لم يكن الحديث مع إبراهيم بودربالة، في خطته الحالية رئيسا لمجلس نواب الشعب، شبيها بالأحاديث السابقة بصفته عميدا للهيئة الوطنية للمحامين أو رجل القانون والناشط المدني، بل بدا حذرا متزنا في انتقاء المفردات وترتيب الكلمات وبناء المعاني التي تصب كلها في خانة الدفاع عن الجمهورية الجديدة والتأسيس لتونس الجديدة عبر المراهنة على جملة من الإصلاحات. وأكّد رئيس مجلس نواب الشعب في حديثه لـ"الصباح"، أن إصلاح الوضع الاقتصادي والصحة والتعليم والنقل ومراجعة البيروقراطية المقيتة تعد من أوكد أولويات البرلمان بعد استكمال المسار السياسي بانتخاب مجلس الأقاليم والجهات في أقرب الآجال. وتطرق إلى علاقة البرلمان برئاستي الجمهورية والحكومة وببقية المنظمات الوطنية وغيرها من الهياكل وسبب "الجفاء" بين المجلس التشريعي والاتحاد العام التونسي للشغل وموقفه من مبادرة "الحوار الوطني" التي تقودها المنظمة الشغيلة والمرسوم 54 وحرية ووضع الإعلام والمعارضة، وتطرق أيضا إلى موعد الحسم في المحكمة الدستورية وعقد أول لقاء "رقابي" مع الحكومة وفق ما ينص عليه الدستور وغيرها من المسائل الأخرى في الحوار التالي:
حاورته: نزيهة الغضباني
*بعد الحسم في النظام الداخلي واللجان والهيكلة، ما هي الأولويات المطروحة على جدول عمل مجلس نواب الشعب الآن؟
بعد استكمالنا انتخاب وتركيز مكاتب وهياكل المجلس، سيتم الاتصال برئاستي الجمهورية والحكومة لتحديد طرق العمل في المستقبل بين المؤسسة التشريعية والسلطة التنفيذية والاتفاق على الأولويات، خاصة أن البرلمان بدأ في الممارسة الفعلية لصلاحياته التشريعية التي تتمثل في قبول مشاريع القوانين حسب ما هو منصوص على ذلك في دستور أوت 2022 إضافة إلى الصلاحيات الرقابية بالنسبة لعمل الحكومة. ومن المنتظر أن نشرع خلال الأيام القادمة في دراسة ومناقشة مشاريع التي ستعرض على مجلس نواب الشعب من طرف الوظيفة التنفيذية.
*ولكن عدة جهات سياسية وحزبية وغيرها أكدت أن المؤسسة التشريعية في نسختها الحالية ستكون بلا صلاحيات، أليس الأمر كذلك؟
أعتقد أن من يروجون لذلك هم ذوو النظرة السطحية المغرضة. فالبرلمان وفق دستور 2022 له صلاحيات تشريعية ورقابية واسعة.
*ما هي علاقة مجلس نواب الشعب بمؤسستي رئاستي الجمهورية والحكومة اليوم، خاصة بعد الخلاف والصراع الذي حكم العلاقة بين هذه المؤسسات في العشرية الماضية؟
في الحقيقة الدستور الجديد هو الذي يحدد طبيعة العلاقة بين جميع الأطراف ويحدد صلاحية كل طرف أيضا. والمؤسسة التشريعية، ملثما أسلفت الذكر، لها صلاحية سن القوانين ومراقبة عمل الحكومة، على أن الوظيفة التشريعية في شكلها الحالي بغرفتين ستكتمل قريبا، أي المجلس التشريعي من ناحية ومجلس الأقاليم والجهات الذي سيرى النور في القريب العاجل من ناحية ثانية، بعد عرض القانون الأساسي المنظم له على المجلس التشريعي لدراسته والمصادقة عليه.
*قلت إن هناك أولويات عملية للبرلمان من شأنها تغيير واقع تونس والتونسيين، ما القصد من ذلك؟
أعتقد أن من أولويات المجلس اليوم هو تناول ما يهم الشعب مباشرة وكل ما له علاقة بالاقتصاد والقوانين التي تهم إصلاح الوضع الاقتصادي بالأساس. كما أن البيروقراطية الإدارية المقيتة والمفرطة التي يعاني منها الجميع ستكون من أولويات عمل المجلس التشريعي وذلك بعد استكمال المسار السياسي لانتخاب مجلس الأقاليم والجهات سيقع الاعتناء بالمسار الاقتصادي في شموليته. وإذا ما دارت عجلة التنمية في الاتجاه الإيجابي سيكون لها تأثير على الجانب الاجتماعي. ثم أن التعليم العمومي والصحة والنقل والمواصلات والبنية التحتية في كامل جهات الجمهورية تعد مسائل ذات أولوية للبرلمان من خلال الصلاحيات الدستورية له وذلك في دراسة القوانين والمصادقة عليها أو في العمل الرقابي للحكومة ومتابعة مخططاتها وإنجازاتها.
*متى سيكون أول لقاء بين مجلس نواب الشعب والحكومة؟
حاليا بدأت الاتصال برئيسة الحكومة نجلاء بودن في هذا السياق، وسيتم تنظيم لقاءات تنسيقية معها. ونحن من خلال صلاحياتنا الدستورية سنكون في تواصل مع الحكومة لكي يقوم كل طرف بما عليه من التزامات دستورية.
*التزام مجلس نواب الشعب بالتنسيق في مهامه مع الوظيفة التنفيذية، ألا يؤثر ذلك على استقلالية الوظيفة التشريعية ويحد من دورها الرقابي للحكومة؟
كل وظيفة تقوم بصلاحياتها المنصوص عليها في الدستور، لكن مع استقلالية كل وظيفة في القيام بمهامها. والاستقلالية لا تعني القطيعة بين مؤسسات الدولة بل تعني التناغم والانسجام لأن الكل يهدف لخدمة المصلحة العليا للدولة وهذا ما يوجب على الجميع التنسيق في كل خطوة من أجل تغيير كل أوضاع الدولة والمواطن نحو الأفضل.
*هل يتدخل رئيس الجمهورية في البرلمان؟
في الحقيقة، إلى حد الآن لم أشعر بأي جهة من الجهات تدخلت في عمل المجلس، بل أعترف أن ما أقوله في لقاءاتي وكل مناسبة هو نتيجة ما وجدته في لقاءاتي مع رئيس الجمهورية. قد عبر الأستاذ قيس سعيد عن سعادته باستكمال انتخاب مجلس نواب الشعب وعبر أيضا عن مساندته لاستقلالية المجلس التشريعي. وأكد أنه لن يتدخل في العمل التشريعي. وهو يتصرف وفق صلاحياته الدستورية لا أكثر ولا أقل.
*الدبلوماسية البرلمانية التي شكلت أحد أبرز النقاط الخلافية في منظومة ما قبل 25 جويلية 2021، كيف سيكون التعاطي معها وتنظيمها في برلمانكم اليوم؟
أؤكد أننا في هذا البرلمان سوف لن نقوم بالدبلوماسية الموازية للدبلوماسية الرسمية للدولة. لأن المسؤول عن ذلك هي الوظيفة التنفيذية ثم إن العلاقات مع الخارج، وفق الدستور، المسؤول عنها هو رئيس الجمهورية والوزارة المعنية بالعلاقات الخارجية وهي وزارة الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج. صحيح أنني استقبلت عديد السفراء الأجانب المعتمدين في بلادنا وبعض ممثلي المنظمات والهياكل الوطنية والدولية، لكن طلباتهم كانت تصلنا عن طريق وزارة الخارجية وتتم اللقاءات بحضور ممثل عن هذه الوزارة. فالدبلوماسية البرلمانية تقوم على ربط علاقة برلماننا ببرلمانات البلدان الشقيقة والصديقة وتوطيد العلاقة مع البرلمانات الدولية وإعطاء صورة حقيقية عن الوضع القائم في تونس اليوم وفلسفة دستورها الجديد، لاسيما في المغالطات وحملات التشويه الواسعة والترويج لما يتنافى وحقيقة الواقع. فليس هناك أي تناقض في الدبلوماسية في مستوى المجلس التشريعي والناقض لا يوجد إلا في ذهن من يريدون تشويه العلاقات بين مختلف الوظائف.
*هل تقصدون أن البرلمان انخرط في الدفاع عن صورة تونس في الخارج؟
نحن لم نتجاوز دور ومهام هذه المؤسسة ولكننا كنا نطالب باتخاذ مواقف والقيام بتحركات لتكذيب ما يتم الترويج له من صور مغايرة للواقع عن تونس. وطالبنا بتوجيه دعوات للجان برلمانية من الخارج للإطلاع على حقيقة الأوضاع. وهذا دورنا من موقعنا في الدفاع عن بلادنا والتصدي لمحاولات التشويه.
*كيف سيكون الأمر بالنسبة للنواب في هذا الجانب؟
تم تنظيم المسألة وهو أنه إذا ما تمت دعوة أي نائب من قبل أي جهة خارجية فهو يمثل نفسه ولا يمثل المجلس. ولكن رئيس المجلس أو من هو مكلف من رئاسة البرلمان هو من له الحق في تمثيل المجلس.
*بالعودة إلى بعض فصول النظام الداخلي للبرلمان، عبرت بعض الجهات عن استنكارها لـ"سطو" المجلس التشريعي على جانب من صلاحيات مجلس الأقاليم والجهات، فما هو تفسيركم لذلك؟
صحيح أن الطبيعة تأبى الفراغ، ولكن هناك فصل آخر ينص على أن هذه الصلاحيات إلى حين، واخترنا ذلك شكلا لكي لا تتعطل الأعمال ومشاريع القوانين التي تتطلب موقف لغرفتين في للمستقبل مثل قانون الميزانية الذي يجب عرضه على مجلس الأقاليم والجهات قبل عرضه على المجلس التشريعي. وفي انتظار بعث هذا المجلس لا يمكن أن تتعطل مشاريع القوانين وبالتالي فما وقع التنصيص عليه في النظام الداخلي هو في الواقع لتلافي إشكاليات دستورية قد تقع في المستقل القريب.
*ألا تخشون من التأثير السلبي للمبالغة في الاهتمام بصورة البرلمان "الناصعة" على المضمون والأداء وموقع النائب؟
البرلمان اليوم أمام تحد كبير وهو نيل ثقة الشعب وعمله على أدائه سيفرز هذه الصورة التي تقطع مع الصورة المرذلة الموروثة عن البرلمانات السابقة للأسف. وبالنسبة لنا فإن مصداقية العمل البرلماني تحد هام لنا وسنعمل على كسب هذا التحدي على جميع المستويات. وأعتقد أن العمل في الأيام القادمة سيحقق النظرة الإيجابية لعمل المجلس خاصة أننا كنا رفعنا هذا التحدي وبإذن الله سوف نكسبه ونسترد ثقة الشعب التونسي أولا وكل الأطراف سنتعامل معها سواء أكانت مؤسسات رسمية أو مجتمعية ثانيا.
*في ظل تواصل تعليق عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، كيف سيتم التعاطي مع شرط التصريح بالمكاسب بالنسبة للنواب؟
صحيح أن النواب عبروا عن استعدادهم للتصريح بمكاسبهم، لكن هذا الهيكل مغلق الآن. وقد راسلنا رئاسة الحكومة في الغرض وكان جوابها أن هذا الهيكل أعماله لا تزال معلقة وهو يعتبر بمثابة الإجراء المستحيل. فذلك فإن النواب، وحسب النظام الداخلي، بمجرد زوال المانع سيقدمون تصريحا بمكاسبهم.
*في ما يتعلق بالشغورات في البرلمان، هل ستتم الاستجابة لطب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لتأخيرها إلى ما بعد الصائفة؟
في البداية ستتم معاينة الشغورات ومراسلة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات باعتبارها صاحبة القرار في الانتخابات ونحن مستعدون لاستقبال النواب الجدد الذين سيتم انتخابهم لسد الشغورات في أقرب الآجال.
*بعد سحب الفصل المتعلق بالمعارضة في النظام الداخلي، هل سيكون البرلمان دون معارضة؟
لا يخفى على أحد أن الانتخابات التشريعية كانت بنظام الدوائر الفردية في دورتين ولم تشارك في الانتخابات أحزاب باستثناء حزبي "صوت الجمهورية" و"حركة الشعب"، فيما أغلبية النواب هم مستقلون. وبذلك فمفهوم المعارضة في علاقة بالسلطة هي عندما تتقدم أحزاب للانتخابات ومن يحرز على الأغلبية هو الذي يشكل حكومة ومن لم يحرز على الأغلبية ينتقل للمعارضة. لكن هذا النظام الانتخابي الجديد على دوائر انتخابية فردية يجعل النائب يكون أكثر استقلالية وأكثر حرية وله الحق في إبداء الرأي والرأي المضاد أي يمكن أن يساند قانونا ويعارض قانونا آخر. فالمسألة ليست في تصنيف بين مولاة أو قطيعة تقوم على المعارضة. وأعتقد أن هذه الوضعية الجديدة تتماشى مع فلسفة الدستور الجديد وترتب عنها أن النائب اليوم أكثر استقلالية وحرية في مواقفه من القوانين والتشريعات.
*هذا فيما يتعلق بالمعارضة داخل قبة باردو، ولكن هل ترون أنه يمكن بناء حياة سياسية دون معارضة في تونس اليوم؟
كل ظرف سياسي يقتضي وجود تصور سياسي معين. ونحن الآن في وضع ناتج بالأساس عن تكاثر الأحزاب السياسية التي قارب عددها أو تجاوز 240 جسما سياسيا لكنها لم تساهم في تنظيم الحياة الحزبية كما يجب، ثم إن المواطن اليوم يميل إلى الاستقلالية أكثر من التنظّم الحزبي. لكن عندما تتغير الظروف يصبح للحياة الحزبية معنى ويمكن أن تتغير الصورة والرؤية للحياة السياسية والحزبية. فالمعارضة من أجل المعارضة في ظل الظروف الحالية ليس لها معنى.
*هل نفهم من كلامكم هذا أن البرلمان سيكون محطة مفصلية في التأسيس لحياة سياسية جديدة تنظيميا وتشريعيا؟
ما أشدد على قوله هو إن البرلمان الحالي هو أكثر تعبيرة على الإرادة الشعبية بصورة حقيقية مباشرة. لأن أغلب النواب مستقلون وليس لهم رقيب إلا من انتخبهم في دوائرهم. ثم إننا في انتظار أي مبادرة أو مقترح لتنظيم الحياة الحزبية أو غيرها من المجالات الأخرى بما يخدم صورة ومصلحة تونس ويتماشى مع روح الدستور الجديد.
*ما هي علاقة البرلمان بالمنظمات الوطنية وغيرها من الهياكل القطاعية في تونس؟
مجلس نواب الشعب مفتوح لكل المنظمات والهياكل بمختلف اختصاصاتها وتوجهاتها. فمنذ اليوم الأول لمباشرة البرلمان لمهامه استقبلنا عديد المنظمات لتقلي التهاني والتعبير عن حسن النوايا للعمل بما يخدم المصلحة العليا للدولة أذكر من بينها الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والاتحاد الوطني للمرأة التونسية وغيرها من المنظمات والجمعيات وغيرهم.
*بم تفسرون مقاطعة الاتحاد العام التونسي للشغل لقصر باردو إلى حد الآن وحالة الجفاء القائمة بين الطرفين؟
مثلما قلت أبواب المجلس مفتوحة أمام كل من يريد زيارة رئاسته، أو يتعامل معنا ونحن لم نرفع "الفيتو" في وجه أي طرف أو جهة أو فرد إلا من اختار أن يقصي نفسه. لأننا مستعدون لقبول كل الأطراف الفاعلة على الساحة الوطنية والتي تعمل لفائدة تونس والمصلحة الوطنية الشاملة. وقد استقبلنا الكنفدرالية العامة التونسية للشغل ممثلة في رئيسها الحبيب قيزة واتحاد عمال تونس كجهات ممثلة للطبقة الشغيلة.
*تحدث البعض عن دور مجلس النواب الشعب لحلحة الأزمة والقيام بدور الوساطة في "إذابة الجليد" بين الفاعلين السياسيين والمدنيين في تونس على اعتبار أن هذا "التقارب أو الحوار" من شأنه أن يسرع في إخراج بلادنا من الوضع الصعب الذي تمر به؟
في الحقيقة ليس هناك موجب للوساطة، لأن هناك طريق أصبحت واضحة المعالم، ومن هو مستعد للحوار الجدي في سبيل تحقيق المصلحة العليا للوطن فنحن مستعدون للتحاور معه. وأنا لا أرى أن هناك خلافا لكن أرى أن هناك أفرادا وأطرافا غير معترفين بما تم اتخاذه من قرارات لاقت مساندة عريضة من الشعب التونسي تلتها إجراءات احتُرِمَتْ فيها الآجال القانونية وحظيت بترحيب واسع من الشعب التونسي. كذلك تم تنظيم انتخابات تشريعية وكانت مفتوحة للجميع ومن أراد المشاركة عبر عن رأيه وموقفه ومن لم يرد المشاركة كذلك تم احترام موقفه. ولأن الدور موكول إلى مؤسسات الدولة للقيام بوظيفتها بصورة عادية. ومن يمد يده للحوار والبناء نحن مستعدون للتفاعل الإيجابي معه.
*بعد مضيّ الاتحاد العام التونسي للشغل بمعية منظمات أخرى قٌدٌما في هندسة مبادرة "الحوار الوطني" لعرضها على رئاسة الجمهورية، مقابل تأكيد قيس سعيد على أنه لا موجب لذلك في ظل وجود مجلس نواب الشعب، فما هو موقفكم من ذلك؟
سبق أن وضحنا موقفنا من هذه المسألة قبل انتصاب المجلس، وهو أن هذه المبادرة تعد جزءا من طموحات المجتمع التونسي. لأن من بادر بذلك لا يمثل كل أطياف وطموحات المجتمع والدليل أن هناك منظمات عريقة غير موجودة فيها على غرار اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد الوطني للمرأة والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وعدة منظمات لها وزن اقتصادي واجتماعي غائبة عنها أيضا. ثم أنه لكي تكون مبادرة موضوعية يجب أن تعبر عن طموحات المجتمع وكذلك أن تمثل إكراهات الدولة. لأن من يمثل إكراهات الدولة والتزاماتها على مستويين وطني ودولي ولدى المؤسسات المالية العالمية هي الحكومة وهي بدورها غير موجودة في هذه المبادرة. لذلك فهي مبادرة غير متوازنة ولا يمكن أن تشكل بأية حال وسيلة لإخراج البلاد من هذا الوضع.
*هل نفهم من كلامكم هذا أن البرلمان بدوره سوف لن يفتح أبوابه لهذا المبادرة؟
عندما وقع انتخاب مجلس نواب الشعب ومباشرة مهامنا عبرنا عن انفتاحنا لتلقي كل المبادرات والتحاور مع كل الأطراف والجهات خاصة بعد أن استكمل المجلس اليوم كل الهياكل واللجان بما يجعل كل خطوة في الغرض تجد مجالها للتجاوب والتفعيل إذا ما توفرت كل الشروط القانونية والدستورية. وأكرر التأكيد أننا منفتحون على تحقيق المصلحة العليا للوطن وفق ما أقره الشعب ولا نغلق الباب في وجه أحد.
*هل وردت على المجلس مبادرات تشريعية أو مشاريع قوانين، خاصة أن بعض الجهات الحزبية أكدت منذ مدة هذه المسألة؟
إلى حد نهاية الأسبوع المنقضي لم ترد على المجلس أية مبادرة لا حزبية ولا غيرها. وأعتقد أنه خلال الأيام القليلة القادمة سنبدأ في تلقي المشاريع، خاصة أننا وبعد الانتهاء من تركيز الهياكل واللجان راسلنا رئاستي الجمهورية والحكومة في الغرض لأن المجلس أصبح جاهزا لقبول مشاريع القوانين. وقد تواصلت في الغرض مع رئاسة الحكومة وبعض الوزراء وأبدوا استعدادات لمساهمة في إنجاح دور البرلمان ونحن على استعداد لذلك.
*البعض تحدث عن العودة إلى فتح مجموعة من المبادرات والمشاريع القديمة المتخلدة بذمة البرلمان المنحل، فكيف سيتعاطى البرلمان الحالي مع تلك المشاريع القديمة؟
المجلس القديم وقع حله وليس هناك نية للعودة إلى الوراء. لأننا اليوم ننتظر مشاريع جديدة والمجال مفتوح لكل جهة ترغب في ذلك. ثم إن الأولوية ستكون للمبادرات والمشاريع الصادرة عن الوظيفة التنفيذية.
*عديد الجهات تطالب بمراجعة أو تعديل المرسوم 54 وجهات أخرى تطالب بإلغائه، فكيف ترون الأمر؟
كل قانون هو اجتهاد بشري وُضِع في ظرف معين وهو قابل للتعديل. لذلك فكل تعديل سندرسه بصورة دقيقة ونحن مستعدون لقبول مقترحات تعديل في الغرض. وإذا ما رأينا جدوى في تعديله سيتم عرضه على مجلس النواب للمناقشة والتصويت وسيقع العمل بالقانون الجديد.
*ماذا عن قانون الميزانية الذي كثر الحديث عنه وعن طرح مسألة استقلالية البنك المركزي في مقترحات تشريعية على البرلمان؟
مثلما قلت إلى حد الآن لم ترد على إدارة المجلس أي مبادرة تشريعية. ولكن نحن اليوم على استعداد تام لاستقبال ودراسة ومناقشة كل مشروع. ثم أننا في تناول مثل المشاريع أو القوانين سنستعين بخبراء في المجال قبل عرضها على الجلسة العامة للمناقشة والصادقة ثم تقديمها إلى رئاسة الجمهورية للموافقة عليها طبقا للإجراءات القانونية والدستورية.
*متى سيتم الحسم في المحكمة الدستورية التي يرى العض أنها أولوية البرلمان اليوم؟
ننتظر القانون الأساسي للمحكمة الدستورية، وعندما يرد علينا سيكون محل أولوية في النظر وستقع دراسته بعد المصادقة عليه وإرساله إلى رئاسة الجمهورية لاستكمال إجراءات إصداره.
*مسألة الحريات ووضع الإعلام اليوم ألا تعد أولوية أيضا؟
أعتقد أن أهم ما تحقق في تونس ما بعد 14 جانفي 2011 هي حرية الإعلام. لذا أعتبر الإعلاميين في الصفوف الأمامية لإصلاح الوضع والوطن. ثم أن هناك مسألة لا تدع مجال للشك وهو أن كل ما يدعم الحريات والجانب الإيجابي للإعلام سأكون معه وأدعمه دون قيد أو شرط. لأن كل عمل فيه ما هو إيجابي وما هو سلبي. وسبق أن استقبلت صحفيين وممثلي مؤسسات وهياكل إعلامية. وأنا حريص على أن تواصل التفاعل الإيجابي في المستقبل. ثم أننا سعينا لتنظيم الحضور الإعلامي في البرلمان على خلاف الفوضى التي كانت تخيم في السابق.
تونس – الصباح
لم يكن الحديث مع إبراهيم بودربالة، في خطته الحالية رئيسا لمجلس نواب الشعب، شبيها بالأحاديث السابقة بصفته عميدا للهيئة الوطنية للمحامين أو رجل القانون والناشط المدني، بل بدا حذرا متزنا في انتقاء المفردات وترتيب الكلمات وبناء المعاني التي تصب كلها في خانة الدفاع عن الجمهورية الجديدة والتأسيس لتونس الجديدة عبر المراهنة على جملة من الإصلاحات. وأكّد رئيس مجلس نواب الشعب في حديثه لـ"الصباح"، أن إصلاح الوضع الاقتصادي والصحة والتعليم والنقل ومراجعة البيروقراطية المقيتة تعد من أوكد أولويات البرلمان بعد استكمال المسار السياسي بانتخاب مجلس الأقاليم والجهات في أقرب الآجال. وتطرق إلى علاقة البرلمان برئاستي الجمهورية والحكومة وببقية المنظمات الوطنية وغيرها من الهياكل وسبب "الجفاء" بين المجلس التشريعي والاتحاد العام التونسي للشغل وموقفه من مبادرة "الحوار الوطني" التي تقودها المنظمة الشغيلة والمرسوم 54 وحرية ووضع الإعلام والمعارضة، وتطرق أيضا إلى موعد الحسم في المحكمة الدستورية وعقد أول لقاء "رقابي" مع الحكومة وفق ما ينص عليه الدستور وغيرها من المسائل الأخرى في الحوار التالي:
حاورته: نزيهة الغضباني
*بعد الحسم في النظام الداخلي واللجان والهيكلة، ما هي الأولويات المطروحة على جدول عمل مجلس نواب الشعب الآن؟
بعد استكمالنا انتخاب وتركيز مكاتب وهياكل المجلس، سيتم الاتصال برئاستي الجمهورية والحكومة لتحديد طرق العمل في المستقبل بين المؤسسة التشريعية والسلطة التنفيذية والاتفاق على الأولويات، خاصة أن البرلمان بدأ في الممارسة الفعلية لصلاحياته التشريعية التي تتمثل في قبول مشاريع القوانين حسب ما هو منصوص على ذلك في دستور أوت 2022 إضافة إلى الصلاحيات الرقابية بالنسبة لعمل الحكومة. ومن المنتظر أن نشرع خلال الأيام القادمة في دراسة ومناقشة مشاريع التي ستعرض على مجلس نواب الشعب من طرف الوظيفة التنفيذية.
*ولكن عدة جهات سياسية وحزبية وغيرها أكدت أن المؤسسة التشريعية في نسختها الحالية ستكون بلا صلاحيات، أليس الأمر كذلك؟
أعتقد أن من يروجون لذلك هم ذوو النظرة السطحية المغرضة. فالبرلمان وفق دستور 2022 له صلاحيات تشريعية ورقابية واسعة.
*ما هي علاقة مجلس نواب الشعب بمؤسستي رئاستي الجمهورية والحكومة اليوم، خاصة بعد الخلاف والصراع الذي حكم العلاقة بين هذه المؤسسات في العشرية الماضية؟
في الحقيقة الدستور الجديد هو الذي يحدد طبيعة العلاقة بين جميع الأطراف ويحدد صلاحية كل طرف أيضا. والمؤسسة التشريعية، ملثما أسلفت الذكر، لها صلاحية سن القوانين ومراقبة عمل الحكومة، على أن الوظيفة التشريعية في شكلها الحالي بغرفتين ستكتمل قريبا، أي المجلس التشريعي من ناحية ومجلس الأقاليم والجهات الذي سيرى النور في القريب العاجل من ناحية ثانية، بعد عرض القانون الأساسي المنظم له على المجلس التشريعي لدراسته والمصادقة عليه.
*قلت إن هناك أولويات عملية للبرلمان من شأنها تغيير واقع تونس والتونسيين، ما القصد من ذلك؟
أعتقد أن من أولويات المجلس اليوم هو تناول ما يهم الشعب مباشرة وكل ما له علاقة بالاقتصاد والقوانين التي تهم إصلاح الوضع الاقتصادي بالأساس. كما أن البيروقراطية الإدارية المقيتة والمفرطة التي يعاني منها الجميع ستكون من أولويات عمل المجلس التشريعي وذلك بعد استكمال المسار السياسي لانتخاب مجلس الأقاليم والجهات سيقع الاعتناء بالمسار الاقتصادي في شموليته. وإذا ما دارت عجلة التنمية في الاتجاه الإيجابي سيكون لها تأثير على الجانب الاجتماعي. ثم أن التعليم العمومي والصحة والنقل والمواصلات والبنية التحتية في كامل جهات الجمهورية تعد مسائل ذات أولوية للبرلمان من خلال الصلاحيات الدستورية له وذلك في دراسة القوانين والمصادقة عليها أو في العمل الرقابي للحكومة ومتابعة مخططاتها وإنجازاتها.
*متى سيكون أول لقاء بين مجلس نواب الشعب والحكومة؟
حاليا بدأت الاتصال برئيسة الحكومة نجلاء بودن في هذا السياق، وسيتم تنظيم لقاءات تنسيقية معها. ونحن من خلال صلاحياتنا الدستورية سنكون في تواصل مع الحكومة لكي يقوم كل طرف بما عليه من التزامات دستورية.
*التزام مجلس نواب الشعب بالتنسيق في مهامه مع الوظيفة التنفيذية، ألا يؤثر ذلك على استقلالية الوظيفة التشريعية ويحد من دورها الرقابي للحكومة؟
كل وظيفة تقوم بصلاحياتها المنصوص عليها في الدستور، لكن مع استقلالية كل وظيفة في القيام بمهامها. والاستقلالية لا تعني القطيعة بين مؤسسات الدولة بل تعني التناغم والانسجام لأن الكل يهدف لخدمة المصلحة العليا للدولة وهذا ما يوجب على الجميع التنسيق في كل خطوة من أجل تغيير كل أوضاع الدولة والمواطن نحو الأفضل.
*هل يتدخل رئيس الجمهورية في البرلمان؟
في الحقيقة، إلى حد الآن لم أشعر بأي جهة من الجهات تدخلت في عمل المجلس، بل أعترف أن ما أقوله في لقاءاتي وكل مناسبة هو نتيجة ما وجدته في لقاءاتي مع رئيس الجمهورية. قد عبر الأستاذ قيس سعيد عن سعادته باستكمال انتخاب مجلس نواب الشعب وعبر أيضا عن مساندته لاستقلالية المجلس التشريعي. وأكد أنه لن يتدخل في العمل التشريعي. وهو يتصرف وفق صلاحياته الدستورية لا أكثر ولا أقل.
*الدبلوماسية البرلمانية التي شكلت أحد أبرز النقاط الخلافية في منظومة ما قبل 25 جويلية 2021، كيف سيكون التعاطي معها وتنظيمها في برلمانكم اليوم؟
أؤكد أننا في هذا البرلمان سوف لن نقوم بالدبلوماسية الموازية للدبلوماسية الرسمية للدولة. لأن المسؤول عن ذلك هي الوظيفة التنفيذية ثم إن العلاقات مع الخارج، وفق الدستور، المسؤول عنها هو رئيس الجمهورية والوزارة المعنية بالعلاقات الخارجية وهي وزارة الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج. صحيح أنني استقبلت عديد السفراء الأجانب المعتمدين في بلادنا وبعض ممثلي المنظمات والهياكل الوطنية والدولية، لكن طلباتهم كانت تصلنا عن طريق وزارة الخارجية وتتم اللقاءات بحضور ممثل عن هذه الوزارة. فالدبلوماسية البرلمانية تقوم على ربط علاقة برلماننا ببرلمانات البلدان الشقيقة والصديقة وتوطيد العلاقة مع البرلمانات الدولية وإعطاء صورة حقيقية عن الوضع القائم في تونس اليوم وفلسفة دستورها الجديد، لاسيما في المغالطات وحملات التشويه الواسعة والترويج لما يتنافى وحقيقة الواقع. فليس هناك أي تناقض في الدبلوماسية في مستوى المجلس التشريعي والناقض لا يوجد إلا في ذهن من يريدون تشويه العلاقات بين مختلف الوظائف.
*هل تقصدون أن البرلمان انخرط في الدفاع عن صورة تونس في الخارج؟
نحن لم نتجاوز دور ومهام هذه المؤسسة ولكننا كنا نطالب باتخاذ مواقف والقيام بتحركات لتكذيب ما يتم الترويج له من صور مغايرة للواقع عن تونس. وطالبنا بتوجيه دعوات للجان برلمانية من الخارج للإطلاع على حقيقة الأوضاع. وهذا دورنا من موقعنا في الدفاع عن بلادنا والتصدي لمحاولات التشويه.
*كيف سيكون الأمر بالنسبة للنواب في هذا الجانب؟
تم تنظيم المسألة وهو أنه إذا ما تمت دعوة أي نائب من قبل أي جهة خارجية فهو يمثل نفسه ولا يمثل المجلس. ولكن رئيس المجلس أو من هو مكلف من رئاسة البرلمان هو من له الحق في تمثيل المجلس.
*بالعودة إلى بعض فصول النظام الداخلي للبرلمان، عبرت بعض الجهات عن استنكارها لـ"سطو" المجلس التشريعي على جانب من صلاحيات مجلس الأقاليم والجهات، فما هو تفسيركم لذلك؟
صحيح أن الطبيعة تأبى الفراغ، ولكن هناك فصل آخر ينص على أن هذه الصلاحيات إلى حين، واخترنا ذلك شكلا لكي لا تتعطل الأعمال ومشاريع القوانين التي تتطلب موقف لغرفتين في للمستقبل مثل قانون الميزانية الذي يجب عرضه على مجلس الأقاليم والجهات قبل عرضه على المجلس التشريعي. وفي انتظار بعث هذا المجلس لا يمكن أن تتعطل مشاريع القوانين وبالتالي فما وقع التنصيص عليه في النظام الداخلي هو في الواقع لتلافي إشكاليات دستورية قد تقع في المستقل القريب.
*ألا تخشون من التأثير السلبي للمبالغة في الاهتمام بصورة البرلمان "الناصعة" على المضمون والأداء وموقع النائب؟
البرلمان اليوم أمام تحد كبير وهو نيل ثقة الشعب وعمله على أدائه سيفرز هذه الصورة التي تقطع مع الصورة المرذلة الموروثة عن البرلمانات السابقة للأسف. وبالنسبة لنا فإن مصداقية العمل البرلماني تحد هام لنا وسنعمل على كسب هذا التحدي على جميع المستويات. وأعتقد أن العمل في الأيام القادمة سيحقق النظرة الإيجابية لعمل المجلس خاصة أننا كنا رفعنا هذا التحدي وبإذن الله سوف نكسبه ونسترد ثقة الشعب التونسي أولا وكل الأطراف سنتعامل معها سواء أكانت مؤسسات رسمية أو مجتمعية ثانيا.
*في ظل تواصل تعليق عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، كيف سيتم التعاطي مع شرط التصريح بالمكاسب بالنسبة للنواب؟
صحيح أن النواب عبروا عن استعدادهم للتصريح بمكاسبهم، لكن هذا الهيكل مغلق الآن. وقد راسلنا رئاسة الحكومة في الغرض وكان جوابها أن هذا الهيكل أعماله لا تزال معلقة وهو يعتبر بمثابة الإجراء المستحيل. فذلك فإن النواب، وحسب النظام الداخلي، بمجرد زوال المانع سيقدمون تصريحا بمكاسبهم.
*في ما يتعلق بالشغورات في البرلمان، هل ستتم الاستجابة لطب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لتأخيرها إلى ما بعد الصائفة؟
في البداية ستتم معاينة الشغورات ومراسلة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات باعتبارها صاحبة القرار في الانتخابات ونحن مستعدون لاستقبال النواب الجدد الذين سيتم انتخابهم لسد الشغورات في أقرب الآجال.
*بعد سحب الفصل المتعلق بالمعارضة في النظام الداخلي، هل سيكون البرلمان دون معارضة؟
لا يخفى على أحد أن الانتخابات التشريعية كانت بنظام الدوائر الفردية في دورتين ولم تشارك في الانتخابات أحزاب باستثناء حزبي "صوت الجمهورية" و"حركة الشعب"، فيما أغلبية النواب هم مستقلون. وبذلك فمفهوم المعارضة في علاقة بالسلطة هي عندما تتقدم أحزاب للانتخابات ومن يحرز على الأغلبية هو الذي يشكل حكومة ومن لم يحرز على الأغلبية ينتقل للمعارضة. لكن هذا النظام الانتخابي الجديد على دوائر انتخابية فردية يجعل النائب يكون أكثر استقلالية وأكثر حرية وله الحق في إبداء الرأي والرأي المضاد أي يمكن أن يساند قانونا ويعارض قانونا آخر. فالمسألة ليست في تصنيف بين مولاة أو قطيعة تقوم على المعارضة. وأعتقد أن هذه الوضعية الجديدة تتماشى مع فلسفة الدستور الجديد وترتب عنها أن النائب اليوم أكثر استقلالية وحرية في مواقفه من القوانين والتشريعات.
*هذا فيما يتعلق بالمعارضة داخل قبة باردو، ولكن هل ترون أنه يمكن بناء حياة سياسية دون معارضة في تونس اليوم؟
كل ظرف سياسي يقتضي وجود تصور سياسي معين. ونحن الآن في وضع ناتج بالأساس عن تكاثر الأحزاب السياسية التي قارب عددها أو تجاوز 240 جسما سياسيا لكنها لم تساهم في تنظيم الحياة الحزبية كما يجب، ثم إن المواطن اليوم يميل إلى الاستقلالية أكثر من التنظّم الحزبي. لكن عندما تتغير الظروف يصبح للحياة الحزبية معنى ويمكن أن تتغير الصورة والرؤية للحياة السياسية والحزبية. فالمعارضة من أجل المعارضة في ظل الظروف الحالية ليس لها معنى.
*هل نفهم من كلامكم هذا أن البرلمان سيكون محطة مفصلية في التأسيس لحياة سياسية جديدة تنظيميا وتشريعيا؟
ما أشدد على قوله هو إن البرلمان الحالي هو أكثر تعبيرة على الإرادة الشعبية بصورة حقيقية مباشرة. لأن أغلب النواب مستقلون وليس لهم رقيب إلا من انتخبهم في دوائرهم. ثم إننا في انتظار أي مبادرة أو مقترح لتنظيم الحياة الحزبية أو غيرها من المجالات الأخرى بما يخدم صورة ومصلحة تونس ويتماشى مع روح الدستور الجديد.
*ما هي علاقة البرلمان بالمنظمات الوطنية وغيرها من الهياكل القطاعية في تونس؟
مجلس نواب الشعب مفتوح لكل المنظمات والهياكل بمختلف اختصاصاتها وتوجهاتها. فمنذ اليوم الأول لمباشرة البرلمان لمهامه استقبلنا عديد المنظمات لتقلي التهاني والتعبير عن حسن النوايا للعمل بما يخدم المصلحة العليا للدولة أذكر من بينها الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والاتحاد الوطني للمرأة التونسية وغيرها من المنظمات والجمعيات وغيرهم.
*بم تفسرون مقاطعة الاتحاد العام التونسي للشغل لقصر باردو إلى حد الآن وحالة الجفاء القائمة بين الطرفين؟
مثلما قلت أبواب المجلس مفتوحة أمام كل من يريد زيارة رئاسته، أو يتعامل معنا ونحن لم نرفع "الفيتو" في وجه أي طرف أو جهة أو فرد إلا من اختار أن يقصي نفسه. لأننا مستعدون لقبول كل الأطراف الفاعلة على الساحة الوطنية والتي تعمل لفائدة تونس والمصلحة الوطنية الشاملة. وقد استقبلنا الكنفدرالية العامة التونسية للشغل ممثلة في رئيسها الحبيب قيزة واتحاد عمال تونس كجهات ممثلة للطبقة الشغيلة.
*تحدث البعض عن دور مجلس النواب الشعب لحلحة الأزمة والقيام بدور الوساطة في "إذابة الجليد" بين الفاعلين السياسيين والمدنيين في تونس على اعتبار أن هذا "التقارب أو الحوار" من شأنه أن يسرع في إخراج بلادنا من الوضع الصعب الذي تمر به؟
في الحقيقة ليس هناك موجب للوساطة، لأن هناك طريق أصبحت واضحة المعالم، ومن هو مستعد للحوار الجدي في سبيل تحقيق المصلحة العليا للوطن فنحن مستعدون للتحاور معه. وأنا لا أرى أن هناك خلافا لكن أرى أن هناك أفرادا وأطرافا غير معترفين بما تم اتخاذه من قرارات لاقت مساندة عريضة من الشعب التونسي تلتها إجراءات احتُرِمَتْ فيها الآجال القانونية وحظيت بترحيب واسع من الشعب التونسي. كذلك تم تنظيم انتخابات تشريعية وكانت مفتوحة للجميع ومن أراد المشاركة عبر عن رأيه وموقفه ومن لم يرد المشاركة كذلك تم احترام موقفه. ولأن الدور موكول إلى مؤسسات الدولة للقيام بوظيفتها بصورة عادية. ومن يمد يده للحوار والبناء نحن مستعدون للتفاعل الإيجابي معه.
*بعد مضيّ الاتحاد العام التونسي للشغل بمعية منظمات أخرى قٌدٌما في هندسة مبادرة "الحوار الوطني" لعرضها على رئاسة الجمهورية، مقابل تأكيد قيس سعيد على أنه لا موجب لذلك في ظل وجود مجلس نواب الشعب، فما هو موقفكم من ذلك؟
سبق أن وضحنا موقفنا من هذه المسألة قبل انتصاب المجلس، وهو أن هذه المبادرة تعد جزءا من طموحات المجتمع التونسي. لأن من بادر بذلك لا يمثل كل أطياف وطموحات المجتمع والدليل أن هناك منظمات عريقة غير موجودة فيها على غرار اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد الوطني للمرأة والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وعدة منظمات لها وزن اقتصادي واجتماعي غائبة عنها أيضا. ثم أنه لكي تكون مبادرة موضوعية يجب أن تعبر عن طموحات المجتمع وكذلك أن تمثل إكراهات الدولة. لأن من يمثل إكراهات الدولة والتزاماتها على مستويين وطني ودولي ولدى المؤسسات المالية العالمية هي الحكومة وهي بدورها غير موجودة في هذه المبادرة. لذلك فهي مبادرة غير متوازنة ولا يمكن أن تشكل بأية حال وسيلة لإخراج البلاد من هذا الوضع.
*هل نفهم من كلامكم هذا أن البرلمان بدوره سوف لن يفتح أبوابه لهذا المبادرة؟
عندما وقع انتخاب مجلس نواب الشعب ومباشرة مهامنا عبرنا عن انفتاحنا لتلقي كل المبادرات والتحاور مع كل الأطراف والجهات خاصة بعد أن استكمل المجلس اليوم كل الهياكل واللجان بما يجعل كل خطوة في الغرض تجد مجالها للتجاوب والتفعيل إذا ما توفرت كل الشروط القانونية والدستورية. وأكرر التأكيد أننا منفتحون على تحقيق المصلحة العليا للوطن وفق ما أقره الشعب ولا نغلق الباب في وجه أحد.
*هل وردت على المجلس مبادرات تشريعية أو مشاريع قوانين، خاصة أن بعض الجهات الحزبية أكدت منذ مدة هذه المسألة؟
إلى حد نهاية الأسبوع المنقضي لم ترد على المجلس أية مبادرة لا حزبية ولا غيرها. وأعتقد أنه خلال الأيام القليلة القادمة سنبدأ في تلقي المشاريع، خاصة أننا وبعد الانتهاء من تركيز الهياكل واللجان راسلنا رئاستي الجمهورية والحكومة في الغرض لأن المجلس أصبح جاهزا لقبول مشاريع القوانين. وقد تواصلت في الغرض مع رئاسة الحكومة وبعض الوزراء وأبدوا استعدادات لمساهمة في إنجاح دور البرلمان ونحن على استعداد لذلك.
*البعض تحدث عن العودة إلى فتح مجموعة من المبادرات والمشاريع القديمة المتخلدة بذمة البرلمان المنحل، فكيف سيتعاطى البرلمان الحالي مع تلك المشاريع القديمة؟
المجلس القديم وقع حله وليس هناك نية للعودة إلى الوراء. لأننا اليوم ننتظر مشاريع جديدة والمجال مفتوح لكل جهة ترغب في ذلك. ثم إن الأولوية ستكون للمبادرات والمشاريع الصادرة عن الوظيفة التنفيذية.
*عديد الجهات تطالب بمراجعة أو تعديل المرسوم 54 وجهات أخرى تطالب بإلغائه، فكيف ترون الأمر؟
كل قانون هو اجتهاد بشري وُضِع في ظرف معين وهو قابل للتعديل. لذلك فكل تعديل سندرسه بصورة دقيقة ونحن مستعدون لقبول مقترحات تعديل في الغرض. وإذا ما رأينا جدوى في تعديله سيتم عرضه على مجلس النواب للمناقشة والتصويت وسيقع العمل بالقانون الجديد.
*ماذا عن قانون الميزانية الذي كثر الحديث عنه وعن طرح مسألة استقلالية البنك المركزي في مقترحات تشريعية على البرلمان؟
مثلما قلت إلى حد الآن لم ترد على إدارة المجلس أي مبادرة تشريعية. ولكن نحن اليوم على استعداد تام لاستقبال ودراسة ومناقشة كل مشروع. ثم أننا في تناول مثل المشاريع أو القوانين سنستعين بخبراء في المجال قبل عرضها على الجلسة العامة للمناقشة والصادقة ثم تقديمها إلى رئاسة الجمهورية للموافقة عليها طبقا للإجراءات القانونية والدستورية.
*متى سيتم الحسم في المحكمة الدستورية التي يرى العض أنها أولوية البرلمان اليوم؟
ننتظر القانون الأساسي للمحكمة الدستورية، وعندما يرد علينا سيكون محل أولوية في النظر وستقع دراسته بعد المصادقة عليه وإرساله إلى رئاسة الجمهورية لاستكمال إجراءات إصداره.
*مسألة الحريات ووضع الإعلام اليوم ألا تعد أولوية أيضا؟
أعتقد أن أهم ما تحقق في تونس ما بعد 14 جانفي 2011 هي حرية الإعلام. لذا أعتبر الإعلاميين في الصفوف الأمامية لإصلاح الوضع والوطن. ثم أن هناك مسألة لا تدع مجال للشك وهو أن كل ما يدعم الحريات والجانب الإيجابي للإعلام سأكون معه وأدعمه دون قيد أو شرط. لأن كل عمل فيه ما هو إيجابي وما هو سلبي. وسبق أن استقبلت صحفيين وممثلي مؤسسات وهياكل إعلامية. وأنا حريص على أن تواصل التفاعل الإيجابي في المستقبل. ثم أننا سعينا لتنظيم الحضور الإعلامي في البرلمان على خلاف الفوضى التي كانت تخيم في السابق.