هو الثعلب العجوز والرجل الأكثر تأثيرا في السياسة الخارجية الأمريكية على مدى عقود، وهو من ارتبط اسمه بكسر الحواجز وتحطيم الأبواب المقفلة وهو أيضا من أقر الواقعية في العقلية الديبلوماسية.. والقائمة يمكن أن تتمدد في وصف هنري كيسنجر الذي لم يغب عن المشهد السياسي وعن متابعة اكبر واعقد الملفات السياسية الدولية حتى بعد خروجه الرسمي من عالم السياسة ..
فقد بقي الرجل وهو الخبير والشاهد والفاعل أيضا على أكثر من نصف قرن من التطورات والأحداث التاريخية في العالم ملاحظا وناقدا ومستشارا خلف الكواليس يعود إليه مسؤولو البيت الأبيض وتستضيفه اكبر الفضائيات لاستقراء الأزمات والإصداح برأيه ومواقفه التي غالبا ما تثير الجدل وتثير أنصاره أو معارضيه ...
قبل أيام احتفل هنري كيسنجر الألماني اليهودي الذي نزح إلى أمريكا بعيد ميلاده المائة وبرغم تقدمه في السن فان الرجل لا يزال يتنفس سياسة ويضع المجهر على ما يحدث شرقا أو غربا يرفض الغياب أو الانسحاب من المشهد الإعلامي والقبول بأن الزمان غير زمانه أو أن ما يحدث في العالم يتجاوز قدراته على الاستشراف وهو حتى اليوم لا يزال يواكب ما يحدث ويواصل الكتابة ونشر المقالات والكتب بل لعله وجد في هذا الحضور المستمر ما يمنحه وهو في هذه السن المتقدمة القوة لمواجهة تحديات الزمن والخروج من دائرة النسيان.. أكثر من لقب وأكثر من صفة ارتبطت بهنري كيسنجر الحيوان السياسي والمستشار الأكثر حضورا في خدمة عدد من الملوك والرؤساء في العالم، يصفه البعض عراب الديبلوماسية الأمريكية الذي صنع من الحروب أكثر مما صنع من اجل السلام.. حاز على جائزة نوبل في 1973 مناصفة مع المفاوض الفيتنامي الشمالي لي دوك ثو الذي سيرفض الجائزة على خلفية الحرب في فيتنام ومعركة سايغون، استطاع كيسنجر أن يجعل من مكتبه في نيويورك وشركته الاستشارية "كيسنجر أسوشيتس" مختبرا لمختلف القضايا السياسية والاقتصادية التي غالبا ما تعتمدها الحكومات الأمريكية ونخبها من الديموقراطيين كما الجمهوريين في رسم توجهاتها... سئل كيسنجر في آخر ظهور له في احتفال عيد ميلاده عن موقفه في حال طلب منه زيارة روسيا للتحدث مع الرئيس بوتين فأبدى استعداده لذلك ولكن بصفة مستشار، مضيفا أن الحرب الأوكرانية تقترب من نقطة تحول هامة...
مواقف كيسنجر من الحرب الروسية الأوكرانية شهدت تحولات متباينة وأثارت الكثير من الجدل بما يعني ربما وأن كلام الرجل يحسب له أكثر من حساب عندما لا يتوافق مع الإدارة الأمريكية.. فقد سبق لكيسنجر أن اقترح تنازل أوكرانيا عن أراض لفائدة روسيا وإجراء مفاوضات لإنشاء حدود في دونباس كما كان عليه الحال قبل التدخل الروسي وما لبث الرجل أن ناقض نفسه وتراجع عن ذلك خلال مشاركة عبر الفيديو في منتدى دافوس مع تفاقم الجدل بعد تلك التصريحات التي أثارت غضب كييف حيث اعتبر انه لم يعد هناك من مبرر لبقاء أوكرانيا خارج الناتو وقد كان يعارض هذا الانضمام قبل ذلك ...
لكن في المقابل يبدو كيسنجر على موقفه بشأن ضرورة التعاطي مع الصين بحكمة مشددا على أن الواقعية تفترض عدم إقصاء بيكين من المشهد ومحذرا في ذات الوقت من مخاطر احتمالات تطور الوضع إلى حرب مباشرة بين قوتين تكنولوجيتين وهما أمريكا والصين إلى حرب بين دولتين عاليتي التقنية.. وفي تبريره لهذا التناقض قال كيسنجر "قبل هذه الحرب، كنت معارضا لعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي لأنني كنت أخشى أن تتسبب بالضبط بالعملية التي نشهدها الآن". ولكنه في المقابل ظل على موقفه المعارض أن تصبح حربا ضد روسيا نفسها"، وإلى أهمية "إعطاء روسيا فرصة للانضمام مجددا إلى النظام الدولي". وسبق لكيسنجر أن حذر في مقالة له "ذا سبكتايتر" البريطانية المحافظة من أن النزاع في أوكرانيا له أوجه تشابه مع عام 1914 عندما انزلقت القوى الكبرى دون قصد إلى حرب عالمية...
لا خلاف أن كيسنجر يبقى من أبرز الديبلوماسيين الأمريكيين ولكن السجل الحافل للرجل يضعه وهو يغلق القرن ويدشن عتبة القرن الثاني محل الكثير من الانتقادات والمواقف المتباينة، وهو وان اعتبر عميد الدبلوماسية في العالم، فهو يبقى في نظر منتقديه رمزا للكثير من حروب الاستنزاف وعنصرا مؤثرا في الحروب الدموية التي انجرفت إليها أمريكا في النصف الثاني من القرن العشرين ..
من مستشار للسياسة الخارجية إلى وزير خارجية للرئيس ريتشارد نيكسون وخليفته جيرالد فورد بين هيمن كيسنجر على المشهد.. كان لقراراته التي اتخذها على طول هذا المسار تداعياتها على حياة الملايين في فيتنام وكمبوديا ولاوس...
يحسب له أنه حطم الحواجز مع الصين ويحسب عليه أنه دفع الرئيس نيكسون للإطاحة برئيس تشلي المنتخب ديمقراطيا سلفادور أليندي عام 1973 لأنه شعر أن "تأثيره النموذجي يمكن أن يضر" بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة..
ساعد بشكل فعال في صعود الدكتاتور التشيلي أوغستو بينوشيه الذي تورطت حكومته في قتل وتعذيب الآلاف...
هنري كيسنجر هو أيضا مهندس اتفاق كامب ديفيد الذي دفع مصر إلى التطبيع مع إسرائيل وتعزيز هيمنتها على المنطقة.. كيسنجر لم يكن غائبا عن الربيع العربي في بداياته وعن الأزمة في سوريا وقد وصف ما يحدث بأنه نزاع إثني وطائفي أسيء فهمه من البداية.. كما اعتبر كيسنجر أن الثورات العربية انتهت إلى نقيضها، وأن "ليبيا بلا دولة، ومصر تتحكم بها أغلبية إسلامية ناخبة”، وأمّا في سوريا، فإنّ الأمر يعكس النزاع القديم، العائد إلى آلاف السنين، بين الشيعة والسنّة، ومحاولة الأغلبية السنّية استرداد الهيمنة من الأقلية الشيعية وهذا هو السبب في أنّ الكثير من مجموعات الأقليات، كالدروز والكرد والمسيحيين، ليسوا مرتاحين للتغيير في سوريا...
بما له وما عليه يبقى كيسنجر كتابا مفتوحا في عالم الديبلوماسية يتعين التعاطي معه وقراءة ما بين السطور لفك ما خفي من أسرار هذا العالم الذي يمكن أن يكون سلاحا اشد فتكا من كل أنواع السلاح في تحطيم دول أو إحياء أخرى ...
اسيا العتروس
هو الثعلب العجوز والرجل الأكثر تأثيرا في السياسة الخارجية الأمريكية على مدى عقود، وهو من ارتبط اسمه بكسر الحواجز وتحطيم الأبواب المقفلة وهو أيضا من أقر الواقعية في العقلية الديبلوماسية.. والقائمة يمكن أن تتمدد في وصف هنري كيسنجر الذي لم يغب عن المشهد السياسي وعن متابعة اكبر واعقد الملفات السياسية الدولية حتى بعد خروجه الرسمي من عالم السياسة ..
فقد بقي الرجل وهو الخبير والشاهد والفاعل أيضا على أكثر من نصف قرن من التطورات والأحداث التاريخية في العالم ملاحظا وناقدا ومستشارا خلف الكواليس يعود إليه مسؤولو البيت الأبيض وتستضيفه اكبر الفضائيات لاستقراء الأزمات والإصداح برأيه ومواقفه التي غالبا ما تثير الجدل وتثير أنصاره أو معارضيه ...
قبل أيام احتفل هنري كيسنجر الألماني اليهودي الذي نزح إلى أمريكا بعيد ميلاده المائة وبرغم تقدمه في السن فان الرجل لا يزال يتنفس سياسة ويضع المجهر على ما يحدث شرقا أو غربا يرفض الغياب أو الانسحاب من المشهد الإعلامي والقبول بأن الزمان غير زمانه أو أن ما يحدث في العالم يتجاوز قدراته على الاستشراف وهو حتى اليوم لا يزال يواكب ما يحدث ويواصل الكتابة ونشر المقالات والكتب بل لعله وجد في هذا الحضور المستمر ما يمنحه وهو في هذه السن المتقدمة القوة لمواجهة تحديات الزمن والخروج من دائرة النسيان.. أكثر من لقب وأكثر من صفة ارتبطت بهنري كيسنجر الحيوان السياسي والمستشار الأكثر حضورا في خدمة عدد من الملوك والرؤساء في العالم، يصفه البعض عراب الديبلوماسية الأمريكية الذي صنع من الحروب أكثر مما صنع من اجل السلام.. حاز على جائزة نوبل في 1973 مناصفة مع المفاوض الفيتنامي الشمالي لي دوك ثو الذي سيرفض الجائزة على خلفية الحرب في فيتنام ومعركة سايغون، استطاع كيسنجر أن يجعل من مكتبه في نيويورك وشركته الاستشارية "كيسنجر أسوشيتس" مختبرا لمختلف القضايا السياسية والاقتصادية التي غالبا ما تعتمدها الحكومات الأمريكية ونخبها من الديموقراطيين كما الجمهوريين في رسم توجهاتها... سئل كيسنجر في آخر ظهور له في احتفال عيد ميلاده عن موقفه في حال طلب منه زيارة روسيا للتحدث مع الرئيس بوتين فأبدى استعداده لذلك ولكن بصفة مستشار، مضيفا أن الحرب الأوكرانية تقترب من نقطة تحول هامة...
مواقف كيسنجر من الحرب الروسية الأوكرانية شهدت تحولات متباينة وأثارت الكثير من الجدل بما يعني ربما وأن كلام الرجل يحسب له أكثر من حساب عندما لا يتوافق مع الإدارة الأمريكية.. فقد سبق لكيسنجر أن اقترح تنازل أوكرانيا عن أراض لفائدة روسيا وإجراء مفاوضات لإنشاء حدود في دونباس كما كان عليه الحال قبل التدخل الروسي وما لبث الرجل أن ناقض نفسه وتراجع عن ذلك خلال مشاركة عبر الفيديو في منتدى دافوس مع تفاقم الجدل بعد تلك التصريحات التي أثارت غضب كييف حيث اعتبر انه لم يعد هناك من مبرر لبقاء أوكرانيا خارج الناتو وقد كان يعارض هذا الانضمام قبل ذلك ...
لكن في المقابل يبدو كيسنجر على موقفه بشأن ضرورة التعاطي مع الصين بحكمة مشددا على أن الواقعية تفترض عدم إقصاء بيكين من المشهد ومحذرا في ذات الوقت من مخاطر احتمالات تطور الوضع إلى حرب مباشرة بين قوتين تكنولوجيتين وهما أمريكا والصين إلى حرب بين دولتين عاليتي التقنية.. وفي تبريره لهذا التناقض قال كيسنجر "قبل هذه الحرب، كنت معارضا لعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي لأنني كنت أخشى أن تتسبب بالضبط بالعملية التي نشهدها الآن". ولكنه في المقابل ظل على موقفه المعارض أن تصبح حربا ضد روسيا نفسها"، وإلى أهمية "إعطاء روسيا فرصة للانضمام مجددا إلى النظام الدولي". وسبق لكيسنجر أن حذر في مقالة له "ذا سبكتايتر" البريطانية المحافظة من أن النزاع في أوكرانيا له أوجه تشابه مع عام 1914 عندما انزلقت القوى الكبرى دون قصد إلى حرب عالمية...
لا خلاف أن كيسنجر يبقى من أبرز الديبلوماسيين الأمريكيين ولكن السجل الحافل للرجل يضعه وهو يغلق القرن ويدشن عتبة القرن الثاني محل الكثير من الانتقادات والمواقف المتباينة، وهو وان اعتبر عميد الدبلوماسية في العالم، فهو يبقى في نظر منتقديه رمزا للكثير من حروب الاستنزاف وعنصرا مؤثرا في الحروب الدموية التي انجرفت إليها أمريكا في النصف الثاني من القرن العشرين ..
من مستشار للسياسة الخارجية إلى وزير خارجية للرئيس ريتشارد نيكسون وخليفته جيرالد فورد بين هيمن كيسنجر على المشهد.. كان لقراراته التي اتخذها على طول هذا المسار تداعياتها على حياة الملايين في فيتنام وكمبوديا ولاوس...
يحسب له أنه حطم الحواجز مع الصين ويحسب عليه أنه دفع الرئيس نيكسون للإطاحة برئيس تشلي المنتخب ديمقراطيا سلفادور أليندي عام 1973 لأنه شعر أن "تأثيره النموذجي يمكن أن يضر" بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة..
ساعد بشكل فعال في صعود الدكتاتور التشيلي أوغستو بينوشيه الذي تورطت حكومته في قتل وتعذيب الآلاف...
هنري كيسنجر هو أيضا مهندس اتفاق كامب ديفيد الذي دفع مصر إلى التطبيع مع إسرائيل وتعزيز هيمنتها على المنطقة.. كيسنجر لم يكن غائبا عن الربيع العربي في بداياته وعن الأزمة في سوريا وقد وصف ما يحدث بأنه نزاع إثني وطائفي أسيء فهمه من البداية.. كما اعتبر كيسنجر أن الثورات العربية انتهت إلى نقيضها، وأن "ليبيا بلا دولة، ومصر تتحكم بها أغلبية إسلامية ناخبة”، وأمّا في سوريا، فإنّ الأمر يعكس النزاع القديم، العائد إلى آلاف السنين، بين الشيعة والسنّة، ومحاولة الأغلبية السنّية استرداد الهيمنة من الأقلية الشيعية وهذا هو السبب في أنّ الكثير من مجموعات الأقليات، كالدروز والكرد والمسيحيين، ليسوا مرتاحين للتغيير في سوريا...
بما له وما عليه يبقى كيسنجر كتابا مفتوحا في عالم الديبلوماسية يتعين التعاطي معه وقراءة ما بين السطور لفك ما خفي من أسرار هذا العالم الذي يمكن أن يكون سلاحا اشد فتكا من كل أنواع السلاح في تحطيم دول أو إحياء أخرى ...