمائة عن المداخيل التي تم تحقيقها خلال العام الماضي.
وفي نفس الإطار، كانت وكالة "ستاندرد آند بورز"، قد رجحت في أحد تقاريرها المنشورة في شهر فيفري الماضي، أن يتعرض الاقتصاد التونسي إلى سيناريو "الضغوط الحادّة"، تكون فيه البلاد في وضع صعب تعجز فيه عن الإيفاء بالتزاماتها المالية إذا لم تتوصل إلى إبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والحصول على دعم آخر في إطار التعاون الثنائي، وتحديدا، من قبل دول الخليج ممّا قد يؤدّي إلى اختلال التوازن في ميزان الدفوعات والمالية العمومية..
وأقرّت وكالة التصنيف الأمريكية أنّ هذا الوضع قد يؤدي، أيضا، إلى تراجع "كبير" في قيمة الدينار التونسي و"ارتفاع حاد" في التضخم، وبالتالي تكبد البنوك "خسائر كبيرة" وزيادة حاجتها الى إعادة الرسملة.
وحذر خبراء في الاقتصاد من بينهم وزير التجارة الأسبق محسن حسن من استمرار الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد خاصة بسبب تداعيات كورونا، والضغوطات التضخمية التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية، وتباطؤ النمو، وتراجع الصادرات، وارتفاع أسعار المواد الفلاحية جراء الجفاف، وارتفاع أسعار المحروقات جراء العجز الطاقة، وتراجع الإنتاج، وارتفاع البطالة والفقر.
ويرى حسن أن المؤسسات المانحة - ومن بينها صندوق النقد- تمارس "إذلالا" للدول التي تواجه صعوبات مالية، وتعتمد على سياسة "الكيل بمكيالين"، وذلك بمنحها القروض بناء على الارتباطات السياسية، في إشارة إلى موافقة صندوق النقد على قرض بقيمة 15.6 مليار دولار لفائدة أوكرانيا.
لكنه توقع حصول اتفاق مع صندوق النقد الدولي في ظل وجود ضغوط تمارسها بعض الدول الأوروبية - مثل فرنسا وإيطاليا- لتجنب حدوث تدفق للمهاجرين، مؤكدا أيضا أن تونس قدمت لصندوق النقد ملفا استكمل الشروط الفنية المطلوبة من حيث برنامج الإصلاحات الاقتصادية.
لكنه حذّر في المقابل، من أن الوضع سيكون معقدا وصعبا للغاية إذا لم تحصل تونس على القرض من صندوق النقد، وضع ستجبر فيه الدولة على اللجوء لمزيد من الاقتراض الداخلي وخفض مشاريع التنمية، وستواجه فيه صعوبة لتمويل شراءاتها من المواد الأساسية والأدوية والمحروقات وضمان تسديد مستحقات ديونها الخارجية بالعملة..
يذكر أن الحكومة لجأت في نوفمبر من سنة 2022 إلى سن قانون مالية تكميلي لسنة 2022 وكان ارتفاع أسعار النفط والمحروقات المحدد الرئيسي لهذا التعديل، على اعتبار أن فرضية قانون المالية الأصلي بنيت على أساس معدل 75 دولار للبرميل، في حين أن الأسعار فاقت المائة دولار،
علما أنه تمت المصادقة على قانون المالية التعديلي بمقتضى مرسوم رئاسي في غياب البرلمان، الذي سيكون عليه هذه السنة، وبعد انطلاق عمله في مارس 2023، النظر في مشاريع قوانين الميزانية والمالية العمومية والمصادقة عليها لكن بصفة منفردة في غياب الغرفة التشريعية الثانية التي نص عليها دستور 25 جويلية 2022..